لجريدة عمان:
2024-11-23@15:25:46 GMT

التطرف من النهر إلى البحر

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT

لقد تجاوزت الحصيلة التي تم الإعلان عنها للقتلى الفلسطينيين في غزة حتى الآن 25 ألف قتيل، ولا تظهر في الأفق أي إشارة على وقف القتال كما لا يوجد وضوح بشأن الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل مع تزايد حدة المناقشات حول ما الذي يتوجب فعله بعد انتهاء الحرب في نهاية المطاف. لقد كثّفت الولايات المتحدة الأمريكية من تصريحاتها التي دعت من خلالها الى بذل المزيد من الجهود من أجل التوصل لحل الدولتين، وهي سياسة الاتحاد الأوروبي نفسها ومعظم المجتمع الدولي لسنوات عديدة، كما تهدف مبادرة السلام العربية إلى إقامة دولتين للشعبين اللذين يقيمان بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أعلن مرة أخرى معارضته الصريحة، حيث قال: «لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن ــ وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية». إن هذا الطرح يؤكد ظنون الكثيرين منذ فترة طويلة أن سياسات نتانياهو لسنوات عديدة سعت لتعطيل أي تحرك من أجل التوصل لحل الدولتين وهي السياسات التي نجحت إلى حد كبير.

للأسف فإن أنصار حل الدولتين لا يشغلون موقعًا مهيمنًا ضمن الخطاب العام الحالي سواء في إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية، ومع احتدام الحرب زادت حدة المشاعر. إنَّ هناك شعورًا متزايدًا بالعداء المتبادل مع اهتمام لا يكاد يذكر باحتمالات السلام على المدى الطويل، لكن هذا سوف يتغير في نهاية المطاف، مما قد يسمح بأشكال أكثر بناءة من الخطاب.

إن من المؤكد أن الانتقال من الحرب الحالية نحو مستقبل الدولتين لن يكون بالأمر السهل، ولابد من تسوية قضايا الحدود، إلى جانب وضع القدس (وربما هو الجانب الأكثر حساسية في النزاع بالنسبة لكلا الجانبين) كما تظل المستوطنات اليهودية غير القانونية الواسعة النطاق في الأراضي المحتلة واحدة من أكبر العوائق التي تعترض تحقيق تقدم وأكثرها وضوحًا.

لكن حل الدولتين في نهاية المطاف ليس حلاً لا يمكن تصوره أو حدوثه كما يشير المنتقدون، بل على العكس من ذلك فهناك الكثير من المخططات التي تم وضعها بالفعل، حيث نشرت مؤسسة راند الأمريكية للأبحاث قبل بضع سنوات موجزًا بحثيًا يتضمن رؤية لمدن فلسطينية على شكل «قوس» تربطها سكك حديدية حديثة بكل من غزة في الجنوب وميناء حيفا في الشمال.

إنَّ المشكلة بطبيعة الحال هي أن حل الدولتين ليس هو الحل الوحيد المتاح، وعلى أقصى طرفي الطيف السياسي الإسرائيلي والفلسطيني، فإن الخيار المفضل هو إنشاء دولة واحدة «من النهر إلى البحر»، وحسب من هو الجانب الذي سوف ينتصر، فإن هذا يعني إما دولة فلسطينية تحل مكان (وبالتالي تقضي على) دولة إسرائيل، أو دولة يهودية رفضت فكرة إقامة دولة فلسطينية في المنطقة.

نعم، من الناحية النظرية، يمكن للمرء أيضًا أن يتصور وجود دولة واحدة يعيش فيها اليهود والفلسطينيون بسلام معاً في ظل نظام سياسي ديمقراطي يضمن حقوقًا متساويةً للجميع، ولكن من الناحية العملية، ربما يستغرق تحقيق هذه النتيجة قرونًا من الزمن، وبما أنه ليس لدينا كل هذا الوقت، فإن مثل هذا الحل غير ذي صلة في واقع الأمر.

إن نسخة حماس بشعار «من النهر إلى البحر» لا يمكن أن تنجح أيضًا فإسرائيل لا تتمتع بالحق في الدفاع عن نفسها فحسب، بل إن وجودها يحظى كذلك بدعم قوي من جانب المجتمع الدولي، فضلاً عن قسم كبير من العالم العربي، وبينما يستمر الجناح العسكري لحماس في الدفاع عن خياره، يتحدث قادة حماس من السياسيين في بعض الأحيان عن قبول وقف إطلاق النار طويل الأمد («الهدنة»)، وهو ما يعني ضمنًا الاعتراف الفعلي بـ«الكيان الصهيوني».

إن النسخة الإسرائيلية المتطرفة من عبارة «من النهر إلى البحر»، التي يفضلها الآن صراحة عناصر في حكومة نتانياهو، تدعو إلى اتخاذ تدابير «لتشجيع» أكثر من 5 ملايين فلسطيني يعيشون في غزة والضفة الغربية على الرحيل، ومع استمرار حرمان القلة المتبقية من حقوقهم السياسية، فإن النتيجة ستكون دولة مبنية على مزيج من التطهير العرقي والفصل العنصري الصريح، ولكن هذا المسار من شأنه أن يؤدي في الأرجح إلى تجدد أعمال العنف والصراع، وهو ما من شأنه أن يغرق المنطقة في المزيد من الفوضى.

وفي حين أعرب نتانياهو عن معارضته لحل الدولتين، فإنه لم يلمح على الاطلاق إلى النتيجة التي يفضلها، ومع افتقاره إلى أي اتجاه وانتقاله من أزمة إلى أخرى، فإنه -سواء عن قصد أو بغير قصد- يأخذ إسرائيل إلى طريق الدولة الواحدة التي يفضلها أكثر حلفائه تطرفًا، وبالتالي يبتعد أكثر فأكثر عن السلام المحتمل.

ونظرًا للبدائل -التي لا يمكن حتى أن نطلق عليها «حلولًا»- فإن نتيجة حل الدولتين تظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق من أجل تحقيق السلام، وبمجرد انتهاء الحرب الحالية (كلما كان ذلك أسرع، كلما كان ذلك أفضل)، فلا بد أن تركّز كل الجهود الدبلوماسية وجهود إعادة الإعمار على إعادة المنطقة إلى مسار الدولتين علمًا أنه ستكون هناك مقاومة من جانب الذين يهتفون «من النهر إلى البحر»، ولكن المرء يأمل بأن تكون الغلبة في نهاية المطاف للمعتدلين من الطرفين بدعم من لاعبين رئيسيين مثل: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وهم وحدهم قادرون على القول بشكل ينطوي على المصداقية بأنهم يعرفون الطريق الذي سيؤدي إلى تحقيق السلام.

كان كارل بيلت وزيرا لخارجية السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيسا للوزراء من عام 1991 إلى عام 1994، وشغل منصب المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: من النهر إلى البحر فی نهایة المطاف حل الدولتین

إقرأ أيضاً:

مفهوم (حل الدولتين) فوق الطاولة وتحتها

مفهوم ( #حل_الدولتين ) فوق الطاولة وتحتها

أ.د رشيد عبّاس

يبدو أن مفهوم حل الدولتين مفهوم غير واضح وغير متفق عليه حتى اللحظة, وطالما انه مفهوم غير واضح وغير متفق عليه, نرى أنه يتقدم خطوة للأمام ويعود للخلف خطوتين, ولكي يتقدم للأمام لابد لهذا المفهوم أن يأخذ نفس الأبعاد السياسية عند جميع الأطراف المعنية, وخلاف ذلك سنبقى نراوح في نفس الدائرة دون تقدم.

اعتقد أن مفهوم حل الدولتين في الجانب العربي له وجهان, وجه فوق الطاولة وآخر تحتها, وبغض النظر عن تصنيف الدول العربية في هذا الاتجاه, إلا أن بعض الدول العربية ترى ضرورة وقف فكرة المقاومة من اجل بحث حل الدولتين, في حين أن الدول العربية الأخرى ترى أن استمرار المقاومة هي الطريق الوحيد لحل الدولتين, وهناك إشارة أن السلطة الفلسطينية في هذه الحالة تتبنى فكرة الدول العربية التي ترمي إلى وقف المقاومة من اجل بحث حل الدولتين.

مقالات ذات صلة ترامب أسوأ كوابيس الأردن 2024/11/19

في المقابل نجد أن مشكلة إسرائيل في مفهوم حل الدولتين تقع في تفريغ الجغرافيا من أهلها الشرعيين, ومن اجل ذلك حشدت إسرائيل منذُ زمن بعيد لهذا المفهوم حيثيات كثيرة جداً عند كل من الأمريكان والغرب حق الوجود في فلسطين, والذي يؤكد ذلك ما صرح به دونالد ترامب مؤخراً أثناء دعايته الانتخابية وقبل الانتخابات الأميركة بفترة وجيزة من الزمن والذي جاء فيه: “أن إسرائيل دول صغيرة المساحة” وقد كشف بذلك الوجه الحقيقي لمفهوم حل الدولتين عند الساسة الأمريكان.

وتجدر الإشارة هنا أن مفهوم حل الدولتين عند الفلسطيني الذي يعيش في مخيم لاجئين في غرفة متواضعة تحت ظروف معيشية قاسية وصعبة للغاية, يختلف تماماً عن مفهوم أولئك الذين يتنعموا بقصور وغرف مكيّفة ومزوّدة بكل مزايا الرفاهية, وأن مفهوم المقاومة عند الباعة الفلسطينيين المتجولين على بعض الطرقات تحت أشعة الشمس الحارقة صيفاً وتحت الأمطار الشديدة شتاءً من اجل لقمة العيش, يختلف تماماً عن مفهوم المقاومة عند أولئك الذين يتمتعوا برغد الحياة.

من الصعوبة بمكان حل الدولتين والحال هكذا من التباينات, وأن أساس هذه التباينات يقع في محورين, المحور الأول يتمثل في التباينات حول مشروعية المقاومة, والمحور الثاني يتمثل في التباينات حول جغرافيا فلسطين المحتلة, وبكل صراحة فإننا نجد أن هذه التباينات اخذت تتسع نتيجة للتدخلات الخارجية, ولحصر هذه التباينات لا بد من جلوس كل من الإسرائيليين والفلسطينيين معاً برعاية أردنية فقط على طاولة واحدة مستديرة وإجراء حوارات ومناقشات جادة حول (المقاومة) و(الجغرافيا) تفضي إلى توافقات وحلول عادلة يقبل بها جميع الأطراف, ومن ثم تأخذ صفتها الدولية.

لماذا الأردن؟

الأردن يمارس مسؤوليته تجاه المقدسات في القدس انطلاقاً من الوصاية الهاشمية التاريخية عليها, فقد ارتبط الهاشميون جيلاً بعد جيل بعقد شرعيّ مع تلك المقدسات, فحفظوا لها مكانتها, وقاموا على رعايتها, مستندين إلى إرثٍ ديني وتاريخي, وارتباطٍ بالنبي العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وسلم.

ثم أن الأردن الأقرب لفلسطين وشعبها في نضاله من اجل الحرية والاستقلال, وهوه الداعم والمساند الأول للحقوق الشرعية والتاريخية والقانونية للفلسطينيين في جميع الأوقات والظروف الصعبة, وأن القضية الفلسطينية بالنسبة للأردن في سلم الأولويات, ويسعى الأردن دوماً في جميع المحافل إلى حل الدولتين لحيصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية. 

 الأردن في جميع تحركاته ومساعيه السياسية تجاه (حل الدولتين) كان وما زال يضع جميع أوراقه فوق الطاولة, وليس ادل على ذلك من طريقة تعامله الواضحة والصريحة مع كثير من التحركات السياسية غير العادلة في المنطقة.

مقالات مشابهة

  • تحديات خطيرة في كابادوكيا
  • مخلوق بحري كثيف الشعر يظهر على شواطئ دولة أوروبية.. ما هو فأر البحر؟
  • ما الدول التي يواجه فيها نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال وما تبعات القرار الأخرى؟
  • المنسق الأممي: حل الدولتين لا يزال يحظى بإجماع عالمي
  • المنسق الأممي: حل الدولتين لا يزال يحظى بإجماع دولي
  • إدارة التوحش من داعش إلیٰ مليشيا آل دقلو!!
  • عيدروس الزبيدي يستبعد تحقيق سلام في المنطقة بسبب الحوثيين ويلتقي مسئولين من روسيا وأسبانيا
  • مفهوم (حل الدولتين) فوق الطاولة وتحتها
  • كوريا الجنوبية تؤكد دعمها جهود تحقيق السلام في اليمن
  • واشنطن تحمل الحوثيين مسؤولية فشل مفاوضات السلام في اليمن