هوامش ومتون :الغزّي.. غادرنا ولم يغادر طفولته
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
حين رأيناه غارقا في دوّامة الحزن بعد رحيل زوجته، سألنا الشاعر د.محمد الغزّي الذي غادر عالمنا الأسبوع الماضي في مدينته القيروان عن عمر يناهز الـ75 سنة: لماذا لا تغيّر البيت وتخرج من الأجواء التي تجعلك حبيس دوائر الحزن؟ أجاب: لست باقيا، فلماذا أغيّر المكان؟ كنا نظنّه يعني أنّه غير باقٍ في سلطنة عُمان، فكثيرا ما كان يردّد بعد وفاة زوجته، أّنه يفضّل العودة إلى بلده تونس، لعلّه يجد ما يشغله بتفاصيل الحياة، فينسى جروح الروح، وهذا ما جرى بالفعل عندما قدّم استقالته لرئاسة (جامعة نزوى) التي عمل فيها سنوات، رغم أنها جدّدت عقد عمله فيها أستاذا لمادّة النقد الأدبي، وتمسّكت به، لكنّه أصرّ على تقديم الاستقالة، فكلّ ما في البيت، ونزوى، وسلطنة عُمان، يذكّره بزوجته التي فقدها بعد رحلة عمر دامت أربعين عاما، كما كان يردّد، لذا لم أفاجأ عندما كلّمني أيام اشتداد الجائحة 2020م، وتوقّف الطيران طالبا البحث عن رحلة إلى تونس، وتمّ له ذلك، بمساعدة عدد من الإخوة في وزارة التربية والتعليم، وجهود الصديق الشاعر إبراهيم السالمي، حيث أدرج اسمه مع المسافرين المتوجّهين إلى تونس ضمن رحلة مخصصّة للمعلّمين العائدين لبلادهم، ذلك الصيف الساخن، الذي كادت أن تتوقّف به عجلة الحياة اليومية تماما، بعد تفشّي الجائحة.
يومها لم يخطر ببالي البُعد المخيف لجوابه، فقد ظنّنته يعني أنه سيعود إلى (القيروان) التي يحبّ ليجد فيها الدواء الشافي لشدّة الوجد، والفقد، ويبدأ حياة جديدة، وبعد وصوله تونس بقيت على تواصل معه، إذ استأنف نشاطاته في الحياة الثقافية التونسيّة، وكان يكتب بشكل يومي، وينشر ما يكتب في صفحته بالفيسبوك، والصحف المحلية والعربية، لكنه، كما كان يصرّح لي باستمرار، حين يضع القلم جانبا، يعود الألم سيرته الأولى، وتحاصره الوحشة والوحدة، وذات يوم سألته إن كان قد استقرّ في تونس ولا يفكر بالعودة إلى سلطنة عُمان، أو مكان آخر، فأجابني مستشهدا بقصيدة المتصوف الحلّاج:
طلبتُ المستقرّ بكل أرضٍ
فلم أرَ لي بأرضٍ مستقرّا
وذقتُ من الزمان وذاق مني
وجدت مذاقه حلوا ومرّا
فعرفت أنه لم يغادر منطقة الألم، وكنت أعرف انبهاره بشعر المتصوفة، حتى أن الشاعر عبد العزيز المقالح قال عن شعره «كلّ بيت من شعره يحمل شحنة عميقة ومكثّفة من الدلالات الصّوفيّة وينقل القارئ إلى عالم يقترب ليبتعد ويبتعد ليقترب، عالم يتطوّر من الدّاخل، ترتجف فيه النفوس وتقف حائرة متأمّلة تزجي المدائح وتواصل الأسفار والاشتعال».
وظل يواصل اشتغالاته، مداويا جرحه الشخصي بالكتابة، وطالت إقامته في منطقة الفقد، وظلّ مخلصا للشعر الذي وجد به متنفّسا لألمه، وكان يكتب بغزارة ويكفي أن آخر منشور له كان الإعلان عن قرب صدور ديوان جديد له حمل عنوان «الجبال أجدادي..الأنهار إخوتي»، وبعد ساعات قليلة، وبشكل مباغت داهمه الموت.
وحين قرأت خبر رحيله الصادم لي ولكل محبيه، استذكرت لقائي الأول عام 1983 في البصرة خلال مشاركته بمهرجان المربد الشعري، وأهداني نسخة من ديوانه الأوّل «كتاب الماء، كتاب الجمر» الصادر سنة 1982، وحضرت عرض مسرحيّته «المهرّج والمرآة» التي قدّمها الفنان كاميرون رؤوف على قاعة منتدى المسرح عام 1984م، وحدّثته عنها، فعلت وجهه ابتسامة طفوليّة، فقد ظلّ محافظا على طفولته، متشبّثا بها في كتاباته التي كتبها للكبار، يقول الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي عنه «يتكلّم محمّد الغزي بلهجة طفل» وكذلك للصغار، فقد كتب الكثير من النصوص للأطفال، هذه الكتابات أهّلته للفوز بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في 2015م لكنّه خلف وجهه الطفولي كان يختبئ حسّ بالفجيعة والفراق والموت، تجلّى في شعره، يقول في قصيدة نشرها في ديوانه (كثيرٌ هذا القليل الذي أخذتُ) الصادر في عام ١٩٩٩م:
إني ملأتُ الأرضَ فلتسألْ إذن
ماذا تكونُ الأرضُ بعد فِراقي
فأنا عقدتُ على ثراها رايتي
وأقمتُ فيها دولةَ العُشّاقِ
وغدًا سيمضي العاشقونَ جميعُهم
وأظَلُّ في الأرضِ المُحِبَّ الباقي!
وسيبقى صوت الغزّي المحبّ للجمال باقيا بيننا، فهو لم يغادرنا، مثلما لم تغادره طفولته لآخر لحظة في حياته.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
بيل غيتس يتحدث عن طفولته في كتاب مذكراته Source Code ومعاناته مع المخدرات
قرر المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت، واحد أثرياء العالم بيل غيتس مشاركة قصة حياته من الطفولة للنجاح في كتاب مذكرات يحمل اسم Source Code
اقرأ ايضاًابنة بيل غيتس وزوجها الفارس المصري يرحبان بمولودتهما الثانية..ويكشفان عن اسمهابيل غيتس يتحدث عن طفولته في كتاب Source Codeأكد الملياردير الأمريكي أنه عاش طفولة جيدة بسبب معاملة والديه وأصدقائه في مرحلة الطفولة والشباب، وقال في تصريحات لمجلة بيبول "وضعني والداي وأصدقائي الأوائل في موقع يمكنني فيه أن أحظى بحياة رائعة"، ولهذا اعتقد أن "التفكير في ذلك سيكون مفيدًا لي".
سيتطرق غيتس في مذكراته للحديث عن التحديات والانتكاسات التي واجهها، بالإضافة إلى مراحل وقصص صادمة وغير متوقعة من شبابه، مثل تجربته مع عقار LSD.
وبالرغم أن غيتس يُعرف عالميًا بصفته رجل أعمال بارزًا، وفاعل خير، وأحد أغنى الأشخاص في العالم، إلا أن المذكرات تكشف عن جوانب من حياته ربما يجهلها الجمهور.
تفاصيل مذكرات بيل غيتستعتبر هذه المذكرات الجزء الأول من 3 أجزاء للكتاب، وتركز على طفولة غيتس وشبابه في سياتل.
تغطي المذكرات الفترة التي سبقت اللحظات المهنية البارزة في حياته، مثل تأسيس مايكروسوفت وزواجه من ميليندا فرينش غيتس وإطلاق مؤسستهما الخيرية الدولية. سيتم تناول هذه المحطات في الأجزاء القادمة.
تفاصيل من حياة بيل غيتس الشخصيةيناقش غيتس في Source Code، نشأته كطفل شكل تحد لوالديه، حيث اضطروا لإدخاله في جلسات علاج نفسي وهو في الثانية عشرة من عمره.
كما يتناول صراعاته مع الإشارات الاجتماعية وسلوكه الذي يصفه أحيانًا بـ"الفظ". ويعترف بأن تلك الصفات ربما كانت تشير إلى كونه كان يعاني من طيف التوحد، وهو أمر لم يُفهم بشكل واسع في زمن طفولته.
يشارك غيتس لحظات إنسانية صادقة، منها مواجهته صعوبات التعلم في المدرسة، وحصوله على درجة "B" في الصف التاسع بعدما ظن أنه حصل على درجات كاملة. كما يناقش رسائل تبادلها مع والده، تضمنت مشاعر القلق تجاه القرارات المهنية لوالده.
يتحدث غيتس بصراحة عن تجربة تعاطي المخدرات في شبابه، مثل الماريجوانا وعقار LSD، وكفاحه مع الضغط الاجتماعي لتجربة أشياء جديدة.
تُعتبر المذكرات وسيلة لغيتس لتسليط الضوء على تأثير والديه وأصدقائه الأوائل، الذين كانوا جزءًا من رحلته في التحول إلى أحد أهم الشخصيات في الثورة الرقمية. كما أنها فرصة لأولاده الثلاثة للتعرف بشكل أعمق على أجدادهم وإرث عائلتهم.
موعد صدور كتاب Source Codeمن المقرر أن يصدر الكتاب يوم الثلاثاء 4 فبراير المقبل.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
هيا أبو جبارة محررة في قسم باز بالعربيمحررة في قسم باز بالعربي
الأحدثترند بيل غيتس يتحدث عن طفولته في كتاب مذكراته " Source Code" ومعاناته مع المخدرات شوربة العدس على الطريقة التركية مرض فيبروميالجيا أو الألم العضلي الليفي: الأسباب، العلاج توقعات الأبراج لشهر فبراير/ شباط 2025 تفسير الاحتفال باليوم التأسيس السعودي في المنام Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTubeاشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter