لجريدة عمان:
2024-07-08@07:35:01 GMT

روافد الأخبار «1»

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT

ما زال حديثي عن الخطوات الأولى لتجربتي المهنية في وزارة الإعلام، في النصف الأول من الثمانينيات، بدءًا من دائرة الأخبار بالإذاعة، وقد تناولت قسم التحرير، وأواصل اليوم عن الروافد التي تغذّي نشرة الأخبار، وأبدأ بأول الروافد وهو قسم الوكالات. وليس المقصود هنا الوكالة كمؤسسة، وإنما هي غرفة كبيرة نسبيا تحوي الوكالات التي تشترك فيها إذاعة سلطنة عُمان.

.. فكل جهاز في هذا القسم يتبع وكالة بعينها... هي أجهزة تلكس كهروميكانيكية واسمها العربي -حسب جوجل- المبرقة الكاتبة، التي يعود اختراعها إلى القرن التاسع عشر، وتم تطويرها في الربع الأخير منه. ورغم أنها تسمى مبرقة إلا أنها لا تبرق من هنا وإنما تستقبل فقط، ولكن بها إمكانية الإرسال والاستقبال.

.. غرفة الوكالات هذه شديدة البرودة حفاظا على الأجهزة.. تصدر منها أصوات الطابعات التي تعمل كلما جدّ خبر. فأحيانا قد تسكت كلها، وقد تعمل واحدة أو أكثر وربما عملت معظمها دفعة واحدة بوجود خبر عاجل، وكأنها تنادينا بأن خطبًا ما يحدث الآن في مكان ما من العالم.. وللغرفة رائحة خاصة تنبعث من تلك الأجهزة، يبدو أنها رائحة زيت ملين للطابعات أو الأحبار.

هنا بدأتُ التعرف على مفهوم وكالات الأنباء، وما تبثه، والديباجة التي تبدأ بها إرسالها سواء على مستوى اليوم أو لكل خبر، وأن لكل وكالة اسما مختصرا من حروف أو كلمات، فمثلا «أ.ش.أ» تعني وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية و(واس)= السعودية.. كونا= الكويتية.. إيتار تاس= الروسية، أما «رويترز»، التي تأسست نهايات القرن 19 والتي أخذت اسمها من مؤسسها، فقد تكون الأشهر عالميا لدرجة أن تدخل في الأمثال الشعبية كناية عمن يتكلم أو يثرثر أو يحمل أخبارًا كثيرة، وتحمل «رويترز» تاريخا كبيرا ومثيرا، بدءا من تغيير ديانة مؤسسها من اليهودية للنصرانية، واستخدامها أسراب الحمام الزاجل، وقوة انتشار مراسليها ومذيعيها حول العالم.. ولاحقا ظهرت العمانية= وكالة الأنباء العمانية.

موظف الوكالات هنا، لا يتوقف عن مراقبة كل جهاز وكأنه كائن حي، أشبه بمن يعتني بنباتات الزينة في منزله. فيطمئن على كفاءة عملها، وتوفر أوراقها، التي يقطعها ويصنفها حسب نوع الأخبار من تلك الأجهزة التي تسكب أخبارها على ورق من عدة نسخ بالألوان، على هيئة لفافة تشبه ورق محارم المطبخ (role) فحبرها وأوراقها يجب أن تكون متوفرة بكميات تكفي أياما طويلة قادمة، حتى لا يتوقف هذا الرافد. النسخة الأولى باللون الأبيض لتحرير النشرة، فيما تتوزع النسخ الأخرى بين بعض البرامج وفي مقدمتها برنامج (العالم اليوم) الذي يقدم تحليلا يوميا موجزا لأهم قضايا الساعة، وما يعرف بالنشرة الخاصة التي ترسل للوزير متضمنة ما لا يذاع في النشرة مهما كانت حساسيته، ويمكن أن يَعزل بعضها وديّا ليخص به بعض الزملاء من معدين ومذيعين، كما يستطيع -لو شاء-، أن يخبئ في جيبه نسخة من أي خبر أو تقرير محظور، ليستمتع بقراءته في البيت، فيما يذهب الكم الكبير المتبقي إلى أكبر سلة مهملات في الإذاعة.

في زيارة لإحدى الإذاعات وجدنا في قسم بعيد عن الأخبار، كمًّا هائلا من هذه الأجهزة، ولكن معظمها من دون اشتراك (هكذا قال لنا موظف منهم) أي أنها نوع من القرصنة، فالوكالات تُلتقط بموجات لاسلكية كما تلتقط محطات الإذاعات تقريبا. لم يكن في ذلك الوقت قد شاع مصطلح الملكية الفكرية، فكل يعمل بشطارته أو تحايله أو ضميره، وينسحب ذلك على أشرطة الكاسيت المقلدة أو الأسطوانات أو الفيديوهات التي أتت لاحقًا، والإصدارات الورقية.

ونظرا لإمكانية الطباعة على نفس الجهاز، فلم يخلُ جو العمل من بعض المقالب، كأن يقوم موظف بطباعة خبر يعطيه العناصر الثابتة نفسها ويفبرك حدثا مثيرا أو مضحكا على أحد الزملاء، لدرجة أن انطلت على أحدهم وشعر بالفخر ورأيناه يأخذ الخبر ليحتفظ به تذكارا.

الرافد الآخر لنشرة الأخبار، هو (قسم الرصد) الذي يلعب دورًا مهما في تغذية طاولة التحرير ببعض الأخبار، خاصة التي يراد أن تؤخذ من مصادرها، سواء كإذاعات موثوقة أو تعد بلدانها بؤر أحداث، فكانت تتكرر في النشرات عبارة (ذكرت إذاعة كذا أو أعلنت إذاعة كذا).. قسم الرصد هذا عبارة عن عدة «كابينات» مفتوحة، في كل منها جهاز راديو وجهاز تسجيل ماركة «ريفوكس» بشريط من بكرتيْن كما هو حال باقي أجهزة التسجيل والتشغيل آنذاك، فبعد أن يقوم الموظف المناوب بتسجيل نشرة أو أكثر بطلب من التحرير أو بمبادرة منه، يبدأ بتفريغ موجز النشرة كتابيا بطريقة يدوية بوضع سماعة الأذن في رأسه، فإن كان يكتب باليمين فإصبعان من يده اليسرى على لوحة المفاتيح بين زرّيْ التشغيل والإيقاف، أو بأن يضع يدا على الشريط وأخرى يمسك بها القلم ويتحكم بدوران الشريط بيده وكأنها فرامل يرخي بمقدار أن يسمع كلمة أو جملة ويقوم بكتابتها ثم يستأنف، وهكذا، وأعتقد أن هذه الطريقة فيها بعض العنف على الجهاز، ولكنها الطريقة الأضبط والأسرع، كما أن من ميزات هذه الأجهزة إمكانية التحكم في سرعة الصوت بشكل مفتوح، وليس على السرعات الثلاث الأشهر، التي تشبه الخدمة التي ظهرت مؤخرا في تطبيق الواتساب بتسريع الرسالة الصوتية. ويجب على ملتقط الأخبار، أن يكون دقيقا في النقل خاصة مع ضعف صوت بعض الإذاعات أو تشويش الإذاعات الأخرى؛ لأن الالتقاط يتم على الموجتين المتوسطة والقصيرة، وقد يضطر للاستعانة بزميل لتفنيد كلمة أو مصطلح.. يتوجه هذا الملتقط برؤوس أقلام الموجز إلى رئيس التحرير ليختار أي خبر من النشرة، وكلما أخذ شيئا من أخباره كان الملتقط أكثر سعادة، وإذا لم يؤخذ شيء منها قد يشعر ببعض الإحباط، أو يعتب عليه تفويت مثل هذا الخبر أو ذاك.. وعلى أحد الجدران علقت لوحة كبيرة بها أوراق تحوي قائمة بخط يد جميل بأسماء الإذاعات وأوقات النشرات فيها وذبذبة كل إذاعة.. تم إلغاء هذا القسم بطريقة مفاجئة وتحويل موظفيه إلى قسم رصد آخر استحدث في التلفزيون. آلمني أن تفقد أخبار الإذاعة قسما كهذا!

كل النشرات والمواد السياسية يفترض أن ينتهي بها المطاف في ملفات الأرشيف الذي يعد ذاكرة الأخبار المكتوبة، مثلما تشكل المكتبة الفنية الذاكرة المسموعة.. كنت ألجأ إلى هذا الأرشيف وأستفيد منه في استرجاع بعض الأخبار، لربط الأحداث الجديدة بخلفياتها، وأشعر بمدى سعادة بعض الزملاء والزميلات في هذا القسم عندما نطلب منهم خدمة كهذه لشعورهم أن هذا المكان ليس مجرد مخزن منسي لأوراق بالية.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

المركز المسيحي الإسلامي يُنظم ورشة للكتابة الصحفية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظم المركز المسيحي الإسلامي للتفاهم والشراكة اليوم بالتعاون مع مركز جسور الثقافي التابعان للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية، ورشة عمل حول "الكتابة الصحفية"، بحضور المطران الدكتور منير حنا، مدير المركز المسيحي الإسلامي ورئيس الأساقفة الشرفي، بمقر المركز المسيحي الإسلامي بالزمالك. 

هدفت الورشة إلى تعليم المشاركين بأساسيات الكتابة الصحفية السليمة، حيث قدم الصحفي محمد الأحمدي، مسئول الملف القبطي في احدى الصحف اليومية، شرحًا وافيًا لهذه الأساسيات من خلال ثلاث نقاط رئيسية، وتتلخص في كيفية أن تكون صحفيًا ناجحًا، وآلية العمل داخل صالات التحرير، بالإضافة إلى التدريب العملي على كتابة الخبر الصحفي والبيانات.

أثنى المشاركون في الورشة على الفائدة التي حققوها من خلالها، حيث شهدت الورشة مشاركة واسعة من المهتمين بتطوير مهاراتهم في الكتابة الصحفية، مؤكدين أنها ساعدتهم على فهم أساسيات الكتابة الصحفية بشكل أفضل، واكتساب مهارات جديدة في كتابة الأخبار الصحفية وكتابة البيانات.

4dd06153-a63c-4a42-97dc-7c53340fcd25 3bd5f243-bc7e-4100-91d1-9301a554d07c 72e4856b-2df9-40bc-83d0-1e6908ac38a7 665a1224-3d78-4136-8026-19db3f6fc557

مقالات مشابهة

  • اجتماع أمني في عدن يشدد على قطع دابر الفتنة وضبط خلايا الإجرام والإرهاب
  • لـ خفض قيمة الفاتورة.. نصائح لترشيد استهلاك الأجهزة المنزلية للكهرباء
  • مقدمات نشرات الأخبار المسائية
  • ضبط 37 ألف مخالفة مرورية متنوعة
  • العرفي: الميزانية العامة جاهزة وستعرض على مجلس النواب لإقرارها
  • قرار قضائي حول السائق المتهم بسرقة حقيبة أجنبي في البساتين
  • الذكاء الاصطناعي في مواجهة انتشار الأخبار الزائفة
  • السلطة المحلية في تعز تبارك ضبط خلية التجسس الأمريكية الإسرائيلية
  • المركز المسيحي الإسلامي يُنظم ورشة للكتابة الصحفية
  • حماس: هذه الأخبار مفبركة