لجريدة عمان:
2024-12-25@07:55:48 GMT

من يتذكر توفيق صايغ؟

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT

ليس من المفروض أن تكون هناك مناسبة حتى أكتب عن الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ، نعم هذا ليس عيد ميلاده ولا ذكرى رحيله، وليس هناك كتاب جديد له طبع بعد موته من قبل محبين؛ لأحتفي به، وليس هناك مركز ثقافي بُني باسمه، ليذكرني به، أكتب عن توفيق احتراما وتكريما لصاحب تجربة شعرية مهمة، وأول من كتب قصيدة النثر في العالم العربي، لم يكترث لها سوى القلة، ممن يحترمون حق الشاعر في أن يكون نفسه، وروحه وسياقه، وكان توفيق نفسه وخياره الشعري والفكري، آمن بالمسيح واستخدم أساطيره الغريبة، أدخل مفردات حوشية في نصوصه الشعرية، واحتفى بالشامتين والشاتمين من النقاد والقراء ونشر الشتائم على أغلفة كتبه، استهتارا وسخرية، وصف جمهور الشعر بالكلب، ذاهبا إلى قصيدة مختلفة وبعيدة ومركبة مكتفية بثقتها بنفسها.

لا آباء لتوفيق شعريا وحياتيا سوى المسيح بتعاليمه وسيرته وفدائيته، ولا أتباع أو مريدين له، أو متأثرين واضحين، أحب سيرة توفيق، أعشق عزلته وثقته بقدرته وقدرة قصيدته على التخلي عن العالم، حياته تشبه قصائده، سلسلة دامية من العزلة والنبذ واختيار الغريب، واللاتكيف والغربة، رفض أن يكون من ضمن مجانين مجلة شعر، وأخذ الشعر إلى أعلى نثريته وافتراقه عن المألوف، وظل ملعونا من قبل النقاد ومطرودا من ذائقة الشعر العامة، وحين استلم رئاسة مجلة (حوار) الثقافية في ستينيات القرن الماضي، لمعت بشكل غير معقول غربة توفيق، إذ اتهمت المجلة بأنها ممولة من الاستخبارات الأمريكية، مما اضطر الشاعر إلى الاستقالة منها، في غربته في المنفى البريطاني البارد وهو يدرس في جامعة هارفرد، انفجرت انفعالاته العاطفية وتشكلت على صورة أزمات ودمار نفسي حاد، إذ عشق الشاعر فتاة بريطانية عشقا لا يشبهه عشق آخر، كانت (كاي) وهذا رمز لاسمها امرأة قوية وعجيبة، استغلت قلب الشاعر المرهف، وتحكمت به، بل ولعبت في حياته، ممزقة استقراره. في مقال طويل منشور في كتاب (النار والجوهر)، يقول الروائي الشهير جبرا إبراهيم جبرا رفيق توفيق ومجايله وزميله في مقاعد الدراسة بالكلية العربية بالقدس: (كانت كاي تعذبه وتغويه وتتقن كلا الفنين وتتمتع بهما، ما رأيته في لندن في أواخر الخمسينيات إلا وهو في تباريح غريبة من هذه الفتاة وهي فنانة تقيم في لندن، تتشبث به وتغار عليه).

لكن هذه الفترة المجنونة، جاءت بديوان شعري هائل (القصيدة ك عام 1960)، كتب فيها توفيق هواجسه وألمه وشكوكه، وظلت الذائقة العربية بعيدة عن مجرد الاقتراب ومحاولة فهم لغة فضاءات هذا الممسوس بالشعر وقيم المسيح وخلاصه، وكان قبل ذلك أصدر ديوان (ثلاثون قصيدة عام 1954) ثم أصدر (معلقة توفيق صايغ عام 1963)، لم يبق أحد لم يختلف معه توفيق: الأهل، الأشقاء تحديدا، وعميد الكلية العربية في القدس وأصدقاؤه وقراؤه ونقاده، وحبيبته القاسية، لم يرض هو عن أحد ولم يرض عنه أحد، عاش غريبا، ومات وحيدا، حرث له أرضا خاصة في كل شيء، حياته طيلة دراسته في القدس غامضة والمعلومات عنها قليلة، لكن جبرا إبراهيم جبرا يقول عن هذه الفترة: إن توفيق أمضاها وحيدا، بلا أصدقاء وبلا نشاطات ثقافية، ودون حضور إبداعي في صحف فلسطين وبعداء وصدام مع إدارة الكلية، وبعد كامل عن النساء، وأضاف جبرا: الوحيد الذي كان يثق به توفيق ويعجب به هو أستاذ اللغة اللاتينية في الكلية عبد الرحمن بشناق.

احتفى توفيق شعريا بأسطورة حيوان الكركدن مع العذراء، وهي أسطورة مسيحية لم تقتنع فيها ذائقة الشعر العربي آنذاك، (يقول الباحث محمود شريح بأن قصيدة «الكركدن» قد أثارت زوبعة من النقاش والجدل، وأحيانا الهجوم عند نشرها، فقد كتب عاصم الجندي مقالة ضدها عنوانها «أبعدوا هذا الطنين عن أذني»، وقال عنها علي الجندي إنها «نشاز غريب وصفاقة هجينة، وتجنٍّ مريب على الشعر»، بينما انبرى للدفاع عنها الناشر والصحفي رياض نجيب الريس وأعجب بها الروائي السوداني الطيب صالح من خلال رسالة إلى الصايغ. ويعتبر الشاعر العراقي سامي مهدي في كتابه «تجربة توفيق صايغ دار رياض الريس»، أن بعض دوافع الحملة على قصيدة صايغ كان سياسيا محضا، يتصل بطبيعة مجلة «حوار» وجهة تمويلها، في حين كان الاعتراض المبدئي على الشعر الحر وتقنياته وغموضه الدافع الآخر لها).

ومن ضمن غرابات حياته ومماته وشعره كانت ميتته غريبة، إذ أصيب عام 1971 بنوبة قلبية أثناء وجوده في مصعد البناية التي كان يسكنها.

من الذي بقي من توفيق بعد هذه السنوات من غيابه عن المشهد الشعري الذي لم يكن أصلا فيه؟. يقول الباحث الفلسطيني محمود شريتح أحد أهم الباحثين في شعرية وحياة توفيق في حوار مع جريدة الاتحاد الظبيانية ردا على سؤال عن سبب إيمانه بشعرية توفيق ودافعية بحثه المخلص والكبير في عالمه:

(صباح يوم أحد في بيروت وقَعْتُ في ملحق صحيفة «النهار» اللبنانية (9/‏‏‏‏‏1/‏‏‏‏‏1972) على قصيدة «غزل مُرّ» للشاعر توفيق صايغ، فَسَرَتْ فيّ رعشة وانفتحت أمامي آفاق. كنت واقعا آنذاك تحت تأثير الشاعر خليل حاوي بتشجيع من أستاذيّ رائف لبكي ونبيل رحّال، ومولعا بالرومنطيقية بتأثير أستاذ ثالث في «الإنترناسيونال كوليدج» في بيروت، هو ألفريد خوري. احتفظت بملحق «النهار» وكنت كلّما قرأت غزلا مرا، سَرَتْ فيّ الرعشة نفسها. ثم بدأ البحث عن توفيق صايغ.

وجدت نفسي أتعامل مع شخصية فريدة وطريفة. عالم مغلق يصعب دخوله. شاعر مرهف ومنفي ويعاني وحدة صراعية داخلية عنيفة. صداقات عديدة وعلاقات نسائية متشعبة. متشرّب ثقافة شرقية وغربية. مغرق في تجديد شكل القصيدة ومضمونها. صديقه الكتاب ومهنته الشعر. أستاذ متفانٍ. مولع بالتقاط الصور غير التقليدية. يكره الرسميات. لا يدخّن. لا يقصّ شعره إلا مرة أو مرتين في السنة. أحبّ المقاهي. ابتعد عن الأضواء وانتمى إلى بساطة بوهيمية. يقضي الليل بطوله يقرأ. يفتّش في المكتبات عن جديدٍ يقرأه، وإذا لم يجده خرج حزينا. صادَقَ شعراء الحداثة وشجّعهم. روّج للشعر العربي المعاصر ودرّسه في بيروت وكامبريدج وكاليفورنيا. مترجم بارع وناقد متمكّن. عاشقّ، قصائدُه عاطفة ولوعة. أضناه ضياع الوطن فرثاه بأسى وحزن. هجره القدر، فأدرك اغترابه الأبدي. قصيدته مُرّة، وعتابه غصّة وسيرته سِفر أيُوب).

توفيق صايغ في سطور

ولد الأكاديمي والشاعر الفلسطيني توفيق صايغ عام 1923 في قرية «خربا» جنوب سوريا، وانتقل والده، القس عبد الله صايغ مع عائلته إلى قرية البصة شمالي فلسطين، ثم إلى طبريا سنة 1930، وبقي والده قسيسا لمدينة طبريا حتى نكبة 48، فالتجأت عائلته إلى بيروت.

عمل أستاذا في مدرسة الروضة في القدس، ثم موظفا في دائرة الترجمة التابعة لحكومة فلسطين، فمدرسا للأدب العربي في الجامعة الأمريكية في بيروت، فأمينا لمكتبة المركز الثقافي الأمريكي في بيروت 1948-1950، وكان في الفترة نفسها محررا لمجلة «صوت المرأة».

عمل محاضرا في الدائرة العربية بجامعة كامبردج من عام 1954 حتى عام 1959، ثم محاضرا في جامعة لندن من 1959حتى عام 1964، ثم عاد إلى بيروت ليصدر مجلة «حوار» حتى عام 1967.

عمل أستاذا زائرا في دائرتي الأدب المقارن ولغات الشرق الأدنى بجامعة بيركلي في كاليفورنيا من 1969-1971.

كان توفيق صايغ شغوفا باللغة العربية وآدابها، فعكف على دراستها والاهتمام بها بتعمق.

توفي توفيق صايغ في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1971 ودفن فيها.

تلقى توفيق دروسه الابتدائية في طبريا، والثانوية في الكلية العربية في القدس، ثم في الجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها سنة 1945.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی القدس فی بیروت

إقرأ أيضاً:

إيهاب توفيق يكشف عن أسرار وتفاصيل أغنية "تترجى فيا"

كشف الفنان إيهاب توفيق عن أسرار وتفاصيل أغنية "تترجى فيا" وهي واحدة من الأغاني التي تحمل قصة شخصية ومؤثرة، مستوحاة من قصة حب حقيقية عاشها في بداية مشواره الفني، مما جعلها تعبر بصدق عن مشاعر الحزن والخذلان.

 

قصة حقيقة ومشاعر مؤلمة عاشها إيهاب توفيق

 

وأوضح خلال لقائه في برنامج معكم منى الشاذلي أن الأغنية جاءت نتيجة لتجربة عاطفية مليئة بالمشكلات والصعوبات، انتهت بشكل غير متوقع ومؤلمة، مشيرًا إلى أن كلمات الأغنية، خاصة عبارة "جاي بعد إيه؟"، كانت تعبيرًا مباشرًا عن إحساسه بعد انتهاء العلاقة، دون أن يهتم إذا كان الشخص المعني بالقصة سيدرك أنها موجهة له، لأن الموضوع كان قد انتهى تمامًا بالنسبة له.

 

وأضاف إيهاب أن الأغاني المستوحاة من تجارب واقعية غالبًا ما تترك أثرًا عميقًا وتستمر في ذاكرة الجمهور لفترة طويلة، مشيرًا أن أغنية "تترجى فيا" واحدة من تلك الأغاني "المعمرة".

مقالات مشابهة

  • رحلة الشاعر إلى أسرار الشعر: القصيدة كطائرة ورقية
  • سبب تقديم إيهاب توفيق للأذان بصوته!!
  • «العربية أبوظبي» تستأنف رحلات بيروت 9 يناير المقبل
  • مذكرة تفاهم بين جامعتي بيروت العربية والزيتونة الأردنية
  • "العربية أبوظبي" تستأنف رحلاتها إلى بيروت في هذا التاريخ
  • إيهاب توفيق يكشف عن أسرار وتفاصيل أغنية "تترجى فيا"
  • احتفالا بالكريسماس.. إيهاب توفيق ضيف الراديو 9090 يوم الجمعة
  • إيهاب توفيق ضيف الراديو 9090 احتفالا بالكريسماس.. الجمعة
  • تبيان توفيق: اخير يدقوني الكيزان بدل دق الجنجويد !!
  • فيلم ومسلسل.. كيف يطل رشوان توفيق على الجمهور في 2025؟