تحليل : وقف إطلاق النار في غزة .. مصلحة لكل الأطراف
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
لندن " د ب أ ": بعد مرور أكثر من 110 أيام على الحرب الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في قطاع غزة، تزايدت الأسباب الداعية إلى حشد جهود كل الأطراف ذات الصلة من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.
وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (معهد تشاتام هاوس) البريطاني قال ديفيد باتر الباحث المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد إنه على دول الشرق الأوسط ذات الصلة العمل بجد من أجل وقف إطلاق النار ليس فقط لأسباب إنسانية ولكن أيضا لتحقيق مصالحها الاقتصادية.
ويقول باتر إن الحرب في غزة كارثة إنسانية بكل المقاييس مع مقتل أكثر من 25 ألف فلسطيني وتشريد أكثر من 90% من سكان القطاع على يد القوات الإسرائيلية.
كما سببت الحرب خسائر اقتصادية باهظة ليس فقط بالنسبة لقطاع غزة والضفة الغربية المحتلة ولكن أيضا للدول المجاورة ولإسرائيل نفسها. وإلى جانب الحجج القوية السياسية والاقتصادية لوقف إطلاق النار هناك أيضا سبب قوي يمكن إضافته من المنظور الاقتصادي.
وهذا البعد الاقتصادي لا يرتبط فقط بمصر والأردن المجاورتين مباشرة لطرفي الصراع، والأشد تضررا منه، لكنه يرتبط أيضا بدول الخليج الرئيسية والتي قد تتم دعوتها لتحمل جزء كبير من تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.
وقبل هجمات 7 أكتوبر الماضي التي قامت بها حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة ضد المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، كانت الدول المجاورة تعاني من صعوبات اقتصادية متفاوتة الشدة. فمازال لبنان يعاني من أزمة مالية طاحنة رغم تراجع حدتها مؤخرا بفضل تحسن إيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج.
في المقابل لم تحقق سوريا أي استفادة ملموسة من عودتها إلى الجامعة العربية، حيث ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 100% بحسب بعض المحللين الاقتصاديين المحليين.
وبينما سجلت الأردن تحسنا اقتصاديا طفيفا نتيجة تعافي قطاع السياحة كان معدل النمو اقل من 3% في حين وصل معدل البطالة إلى أكثر من 20% كما أن الإنفاق الكثيف على التزامات الدولة من أجور العاملين والدعم والإنفاق العسكري، يعني عدم وجود ما يكفي للاستثمار، في الوقت الذي وصل فيه الدين العام إلى حوالي 90% من إجمالي الناتج المحلي.
وأخيرا تأتي مصر التي تعاني من أزمة حادة في النقد الأجنبي مع وصول التضخم إلى نحو 40%، فقد كان تعافي السياحة وزيادة إيرادات قناة السويس من النقاط المضيئة لديها قبل نشوب حرب غزة.
ويضيف باتر أنه يمكن القول إن الاقتصاد الإسرائيلي كان قبل حرب غزة في حالة جيدة نسبيا، مع نمو بمعدل 3% وفائض في الحساب الجاري، واحتياطي نقد أجنبي قدره 200 مليار دولار، في حين كان الفلسطينيون في الضفة الغربية يعانون من تأثير مستويات العنف المتزايد من جانب المستوطنين الإسرائيليين وقوات الاحتلال، وكانت هناك بعض المؤشرات الإيجابية في غزة.
ويقول باتر الذي عمل مديرا إقليميا للشرق الأوسط لمركز إيكونوميست إنتيليجانس للدراسات إن زيادة عدد تصاريح العمل التي تمنحها إسرائيل للفلسطينيين من قطاع غزة وآفاق تنمية حقل غاز غزة البحري كانت سببا في خطأ حسابات إسرائيل بأن حركة حماس لن تقدم أي خطوة تدمر هذا التحسن الاقتصادي في القطاع، لكن جاء هجوم 7 أكتوبر ورد إسرائيل العسكري الساحق عليه لكي يسبب أزمة اقتصادية كبيرة، زاد من حدتها هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والهجمات الأمريكية والبريطانية على الأهداف الحوثية ردا على ذلك، ومازال هناك خطر حقيقي من احتمال تضرراقتصادات دول الخليج من اتساع نطاق الصراع.
كما تضرر الاقتصاد الإسرائيلي بشدة من النفقات المرتبطة بتعبئة جنود الاحتياط في الجيش وتراجع حركة السياحة وتدهور ثقة الشركات. ورغم ذلك مازال بنك إسرائيل المركزي يتوقع نموا حقيقيا معقولا لإجمالي الناتج المحلي خلال العامين الماضي ولحالي، مع عجز مالي بسيط نسبيا.
وتراجع الشيقل الإسرائيلي بشدة خلال الأسابيع التي تلت هجوم 7 أكتوبر، لكنه استعاد جزءا من خسائره بعد ضخ البنك المركزي 30 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي.في الوقت الذي قدم فيه الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل حماية لاقتصادها، ومن غير المحتمل توقف هذه المساعدات.
في الوقت نفسه، فإن أي نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، وهو أمر ترفضه الدولتان تماما، سيفاقم الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها الدولتان بالفعل. وجاء التأثير المالي المباشر للحرب في غزة على مصر مع تراجع إيرادات قناة السويس وتباطؤ السياحة وهما مصدران يشكلان حوالي 25% من إجمالي دخل الحساب الجاري لمصر والذي بلغ حوالي 100 مليار دولار في العام الماضي.
ومن المتوقع أن تخسر مصر حوالي مليار دولار من إيرادات قناة السويس خلال الربع الأول من العام الحالي، في حين لم يكن الضرر الذي لحق بقطاع السياحة في مصر بنفس شدته في الأردن، حيث تراجعت السياحة الأردنية بنحو 40%، فإن مصر لا تحتمل تراجعه لأنه يعد أحد مصادرها الرئيسية للحصول على النقد الأجنبي.
وتسعى حكومات دول الخليج خلال أزمة حرب غزة إلى استخدام عائدات صادراتها النفطية لتعزيز مكانتها الاقتصادية في عصر ما بعد النفط...وتواجه هذه الدول الآن مخاطر أن يؤدي تصعيد الصراع الإقليمي إلى تهديد مصالحها الحيوية. في الوقت نفسه يمكن لدول الخليج ممارسة المزيد من الضغوط من أجل الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار، والانخراط الكامل في المحادثات السياسية بشأن مستقبل غزة والضفة الغربية، واستخدام إمكانياتها المالية في دعم عمليات إعادة إعمار الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد انتهاء الحرب لتحقيق مصالحها الحيوية المباشرة.
وفي ضوء كل ما سبق يمكن القول إن وقفا شاملا لإطلاق النار في قطاع غزة سيخدم المصالح الاقتصادية لكل الأطراف سواء المعنية بالصراع بشكل مباشر أو حتى بشكل غير مباشر.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ملیار دولار فی الوقت أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
ترقّب لاستئناف المفاوضات غير المباشرة لتمديد الهدنة في غزة
يتوقع أن تستأنف إسرائيل وحركة حماس المفاوضات غير المباشرة في الدوحة، في محاولة لحل الخلافات العميقة على شروط استمرار وقف إطلاق النار الهش في قطاع غزة.
وقال مصدر قريب من المفاوضات، إن وفد حماس برئاسة كبير المفاوضين خليل الحية غادر القاهرة الأحد إلى الدوحة. ومساء السبت، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في بيان أن إسرائيل ستواصل المفاوضات غير المباشرة مع حركة حماس على استمرار الهدنة الهشة في قطاع غزة.وقال مكتب نتانياهو: "أوعز رئيس الوزراء إلى فريق التفاوض بالاستعداد لمواصلة المحادثات على أساس رد الوسطاء على اقتراح المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بالإفراج الفوري عن 11 رهينة أحياء ونصف الرهائن القتلى"، مستبعداً بذلك عرض الحركة الفلسطينية الإفراج عن رهينة إسرائيليأمريكي وإعادة جثث 4 آخرين.
وقال مصدر في الحركة: "وفد حماس القيادي برئاسة خليل الحية رئيس الوفد المفاوض غادر صباح اليوم الأحد إلى الدوحة"، وأضاف "الوفد أجرى مباحثات مثمرة مع الإخوة المسؤولين المصريين تركزت على سبل الدفع باتجاه تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار على ضوء موافقة حماس على الاقتراح الأمريكي المحدث".
وأكد أن "الوفد طلب من الإخوة الوسطاء والضامنين الأمريكيين إلزام الاحتلال بتنفيذ البروتوكول الإنساني وإدخال المساعدات الإنسانية فوراً للقطاع، وبدء مفاوضات المرحلة الثانية". خلافات
بعد نحو 15 شهراً من اندلاع الحرب في قطاع غزة عقب هجوم حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بدأ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي تطبيق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل والحركة الفلسطينية، بعد وساطة أمريكية وقطرية ومصرية.
وامتدت المرحلة الأولى من الاتفاق 6 أسابيع، وأتاحت عودة 33 رهينة خطفوا في يوم الهجوم، إلى إسرائيل بينهم 8 قتلى، فيما أفرجت إسرائيل عن نحو 1800 معتقل فلسطيني كانوا في سجونها.
وسمحت إسرائيل أيضاً بإدخال مزيد من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المحاصر، قبل أن تعلّق دخولها في 2 مارس (آذار).
وأكدت حماس السبت، أن "الكرة في ملعب إسرائيل" حالياً، بعد عرضها إطلاق سراح جندي إسرائيلي أمريكي محتجز لديها إضافة إلى جثامين أربعة من مزدوجي الجنسية، في إطار المفاوضات حول استمرار الهدنة في قطاع غزة.
ومع نهاية المرحلة الأولى، طلبت إسرائيل تمديدها حتى منتصف أبريل (نيسان) لكن حماس تصرّ على الانتقال إلى المرحلة الثانية المفترض أن تضع حداً للحرب.
ويتوقع محمد حلس 41 عاماً وهو مهندس معماري يقيم مع عائلته في خيمة في منطقة الشجاعية شرق مدينة غزة، "أعتقد سوف تتفق حماس وإسرائيل رغماً عنهما، لأن ترامب لا يريد حروباً ويريد تحرير الأسرى، الطريق الأسرع للحل أمام حماس هي تحرير الأسرى"، وأضاف "الوضع في غزة كارثي وكل يوم يزداد صعوبة".
انتهاك فاضح
وتشن إسرائيل بوتيرة شبه يومية ضربات في غزة منذ مطلع مارس (آذار)، مستهدفة غالباً نشطاء تقول إنهم يزرعون متفجرات.
منذ 7 أكتوبر.. ارتفاع حصيلة الحرب إلى 48572 قتيلاً في قطاع غزة - موقع 24قالت وزارة الصحة الفلسطينية اليوم الأحد، إن 29 قتيلاً، و51 مصاباً وصلوا إلى مستشفيات قطاع غزة، في الساعات الـ 24 الماضية.وأعلن الدفاع المدني ووزارة الصحة الموالية لحماس السبت مقتل 9 فلسطينيين، بينهم إعلاميون، في غارة جوية إسرائيلية على بلدة بيت لاهيا في شمال غزة، ما سيزيد هشاشة الهدنة السارية في القطاع.
وبعد الضربة، وهي الأكثر حصداً للأرواح منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، اعتبرت حماس أن ما حصل يُشكّل "انتهاكاً فاضحاً" لاتفاق وقف النار.