لندن " د ب أ ": بعد مرور أكثر من 110 أيام على الحرب الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في قطاع غزة، تزايدت الأسباب الداعية إلى حشد جهود كل الأطراف ذات الصلة من أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار.

وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية (معهد تشاتام هاوس) البريطاني قال ديفيد باتر الباحث المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمعهد إنه على دول الشرق الأوسط ذات الصلة العمل بجد من أجل وقف إطلاق النار ليس فقط لأسباب إنسانية ولكن أيضا لتحقيق مصالحها الاقتصادية.

ويقول باتر إن الحرب في غزة كارثة إنسانية بكل المقاييس مع مقتل أكثر من 25 ألف فلسطيني وتشريد أكثر من 90% من سكان القطاع على يد القوات الإسرائيلية.

كما سببت الحرب خسائر اقتصادية باهظة ليس فقط بالنسبة لقطاع غزة والضفة الغربية المحتلة ولكن أيضا للدول المجاورة ولإسرائيل نفسها. وإلى جانب الحجج القوية السياسية والاقتصادية لوقف إطلاق النار هناك أيضا سبب قوي يمكن إضافته من المنظور الاقتصادي.

وهذا البعد الاقتصادي لا يرتبط فقط بمصر والأردن المجاورتين مباشرة لطرفي الصراع، والأشد تضررا منه، لكنه يرتبط أيضا بدول الخليج الرئيسية والتي قد تتم دعوتها لتحمل جزء كبير من تكاليف إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب.

وقبل هجمات 7 أكتوبر الماضي التي قامت بها حركة حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية المسلحة ضد المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، كانت الدول المجاورة تعاني من صعوبات اقتصادية متفاوتة الشدة. فمازال لبنان يعاني من أزمة مالية طاحنة رغم تراجع حدتها مؤخرا بفضل تحسن إيرادات السياحة وتحويلات العاملين في الخارج.

في المقابل لم تحقق سوريا أي استفادة ملموسة من عودتها إلى الجامعة العربية، حيث ارتفع معدل التضخم إلى أكثر من 100% بحسب بعض المحللين الاقتصاديين المحليين.

وبينما سجلت الأردن تحسنا اقتصاديا طفيفا نتيجة تعافي قطاع السياحة كان معدل النمو اقل من 3% في حين وصل معدل البطالة إلى أكثر من 20% كما أن الإنفاق الكثيف على التزامات الدولة من أجور العاملين والدعم والإنفاق العسكري، يعني عدم وجود ما يكفي للاستثمار، في الوقت الذي وصل فيه الدين العام إلى حوالي 90% من إجمالي الناتج المحلي.

وأخيرا تأتي مصر التي تعاني من أزمة حادة في النقد الأجنبي مع وصول التضخم إلى نحو 40%، فقد كان تعافي السياحة وزيادة إيرادات قناة السويس من النقاط المضيئة لديها قبل نشوب حرب غزة.

ويضيف باتر أنه يمكن القول إن الاقتصاد الإسرائيلي كان قبل حرب غزة في حالة جيدة نسبيا، مع نمو بمعدل 3% وفائض في الحساب الجاري، واحتياطي نقد أجنبي قدره 200 مليار دولار، في حين كان الفلسطينيون في الضفة الغربية يعانون من تأثير مستويات العنف المتزايد من جانب المستوطنين الإسرائيليين وقوات الاحتلال، وكانت هناك بعض المؤشرات الإيجابية في غزة.

ويقول باتر الذي عمل مديرا إقليميا للشرق الأوسط لمركز إيكونوميست إنتيليجانس للدراسات إن زيادة عدد تصاريح العمل التي تمنحها إسرائيل للفلسطينيين من قطاع غزة وآفاق تنمية حقل غاز غزة البحري كانت سببا في خطأ حسابات إسرائيل بأن حركة حماس لن تقدم أي خطوة تدمر هذا التحسن الاقتصادي في القطاع، لكن جاء هجوم 7 أكتوبر ورد إسرائيل العسكري الساحق عليه لكي يسبب أزمة اقتصادية كبيرة، زاد من حدتها هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والهجمات الأمريكية والبريطانية على الأهداف الحوثية ردا على ذلك، ومازال هناك خطر حقيقي من احتمال تضرراقتصادات دول الخليج من اتساع نطاق الصراع.

كما تضرر الاقتصاد الإسرائيلي بشدة من النفقات المرتبطة بتعبئة جنود الاحتياط في الجيش وتراجع حركة السياحة وتدهور ثقة الشركات. ورغم ذلك مازال بنك إسرائيل المركزي يتوقع نموا حقيقيا معقولا لإجمالي الناتج المحلي خلال العامين الماضي ولحالي، مع عجز مالي بسيط نسبيا.

وتراجع الشيقل الإسرائيلي بشدة خلال الأسابيع التي تلت هجوم 7 أكتوبر، لكنه استعاد جزءا من خسائره بعد ضخ البنك المركزي 30 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي.في الوقت الذي قدم فيه الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل حماية لاقتصادها، ومن غير المحتمل توقف هذه المساعدات.

في الوقت نفسه، فإن أي نزوح جماعي للفلسطينيين من غزة والضفة الغربية إلى مصر والأردن، وهو أمر ترفضه الدولتان تماما، سيفاقم الصعوبات الاقتصادية الخطيرة التي تواجهها الدولتان بالفعل. وجاء التأثير المالي المباشر للحرب في غزة على مصر مع تراجع إيرادات قناة السويس وتباطؤ السياحة وهما مصدران يشكلان حوالي 25% من إجمالي دخل الحساب الجاري لمصر والذي بلغ حوالي 100 مليار دولار في العام الماضي.

ومن المتوقع أن تخسر مصر حوالي مليار دولار من إيرادات قناة السويس خلال الربع الأول من العام الحالي، في حين لم يكن الضرر الذي لحق بقطاع السياحة في مصر بنفس شدته في الأردن، حيث تراجعت السياحة الأردنية بنحو 40%، فإن مصر لا تحتمل تراجعه لأنه يعد أحد مصادرها الرئيسية للحصول على النقد الأجنبي.

وتسعى حكومات دول الخليج خلال أزمة حرب غزة إلى استخدام عائدات صادراتها النفطية لتعزيز مكانتها الاقتصادية في عصر ما بعد النفط...وتواجه هذه الدول الآن مخاطر أن يؤدي تصعيد الصراع الإقليمي إلى تهديد مصالحها الحيوية. في الوقت نفسه يمكن لدول الخليج ممارسة المزيد من الضغوط من أجل الوصول إلى وقف شامل لإطلاق النار، والانخراط الكامل في المحادثات السياسية بشأن مستقبل غزة والضفة الغربية، واستخدام إمكانياتها المالية في دعم عمليات إعادة إعمار الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد انتهاء الحرب لتحقيق مصالحها الحيوية المباشرة.

وفي ضوء كل ما سبق يمكن القول إن وقفا شاملا لإطلاق النار في قطاع غزة سيخدم المصالح الاقتصادية لكل الأطراف سواء المعنية بالصراع بشكل مباشر أو حتى بشكل غير مباشر.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ملیار دولار فی الوقت أکثر من فی غزة

إقرأ أيضاً:

تحركات متسارعة للوسطاء لتنفيذ وقف إطلاق النار في غزة

أفادت قناة القاهرة الإخبارية، بأن المبعوث الرئاسي الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، سيتوجه إلى المنطقة الثلاثاء، حيث ينضم إلى الوسطاء في الدوحة.

ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 48,467 والإصابات إلى 111,913صحافة العالم.. خطة وزير الاحتلال المتطرف لإخلاء غزة من الفلسطينيين استجابة لدعوة ترامب.. ومناورة بحرية بين 3 دول من ضمنها إيران

وأوضحت في تقرير لها بعنوان «تحركات متسارعة للوسطاء لتنفيذ وقف إطلاق النار في غزة والانتقال إلى المرحلة الثانية»، نقلا عن أكسيوس، أن ويتكوف يريد جمع كل الأطراف في مكان واحد لإجراء مفاوضات مكثفة لعدة أيام بشأن التوصل إلى اتفاق جديد لإطلاق سراح المحتجزين ووقف إطلاق النار في غزة، وقبيل انطلاق هذه الجولة من الوسطة، أكدت حماس على ضرورة الالتزام بكل بنود اتفاق غزة وفتح المعابر وإعادة دخول المواد الإغاثية للقطاع والذهاب الفوري لبدء مفاوضات المرحلة الثانية دون قيود أو شروط.


وأشارت إلى أن وفد حماس أكد خلال زيارته العاصمة المصرية القاهرة موافقة الحركة على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزة لحين استكمال ترتيب البيت الفلسطيني، وفي إسرائيل تتواصل التظاهرات في تل أبيب والعديد من المدن الأخرى للمطالبة بالمضي قدما في صفقة التبادل فيما اتهم المتظاهرون وعائلات المحتجزين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه هو من يعرقل صفقة التبادل ويهدد باستئناف القتال.

مقالات مشابهة

  • ترامب: روسيا قد تواجه عقوبات مالية "مدمرة" إذا واصلت الحرب ضد أوكرانيا
  • مفاوضات جديدة لوقف إطلاق النار في غزة
  • الناطق باسم حماس: إسرائيل تنصلت من اتفاق وقف إطلاق النار
  • بشأن غزة.. تواصل مراوغات نتنياهو في تقويض جهود الوسطاء ومساعي إرساء السلام
  • ويتكوف يصل الدوحة.. هل يسعى نتنياهو لاستئناف الحرب؟
  • شهيدة جنوب قطاع غزة ضمن الخروقات الإسرائيلية.. وحصيلة جديدة
  • حكومة نتنياهو تحاول التنصل من اتفاق وقف إطلاق النار وتلوح بعودة الحرب في غزة
  • الرئيس الأوكراني يصل جدة لإجراء مباحثات مع ولي العهد السعودي
  • إسرائيل: خطط استئناف حرب غزة تشمل تحركا جويا وبريا وإخلاء
  • تحركات متسارعة للوسطاء لتنفيذ وقف إطلاق النار في غزة