لندن- في الوقت الذي يبدو فيه أن المسار القضائي لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في قطاع غزة قد يمتد لسنوات قبل أن يؤتي أكله، تقترب الحكومة الأيرلندية من اتخاذ خطوة الانضمام إلى الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، بتهمة ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.

ودافع وزير الخارجية الأيرلندي مايكل مارتن، عن موقف بلاده بشأن انخراطها الفعلي في الدعوى التي تتهم فيها جنوب أفريقيا إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، مؤكدا أن حكومته ستنظر بشأن قرار الانضمام في هذا المسار القضائي بمجرد أن تتجاوز الدعوى مراحلها الأولية.

وكانت محكمة العدل الدولية قد استجابت لطلب البتّ في التدابير المؤقتة التي دعت جنوب أفريقيا لاتخاذها لحماية الفلسطينيين بقطاع غزة، وقررت في 11 و12 يناير/كانون الثاني الجاري عقد جلستي استماع لمرافعة كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل، ومن المرتقب أن تصدر المحكمة قرارها بشأن الوقف الفوري للأعمال القتالية نهاية الأسبوع الجاري.

وقدمت جنوب أفريقيا دعوى مؤلفة من 84 صفحة تؤكد خلالها أن الخطابات الإسرائيلية تنطوي على "إرادة لارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين"، مشيرة إلى أن الأعمال العسكرية الإسرائيلية في القطاع تمثل انتهاكا مباشرا لالتزامات إسرائيل الموقعة على اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

مطالب بتسريع الانضمام

وترى الحكومة الأيرلندية أن الطلب العاجل الذي تقدمت به جنوب أفريقيا، والذي يدعو المحكمة لإصدار أمر فوري للجيش الإسرائيلي بإنهاء أعماله القتالية في قطاع غزة، يتقاطع مع مطالبها بوقف كامل لإطلاق النار هناك، ووصول المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع.

لكن يُعد البتّ في طلب جنوب أفريقيا خطوة أساسية قبل تتخذ أيرلندا قرار الانضمام للدعوى القضائية ضد إسرائيل، والتي قد يستغرق إصدار حكم نهائي بشأنها عدة سنوات.

وقد لا يعد الالتحاق بجنوب أفريقيا في الترافع أمام قضاة محكمة العدل الدولية بمواجهة إسرائيل خطوة سهلة، رغم تعبير دول عدة كتركيا وبلجيكا عن دعمها لمحاسبة إسرائيل أمام الهيئات الدولية، ورغم موقف أيرلندا المتقدم مقارنة بجيرانها الأوروبيين.

وتعد تصريحات المسؤولين الحكوميين الأيرلنديين مجرد رجع صدى لموجة تضامن شعبي وسياسي لافت مع الفلسطينيين في صفوف الأحزاب والهيئات المدنية الأيرلندية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

ولم يُسقط اللجوء إلى المسار القانوني في نظر المسؤولين الأيرلنديين ضرورة المطالبة بالعمل الفوري لوقف إطلاق النار في القطاع، حيث يجهر العديد منهم بخطاب ناقد وحاد تجاه العدوان الإسرائيلي.

وردا على المطالبات الشعبية المتصاعدة للحكومة بتسريع آلية انضمامها للدعوى التي ترفعها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، شدد وزير الخارجية الأيرلندي في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن "إسرائيل لا ينبغي أن تفلت من المحاسبة".

وأكد أن بلاده ستتبع النهج الجدي ذاته الذي سلكته خلال دعمها للدعوى التي رفعتها أوكرانيا أمام محكمة العدل الدولية ضد الحرب الروسية على أراضيها، وانتهاكها لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

وفي الوقت الذي تنتظر الحكومة الأيرلندية إصدار حكم من محكمة العدل الدولية، بشأن الطلب العاجل لوقف الأعمال القتالية في القطاع، للنظر فيما إذا ما كان على أيرلندا التدخل في هذه القضية، يتجه الحزب الاجتماعي الديمقراطي، أحد أهم الأحزاب المعارضة في البلاد، خلال أيام للتقدم بطلب رسمي للحكومة للانخراط في الدعوى القضائية المعروضة أمام محكمة العدل الدولية.

ويدعو الحزب الحكومة لترجمة الموقف الرسمي الأيرلندي الداعي لإنهاء الحرب فورا، إلى خطوات سياسية عملية وإجراءات قانونية ملموسة، فيما يكابد المدنيون الفلسطينيون مزيدا من المجازر دون أن يملكوا ترف انتظار الوقت الكافي لانتهاء إجراءات التقاضي الدولية.

ثقل قانوني وسياسي

كانت أيرلندا من بين حوالي 32 دولة أوروبية دعمت الدعوى التي تقدمت بها أوكرانيا أمام محكمة العدل الدولية، متهمة روسيا بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال حربها المتواصلة على أوكرانيا، لكن التحاق أيرلندا بجنوب أفريقيا يعد إضافة نوعية، نظرا للخبرة القانونية والسياسية التي راكمتها خلال صراعها مع بريطانيا بشأن استقلال أيرلندا الشمالية، حيث تعتبر لاعبا ذا رمزية تاريخية مناصرا لحقوق الشعوب في تقرير مصيرها.

وقد تبلورت المواقف الأيرلندية السياسية الداعمة للشعب الفلسطيني خلال العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، عبر مسلك تاريخي طويل ساندت فيه الأحزاب والقوى السياسية والمدنية الأيرلندية حق الشعب الفلسطيني في مقاومة مُحتليه، فيما يرى الأيرلنديون أن تاريخ القضية الفلسطينية يتقاطع في كثير من محطاته مع ما يعتبرونه صراعهم التاريخي ضد بريطانيا، التي يعتبرونها قوة استعمارية محتلة للجزء الشمالي من أراضيهم.

ويمثل هذا التطابق مع نضال الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، أحد الأسس الفكرية التي تشكل المخيال السياسي الأيرلندي بشأن تصوره للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتجعل أيرلندا من الأصوات القليلة داخل الاتحاد الأوروبي الناقدة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي لتوغله الاستيطاني وانتهاكاته المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: أمام محکمة العدل الدولیة جنوب أفریقیا ضد إسرائیل قطاع غزة

إقرأ أيضاً:

جنوب أفريقيا: قرار ترامب بوقف المساعدات يهدد الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

صرّح كوسيني دلاميني، رئيس غرفة التجارة الأمريكية في جنوب أفريقيا، بأن التوتر الناجم عن الخلاف مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد يعرّض للخطر العلاقات الثنائية ذات الأهمية الاستراتيجية، والتي تحقق فوائد متبادلة للبلدين، وذلك في أعقاب قرار ترامب بوقف المساعدات الأمريكية لجنوب أفريقيا، مبررًا ذلك بادعاءات تتعلق بانتهاكات حقوقية ناتجة عن تشريع جديد يتعلق بمصادرة الأراضي.

ونقلت شبكة "بلومبيرج" الأمريكية عن دلاميني دعوته إلى التعامل مع الموقف بحكمة وهدوء، مشددًا على أهمية أن تتصرف جنوب أفريقيا بطريقة مدروسة في هذا السياق.

وأوضح أن التداعيات المحتملة لهذا القرار تتجاوز مجرد وقف المساعدات، حيث أشار إلى أن جنوب أفريقيا تُعد الشريك التجاري الأكبر للولايات المتحدة في المنطقة، كما أنها تمثل نقطة دخول رئيسية لشركات أمريكية عديدة إلى الأسواق الأفريقية.

وأكد دلاميني، الذي يمثل 600 شركة أمريكية تنشط في جنوب أفريقيا وتوفر فرص عمل لأكثر من 200 ألف شخص، أن استمرار هذا التوتر قد يهدد مستقبل التعاون الاقتصادي بين البلدين، مشيرًا إلى ضرورة عدم السماح لهذا الخلاف بالتأثير سلبًا على تمديد قانون "النمو والفرص في أفريقيا" المعروف اختصارًا بـ "AGOA"، وهو الاتفاق الذي يمنح جنوب أفريقيا وأكثر من 20 دولة أفريقية أخرى امتيازات تجارية تفضيلية مع الولايات المتحدة، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيته في سبتمبر المقبل.

وشدد على أهمية الحفاظ على علاقات بناءة وإيجابية بين البلدين لضمان استمرار الاستفادة من هذا الاتفاق.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أعلن، يوم الجمعة الماضي، قراره بوقف المساعدات الأمريكية لجنوب أفريقيا، متذرعًا بمزاعم تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان على خلفية قانون مصادرة الأراضي الجديد، كما أشار إلى موقف جنوب أفريقيا الذي وجه اتهامًا لإسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" بسبب الحرب الدائرة في قطاع غزة.

وفي المقابل، ردت حكومة جنوب أفريقيا بموقف متزن، مؤكدة أنها تظل ملتزمة بالبحث عن حلول دبلوماسية لأي خلافات أو سوء تفاهم قد ينشأ بين البلدين.

ومن المتوقع أن يكون للقرار الأمريكي تداعيات كبيرة، حيث سيؤثر بشكل خاص على تمويل بقيمة "7.5 مليار راند" مخصص لبرنامج جنوب أفريقيا لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز"، والذي أصبح مصيره غير واضح في ظل التطورات الأخيرة.

شدد كوسيني دلاميني على ضرورة الحفاظ على علاقات متينة وإيجابية بين الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، مشيرًا إلى أهمية تجنب التصعيد الذي قد يضر بالمصالح المشتركة للبلدين.

وفي تطور لافت، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الجمعة الماضي، قرارًا يقضي بوقف تقديم المساعدات المالية لجنوب أفريقيا، مبررًا ذلك بادعاءات تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان ناجمة عن تشريع جديد يخص مصادرة الأراضي. كما أشار إلى موقف جنوب أفريقيا في المحكمة الدولية، حيث وجهت اتهامًا لإسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" بسبب عملياتها العسكرية في قطاع غزة.

وجاء الرد الرسمي من جنوب أفريقيا متزنًا، إذ أكدت السلطات هناك التزامها بالسعي نحو حلول دبلوماسية لمعالجة أي خلافات أو سوء فهم قد ينشأ بين البلدين، مؤكدة أن العلاقات الاستراتيجية تظل أولوية رغم التوترات الأخيرة.

ويُتوقع أن يكون لهذا القرار الأمريكي انعكاسات كبيرة، خاصة على التمويل المخصص لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز" في جنوب أفريقيا، والذي تبلغ قيمته "7.5 مليار راند".

ومع تعليق هذا الدعم، أصبح مستقبل هذا البرنامج في موضع شك، مما يثير مخاوف بشأن استمرارية الجهود الصحية في البلاد.

 

مقالات مشابهة

  • قيادي بـشين فين يدعو أيرلندا لقيادة حملة عقوبات دولية على إسرائيل
  • جنوب أفريقيا: قرار ترامب بوقف المساعدات يهدد الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن
  • عاجل | الرئيس الإيراني: الرئيس الأميركي يدعم القتلة ويحميهم من محكمة الجنايات الدولية
  • جنوب أفريقيا تنتشل 14 لقو حتفهم في أحداث الكونغو
  • عمرو موسى: أحيي جنوب أفريقيا على دعمها للقضية الفلسطينية
  • تراجع أنشطة الصيد الجائر لوحيد القرن في جنوب أفريقيا
  • ترامب يقطع كل المساعدات عن جنوب أفريقيا بسبب إسرائيل
  • البيض في جنوب أفريقيا يرفضون عرض ترامب
  • ترامب: سأقطع جميع المساعدات عن جنوب أفريقيا حتى إشعار آخر
  • ترامب يصوّب سهام تصريحاته تجاه جنوب أفريقيا.. فماذا قال؟