خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
في العام الحالي استجدت واستحدثت لدينا في عمان أمور كثيرة بفضل النهج السامي الحكيم، فجاءت من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- توجيهات سامية منها بدء صرف منفعة الحماية الاجتماعية لكبار السن والأطفال دون الثامنة عشرة، فقد صرفت لهم وابتهجوا بها وسعدوا، وتغيرت نفسياتهم ومساراتهم بهذه الزيادات المالية التي حدثت معهم وجاءت في رواتبهم؛ لأن كثيرين منهم لم يكن لهم راتب ولا دخل.
ومن هذه المنفعة استفاد الآن كبار السن الذين كانوا يتقاضون سابقا راتب الضمان الاجتماعي وقدره ثمانون ريالا، فالآن ارتفعت رواتبهم إلى مائة وخمسة عشر ريالا. أما فيما يتعلق بالوجبة المدرسية التي كانت تعطى للطلاب في مدارسهم بما يعادل خمسمائة بيسة، فقد خصمت واستبعدت، والاتجاه الآن أن يأخذ الطالب معه للمدرسة بشكل يومي نصف ريال من العشرة ريالات التي صرفت له، ليأخذ به وجبة بسيطة من المدرسة. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه إن ذهبت العشرة ريالات للطفل كاملة فور نزولها في حسابه، في بعض التزاماته هو وأهله وديونهم وحاجاتهم، فمن أين سياتي بعدها الطالب بالخمسمائة بيسة، ليأخذ بها وجبة من المدرسة.
ثمة مشكلة أخرى ستظهر وسيتطلب معالجتها والوقوف عندها، وأن مجالس الآباء والأمهات في المدارس، سيواجهون مشاكل مختلفة، وسيكونون في مواقف محرجة، بسبب أن بعض الطلاب ربما يذهبون إلى المدارس دون وجبة مدرسية، وهذا الأمر سيغدوا في حد ذاته قضية جديدة، فهل ستكون قضية ليست للنقاش والحديث عنها، سيكون مصيرها الصمت؟
ثم إذا أتينا إلى مسألة ربات البيوت والبنات الكبار في البيوت واللاتي أنهى بعضهن الصف الثاني عشر ولم يتسن لهن الحصول على وظيفة أو عمل أو أي دخل، وكُن مشمولات براتب الضمان الاجتماعي مع رب الأسرة، بينما في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة، يُصرف لهن مبلغ وقدره 30 ريالًا فقط، فكيف اقتنع المسؤول الذي حدد هذه القيمة بأنها كافية؟
منذ أيام ظهر نائب رئيس مجلس الدولة المكرم اللواء الركن متقاعد سالم بن مسلم قطن، في حديث أجرته معه إذاعة "هلا إف إم"، وقال إنه "إذا أردنا فعلاً أن نُحقق ما وجه به صاحب الجلالة بالاهتمام بالنشء والقيم المجتمعية، فعلينا أن نُعطي لربات البيوت الحق والمنفعة التي يستحققنها، لكي يتمكنَّ من تربية أبنائهن، فبحصولهن على حقوههن من المنفعة وبشكل كافٍ، سيتمكَّن من تربية أبنائهن والنشء والأجيال القادمة، وبدون ذلك، لن تستطيع ربات البيوت تربية الأبناء على النحو الأمثل، تربية صحيحة حسنة وسليمة".
وغياب دور المرأة في البيت والمجتمع، يتسبب في عدم اكتمال البناء وتراجع مستوى التربية؛ فالقادم في ظل هذه المؤشرات والمعطيات والمطالبات، أن الأمور لن تكون عند المستوى الذي نتطلع إليه. وهنا نتساءل: لماذ لا يُصرف لربات البيوت منفعة حماية اجتماعية؟ وعليه نطالب بالنظر في هذا الشأن لا سيما وأن جلالة السلطان يعلم بالأحوال.
حفظ الله بلادنا من كل سوء وشر ومكروه، وبلادنا بلد العدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحريات، وعلينا أن لا نغفل هذا الجانب، ونسعى لأن نكون لحمة واحدة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"ابنة الديكتاتور" وجبة سياسية تحليلية دسمة بنكهة فلسفية
قدمت رواية "ابنة الديكتاتور" للأديب مصطفى عبيد، وجبة سياسية دسمة للقراء من خلال تحليل معمق لحال الدولة المصرية في عهد الملكية وما بعد ثورة 1952 وإعلان الجمهورية.
تعد رواية "ابنة الديكتاتور" الصادر عن دار المصرية اللبنانية، عملًا أدبيًا سياسيًا تاريخيًا، مزج الكاتب فيه ببراعة بين فنون الأدب والتأريخ، وبين الواقع والخيال ليخرج لنا عملًا متكاملًا عن الحياة السياسية في تلك الفترة الهامة من تاريخ مصر.
رسمت رواية "ابنة الديكتاتور" خريطة الحياة السياسة في مصر في تلك الحقبة من خلال ممارسات جهاز الأمن السياسي المصري المعروف بـ"البوليس السياسي"، والانحرافات الأخلاقيات التي كان يرتكبها في سبيل كشف نوايا صفوة المجتمع والشخصيات الدبلوماسية المهمة.
مزج الحقيقة بالخيال في رواية "ابنة الديكتاتور"مزج الكاتب شخصيات سياسية حقيقية داخل روايته مصحوبة بتحليل شخصياتهم وأفكارهم، مثل إسماعيل صدقي، رئيس الوزراء سابقًا، ومصطفى أمين مؤسس دار أخبار اليوم، والأديب المفكر عباس العقّاد، والشاعر إبراهيم ناجي، والكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، وحتى الكاتب نفسه مصطفى عبيد، واستعان بوثائق تاريخية حقيقية.
دارت أحداث رواية "ابنة الديكتاتور" على أنغام أغاني المطربة فيروز، وسط الاستعانة بأبيات المتنبي، التي ولعت به بطلة الرواية حفيدة "سناء بشكاش" في رحلة بحثها عن حقيقة قصة حياتها الحقيقية التي تجهلها تمامًا برغم أنها تربت في أحضان جدها وتعلمت منه حرية التفكير المنطقي، وحب الثقافة والأدب.
تطرقت رواية "ابنة الديكتاتور" إلى فلسفة الأحلام والرؤى ومدى ارتباطها بالواقع وهل هي رسائل ربانية أم رسائل شيطانية، وهل حقًا انتهى زمن المعجزات أم أنه لا يزال مستمرًا، ومنحة بمنحها الله _ عز وجل_ لمن يستحقها، كما امتزجت بالمشاعر العاطفية باستخدام الرسائل والشعر في التعبير عن الحب الحقيقي الصادق.
تقص رواية "ابنة الديكتاتور" حكاية امرأة عملت في الحركة الأمنية السرية في مصر خلال الفترة من الأربيعنيات حتى نهاية عصر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتروي أسرار تلك الفترة من واقع عملها.
لمحات من حكاية "ابنة الديكتاتور""سناء بشكاش" ضحية الفقر، التي ولدت عام 1929، قادها القدر لبيوت أحد رجال الأمن، الذي ينتهك حرمة جسدها في سن مبكر ليخضعها له جسديًا وفكريًا، ويجندها لصالح أحد الأجهزة الأمنية، والذي كان يبيح استغلال النساء في علاقات غير مشروعة بهدف جمع المعلومات.
تربت سناء على الفكر الاستغلالي القمعي فتبنت فلسفة الغاية تبرر الوسيلة واستباحت كل شيء حتى انتهاك القيم والمبادئ تحت شعار "مصلحة الوطن"، حتى أدركت أن الديكتاتورية هي المحرك الفعلي للانحرافات وأنها تتغير بتغير الأزمنة والحكام، فقالت في نهاية حياتها: "تذكرت كيف كان مصطلح ديكتاتور في الماضي محل فخر، ربما لأننا لم نر وقتها ديكتاتورا عنيفا ومستبدا، ثم صار المصطلح مرادفا للسفاحين والمتجبرين ومبعثري كرامات البشر بعد أن عاصرنا حكام ثورة يوليو حاكما خلف آخر".
وظهرت فلسفة منظومة الأمن آنذاك، حين قال أحد رجالها للبطلة: " الأسرار الحقيقية تحتاج لمن يقتربون من الناس أكثر ويتسللون إلى مخادعهم، يطلعون على نقاط ضعفهم، ويطالعون عريهم الإنساني. نحن نخوض حربا شرسة، بأسلحة غير تقليدية، ونحتاج أن نُضحي في سبيل الوطن بكل شيء لنحافظ عليه".