بغداد اليوم -  

عدد من أعضاء مجلس بغداد يؤدون اليمين القانونية أمام رئيس استئناف الكرخ القاضي خالد طه

يتبع ..

.

المصدر: وكالة بغداد اليوم

إقرأ أيضاً:

عبد الرزاق مقري: إنهاء المقاومة سيؤدي لتغوّل اليمين الصهيوني على العرب

يقول المفكر والسياسي الجزائري الدكتور عبد الرزاق مقري إن الحكام العرب عامة، وحكام مصر والأردن خاصة، "فهموا أن التهجير ليس تصفية للقضية الفلسطينية فحسب، بل هو خطر على أمنهم القومي"، وإن بعض الدول العربية فهمت أن "إنهاء المقاومة سيؤدي إلى تغوّل الحكومة اليمينية الصهيونية عليهم وعلى حدودهم".

وأضاف مقري، في حواره للجزيرة نت، أن "مجريات الأحداث في سوريا نتيجة مباشرة لطوفان الأقصى ولتحولات دولية سرّعها الطوفان بشكل غير مباشر"، وأنه "مهما كانت المخاطر التي تهدد الإنجاز التاريخي الذي حققته المعارضة بزعامة أحمد الشرع فهي في الاتجاه السليم"، مشيرا إلى أن "القوى الاستعمارية تسعى لتفريقنا على أساس الطائفة والعرق والمذهب والجهوية والمناطقية وغيرها".

وبيّن أن "الجهات الأكثر تطرفا في التيار اليميني الشعبوي، كنموذج دونالد ترامب، رأت أنه من حقها أن تمد يدها لثروات الشعوب مقابل حمايتها والدفاع عنها"، وأنه بسبب الشحن الديني والثقافي الذي يتميز به التيار اليميني بدا الوجه الفظ للعدوان الغربي على الشعوب، وصار التخلي عن القيم والأخلاق في التعامل مع الآخرين مكشوفا متوحشا بعدما كان مخادعا منمقا.

ويقول إن من أسباب انكشاف الانهيار القيمي في الحرب على قطاع غزة أن الأمر يتعلق بدولة إسرائيل التي يمثل قيامها ركنا من أركان المحافظة على المصالح الغربية في المنطقة، ووجودها جزءا من معتقدات قوى دينية بروتستانتية نافذة في أميركا.

إعلان

وأوضح أن "صعود اليمين المتطرف هو وجه من وجوه أزمة الرأسمالية المادية"، وأن انهيار المنظومة القيمية لدى الدول الغربية يمثل فرصة كبيرة للدول العربية والإسلامية من حيث إزالة وهم النموذج الحضاري الغربي.

يذكر أن عبد الرزاق مقري يشغل حاليا منصب الأمين العام لمنتدى كوالالمبور للفكر والحضارة منذ مارس/آذار 2015، وكان رئيسا سابقا لحركة مجتمع السلم، وعضو مجلس أمناء مؤسسة القدس العالمية، وعضو اللجنة الدولية لكسر الحصار على غزة.

ولمقري العديد من المؤلفات من أبرزها "درب المقاومة.. جهاد الشعب الجزائري ضد الاحتلال (1830-1962)"، و"المشكلات العالمية الكبرى والعلاقات الدولية.. دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي حول مشكلات التنمية والبيئة في العالم"، و"فكرنا السياسي"، و"قبل الحراك.. عن التيه الحكومي وفي البدائل المنشودة"، و"الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور" وغيرها. فإلى نص الحوار:

ما الذي غيره طوفان الأقصى وحرب الإبادة الجماعية على غزة في وجدان الشعوب؟

غيّر الطوفان أشياء كثيرة في وجدان الشعوب، لقد أظهر للشعوب ما هو ثمن الكفاح من أجل التحرير ونيل الحقوق، وبيّن بأن ثمة في العالم فئة من الناس قادرة على فعل المستحيل في كفاحهم ضد المحتل، وأن إلحاق الأذى بالعدو لا يتطلب التكافؤ في القوة، وإنما التمسك بالقيم النبيلة والتوكل على الله  وحسن التخطيط والإعداد والاستعداد والانضباط والشجاعة والإتقان في التنفيذ، والاستعداد للتضحية وتقديم الأثمان العالية، كما بينت حرب الإبادة أن ثمة شعبا في هذه الدنيا في أرض غزة لهم القدرة على تحمل ما لا تتحمله الجبال الرواسي من أجل التمسك بأرضهم وحماية مقاومتهم.

وفي المقابل رسمت حرب الإبادة الجماعية في وجدان الشعوب مدى وحشية وسادية ونازية الاحتلال الاسرائيلي، وبينت أن قادة هذا الاحتلال بلا أخلاق البتة وبلا مشاعر إنسانية مطلقا، لا يعيرون أي احترام للمبادئ الإنسانية والقوانين الدولية، وقد ظهرت حقيقتهم في هذه الحرب إلى الحد الذي جعلهم يخسرون رهان السردية، وخطاب المظلومية الذي نالوا به تأييد الناس في العالم، خصوصا في العالم الغربي المسؤول الأوحد تاريخيا عن العنصرية والإبادة ضد اليهود.

إعلان

كما أوضحت مأساةُ غزة عمق نفاق ساسة الغرب وإعلامه وكثير من نخبه، وصار راسخا في وجدان الشعوب بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان هي مجرد شعارات في الدول الغربية تستعمل بمعايير مزدوجة وللضغط على الأنظمة الاستبدادية وابتزازها من أجل المصالح، وأن مجلس الأمن هو ناد للمحافظة على مصالح الأقوياء، وأن المنظمات الدولية هيئات عاجزة ومتحكم فيها لا تستطيع إحقاق حق أو إنصاف مظلوم.

مجريات الأحداث في سوريا نتيجة مباشرة لطوفان الأقصى ولتحولات دولية سرّعها الطوفان بشكل غير مباشر

وماذا عن التأثيرات الوجدانية المحلية لعدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة؟

من أهم وأوضح ما رسّخه العدوان في أذهان الشعوب الخذلان العام الذي تميزت به الأنظمة الحاكمة وكثير من الأحزاب والمنظمات والنخب في العالم الإسلامي تجاه الظلم والعدوان الذّي أصاب أشقاءهم الفلسطينيين، ورغم الدعم المتنوع الذي قدمته الشعوب العربية والإسلامية، خصوصا في المجال الإغاثي والإعلامي، لم تستطع تلك الشعوب كسر حالة الحصار المطبق على غزة أثناء إبادة شعبها.

ورغم كل ذلك أحدثت أحداث غزة هزة عظيمة في الوجدان تحولت إلى وعي عام لدى الجماهير في فلسطين وفي العالم العربي وفي العالم كله، سيكون له دور كبير في حركة التغيير ضد الظلم والاستبداد والفساد والنفاق السياسي، وسيخلق توازنات جديدة لصالح التغيير، وقد بدأت أمارات ذلك تظهر، ومنها نتائج الانتخابات في أميركا وبعض الدول الغربية، وأوضح وأهم نتيجة للطوفان وباكورته في العالم العربي هو التغير التاريخي الذي حدث في سوريا.

هل تأثير ما جرى في غزة والضفة بعيد عن الحكام العرب والمسلمين، في ظل مبادرات دولية ضد التخلي عن حقوق الإنسان؟

في الحقيقة لا توجد مبادرات دولية استطاعت أن توقف العدوان، ولكنها استطاعت أن تفضح الكيان الإسرائيلي فحسب، منها مبادرة جنوب أفريقيا وما تم التوصل إليه من أحكام واضحة ضد القادة الإسرائيليين في محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. والغريب في الأمر أن هذه المبادرات لم تكن من قبل الحكام العرب والمسلمين، بل بعضها لم ينخرط حتى في مسار مساندة هذه المبادرات.

إعلان

ثمة كثير من الأوراق في أيدي الدول العربية والإسلامية كان يمكن استعمالها لوقف العدوان وإغاثة أهلنا في غزة، ومن ذلك وقف التطبيع وقطع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، أو على الأقل التلويح بذلك، ومن ذلك العمل الدبلوماسي الفاعل والمنسق والكثيف في اتجاه الحكومات في العالم وفي اتجاه المنظمات الدولية، والسلاح الاقتصادي وسلاح النفط، والسلاح الإعلامي، والسلاح الشعبي بفسح المجال للجماهير للتظاهر في الشارع في كل الدول بشكل دائم ومكثف ومحاصرة سفارات الدول الشريكة في العدوان، بما يعطي الصورة للإسرائيليين والغربيين بأن الشعب الفلسطيني ليس معزولا وأن مصالح كل من يشارك ويعين على الإبادة مهددة.

إنه لا يتصور حقيقة أن يحدث لشعب عربي مسلم من الأهوال مثل التي حدثت لسكان غزة ولا يهب حكام العرب والمسلمين لنجدته وإنقاذه، لا يمكن البتة فهم كيف يموت الفلسطينيون بالقصف والتجويع والأمراض والبرد وجيرانه لا يحركون ساكنا، بل يساهمون في حصاره.

غير أنه لا يمكن إنكار المجهودات التي بذلتها قطر ومصر في مسار المفاوضات بما ساهم في وقف إطلاق النار في المرة الأولى والثانية، وما قامت به وتقوم به قطر خصوصا في هذا الشأن.

لا بد من الإشارة كذلك إلى أن قادة النظام العربي أدركوا خطورة قيادة الكيان على دولهم واستقرار أمرهم هم ذاتهم، وأن الحكومة الاسرائيلية اليمينية بقيادة نتنياهو لم تترك لهم أي مبرر أمام شعوبهم، وليست شريكة حتى في مستوى التطبيع والتفاهمات التي يريدونها.

لقد فهم الحكام العرب، وخصوصا حكام مصر والأردن، أن التهجير ليس تصفية للقضية الفلسطينية فحسب، بل هو خطر على أمنهم القومي، بل ثمة من فهم داخل بعض الدول العربية بأن إنهاء المقاومة سيؤدي إلى تغول الحكومة اليمينية الصهيونية عليهم وعلى حدودهم. لهذا كانت قرارات الجامعة العربية الأخيرة معقولة وقبلتها المقاومة الفلسطينية وثمنتها.

إعلان

وهذا الموقف دون ما هو مطلوب بكثير، ولا يلغي صورة الخذلان التي على جبين الحكام، وإنما رفضوا التهجير خوفا على عروشهم، ولم يتطرقوا إلى سلاح المقاومة لأن بعضهم ينتظر أن يُجهز عليه الإسرائيليون.

مهما كانت المخاطر التي تهدد الإنجاز التاريخي الذي حققته المعارضة بزعامة أحمد الشرع فهي في الاتجاه السليم

⁠ما هي الفرص والتحديات التي تواجه الحكام الجدد في سوريا؟

مجريات الأحداث في سوريا إنما هي نتيجة مباشرة لطوفان الأقصى ولتحولات دولية سرّعها الطوفان بشكل غير مباشر.

خلافا لثورات الربيع العربي لم تتوقف الثورة السورية ولم تبق سلمية. حينما تسلحت كرد فعل على إجرام نظام بشار الأسد بحق المظاهرات السلمية كادت أن تسقط النظام في دمشق لولا التدخل الإيراني وحلفائه في المنطقة، ثم التدخل الروسي.

والعوامل التي ساعدت على تحقيق هذا الإنجاز كثيرة منها الدعم التركي، وانشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا، والتحولات السياسية والاجتماعية داخل إيران ذاتها، وأثر المواجهة بينها وبين الكيان الصهيوني وما تتعرض له من تهديدات أميركية، والأضرار التي أصابت حزب الله في اشتباكه مع الإسرائيليين نصرة لغزة، والشكوك وأزمة الثقة التي دبت بين النظام السوري وداعميه في إيران وحزب الله، والتحولات السياسية الأميركية، وسهولة التفاهم بين تركيا وترامب، والترحيب بالتحولات، ولو بشكل حذر، من قبل دول عربية أساسية.

ومهما كانت المخاطر التي تهدد الإنجاز التاريخي الذي حققته المعارضة بزعامة أحمد الشرع ومن معه فهي في الاتجاه السليم من حيث الإنجاز ذاته المتمثل في إسقاط نظام مجرم لم يعرف التاريخ المعاصر مثيلا له في علاقة الحكام بشعوبهم، ومن حيث التطور الكبير في خطاب حكام سوريا الجدد، وطريقة تسيير المخاطر وتشكيل الحكومة والعلاقات الخارجية، والتعامل مع الفلول، وصياغة الوثيقة الدستورية، وأخيرا الاتفاق الذي أبرم مع "قسد".

لا شك في أن هذا النجاح المستمر له علاقة بأصحابه، ولكن التحولات والتدافعات التي ذكرتها من قبل لا تزال تعمل لصالح التجربة، بل هي حاسمة في نجاحها، وهي التحولات والتدافعات التي لم تكن حاضرة لصالح تجارب الربيع العربي الأخرى، خصوصا ما يتعلق بالظهير الخارجي المتمثل في الدعم التركي القوي والمتواصل والفاعل.

إعلان

إن العوامل التي صنعت الدعم التركي عديدة منها علاقات الجوار والتأثر المتبادل بالأحداث، وملف الهجرة الذي بات مشكلة داخلية عويصة بالنسبة للأتراك، والمصلحة الإستراتيجية المشتركة بين الأتراك والسوريين المتعلقة بقوى سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، المدعومين والمحميين بشكل مباشر من الولايات الأميركية المتحدة.

وهنا يجب التنبيه إلى أن الاتفاق التي وقع بين أحمد الشرع وأكراد سوريا بقدر ما هو مطمئن للأتراك، فإنه يثير مخاوف جادة لديهم عبّر عنها وزير الخارجية التركي، وسيبقى الملف مفتوحا تراقبه تركيا عن كثب وقد يمثل مشكلة ما في توازن القيادة السورية بين الأميركيين والأتراك.

وبناء على هذا يمكن القول بأن ثمة فرصا كبيرة تعضد الحكام السوريين الجدد منها:

الترحيب الشعبي السوري الكبير بالإنجاز، خصوصا لدى الأغلبية السنية، مما يعطي فسحة واسعة للحكام الجدد لترتيب أمورهم، وما يقابل ذلك من ضعف وتشتت للمعارضة السياسية السورية، وتحولات إقليمية غير مناسبة للأقليات الدينية والعرقية التي قد تهدد الاستقرار ووحدة سوريا. وجود الظهير الخارجي التركي القوي، عسكريا واقتصاديا وفي العلاقات الإقليمية والدولية. الترحيب العربي الذي تحول إلى إجراء رسمي بإدماج رئيس سوريا أحمد الشرع في اجتماع القمة الأخير في الجامعة العربية، ويمكن تحديد عدة أسباب لهذا الترحيب العربي، منها إخراج إيران من سوريا، وعدم وجود علاقة للحكام السوريين الجدد بالإخوان المسلمين، وعدم الاعتراض المبدئي للولايات الأميركية على التحول السياسي القائم، وعدم ترك الساحة السورية لتركيا وحدها. انشغال روسيا بحرب أوكرانيا والظروف الداخلية والخارجية المحيطة بإيران وحزب الله، وهي الظروف ذاتها التي ساعدت على نجاح المعارضة في إسقاط نظام بشار. التحولات السياسية القائمة في الولايات الأميركية المتحدة من حيث رغبة ترامب في إنهاء انشغال أميركا بالحروب والصراعات خلافا لنهج أسلافه الديمقراطيين، مما ساعد على الضغط على الأكراد السوريين للاندماج في النظام السوري الجديد، كما أن الخلافات الكبيرة مع الأوروبيين بخصوص أوكرانيا شغلت هؤلاء بأنفسهم. إعلان

غير أن هذه الفرص تواجهها تهديدات جادة لمستقبل سوريا منها:

التهديدات الأمنية التي يشكلها فلول النظام، والطوائف الدينية القلقة، وما يصاحبها من انتشار السلاح والتدخلات الخارجية من دول تضررت من الوضع الجديد. مخاطر التقسيم التي تأتي من الأكراد في الشمال الشرقي والعلويين في الساحل والدروز من الجنوب، ومدى تورط الولايات الأميركية والكيان الإسرائيلي من جهة، وروسيا وايران من جهة أخرى في هذا المسار المحتمل. الأطماع الإسرائيلية وتحرشاتها المستمرة بريا وسيطرتها على الأجواء السورية. مخاوف رجوع التدخل الإيراني والروسي بأشكال مختلفة بغرض إسقاط النظام الجديد أو ابتزازه. صعوبة بناء الاقتصاد السوري من جديد وتدهور الجبهة الاجتماعية في حال تعطل مشاريع التنمية. صعوبة البناء المؤسسي في المرحلة الانتقالية وتحقيق التوافق بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية. رهان المحافظة على السيادة ودقة توازنات الحكام الجدد في علاقاتهم الخارجية بين تركيا والولايات الأميركية والدول العربية وروسيا وإيران.    كيف يمكن التخلص من الفكر الطائفي في ظل التنافس السياسي بالمنطقة؟

الطوائف الإسلامية موجودة في العالم الإسلامي منذ القدم، وهي قد تشكلت منذ البداية ضمن بيئة الصراع السياسي بين المسلمين، وحين تحولت الاختلافات السياسية إلى مذاهب فقهية واتجاهات عقائدية وتشكلت على أساسها دول في المشرق والمغرب تعايش المسلمون في ظلها، وقد كان التنافس والصراع السياسي داخل الأمة الإسلامية في كل الاتجاهات الطائفية، داخل الطائفة الواحدة وبين الطوائف، بل إن التحالفات بين الدول كانت عابرة للطوائف، ولم تكن تمثل الطائفية أساسا للصراع في الغالب إلا حينما تستعمل في التنافس السياسي.

على الصعيد الفقهي والعقائدي الطائفة السنية هي الأكبر ولا مجال للمقارنة بينها وبين غيرها، فلو نهضت الدول السنية وحققت وحدتها وتطورها ستلتحق بها الطائفة الشيعية كجزء من الأمة وكذا كل الطوائف الأخرى.

إعلان

لو نراجع خط التاريخ سنجد أنه كلما نهض السنة نسّبت مختلف الطوائف الأخرى ذات الأقلية طموحها ودخلت ضمن مجموع المسلمين في حدود حجمها، وكلما ضعف العالم السني طمعت الطوائف الأخرى في التمدد.

فبدل التنافس السياسي على أساس طائفي، وتجييش الجماهير باستعمال هذه العاطفة، لنتنافس من أجل النهوض والازدهار والتطور، لتنافس من أجل الخير العام كما أمرنا الله تعالى: (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).  والطريق إلى ذلك هو التسلح بالعلم والفهم الصحيح للإسلام والإيمان العميق، والحب والبغض في الله، وصدق التوجه في طلب مصلحة الأمة.

من أسباب انكشاف الانهيار القيمي في الحرب على غزة أن الأمر يتعلق بدولة إسرائيل التي يمثل قيامها ركنا من أركان المحافظة على المصالح الغربية بالمنطقة، ووجودها جزء من معتقدات قوى دينية بروتستانتية نافذة في أميركا.

لكن، ماذا عن الأطماع الخارجية في المنطقة؟

الأطماع الخارجية في المنطقة تجد طريقها إلينا بتشتتنا وتفرقنا، ولذلك تسعى القوى الاستعمارية إلى تفريقنا على أساس الطائفة والعرق والمذهب والجهوية والمناطقية وغير ذلك، وعبر كل مراحل التاريخ يعتمد الاستعمار على دعم الأقليات أو استعمالها كفزاعة لابتزاز الجميع. وعليه يمكن اعتبار التحكم في فقه التنوع وإدارة الاختلاف والتعامل القويم مع الأقليات من أهم أسس الرشد في إدارة الشأن العام، وأصول هذا الرشد موجودة في ديننا الحنيف وتجربتنا التاريخية، وقد صار علما وفنا يتدرب عليه في الزمن المعاصر يمكن الاستفادة منه.

ما هي الفرص والتحديات التي تواجه الدول العربية في ظل تخلي حكام الغرب عن قيمهم الغربية وعودة أقصى اليمين في بلدان غربية عدة؟

صعود اليمين المتطرف هو وجه من وجوه أزمة الرأسمالية المادية، لقد أدى استحكام الأزمة الاقتصادية والمالية في الدول الغربية، وتركز الثروة في أياد قليلة من رجال المال والأعمال، وتعمق الفروق الاجتماعية إلى تراجع الأحزاب التقليدية اليسارية واليمينية، إذ لم تتمكن هذه الأخيرة عبر تداولها على الحكم من معالجة الاختلالات الكبرى للنظام الرأسمالي منذ أزمة 2008، ولم تفلح في الاستجابة للمطالب الاجتماعية المتصاعدة في بلدانها.

إعلان

عندئذ برز تيار يميني شعبوي يُحمّل المؤسسة الحكومية والطبقة السياسية القديمة المسؤولية، وبدل البحث في الجذور الفلسفية للأزمة راح هذا التيار المتطرف يتهم المهاجرين (الذين أقبلوا على دول الشمال هروبا من الأزمات الاقتصادية والأمنية والسياسية المستحكمة في بلدانهم والتي تسبب فيها الاستعمار القديم والجديد ذاته) بأنهم هم السبب في تقلص فرص العمل، وأنهم يعيشون على مساعدات الدولة، وأن أعدادهم الكبيرة ستؤثر ثقافيا وحضاريا على بلدانهم، والجهات الأكثر تطرفا في التيار اليميني الشعبوي، كنموذج دونالد ترامب، رأت أنه من حقها أن تمد يدها لثروات الشعوب مقابل حمايتها والدفاع عنها.

وفي حقيقة الأمر لا توجد فروق جوهرية بخصوص التخلي عن القيم في العالم الغربي بين القوى السياسية التقليدية والقوى اليمينية الشعبوية الجديدة. فمن حيث المنشأ أقام الغرب حضارته على أساس استعمار الشعوب وأخذ خيراتها في أفريقيا وآسيا وإبادة واستعباد الناس في القارة الأميركية.

لا شك في أن الحضارة الغربية عرفت مجدها بإعلاء قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان داخلها، ولكن لم تعبأ بها بالنسبة للشعوب الأخرى، وقبل بروز اليمين المتطرف كانت القوى السياسية التقليدية اليمينية واليسارية تستعمل ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان بمعايير مزدوجة من أجل ابتزاز القادة السياسيين والحكومات والتيارات الذين لا يخضعون لإرادتها، ويتجاهلون ذلك مع الأنظمة الموالية لها، وفي رصيد الدول الغربية دعم مطلق لقوى وحكومات شمولية واستبدادية في عالمنا العربي والإسلامي وفي كل القارات.

وحين برز اليمين المتطرف أظهر الغرب على حقيقته، وبسبب الشحن الديني والثقافي الذي يتميز به هذا التيار اليميني بدا الوجه الفظ للعدوان الغربي على الشعوب، وصار التخلي عن القيم والأخلاق في التعامل مع الآخرين مكشوفا متوحشا بعد ما كان مخادعا منمقا.

إعلان

كما أن من أسباب انكشاف الانهيار القيمي في الحرب على غزة، عند الأحزاب والقوى التقليدية والقوى اليمينية الصاعدة، كلاهما وفي الوقت نفسه، أن الأمر يتعلق بدولة إسرائيل التي يمثل قيامها ركنا من أركان المحافظة على المصالح الغربية في المنطقة، ووجودها جزءا من معتقدات قوى دينية بروتستانتية نافذة في أميركا.

إن انهيار المنظومة القيمية لدى الدول الغربية يمثل فرصة كبيرة للدول العربية والإسلامية من حيث إن ذلك يزيل وهم النموذج الحضاري الغربي عند شرائح عريضة من المسلمين المنبهرين به والطامعين في التحالف معه، ويجعل الجميع يشعر بأن خطر الاستعمار الجديد حقيقي وليس من باب التفكير التآمري، وأنه لا يحمي العرب والمسلمين من الأطماع الغربية منظمات دولية ولا قانون دولي ولا تحالفات معه، ولا حتى بذل المال له والتفريط في السيادة والثروات لكسب وده.

إن الصورة العدوانية المتوحشة التي ظهرت بها الولايات الأميركية المتحدة وبعض الدول الأوروبية في مشاركتها في العدوان على غزة، وتهديد بعض الدول العربية مباشرة لقبول تهجير الفلسطينيين إليها، والاستخفاف والاحتقار الذي أظهره الرئيس ترامب تجاه بعض ملوك ورؤساء الدول العربية، يدعو هؤلاء جميعا إلى الاعتماد على شعوبهم ومقدرات دولهم وتطوير بلدانهم وكسب أسباب القوة وتحقيق الوحدة بينهم وتغيير سياساتهم الخارجية وتوجهاتهم الدفاعية لحماية أنفسهم ورد المخاطر التي تهدد أوطانهم.

الجهات الأكثر تطرفا في التيار اليميني الشعبوي، كنموذج دونالد ترامب، رأت أنه من حقها أن تمد يدها لثروات الشعوب مقابل حمايتها والدفاع عنها

⁠ما هي الأمور التي يجب أن يهتم بها المهاجرون العرب والمسلمون في الغرب حاليا؟

هناك إستراتيجيتان أساسيتان يتعامل من خلالهما الغرب مع المهاجرين. ثمة القوى المؤسسية التقليدية التي تعتبر الهجرة فرصة للدول الغربية، خصوصا في أوروبا، لتجاوز مخاطر التراجع الديمغرافي الذي تسبب فيه التفكك الأسري والفلسفة الفردانية وعدم الإنجاب، ولجلب العمالة وجذب العقول المهاجرة.

إعلان

ويرى هؤلاء أن التأثيرات الثقافية التي يأتي بها الوافدون من ثقافات أخرى، خصوصا من العالم الإسلامي، يمكن تجاوزها بالتدرج بابتلاع الأجيال اللاحقة من أبناء المهاجرين، ابتداء من الجيل الثاني والثالث، في ثقافة الدول الغربية المستقبلة، ومن نماذج ذلك استفادة "ألمانيا ميركل" من محنة السوريين واستيعاب عشرات الآلاف منهم.

وثمة القوى اليمينية المتطرفة الصاعدة التي بنت سياساتها واختراق مجتمعاتها بخطاب معاد المهاجرين وتحميل هؤلاء أزمات الشغل والإرهاب والتهديدات الثقافية.

والمهاجرون يواجهون أخطارا محققة من الطرفين، سواء أخطار التفكك الأسري وإخراج الأبناء من المسؤولية التربوية للوالدين وإدماجهم في ثقافات وسلوكيات مخالفة لدينهم ودين آبائهم وثقافة مجتمعاتهم الأصلية، بشتى الوسائل، أو مخاطر العنصرية والإسلاموفوبيا والترحيل.

غير أن المسلمين في المهجر والناشئين في الغرب بإمكانهم تجاوز هذه المحن والمخاطر بتنظيم أنفسهم وحماية بعضهم بعضا بمعرفة دينهم والتمسك بهويتهم جيلا بعد جيل، وبالاهتمام بالأسرة وعدم الخضوع للتهديدات التي تحيط بها، والمعرفة العميقة بقوانين بلدان الإقامة واستعمالها لحماية أنفسهم، وبالبناء المؤسسي في مختلف المجالات بما يصنع بيئة الصمود والخدمة والتضامن والقوة والتأثير بينهم وفي غيرهم.

إضافة إلى ذلك هناك التأهيل القيادي بغرض إبراز قادة قدوات مؤثرين في محيطهم الإسلامي وفي المجتمع كله، والتحول إلى قوة ناخبة منظمة وموحدة تؤثر في التحولات الانتخابية والقرارات السياسية، والاعتماد على التحالفات في القضايا المشتركة، كالتحالف مع اليسار في القضية الفلسطينية والحريات، ومع اليمين في قضايا الأسرة والقيم. وللمسلمين في بلاد غير المسلمين نماذج لأقليات كانت مضطهدة، ثم تحولت عبر رؤى رسمها قادتهم والتزموا بها إلى أن باتوا لوبيات وجماعات تأثير وضغط كبيرة.

إعلان بوصفكم قائدا سابقا لحركة إسلامية، كيف تقيمون تجربة المشاركة السياسية للجماعات الإسلامية في العالم العربي؟ أين أخطأت وأين أصابت؟

تجربة الحركات الإسلامية في المنافسة السياسية كانت حتمية لم يختاروها ولم يخططوا لها، فقد جرت عليهم القواعد السننية الاجتماعية من حيث إن عملهم العميق والطويل لفكرتهم الإسلامية عبر عقود من الزمن منذ نهاية عشرينيات القرن الماضي صنع لهم حاضنة اجتماعية قوية ومنتشرة ارتفع زخمها بعد انهيار المشروع القومي إثر هزيمة 1967 أمام الجيش الصهيوني.

وبما أن الأفكار التي تنتشر في المجتمع وتتجذر وتتعمق فيه تنتقل حتما من كونها حالة تنظيمية واجتماعية إلى حالة سياسية، فإن الفكرة الإسلامية التي صنعت صحوة عامة في المجتمعات الإسلامية تحولت إلى حالة سياسية تطالب أصحابَها بنقلها إلى الدولة، إذ باتت المجتمعات المقتنعة بفكرة "الإسلام هو الحال" تطالب الدعاة إليها بنقلها إلى المؤسسات الرسمية لتجسد لهم أشواقهم ومطالبهم المادية والمعنوية.

وحينما تحولت الحركات الإسلامية إلى أحزاب وحركات تتنافس على الحكم وجدت نفسها أمام تحديين كبيرين وهما تحدي الصد العظيم من القوى الخارجية والأنظمة الحاكمة في بلدانها، والتحدي الداخلي المتمثل في عدم التجديد الذي يتناسب مع المهمة السياسية الحضارية الجديدة.

لقد اشتغلت الحركة الإسلامية لمدة قرن من الزمن في فقه الدعوة، وحققت بذلك نجاحا حاسما تمثل في الصحوة الإسلامية العامة في مختلف مناحي الحياة، وإرجاع الناس إلى الفهم الصحيح للإسلام والتزام طبقات شعبية عريضة به، وهي الصحوة التي تشغل العالم اليوم،  ولكنها أثناء ذلك لم تهتم بقضايا السياسة والحكم والاقتصاد والاجتماع والعلاقات الدولية وإدارة الصراع وغير ذلك، وحينما انتقلت إلى الممارسة السياسية لم تكن تتحكم في أدواتها وفقهها وحكمتها، فوقعت في أخطاء جسيمة وغابت عنها الرؤية وعجزت بمنهجها القديم عن العبور إلى الدولة، والانتقال من الصحوة في المجتمع إلى النهضة التي لا تقدر عليها سوى الدول بمواردها وقوتها وشوكتها حين تقوم على الفكرة والرؤية.

إعلان

لم يكن هذا الاضطراب في الرؤية مستغربا، فالصيرورة التاريخية طيلة قرن من الزمن تلتقي مع حتمية نصية هي حتمية التجديد التي نص عليها الحديث الشريف "يرسل الله على رأس كل مئة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها". فنحن إذن في مرحلة التجديد، والحركات التي تجدد نفسها هي التي تعبر إلى القرن الجديد ولو كانت صغيرة حاليا، والحركات التي ترسب في العبور هي التي لا تجدد نفسها ولو كانت كبيرة ومنتشرة.

حينما انتقلت الحركات الإسلامية للممارسة السياسية لم تكن تتحكم في أدوات السياسة، فوقعت في أخطاء جسيمة وغابت عنها الرؤية وعجزت بمنهجها القديم عن العبور إلى الدولة

هناك دعوات لتجديد الرؤية والعمل لدى الجماعات الإسلامية، ماذا يجب أن تغيره بالضبط؟

مجالات التجديد التي على الحركات الإصلاحية والإحيائية الاهتمام بها كثيرة، وقد تطرقت إليها في العديد من كتبي منها كتاب "الحركة الإسلامية: الماضي والحاضر والرؤية المستقبلية" وكتاب "البيت الحمسي" وخصوصا كتاب "الاستنهاض الحضاري وتحدي العبور".

والمجالات المطلوب التجديد بخصوصها هي مجالات العبور من مرحلة الصحوة الشاملة التي تحققت إلى مرحلة النهضة الحضارية الشاملة المنشودة، ومن ذلك مجالات المعارف والاجتهاد العلمي والتجديد الفكري وتطوير الرؤى بما يتناسب مع هذا العبور، ومناهج التربية والدعوة والتكوين ومجالات الإدارة والتنظيم والقيادة والخطاب وبناء المؤسسات، ومجالات القوة والإعداد والتأثير، ومجالات العلاقات والتحالفات وإدارة الصراع وغير ذلك.

هناك دعوات بين المفكرين السنة والشيعة لتجديد أدوات فهم ودراسة العلوم الشرعية خاصة والدين عامة، ما هي إيجابيات وسلبيات هذه الدعوات؟

التجديد واجب شرعي وضرورة حياتية، وقد أشارت إليه كثير من النصوص في الكتاب والسنة أشهرها (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها)، والتجديد بالمفهوم الإيجابي هو الاشتغال على شيء موجود صار قديما لإرجاعه إلى بريقه كما كان في نشأته، بما ينزع عنه الانحراف الذي علق به، وإحياء ما اندرس منه، والاجتهاد في إيجاد ما يتطلبه الانتفاع به بما يحقق مقصده الذي وجد من أجله.

إعلان

وكل شيء في الحياة يحتاج تجديدا، فما لا يتجدد يتبدد، وما لا يتطور يتدهور، وما لا يتقدم يتقادم. وباعتبار أن فكرة الإسلام صالحة لكل زمان ومكان وتنسجم مع الأعراف والثقافات بما يحافظ على الصالح فيها ويصلح الفاسد منها، فهي واجبة الوجود والتجديد في كل الأحوال وعند كل اقتضاء، وقادرة على التأهل للعبور لكل العصور.

ولا يمكن أن يحدث هذا العبور إلا عن طريق التجديد من خلال استلهام مقاصد الإسلام وكلياته وقطعياته، وتنزيلها على الواقع لاستخراج الأحكام والمناهج والنظم والآليات، بما يصلح مع كل زمان ومكان.

وعلى هذا الأساس، لا يوجد حد لمجالات التجديد، وكل تجديد يؤهل للاستئناف الحضاري فهو تجديد مقصود في الحديث الشريف، وهو لا ينضبط بالضرورة بزمن محدد من القرن، فقد يكون في أوله يستكمل فيه، أو في آخره ويتأخر إليه أو يستغرقه كله، بحسب الاحتياج في كل مكان وزمان.

ولا يتعلق التجديد بظهور شخص مجدد هنا أو هناك حصريا، فقد يتعلق الأمر بطبقة من المجددين في فترة واحدة أو على فترات متقاربة، وفي مجالات وتخصصات متعددة. وأي مساهمة تطويرية، من فرد أو مجموعة، لصالح الإسلام والمسلمين تكون من التجديد المطلوب شرعا.

غير أن ثمة مخاطر جمة ظهرت مع دعوات التجديد في الدين، وهي الدعوات التي تريد تغيير الدين لا تجديده. وهي دعوات ظهرت في العالم الإسلامي من مستشرقين ومثقفين يستعملون النصوص الشرعية والتاريخ الإسلامي لتقويض الإسلام ذاته، وهدم أسسه وأصوله وثوابته وكلياته. وعادة ما يفعل هؤلاء ذلك انبهارا بالحضارة المادية الغالبة أو خدمة لأعداء الأمة أو من باب الجهل بالإسلام وضعف الحصانة النفسية.

وقد اجتهد الغرب كثيرا لصناعة الجرأة على الإسلام لصناعة "بروتستانتية إسلامية" على نحو ما وقع عندهم في مواجهة الكنيسة الكاثوليكية في القرن الخامس عشر وما يسمونه بحركة الإصلاح الديني.

إعلان

وقد شهدت ذلك بنفسي في تسعينيات القرن الماضي من خلال سلسلة حوارات بين مراكز دراسات ومؤسسات غربية وقيادات إسلامية دامت سنوات كنا نعتقد بأنهم يبحثون عن مساحات مشتركة بيننا وبينهم في مجالات الديمقراطية وقضايا المرأة والحرية الاقتصادية والعلاقات الدولية، لكن تأكد لدينا أنهم كانوا يريدوننا أن نغير ديننا لكي لا تكون لنا أي مرجعية لها صلة بالوحي في الشأن السياسي، وأن نحل الربا في الشأن الاقتصادي، ونكسر الحدود الشرعية في مسائل الأسرة والشؤون الاجتماعية، وأن نندمج في المنظومة الدولية الرأسمالية ونعترف بالكيان الصهيوني، ولا بأس بعد ذلك أن نحافظ على الصلاة والصيام والحج في العبادات، وما يتعلق بالأبعاد الثقافية الاجتماعية الفلكلورية.

رغم الاختراقات الكبيرة التي حققها الفكر الإسلامي على المستوى النظري، فإنه لم يستطع أن يعبر إلى الدولة بسبب هيمنة الاستبداد وعدم التجديد للنجاح في إدارة الصراع

هناك مفكرون يدعون إلى تجديد علم الكلام من خلال اعتماد العلوم الإنسانية، بالمقابل يدعو آخرون لاعتماد العلوم الإسلامية في هذا التجديد، أيهما أقرب للصواب؟ ولماذا؟

يتطلب الجواب على هذا السؤال تعريف مفرداته، ما هو علم الكلام؟ وما هي العلوم الإنسانية؟ وما العلاقة بينها؟

علم الكلام هو استعمال الحجج العقلية والأدلة النقلية للدفاع عن العقيدة الإسلامية، ويسمى علم أصول الدين وعلم التوحيد، وهو جزء من العلوم الإسلامية، غير أن عبارة علم الكلام لم تثبت في الاستعمالات العلمية والأكاديمية كثيرا لصالح عبارات علم أصول الدين والعقائد وعلم التوحيد، في الزمن الراهن، بسبب الخلافات الكبيرة بين المذاهب الإسلامية في قضايا العقيدة والاستدلالات العقلية على المسائل الإيمانيّة.

والعلوم الإنسانية هي دراسة الظواهر البشرية لتعريف الإنسان بوجوده وعلاقته بالكائنات والأنظمة المشكلة لمحيطه في الكون، وهي تعتمد على دراسة تجاربه التاريخية وتصرفاته وتفاعلاته الراهنة، في مختلف المجالات الأدبية والفنية والاتصالية والاقتصادية والاجتماعية.

إعلان

ولئن كان العلم الحديث قد تطور كثيرا في دراسة الإنسان في ذاته وفي اتصاله بمحيطه، مما يمكن الاستفادة منه، فإن أصل معرفة الإنسان لنفسه وطبيعته وتصوره للأمم الغابرة ولمحيطه، بالنسبة للمسلمين، متضمن في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة.

ومن هذا المنطلق لا يوجد تناقض في تجديد فهم الإسلام ودفع الشبهات عنه وحسن تقديمه للناس بين العلوم الإسلامية والعلوم الإنسانية إذا كانت تعود كلها إلى المصدرين الأساسيين كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

يقال بأن هناك انفصالا بين الفكر والواقع، كيف يمكن جسر الهوة بينهما؟

في سياق حديثك عن التجديد الإسلامي وعلم الكلام والعلوم الإنسانية والإسلامية يفهم أنك تقصد الانفصال بين الفكر الإسلامي والواقع، ولجسر الهوة بين الفكر والواقع علينا أن نفهم سبب الانفصال بينهما.

إن الفكر الإسلامي لا يمكن أن يكون له أثر في الواقع ما لم تكن له أدوات تطبيقية، وعلى رأس هذه الأدوات القوانين والمؤسسات المجتمعية والرسمية، وهذا الأمر لا يتم إلا من خلال المكنة في الدولة، لا يمكن للأفكار أن تتحول إلى واقع معيش يستفيد منه الناس إلا إذا حولتها الدولة إلى قوانين ملزمة ومؤسسات مطوّرة وموارد بشرية ومالية خادمة وشوكة حامية.

وهذا الأمر غير متاح في عموم العالم العربي والإسلامي من حيث إن الحكم السائد في بلداننا حكم علماني لا يهتم بالفكر الإسلامي والعلماء والمفكرين في أغلب مجالات الشأن العام.

ورغم الاختراقات الكبيرة التي حققها الفكر الإسلامي في المجتمع على المستوى النظري وما نشر في ذلك من كتب وموسوعات في مختلف الاختصاصات الإسلامية وما أسس من مؤسسات في مختلف المجالات، ورغم أنه أصبح هو الغالب في المجتمعات الإسلامية، فإنه لم يستطع أن يعبر إلى الدولة بسبب هيمنة الاستبداد واستحالة التداول على السلطة إلى حد الآن، وبسبب عدم تجديد العاملين له أنفسهم للنجاح في إدارة الصراع من أجل العبور إلى الدولة.

إعلان

فالذين يقولون بأن أصحاب المشروع الإسلامي أو الفكر الإسلامي لم يحققوا إنجازا عمليا يذكر لمصلحة الأمة والأفراد مخطئون لأن الفكر لا يمكن أن ينفع الناس ما لم يصنع ويطور أدواته العملية، وهذا الأمر مستعص إلى حد الآن، ولكن التجربة التاريخية تقول بأن أي فكرة تتجذر في المجتمع وتصبح غير قابلة للاستئصال ستتحول إلى حالة سياسية وتعبر إلى الدولة بأي شكل من الأشكال.

مقالات مشابهة

  • عبد الرزاق مقري: إنهاء المقاومة سيؤدي لتغوّل اليمين الصهيوني على العرب
  • بعد اضراب واسع.. نقابة المعلمين تقدم مطالبها لرئيس الوزراء (وثائق)
  • أول طلب رسمي للاعتراض على نتائج أسماء المرشحين لعقود الـ7000 في محافظة ديالى (وثيقة)
  • إيقاف تنفيذ الامر الولائي لعمر الكروي (وثيقة)
  • وفد أعضاء مجلس الشورى يعقد اجتماعًا مع أعضاء البرلمان الأوروبي
  • رئيس مجلس الشورى يطلع على مستوى الانضباط الوظيفي عقب إجازة عيد الفطر
  • عشرات آلاف الفلسطينيين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
  • أمانة مجلس الوزراء تحدد توقيتات الدوام الرسمي بدءًا من الأحد المقبل - عاجل
  • أمانة مجلس الوزراء تحدد ساعات الدوام الرسمي بدءًا من الأحد المقبل - عاجل
  • أشرف زكى وأحمد بدير ووفاء عامر يؤدون صلاة الجنازة على زوجة نضال الشافعي.. صور