في تحول غير متوقع للأحداث، يجد بيني غانتس، الذي كان ذات يوم زعيماً لحزب معارضة إسرائيلي صغير، نفسه الآن في طليعة الحرب الإسرائيلية ضد حماس. بصفته عضوًا في حكومة الحرب التي شكلها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا يشارك غانتس بعمق في حملة غزة المستمرة فحسب، بل إنه مسؤول أيضًا عن خطط الطوارئ المتعلقة بالصراع المحتمل مع حزب الله على الحدود الشمالية لإسرائيل.

 

لكن موقف غانتس الفريد يأتي مع تعقيداته الخاصة، والتي وفقا لمقال أنشيل فيفر، في نيويورك تايمز، تتمحور بشكل رئيسي حول علاقته مع نتنياهو. واتهم رئيس الوزراء بتقسيم المجتمع الإسرائيلي، وتفاقم رأي غانتس في نتنياهو خلال الحرب، وفقًا لمساعدي غانتس وحلفائه السياسيين.

 

يعد غانتس، البالغ من العمر 64 عامًا، الآن شخصية رئيسية في الحكومة الإسرائيلية، وغالبًا ما يُنظر إليه على أنه قوة استقرار وسط العناصر اليمينية المتطرفة داخل الإدارة. في الوقت نفسه، تشير استطلاعات الرأي إلى أنه المرشح الأبرز لخلافة نتنياهو. وهذا يضع غانتس في موقف حساس، ويتطلب الفطنة السياسية والتوقيت لإدارة عملية انتقالية محتملة بفعالية.

 

اتسمت رحلة غانتس السياسية بالتحديات، بدءا بحملة تشهير عند دخوله السياسة في عام 2018. وعلى الرغم من الخلافات، انضم إلى حكومة طوارئ مع نتنياهو في عام 2020 لمكافحة وباء كوفيد-19، مما أدى إلى انقسام في حزبه. ويبدو أن التعاون الحالي هو نتيجة لمقتضيات الحرب، حيث يقوم غانتس بخطوة سياسية استراتيجية وسط تراجع شعبية نتنياهو.

 

تتشكل روايته السياسية من خلال قصص شخصية، بما في ذلك نجاة والدته من المحرقة، مما يضعه في المركز كجنرال صارم يتمتع بقيم أخلاقية. إن مهنة غانتس العسكرية، وخاصة في لواء المظليين، أكسبته الاحترام لشجاعته تحت النار واتخاذه للقرارات المتعمدة خارج ساحة المعركة.

 

على الرغم من وصوله إلى قمة الجيش، واجه غانتس فترة ما بعد التقاعد مع عدم اليقين بشأن دخول السياسة. وفي النهاية دفعه التشجيع من النشطاء السياسيين إلى الترشح لانتخابات عام 2019، وتشكيل حزب أزرق أبيض. ومع ذلك، فإن سنواته الأولى في السياسة شابتها الاقتتال الداخلي والتشهير من آلية نتنياهو السياسية.

 

ويُعزى انتعاش شعبية غانتس مؤخرًا إلى دوره في معارضة الإصلاحات القانونية المثيرة للجدل التي أجراها نتنياهو. وبينما يحافظ على أسلوب حياة علماني، فقد أقام علاقات متوازنة مع الجماعات الدينية وأظهر الود تجاه كل من مستوطني الضفة الغربية ومسؤولي السلطة الفلسطينية.

 

كعضو في حكومة الحرب، ينظر الإسرائيليون إلى وجود غانتس على أنه مطمئن، على الرغم من أنه امتنع عن إجراء مقابلات منذ 7 أكتوبر. وكان يُنظر إليه على أنه موحد خلال فترة الاستقطاب السياسي. ويشير الدبلوماسيون إلى أن المسؤولين الأجانب يتواصلون مع غانتس كثقل موازن لنتنياهو، مؤكدين على دوره المحتمل في التنازلات المستقبلية للفلسطينيين في إطار الضرورات الأمنية.

 

وفي حين أن غانتس هو حاليا المرشح الأكثر شعبية لمنصب رئيس الوزراء، فإن تحركاته المقبلة في الأسابيع والأشهر المقبلة لن تحدد مصيره السياسي فحسب، بل يمكن أن تشكل أيضا مستقبل إسرائيل، مما يوفر نقطة تحول محتملة للاحتجاجات واسعة النطاق التي تطالب باستقالة نتنياهو.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

هآرتس: نتنياهو يقامر بالجيش والأسرى بشن الحرب على غزة

قالت صحيفة هآرتس إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقامر بإعادة الحرب على غزة مستفيدا من الرياح الداعمة التي يوفرها له الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والانحسار النسبي للضغوط الداخلية التي كانت تكبح جماح حكومته سابقا.

وأكد المحلل العسكري للصحيفة عاموس هرئيل، الذي ناقش السياسات الأخيرة لحكومة نتنياهو، أن الجيش الإسرائيلي لا يمتلك الإمكانيات لشن هذه الحرب، فيما يطالب الشعب بتحرير الأسرى قبل اتخاذ هذه الخطوة، وحذر نتنياهو من "المقامرة بمصير الرهائن وجنوده ومستقبل المنطقة بأسرها".

ويقول هرئيل إن أحد أبرز الأمثلة على توجهات نتنياهو هذه يتمثل في المفاوضات حول صفقة الأسرى. ففي حين زعمت الحكومة الإسرائيلية أن (حركة المقاومة الإسلامية) حماس رفضت مقترحا أميركيا لتمديد وقف إطلاق النار، فإن الحقيقة وفقًا لهرئيل، أن إسرائيل هي التي انتهكت الاتفاق. فهي لم تلتزم بالانسحاب من محور فيلادلفيا، ولم تتوقف عن الأعمال العدائية، كما أنها غير مستعدة للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تتضمن إفراجا إضافيا عن أسرى فلسطينيين.

وبعد ساعات من إعلان مكتب نتنياهو عن رفض حماس للاتفاق، قررت إسرائيل وقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهي خطوة، حسب هرئيل، من شأنها إثارة انتقادات دولية، خاصة مع دخول شهر رمضان. ومن المتوقع أن تتهَم إسرائيل بمحاولة "تجويع" المدنيين في القطاع، وهو ادعاء يتزايد صداه مع تنامي الغضب الدولي من تداعيات الحرب.

إعلان

ويرى المحلل العسكري أن الوسطاء العرب، مثل مصر وقطر، يفقدون صبرهم تجاه المماطلة الإسرائيلية. ويقول إن "مصر غاضبة بسبب الإخلال بالالتزام بشأن محور فيلادلفيا الذي توليه أهمية كبيرة لمصالحها. ويبدو أيضا أن القطريين بدؤوا يشعرون بالملل من مهمة الوساطة برمتها".

وفي المقابل، يشير المحلل العسكري إلى قوة الدفع التي تقدمها إدارة ترامب لحكومة نتنياهو، من خلال  الاقتراح الذي قدمه المبعوث الأميركي ستيفن ويتكوف لتمديد وقف إطلاق النار حتى 19 أبريل/نيسان، ليشمل إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين على مرحلتين، مقابل إفراج إسرائيل عن أسرى فلسطينيين بشروط لم تُحدد بعد.

الجيش سيتكبد خسائر فادحة

وفيما يعتبر أن محاولة دفع حركة حماس لرفض المقترح منحت نتنياهو ذريعة إضافية لاستئناف العمليات العسكرية، فإنه يسلط الضوء في المقابل على أن عودة القتال ستكون على حساب حياة الأسرى الإسرائيليين، الذين سيظل بعضهم محتجزا في أنفاق غزة لفترة أطول، بينما قد يُقتل آخرون خلال العمليات العسكرية.

كما يلفت الانتباه إلى حقيقة مهمة، وهي أن الجيش الإسرائيلي قد يتكبد خسائر كبيرة إن أعاد شن الحرب، إذ يُعتقد أن حماس استغلت فترة الهدنة لتعزيز دفاعاتها وتجهيز قواتها.

ويقول هرئيل في هذا السياق "إن الطموحات الإمبريالية التي أشعلها ترامب في نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين تتعارض مع قضية أخرى، هي أن الجيش الإسرائيلي أصغر حجما من أن يتحمل عبء المهام والجبهات التي يجري النظر فيها الآن. وينبغي لأي شخص يفكر في الاستيلاء على أراض إضافية واستئناف القتال على جبهات إضافية أن يأخذ في الاعتبار أيضا القيود المفروضة على ترتيب قوات جيش الدفاع الإسرائيلي".

ويضيف "بعد القتلى والجرحى والأضرار النفسية التي عانى منها الجيش خلال 16 شهرا من الحرب، فإنه يفتقر إلى القوة البشرية التي تعادل لواءين. وهذا قبل أن نبدأ الحديث عن الأزمة الهائلة التي تعيشها وحدات الاحتياط، التي كان أفرادها يتعاملون مع حجم عمل غير مسبوق خلال هذه الفترة.

إعلان مقامرة بالجيش والأسرى

وبالإضافة إلى الحسابات العسكرية، يبدو أن لنتنياهو اعتبارات سياسية داخلية تدفعه نحو التصعيد. فهو يسعى إلى تمرير ميزانية الدولة دون أزمات، وإنهاء الدورة الشتوية للكنيست دون انهيار حكومته، خاصة مع تزايد الضغوط من التيار الصهيوني الديني الذي يحاول فرض إملاءاته على إدارة الحرب.

ووفقًا لهرئيل، فإنه على الرغم من معارضة بعض العائلات الإسرائيلية التي تحتجز حماس أبناءها، فإن حكومة نتنياهو مستعدة للمضي قدما في هذه السياسة المغامِرة، كما أن حزب الليكود وحلفاءه يقدمون هذه السياسة لجمهورهم على أنها لحظة حاسمة في تاريخ إسرائيل، حيث لم تعد الدولة تتردد في اتخاذ خطوات هجومية، حتى لو أدى ذلك إلى السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية.

كما يرى المحلل العسكري أن "أي عملية عسكرية جديدة في غزة ستؤدي إلى تصعيد أوسع، قد تشمل حزب الله في لبنان، الذي لوح بتوسيع نطاق المواجهة إذا استمرت الاعتداءات الإسرائيلية. كما أن التوتر في الضفة الغربية يتزايد، مع تصاعد عمليات الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، مما يرفع مستوى الغليان في الأراضي المحتلة".

ومن ناحية أخرى، يتساءل هرئيل عن تأثير السياسات الإسرائيلية على مصداقيتها في المنطقة، حيث تعمل في غزة أو لبنان دون اعتبار للاتفاقات السابقة، ولا يزال الجيش الإسرائيلي متمركزا في 5 نقاط داخل لبنان، بدعم أميركي، رغم الجدول الزمني المحدد للانسحاب.

أما في سوريا، فيشير هرئيل إلى أن إسرائيل استغلت انهيار النظام السوري جزئيا في بعض المناطق للسيطرة على شريط حدودي في الجولان. ويبدو أن ترامب أعرب عن استغرابه في محادثات مع نتنياهو من عدم استغلال إسرائيل للوضع لتوسيع سيطرتها أكثر.

ويحذر المقال من أن الدعم الأميركي للاعتداءات الإسرائيلية قد لا يكون غير مشروط، خاصة إذا زادت الانتقادات داخل الكونغرس الأميركي، حيث يبدي بعض الديمقراطيين استياء متزايدا من السياسات الإسرائيلية. كما أن دولا أوروبية بدأت تلوح بفرض عقوبات اقتصادية على تل أبيب إذا استمرت الحرب وتفاقمت الأزمة الإنسانية في غزة.

إعلان

ولذلك فهو يخلص إلى أنه، وفي ظل هذه المعطيات، فإن "قرار نتنياهو بشن الحرب يظل محفوفا بالمخاطر، ليس فقط على الصعيد العسكري، بل أيضا على مستوى علاقاته مع واشنطن ومكانة إسرائيل الدولية، التي أصبحت محل تساؤلات متزايدة في الأوساط الدبلوماسية العالمية".

كما يختم مقاله بالقول "من يريد الانطلاق في حملات جديدة فمن الأفضل له أن يستفسر مسبقا عما إذا كان الجيش والشعب يدعمانه".

مقالات مشابهة

  • نداء حمدوك..هل هو أصلاً الخطة الدولية لإيقاف الحرب؟
  • ستالين والحرب العالمية الثانية .. قائد غير مجرى التاريخ
  • نداء حمدوك.. هل هو أصلاً الخطة الدولية لإيقاف الحرب؟
  • قائد عسكري أوكراني: جيوش الناتو غير مستعدة لحرب الطائرات المسيّرة الحديثة
  • أزمة جديدة بجنوب السودان.. صراع عسكري واحتقان سياسي يهددان البلاد
  • نتنياهو فقد القدرة على اتخاذ القرارات بمفرده
  • سياسي أنصار الله: إغلاق العدو الإسرائيلي معابر غزة تصعيد خطير
  • المنتخب لا شكل ولا تكنيك.. عصام الحضري: مفيش حسابات بيني وحسام حسن
  • هآرتس: نتنياهو يقامر بالجيش والأسرى بشن الحرب على غزة
  • هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكون طوق النجاة للمحتاجين؟