في هذا العالم الظّالم.. مَن الذي أرخَصَنَا وأرخَصَ دَمَنا؟!
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
مع كلّ هجومٍ إجراميّ يستهدفُنا -نحن العربَ والمسلمين- سواءٌ في بلادنا أو بلاد غيرنا ونرى دمنا مسفوحا لا يُكتَرَثُ له ولا يُعبَأ به؛ تبدأ على الفور المقارنة مع أيّ تفجيرٍ أو عملٍ يستهدفُ الغربَ ويُقتَلُ به عدد من النَّاس فيتداعى العالم استنكارا لما حلّ بهم وتضامنا معهم.
عندَها يبدأ لطمُ الخدودِ وشقّ الجيوبِ منَّا على دمنا الرّخيصِ الذي لا يلتفتُ إليه أحد، ويعلو العويلُ على ازدواجيّة المعايير التي يمارسُها الغربُ مع التّدليل على ذلك بالمقارناتِ بينَ أعدادِ الضحايا في فلسطين وغزة تحديدا وسوريا والعراق واليمن؛ وبينها في دولِ الغربِ وردود الفعل المتناقضة عليها، والرّثاءُ لأرواحِ المسلمينَ التي لا بواكيَ لها.
وتبدأ الغالبيّة العظمى من المتفاعلين بالمقارنة بين ردود الفعل الباهتة تجاه هذه الجرائم المروعة؛ وبين ردود فعلهم تجاه هجوم باريس على صحيفة شارلي إيبدو عام 2015م -على سبيل المثال- إذ تقاطر قادة العالم وفي المقدّمة منهم قادة العالم العربي والإسلامي للمشاركة في مسيرة التّضامن مع فرنسا واستنكار الهجوم الإجرامي، في حين غابوا وغابت غضبتهم المُضَريّة عن دمنا الذي يملأ الشاشات صباح مساء.
الإنسانيّة المصلحيّة وضَعفُنا
من لا يزال معتقدا بأنَّ موجات التّضامن الدّوليّة والرّسميّة من الغربِ أو معه تحرّكها الإنسانيّة الرّهيفةُ في قلوبِ القومِ فعليه الخروج من مستنقع السّذاجةِ والبلاهةِ، فمشاعرُ السّاسةِ إنّما تولّي وجهها حيثما كانت المصلحة، وحيثما كانت القوّة فَثَمَّ المصلحة؛ فأيّنَ قوّتنا ومصلحةُ القومِ معنَا؟!
من لا يزال معتقدا بأنَّ موجات التّضامن الدّوليّة والرّسميّة من الغربِ أو معه تحرّكها الإنسانيّة الرّهيفةُ في قلوبِ القومِ فعليه الخروج من مستنقع السّذاجةِ والبلاهةِ، فمشاعرُ السّاسةِ إنّما تولّي وجهها حيثما كانت المصلحة، وحيثما كانت القوّة فَثَمَّ المصلحة؛ فأيّنَ قوّتنا ومصلحةُ القومِ معنَا؟!
فالضّعيفُ لا يكترثُ له أحد، والنّمور بلا أنياب ومخالب ترفسُها الضّباع ولا تلقي لها الأرانب بالا فضلا عن ازدراء جوارح الغابة لها.
إنَّنا -نحن لا غيرنا- من يتحمّل المسؤوليّة -بضعفنا وهواننا- عن إرخاص دمائنا، ونحن لا سوانا من جعلنا دمنا في موازين الأمم أخف من دمائهم وموتنا أرخص من موتهم.
قل عن الغرب ما تشاء؛ قل: إنّه مجرمٌ وازدواجي ومنافق و.. الخ؛ فلن أناقشكَ في كلّ هذا، ولكنّه رغم كلّ ما وصمتَه به ليسَ هو الذي أرخَصَنا، بل نحنُ من أرخَصنا أنفسَنا، وهانت علينَا أرواحنا، ولم يعد لدمِنا المسفوح عندَنا قيمة ترتجى، وقد قالت العرب: أنتَ حيثُ تضعُ نفسَك، فأينَ وضعنَا أنفسَنا؟!
لقد تفرّقَت جهودُنا، وتبعثَرَت قوانا، وفشلنا إذ تنازَعنا، وغلبَتنا العصبيّةُ المقيتة، واستحوذت علينَا الحزبيّة الضّيقة، واستبدّت بنا الأنا المتضخمة، وغدَت السّهام والنّصالُ الموجّهةُ إلينا منّا أشدّ بأسا من الموجهة منّا إلى عدوّنا والمرسلةُ منه إلينا، فحارَت قوانا وهُنَّا على بعضنا فكنّا على غيرنا أهون؛ فكيف يكون لدمنا وأرواحِنا قيمة ترتجى؟!
وحيثُما يمَّمتَ وجهكَ ترى الجميع -الإسلاميّين قبل غيرهم- يحدّثونكَ عن ضرورة وحدة الصّفّ وجمعِ الكلمة فتقفُ مشدوها ومتسائلا: فمَن وما الذي يفرّقكم إذن؟!
الاستبداد وإرخاصُنا
ثمّ كيفَ لا تكون دماؤُنا رخيصة على غيرنا وقد أرخصها الطّغاةُ والمستبدّون في ديارنا وأوطاننا؟!
إنَّ الدّماء التي تكون رخيصة في أوطانها، ورخيصة عند أبناء جلدتها ودينها بفعل الطغيان والاستبداد؛ لن تكون غالية عند المتربّصين بهذه الأوطان وعقائد أبنائها الدّوائر
ألا تذكرونَ ما قالته أمّ الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل تحت التّعذيب في سجون النّظام الانقلابي في مصر: " لقد عذّبوه وقتلوه كما لو كان مصريّا"؟!
إنَّ الدّماء التي تكون رخيصة في أوطانها، ورخيصة عند أبناء جلدتها ودينها بفعل الطغيان والاستبداد؛ لن تكون غالية عند المتربّصين بهذه الأوطان وعقائد أبنائها الدّوائر.
وكيفَ لا تكون دماؤنا رخيصة و"قادةُ" دولٍ إسلاميّة يحرّضون الغرب على الإسلام؛ فيدعونهم إلى مراقبة المساجد، ويخوّفونهم من المسلمين ويتّهمون ملياري مسلم بالإرهاب؟!
إنَّ ما يشدّد عليه بعض القادة العرب في كثير من لقاءاتهم بالغرب من هي ضرورة الحذر من المساجد؛ يجعلهم هم ومن سار مسيرتهم سببا من أسباب إرخاص دمنا عند احترام الآخرين دماء شعوبهم وأبناء جلدتهم وعقيدتهم.
إنَّ حريّتنا وقوّتنا هما السّبيل إلى إيجاد قيمتنا في هذا العالم الذي لا تحكمه المبادئ، ولا مكان فيه للإنسانيّة الحقيقيّة في التّعامل بين الدّول ولا يعترف بالضّعفاء.
twitter.com/muhammadkhm
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصلحة المسلمين المسلمين القوة الضعف الإنسانية المصلحة مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
أن تكون قتيلا في العراق
آخر تحديث: 17 مارس 2025 - 11:24 صبقلم:فاروق يوسف يقول لك “لقد رأيت قتلى كثيرين في العراق” تقول له “أنا رأيت قتلى كثيرين في الحرب” يقول لك “ولكن القتلى الذين رأيتهم لم يكونوا محاربين” تقول له “كانوا يحملون سلاحا في بلد مسلح” يقول لك “أبدا. كانوا عزلا” تكتشف أن القاتل وحده مَن يحمل السلاح وهو يعرف أن خصمه على استعداد أن يكلمه إلى الفجر من غير أن يهدد حياته. ربما شعر القاتل أن ما يجري عبارة عن إهدار للوقت. الوقت عزيز وحياة الآخر ليست عزيزة. سيكون ذلك الآخر عدوا مؤقتا ينبغي قتله. مَن تعلم أن السلاح هو وسيلته للتعبير عن ذاته لا بد أن يفعل ذلك. “لقد قتلته” سيقول لرفاقه.سيُضاف رقم جديد إلى سلسلة القتلى. لا أحد يسأله “هل كان القتيل يهددك بالقتل؟” ما بدا واضحا أن القاتل يفلت من العقاب في دولة لا يملك فيها القتيل الحق في الدفاع عن حقه في الحياة. الصحافي ليث محمد رضا قُتل إثر مشاجرة مع عنصر في حماية أحد المسؤولين. ليست هذه هي المرة الأولى الذي يُقتل فيها صحافي في العراق.في أوقات سابقة تم تصنيف العراق على أنه بلد خطر على الصحافيين. تبخرت كذبة حرية التعبير سريعا. كان هناك من يفاخر بأن الناس في العراق صاروا يقولون علنا ما كانوا يفكرون فيه بالسر. كل الذين قُتلوا من الصحافيين كانوا قد صدقوا تلك الكذبة فدفعوا حياتهم ثمنا لذلك الخطأ. وإذا ما كانت الميليشيات هي التي تقتل فإن الدولة ليست جادة في حماية المواطنين من القتل. بل إن الدولة في الجزء الأمني منها تُدار من قبل زعماء تلك الميليشيات. لكل صحافي قتيل ملف لا يُفتح لدى السلطات المعنية. فالقاتل، حتى لو ذهب إلى السجن محكوما عليه سيتم الإفراج عنه بسرعة لأن القتل ليس مشروعا شخصيا إلا في حالات نادرة. في كل الحالات كان القتل جزءا من سياسة تكميم الأفواه.قُتل في العراق بعد احتلاله أكثر من مئتي صحافي. في حين قُتل 69 صحافيا في الحرب العالمية الثانية وفي حرب فيتنام قُتل 63 صحافيا،تنحصر حرية التعبير في العراق في منطقة واحدة هي شتم النظام السابق ورئيسه. هناك اليوم في العراق إعلاميون بالمئات لا تزال مهمتهم محصورة في النبش في انتهاكات نظام صدام حسين لحقوق الإنسان ومصادرة حريته وامتهان كرامته على الرغم من مضي أكثر من عشرين سنة على سقوط ذلك النظام. تلك الآلة الإعلامية تعمل ليل نهار على غسل أدمغة العراقيين من أجل فرض واقع جديد تكون فيه إيران هي سيدته التي لا غنى عنها وتكون الطائفية المدعومة بالميليشيات هي البديل للمواطنة ويكون الفساد هو المحرك لحياة العراقيين. أما مَن يقف ضد تطبيع الهيمنة الإيرانية والتمزق الطائفي والفساد فإن رصاصة ستكون ثمن حياته. الكلمة ثقيلة فيما الرصاصة خفيفة. هناك الكثير من حملة السلاح مقابل أقلية لا تملك سلاحا سوى الكلمة. المسلحون لا يخسرون شيئا حين يتخلصون من رصاصة أما الكلمة فإنها تخسر الكثير حين يصمت واحد من حملتها. قُتل في العراق بعد احتلاله أكثر من مئتي صحافي. في حين قُتل 69 صحافيا في الحرب العالمية الثانية وفي حرب فيتنام قُتل 63 صحافيا. يتفوق العراق في قتل الصحافيين بسبب تواطؤ النظام السياسي مع الميليشيات التي تمارس القتل وهو ما يفسر عجز القضاء واتساع دائرة الإفلات من العقاب كما أن المنظمات الدولية المعنية بحرية الصحافة لا تمارس عملها بطريقة مهنية إذا تعلق الأمر بالعراق لكونه لا يزال محمية أميركية وكل ما حدث له وما يحدث فيه هو صناعة أميركية وإن بدا بغطاء إيراني. مشكلة الإعلاميين والصحافيين والكتاب الذين قُتلوا في العراق أنهم لم يقولوا سوى أجزاء صغيرة من حقيقة المشهد المأساوي الذي تم التعتيم عليه عالميا بسبب ارتباطه بالاحتلال الأميركي.ليث محمد رضا حياة تحولت إلى رقم حين انتصرت الرصاصة على الكلمة. قاتله في الواقع ليس مجهولا غير أنه سيكون كذلك في ملفات الشرطة. لا أحد بإمكانه أن يصطدم بمسلح في دولة تحكمها الميليشيات. وبلد تحكمه الميليشيات لا بد أن تكون الفوضى حاضنته. لقد رأى العالم كله الفيلم لذي صور كيف تضرب امرأة ضابط في شرطة المرور بنعلها وهي تصرخ باسم النائب الذي يحميها. مشهد لا يمكن أن يراه المرء في أي جزء من عالمنا. ذلك يحدث فقط في العراق وسيحدث دائما.