الجزيرة:
2024-12-23@09:35:23 GMT

التعليم الأجنبي ومعركة الهوية

تاريخ النشر: 18th, July 2023 GMT

التعليم الأجنبي ومعركة الهوية

"التعليم هو جواز سفرنا للمستقبل، لأن الغد ملك الذين يعدون له اليوم"؛ هذا ما قاله مالكوم إكس.

والواقع أن التعليم هو المفتاح الرئيسي لصنع التقدم في العالم العربي؛ فلا نهضة حقيقية بلا إرادة لبعث روح التعليم الجاد في أرجاء الوطن العربي؛ ليس لمحو الأمية فحسب، ولكن ليتمتع كل شاب بأفضل مقومات التعليم المعاصر ويعوض نفسه ووطنه وأمته عما فات وليضع بذور مستقبل لائق.

وإذا كان من خطر يهدد الأجيال الشابة اليوم، فلا شيء يضاهي غزو التعليم الأجنبي لمعظم الدول العربية، حيث يدرس الأبناء بلغة أجنبية مناهج أعدت بأيد أجنبية لتحقيق أهداف دول وحضارات أجنبية وتثبيت رؤيتها للكون والحياة والإنسان.

الأمم والحضارات هي رؤية للحياة ومنظومة أفكار وأخلاق وأهداف، ولذلك يجب أن نتوقف طويلا عند التأثير السلبي لتعليم أبنائنا -ليس لغة أجنبية- بل رؤية أجنبية وثقافة وحضارة بديلة، وهذا التأثير السلبي لا يطال الحاضر وحده، بل يمتد ليؤثر على مستقبل الأمة العربية وفرصها في النهوض واحتلال المكانة التي تستحقها في العالم.

تحيط بنا مظاهر الزهو بين عديد من الطبقات الاجتماعية بالأبناء والأحفاد الذين لا يجيدون التحدث بالعربية ويحتاجون من يترجم لهم في التعاملات اليومية في أوطانهم، وهم في الوقت نفسه يتسابقون إلى إتقان اللغات الأجنبية دون لُكْنة، وكأنها لغاتهم الأم.

يصاحب هذا الزهو بريق في العيون وسعادة فائقة ويقين بأنهم وضعوا أولادهم وأحفادهم على طريق النجاح والتميز والحياة الرغدة.

وإذا كنا لا نختلف على أهمية بذل المال والجهد لتعليم أبنائنا لغات أجنبية، فإننا يجب أن نحذر في الوقت ذاته من عدم تعليمهم ما ينشط اعتزازهم بالهوية العربية، فمع التعليم الأجنبي تظهر في كثير من الأحيان أعراض النظر بدونية إلى الثقافة والهوية العربية، بل والتبرؤ منها.

كما نحرص على تعاطي الأمصال للوقاية من الأمراض يجب كذلك تعاطي الأمصال الثقافية التي تحمينا من الانبهار بكل تفاصيل التعليم الأجنبي فلا شيء يعطل العقول كالانبهار.

يجب كذلك تناول المقويات التي تمنع ضعف المناعة وتزرع الاعتزاز الذكي بالهوية فتركز على مزاياها دون أن تنكر عيوبها، ودون أن تضخم تلك العيوب أو تخجل منها أمام الغرب، فلكل حضارة نقاط قوة وأسباب ضعف.

تتجاوز أضرار "فقدان احترام الهوية" الخسائر الأسرية، لتمتد إلى خسارة الوطن عندما يتولى الأبناء مناصب مؤثرة بعد انتهاء دراساتهم الأجنبية؛ إذ سيديرون المؤسسات التي يرأسونها وكأنهم أجانب عن الوطن

نود قبل إلقاء أولادنا في أحضان التعليم الأجنبي تحصينهم من الانحناء أمام الغرب وتذكيرهم بفضيلة رفع الرأس، وتنفس احترام الهوية، لأنها جزء مهم جدا من احترام الذات، وهي أكسجين النجاح النفسي والعملي والاجتماعي أيضًا.

نذكر ما حكاه شاعر عربي شهير كان يتنفس مرارة وحسرة لأن بناته اللاتي حرص على تعليمهن بالخارج لا يحترمن ما يكتبه وأضاف "وربما لا يحترمون أسرتي ولا أنا أيضا".

تتجاوز أضرار "فقدان احترام الهوية" الخسائر الأسرية، لتمتد إلى خسارة الوطن عندما يتولى هؤلاء مناصب مهمة ومؤثرة بعد انتهاء دراساتهم الأجنبية؛ إذ سيديرون المؤسسات التي يرأسونها وكأنهم أجانب عن الوطن بكل ما تعنيه الكلمة، مع تبعية كاملة للخارج، ونظرة دونية إلى بلادهم، وتعالٍ وإهمال لمصالحه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخطر مصالحه الثقافية التي تشكل وجدان أبنائه وتتحكم لاحقا في تفكيرهم وتصرفاتهم التي تصنع الحاضر. وترسم ملامح المستقبل وأولوياته.

نسخ مقلدة

ولنتدبر قول نيلسون مانديلا: "التعليم هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم"، فواجبنا نحو هويتنا هو التأكد أن التعليم ليس سلاحًا نصنعه بأيدينا لنزع هويتنا وإضعاف قوتنا وسرقة ما يميزنا لنتحول إلى نسخ مقلدة من الآخرين ولو بعد حين.

لا يقتصر خطر التعليم الأجنبي على أولئك الذين يتعلمون خارج الوطن؛ فالخطر قائم أيضا في التعليم الأجنبي داخل الوطن حيث إجبار الصغار منذ دور الحضانة على التحدث باللغة الأجنبية مع أقرانهم في المدرسة ثم في المنزل "لإتقان اللغة الأجنبية"، وهو ما لا يحدث في أمم تحترم هويتها.

من الخطورة الفادحة تربويا ونفسيا وإنسانيا أن يفكر الإنسان منذ صغره بغير لغته وينتمي إلى غير ثقافته؛ فيتكلم ويغني ويشاهد الأفلام والمسلسلات ويتابع وسائل التواصل الاجتماعي مع مجتمع غير مجتمعه وبغير لغته، فكيف نطلب منه الاعتزاز بهويته وألا يزدريها وينبذها وهو يرى أن الابتعاد عنها ومحاولة الالتحاق بغيرها هو سبيله الوحيد للتميز وصنع مستقبل أفضل.

وإذا كان "كل يأكل من غرس يده"؛ فما سنجنيه من الأجيال الجديدة لن يكون أفضل من البذور التي نغرسها ونرويها.

من الواجب إذن أن نعلم أولادنا اللغات الأجنبية، وما يحويه التعليم الأجنبي من علم نافع، ولكننا يجب علينا أيضا نحرص على تعليمهم اللغة العربية وخصائص الثقافة والهوية وتربيتهم على الاعتزاز بها، وأن نعلمهم مبكرًا أن الآخر لن يقدرهم بأكثر مما يقدرون أنفسهم، وأن يضعوا أمام أعينهم وفي عقولهم وقلوبهم ما قاله الإمام الشافعي: "ما رفعت أحدا فوق منزلته إلا وضع مني بمقدار ما رفعت منه".

في التعليم الأجنبي، يتسلل إلى الوعي منذ الصغر ما يتعمد غرسه هؤلاء في أولادهم من اعتزاز بالهوية الأجنبية -أيا كانت- ومن النظرة العنصرية للآخرين فضلا عن رواية التاريخ من وجهة نظرهم التي تتبنى مصالحهم الثقافية والاستعمارية والاقتصادية ومفاهيمهم الاجتماعية التي تتعارض معنا أيضا.

يجب تحمل مسؤوليتنا التاريخية والثقافية وحماية أجيالنا الجديدة من امتصاص هذه السموم، وضرورة إعمال عقولهم فيما يتلقونه من تعليم أجنبي داخل الوطن وخارجه لتنقية و"فلترة" ما يدرسونه.

وعلينا الحرص على تعليمهم اللغة العربية منذ الصغر؛ فاللغة ليست مجموعة كلمات للتواصل الإنساني بل أداة لتعميق الارتباط بالوطن والتاريخ والهوية، أو أداة للاغتراب عن كل ذلك.

يقول محمد إقبال: "التعليم هو الحامض الذي يذيب شخصية الكائن الحي ويجعلها كيفما يشاء"، فلنمنع ذوبان هوية أبنائنا، وليفوزوا بتعليم يخدم أوطانهم ولا يخدم أعداءهم أبدًا، فالتعليم كما قال إدوارد إفريت "يحرس البلاد أفضل من جيش منظم"، وهو كما قال ستالين "سلاح يعتمد تأثيره على من يمسك به وإلى من يتم توجيهه".

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معناوظائف شاغرةترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

التعليم العالي تعلن المشاركة في فعاليات إطلاق الشبكة العربية لمراكز البحوث

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أكد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أهمية التعاون بين الجامعات والمؤسسات البحثية المصرية والهيئات الإقليمية والدولية لتعزيز تبادل الخبرات والمعرفة، والتعريف بجهود المؤسسات البحثية المصرية في مواجهة التحديات المعاصرة سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

وفي هذا الإطار، شارك معهد بحوث الإلكترونيات في الفعاليات التمهيدية لإطلاق الشبكة العربية لمراكز البحوث في مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة، حيث قامت الدكتورة شيرين عبدالقادر محرم، رئيس معهد بحوث الإلكترونيات بعمل ويبينار بعنوان "دور معهد بحوث الإلكترونيات في دعم الشبكة العربية للمراكز البحثية في مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة"، بحضور الدكتور أحمد حسن فحل، الأمين العام المساعد للاتحاد.

وأوضحت الدكتورة شيرين عبدالقادر أن هذه المحاضرة تأتي في سياق التعاون المشترك بين المعهد واتحاد مجالس البحث العلمي العربية؛ لدعم الشبكة العربية لمراكز البحوث في مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات.

وشهد الويبينار مشاركة عدد من أعضاء معهد بحوث الإلكترونيات، حيث تم التأكيد على التزام المعهد بتعزيز التعاون البحثي العربي وتطوير المشاريع العلمية التي تلبي احتياجات وتحديات المنطقة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة.

وتعد الفعاليات التمهيدية لإطلاق الشبكة العربية لمراكز البحوث في مجال الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات والطاقة جزءًا من مشروع "شبكة مراكز البحث العلمي العربية"، الذي أطلقته الأمانة العامة لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية في دورته النصف سنوية في يوليو 2024، ويهدف المشروع إلى إنشاء شبكة فاعلة ومستدامة لمراكز البحث العلمي في الدول العربية، ودعم الروابط العلمية المتخصصة. كما يسعى إلى إطلاق مشاريع بحثية تشاركية تتناول التحديات الإقليمية والعالمية.

كما تهدف الشبكة أيضًا إلى تبادل أفضل الممارسات في مجال البحث العلمي، من خلال تنظيم المؤتمرات، وورش العمل، والندوات التي تسهم في تسهيل تبادل المعرفة ونشرها بين المراكز البحثية في العالم العربي.

مقالات مشابهة

  • نهيان بن مبارك: تعزيز الهوية الوطنية لدى الأجيال هدفٌ سامٍ
  • الشعب الجمهوري: رسائل الرئيس بأكاديمية الشرطة أكدت حجم المخاطر التي تُحاك ضد الوطن
  • الحرية المصري: حديث الرئيس بأكاديمية الشرطة اتسم بالمكاشفة بشأن التحديات التي تواجه الوطن
  • الأكاديمية العربية تحتفي بأبنائها من ذوي الهمم لتعزيز الوعي و التكافؤ في التعليم
  • نهيان بن مبارك: شتاء صندوق الوطن يستهدف تعزيز الهوية الوطنية
  • نهيان بن مبارك: صندوق الوطن حريص على تعزيز الهوية الوطنية
  • نهيان بن مبارك يؤكد اهتمام “شتاء صندوق الوطن” بتعزيز الهوية الوطنية
  • التعليم العالي تعلن المشاركة في فعاليات إطلاق الشبكة العربية لمراكز البحوث
  • الأمين العام لمؤسسة الأمير سلطان بن عبدالعزيز الخيرية : اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية
  • وزير التعليم العالي يوجه بعدم فتح القبول للمؤسسات التي ليس لها إدارة ومركز لاستخراج الشهادات داخل السودان