عدًل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في اللحظات الأخيرة، برنامجه الخاص بزيارة مصر ولقاء نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، من أجل حضور حفل صب الخرسانة، وهو المفاعل الرابع بمحطة الضبعة للطاقة النووية التي تشيدها روسيا في مصر.

ونقلت مواقع محلية مصرية، عن المتحدث باسم الرئاسة الروسية (الكرملين) دميتري بيسكوف، في وقت سابق، أنه يجرى الإعداد لمشاركة بوتين في فعالية متعلقة بصب خرسانة، المفاعل الرابع في محطة الضبعة النووية، ولكن تقرر الاستعاضة بافتتاح أعمال بناء الوحدة الرابعة والأخيرة عبر رابط فيديو.



أثار تعديل برنامج زيارة الرئيس الروسي، إلى القاهرة، تساؤلات بشأن أسباب تغيير الخطة دون تقديم أي توضيح، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة اضطرابات مثيرة ومقلقة بداية من حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة، والاشتباكات شمال الأراضي المحتلة مع جنوب لبنان، مرورا بهجمات جماعة الحوثي على سفن الاحتلال بباب المندب والغارات الأمريكية البريطانية على اليمن، وتبادل الضربات في العراق، فضلا عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها مصر وسط حالة من الاحتقان الشعبي.

وشهد السيسي وبوتين، الثلاثاء، فعالية صب، بقاعدة وحدة الكهرباء الرابعة، بمحطة الضبعة للطاقة النووية، والتي تنفذها شركة "روس آتوم" الحكومية الروسية لأعمال إنشاءات محطة الطاقة بتكلفة 30 مليار دولار، والتي ستتكون من أربع وحدات للكهرباء بقدرة إجمالية تبلغ 4.8 جيجاوات.

محطة نووية وأخرى كهربائية
وقّعت القاهرة وموسكو اتفاقا عام 2015 لتشييد أول محطة للطاقة النووية في مصر، من خلال قرض روسي لتغطية تكلفة البناء، وفي كانون الثاني/ ديسمبر 2017 وقع الرئيسان الاتفاقات النهائية لبناء محطة الضبعة خلال زيارة الرئيس الروسي، للقاهرة.

إلى ذلك، نص الاتفاق على إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة بمحافظة مطروح، المتواجدة على ساحل البحر المتوسط غرب القاهرة، بنحو 300 كيلو متر، ودخلت العقود حيز التنفيذ عام 2017، ولكن العمل ظل معلقا طوال نحو خمس سنوات دون الكشف عن الأسباب.

ويواجه إنشاء المحطة النووية لإنتاج الكهرباء انتقادات واسعة، في ظل وجود فائض كهرباء بعد بناء 3 محطات كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي من قبل شركة "سيمنز" الألمانية بسعة إجمالية 14.4 غيغاواتا، في صفقة بلغت قيمتها ثمانية مليارات يورو (تسعة مليارات دولار) بهدف زيادة طاقة توليد الكهرباء في البلاد بنحو 50 في المئة، وصفتها الحكومة بأنها ستكون الأكبر في العالم عند اكتمالها.

انعدام الوهج السياسي للمشروع
يقول الباحث في الهندسة النووية بالكلية الملكية في كندا، محمد صلاح حسين: "في واقع الأمر، إن وضع الصبة الخراسانية لحاوي المفاعل الرابع في الضبعة ليس بالأمر الكبير الذي يجعل رئيس واحدة من الدول العظمى للتحرك، غير أن بلاده في حالة حرب في أوكرانيا، فضلاً عن أن بوتين حركته حول العالم محدودة بسبب اتهامه بجرائم حرب، وطلب القبض عليه، للمثول أمام الجنائية الدولية فمن الطبيعي أن يتم هذا عن طريق الفيديو كونفرانس، كما أن الوهج السياسي للمشروع لم يعد موجودا".


وبشأن جدوى تلك المحطة، أوضح صلاح حسين لـ"عربي21": "أولا محطة الضبعة النووية التي تحتوي على أربع مفاعلات VVER 1200 من شركة روساتوم تم التعاقد عليها في الاتفاق الأخير لها على 45 مليار دولار يتحمل الجانب المصري 15 في المئة، والجانب الروسي 85 في المئة، بقرض يبدأ سداده بعد تشغيل المحطة و بفوائد 3 في المئة، الشبهة في هذا التعاقد المجحف أن تركيا تعاقدت على نفس النوع، وأربع مفاعلات أيضا ولكن بـ 20 مليار دولار في وقت لاحق من تعاقد مصر بحوالي 4 أعوام".

وأضاف حسين: "الأمر الثاني في ظل الانهيار الاقتصادي وتدهور وضع الجنيه المصري أمام الدولار، نستطيع أن نقول أن هذا المشروع للأسف فقد جدواه الاقتصادية لأن تكلفته سوف تتجاوز 2 تريليون جنيه ولا يمكن بأي حال من الأحوال تعويض هذه المبالغ من بيع الكهرباء من المفاعلات فضلا عن تكاليف التشغيل اللاحقة. إذن نحن أمام كارثة اقتصادية بكل المقاييس لأن أي محطات طاقة نووية أهم ما يميزها هي أنها تنتج طاقة كثيفة ودائمة وبأسعار اقتصادية ونظيفة بالمقارنة بالمصادر الأخرى".

أجواء غير مستقرة
في تقديره، يقول السياسي والبرلماني المصري السابق، محمد عماد صابر: "زيارة مصر ولقاء السيسي لا يحتل أولوية لدى بوتين في ظل الاضطرابات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة وعلى حدود مصر، ويبدو أن مذكرة اعتقال بوتين قد قلصت من رحلاته الخارجية، في ظل إصدار المحكمة الجنائية الدولية في السابع من مارس 2023 مذكرة اعتقال بحقه بسبب "جرائم حرب" في أوكرانيا، وتسببت تلك المذكرة في حذر الرئيس الروسي خلال رحلاته الخارجية، وحدت بشكل كبير من جولاته ولقاءاته مع قادة الدول الأخرى، وبالتحديد الدول المنضمة إلى المحكمة الجنائية الدولية".

وأضاف صابر في حديثه لـ"عربي21": "منذ إصدار أمر الاعتقال، لم يغادر بوتين إلا لدول ليست أطرافا في المحكمة الجنائية الدولية، مثل الصين وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، بجانب الإمارات والسعودية، وقد غاب بوتين عن قمة "بريكس" التي عقدت في منتصف آب/ أغسطس الماضي، بجنوب أفريقيا، بعدما أعلنت الأخيرة أن بصفتها عضوة في الجنائية الدولية، ستكون مجبرة على تنفيذ مذكرة الاعتقال".


وأوضح صابر: "صحيح أن مصر ليست عضوا في المحكمة الجنائية، لكن الأوضاع العسكرية والأمنية المضطربة في المنطقة بسبب الحرب على غزة، تدفع بوتين إلى عدم المخاطرة وزيارة مصر بشخصه والاكتفاء بحضور الحفل عبر فيديو كونفرنس".

واختتم حديثه بالقول: "لا تسمح المحكمة الجنائية الدولية بإجراء محاكمات غيابية، ومن غير المرجح أن تتمكن من اعتقال بوتين أو مساعديه، وهي تعتمد بالأساس على الدول الأعضاء في تنفيذ الاعتقالات، وبالتالي حال تجنب السفر إلى تلك الدول فسيكون من الصعب القبض على المطلوبين لدى الجنائية الدولية".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية بوتين مصر السيسي مصر السيسي بوتين المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة الرئیس الروسی محطة الضبعة فی المئة

إقرأ أيضاً:

دراسة: البشرية عُرضة لحرب نووية مدمّرة لا يمكن تفاديها

وفقًا لأستاذ الطاقة والأمن القومي والسياسة الخارجية "ماثيو بون" في جامعة "هارفرد"، فإن الحقبة التي يوجد فيها خبراء ورجال بارزون مثّلوا دورا أساسيا في تجنّب حدوث كارثة نووية؛ شارفت على النهاية، بحكم تقدمهم في العمر وانتهاء دورهم السياسي، وعليه فإنّ البشرية قد تكون عرضةً لحرب نووية مدمّرة لا يمكن تفاديها أكثر من أيّ وقت مضى.

وأشار "بون" إلى التوترات التي تحدث بين فينة وأخرى، وأنّ ثمّة تهديدات مستمرة باستخدام الأسلحة النووية مثل تلك التي انطلقت من موسكو أثناء حربها مع أوكرانيا، وأيضا بناء الصين لمنشآت إطلاق صواريخ، واختبارات كوريا الشمالية المستمرة، وطموح إيران في استكمال مشروعها النووي، والمشاحنات المستمرة على الحدود الباكستانية الهندية.

كما تدرس واشنطن إمكانية تعزيز ترسانتها النووية لمواكبة التطور الحاصل على صعيدي الذكاء الاصطناعي والصورايخ الأسرع من الصوت.

ومن الجدير بالذكر أنّ أميركا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت هذا السلاح الفتّاك في نهاية الحرب العالمية الثانية في مناسبتين متتاليتين.

وأشار "بون" في ورقته البحثية التي تحمل عنوان "الحد من المخاطر النووية" إلى أنّ ثمّة غيوما داكنة تلوح في الأفق النووي، مع تهديدات مستمرة من كلّ صوب وحدب. وحذّر من أنّ معاهدة "ستارت الجديدة" لعام 2010 هي الاتفاقية الأخيرة المتبقية التي تصف طبيعة التسليح النووي بين واشنطن وموسكو، ومن المقرر بطلان الاتفاقية في عام 2026، هذا مع عزوف مستمر من جهة روسيا عن إجراء محادثات جديدة بشأن تجديد الاتفاقية.

ووفقا للإحصائيات، فإن هناك أكثر من 12 ألف سلاح نووي في جميع أنحاء العالم بحلول 2024، وتمتلك الولايات المتحدة وحدها نحو 5100 رأس نووية، وروسيا نحو 5580، والصين 500، والمملكة المتحدة 225، وفرنسا 290. ويُقدّر بأنّ لدى الهند وباكستان مجتمعين 170 رأسا نووية، وكوريا الشمالية 50، وإسرائيل نحو 200 غير مفصح عنها.

وتقول المحاضرة في دراسات السلام والتنمية الدولية "بيكي أليكسيس مارتن" في جامعة برادفورد البريطانية: "إننا نعيش حاليا في زمن التوتر النووي، وثمّة مخاطر حقيقية لاندلاع حرب نووية لطالما تمتلك البشرية هذا النوع من أسلحة الدمار الشامل".

امتصاص توتر السياسيين عبر خبراء غير حكوميين

ولم يشهد الإنسان ارتفاع مؤشر الخطر لحرب نووية إلى هذا الحد منذ أزمة الصواريخ الكوبية في أكتوبر/تشرين الأول 1962، إذ دخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في مواجهة مباشرة خلال الحرب الباردة، واقتربت فيها الدولتان من إطلاق الشرارة الأولى لكارثة عالمية.

ولتجنب مثل تلك اللحظات الحرجة، عُقدت اتفاقيات الحد من الأسلحة النووية بعد محادثات غير حكومية بين علماء ومهندسين وخبراء. ويقول "بون": إنّ تفادي مثل هذه المخاطر يكمن في تسهيل محادثات فورية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين وكوريا الشمالية.

وهذه الحوارات ينبغي أن تكون على طاولة المجتمع العلمي لمعالجة قضايا شائكة تشمل أيضا الصراعات في الفضاء الخارجي وفي الفضاء الإلكتروني كذلك، كما ينبغي النظر في مسألة دمج الذكاء الاصطناعي في الترسانة العسكرية وضبط آلية استخدامه تجنبا لوقوع كوارث غير محسوبة لا يمكن إيقافها.

ويقترح "بون" بأنّ يكون لأميركا وروسيا والصين دور في الحد من هذا العداء الشائك والمستمر، والتوقف عن سياسة "الإطلاق عند الخطر"، وهي إستراتيجية تتبعها الدول النووية لشن ضربات نووية انتقامية عند مواجهة خطر التعرض لصاروخ نووي بينما لا يزال في الهواء قبل حدوث الانفجار فعليا، ومن أشهر الحوادث التي كانت ستؤدي إلى وقوع حرب نووية خادعة تبعا لهذه السياسة هي حادثة الإنذار الكاذب النووي السوفياتي عام 1983.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تنفق 1.1 مليار دولار على الأسلحة النووية في 2023
  • ستولتنبرغ يستبعد الحاجة إلى مراجعة عقيدة "الناتو" النووية
  • مدرسة الضبعة النووية 2024.. المميزات والتخصصات وشروط الالتحاق
  • بدائل الثانوية العامة 2024.. تنسيق مدرسة الضبعة النووية بجميع المحافظات
  • بوتين يدعو إلى استئناف إنتاج الصواريخ ذات القدرة النووية أسوة بأمريكا
  • بوتين يدعو لمناقشة الخطوات المتعلقة بمعاهدة الصواريخ النووية المتوسطة المدى
  • بوتين يهدد أمريكا بالبدء في إنتاج أنظمة الضربات النووية متوسطة المدى
  • تنسيق مدرسة الضبعة النووية 2024.. الحد الأدنى والأوراق المطلوبة
  • تعرف على شروط الالتحاق بمدرسة الضبعة النووية
  • دراسة: البشرية عُرضة لحرب نووية مدمّرة لا يمكن تفاديها