في الشهر الرابع للحرب على غزة: سقوط أوهام كثيرة وبروز حقائق جديدة
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
دخلت الحرب على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني كله في الأراضي الفلسطينية المحتلة شهرها الرابع، وهي أطول حرب خاضها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين والعرب منذ نشوء الكيان في العام 1948، فقد كان العدو الصهيوني يعمل لحسم الحروب التي يخوضها ضد الدول العربية في أقصر مهلة وبعضها انتهت في أيام قليلة، ومنها حرب العام 1956 وحرب العام 1967 وحرب لبنان في العام 1982، وحتى حرب تشرين في العام 1973 والتي بدأها الجيشان المصري والسوري فقد عمد العدو الصهيوني إلى تغيير مسارها ونقل المعركة إلى داخل مصر ووقف التقدم في الجولان خلال أيام قليلة.
وأما الحروب على لبنان وقطاع غزة خلال العقود الثلاثة الماضية فقد كانت تستمر من أسبوع إلى حوالي الشهر وأيام قليلة، وبعضها استمر لشهر ونصف، لكن للمرة الأولى تستمر الحرب لمدة أربعة أشهر دون أن تتضح نهايتها ودون أن ينجح الجيش الإسرائيلي بحسمها، بل هي امتدت إلى جبهات أخرى في لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران، وهناك تخوفات من أن تتطور إلى حرب شاملة في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقفها خلال هذا الشهر.
لم تعد هذه الحرب مقتصرة على الجبهات العسكرية في فلسطين ودول المنطقة، بل امتدت إلى كل العالم ولكن من خلال التحركات الشعبية وعلى صعيد الحرب الإعلامية والمحاكم الدولية
ولم تعد هذه الحرب مقتصرة على الجبهات العسكرية في فلسطين ودول المنطقة، بل امتدت إلى كل العالم ولكن من خلال التحركات الشعبية وعلى صعيد الحرب الإعلامية والمحاكم الدولية، فقد شهدنا تقديم شكوى ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية، كما أن التحركات الشعبية والمعارك انتقلت إلى الجامعات والمؤسسات الثقافية والفكرية، حيث يواجه الكيان معركة قاسية بسبب الجرائم التي يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني وفي ظل بروز وعي عالمي جديد للتضامن مع الفلسطينيين وانكشاف الحقيقة الإجرامية البشعة للكيان الصهيوني، إضافة للمعركة المتصاعدة داخل هذا الكيان بين مختلف المجموعات السياسية، والتي تؤكد أن هذا الكيان يعيش مرحلة جديدة من التصدعات الداخلية ولن تنفع معها كل الجهود الأمريكية والدولية (وحتى للأسف من بعض الدول العربية) لحمايته وإعادة الشرعية له.
واليوم وبعد دخول هذه الحرب الكبرى شهرها الرابع واحتمال أن تتمدد إلى شهور أخرى في حال لم تنجح الجهود الدبلوماسية بوقفها والذهاب إلى المفاوضات مجددا، ما هي أبرز الحقائق التي أفرزتها هذه الحرب على مستوى الوعي؟ وما هي الأوهام التي سقطت والتي ينبغي إعادة النظر بها؟ ونترك الحديث عن النتائج العسكرية والميدانية للمختصين والمحللين العسكريين؛ لأن هذه الحرب ستدخل إلى تاريخ الحروب الكبرى كونها من أعظم معارك الصمود والمواجهة الشعبية والعسكرية.
من أبرز الحقائق التي أكدتها والأوهام التي أسقطتها هذه الحرب الكبرى:
أولا: أن الشعب الفلسطيني والشعوب العربية في المنطقة تمتلك قدرات هائلة قادرة على صنع المعجزات في حال توفرت الإرادة السياسية والقيادة الحكيمة، وأن هذه الشعوب قادرة على كسب المعارك وامتلاك كل الخبرات العسكرية والعلمية وتقديم أرقى ما يمكن من أشكال الصمود، وأن زمن الهزائم السريعة انتهى، وأننا اليوم أمام عصر جديد القرار فيه لقوى المقاومة وللشعوب الحرة فقط لا غير.
العالم اليوم لم يعد يصدق الرواية الصهيونية عن الاضطهاد والمظلومية وأن هذا الكيان واحة للحرية والديمقراطية، وقد تجلّت بشاعة جرائمه بأبشع صورها في كل أنحاء العالم رغم سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام الكبرى وعلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وكل الدعم الأمريكي والأوروبي وبعض الدعم العربي أيضا الذي يحظى به
ثانيا: أن هذا الكيان الصهيوني لم يعد قادرا على حماية وجوده وأنه بحاجة لدعم غربي مستمر كي يستطيع خوض الحروب، ولولا الدعم الغربي لما استطاع حماية وجوده، وها هو اليوم يواجه حروبا على جبهات متعددة ولم يعد قادرا على حسمها.
ثالثا: العالم اليوم لم يعد يصدق الرواية الصهيونية عن الاضطهاد والمظلومية وأن هذا الكيان واحة للحرية والديمقراطية، وقد تجلّت بشاعة جرائمه بأبشع صورها في كل أنحاء العالم رغم سيطرة اللوبي الصهيوني على وسائل الإعلام الكبرى وعلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وكل الدعم الأمريكي والأوروبي وبعض الدعم العربي أيضا الذي يحظى به.
رابعا: أن في هذه الأمة وفي هذه الشعوب المضطهدة قوة كامنة تحتاج من يفجرّها ويرعاها وبذلك يتحقق الصمود والانتصار، وأن كل الروايات والنظريات عن الضعف العربي والنقد للعقل العربي وللفكر الديني قد سقطت، وأن العقل العربي قادر على الإبداع، وأن الفكر الديني قادر على تفجير الطاقات في الاتجاه الصحيح إذا توفرت القيادة الحكيمة والوعي الصحيح.
خامسا: أن كل الرهانات على الصراعات المذهبية والقومية والعرقية قد سقطت، وها هي فلسطين توحد الأمة والعالم لأنها معركة الحق والحقيقة، وأن علينا مراجعة كل المرحلة الماضية ودراسة الأسباب التي دفعتنا لخوض الصراعات الخاطئة وإعادة توحيد الطاقات في الاتجاه الصحيح.
وهناك حقائق كثيرة أخرى تولد اليوم وهناك أوهام كثيرة تسقط، ونحن سنكون بعد وقف هذه الجرب الكبرى أمام عالم جديد لا يشبه أبدا العالم الذي ينهار أمام عيوننا اليوم وأمام عيون أطفال ونساء ورجال وشباب فلسطين
سادسا: أن كل المقولات التي كانت ترفع حول القوانين الدولية وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية قد سقطت على أبواب قطاع غزة وفي الضفة الغربية، وها هي الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان تسقط أمام دماء الأطفال والنساء في غزة ومنها ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وفرنسا، وليس أمامنا سوى الدفاع عن أنفسنا بقوة ولن تنفعنا القوانين والمعاهدات الدولية.
سابعا: رغم قسوة المشهد العالمي وفشل المؤسسات الدولية، فإن في هذا العالم قوة جديدة تدافع عن الحق والحرية وتنصر المظلومين، وها هي جنوب أفريقيا تقدم النموذج الرائع في محكمة العدل الدولية، وفي العالم الشعوب تتحرك في الجامعات وفي شوارع المدن، وعلينا البحث عن إخوة لنا في كل أنحاء العالم تجمعنا بهم روح الإنسانية الحقيقية كي نشكّل تحالفا إنسانيا حقيقيا قائم على العدل ورفض الظلم، بعيدا عن الانتماءات القومية والدينية والمذهبية.
ثامنا وليس أخيرا: مهما اشتد الظلم والطغيان ورغم كل التضحيات والدمار فإن فجرا جديدا سيولد؛ بفضل المقاومين ودماء الأطفال وصراخهم، وبفضل الوعي الجديد القادم من رمال ودمار غزة وعيون أطفالها ونظرات نسائها وصمود مقاوميها وتضحياتهم.
وهناك حقائق كثيرة أخرى تولد اليوم وهناك أوهام كثيرة تسقط، ونحن سنكون بعد وقف هذه الجرب الكبرى أمام عالم جديد لا يشبه أبدا العالم الذي ينهار أمام عيوننا اليوم وأمام عيون أطفال ونساء ورجال وشباب فلسطين.
twitter.com/kassirkassem
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطيني الإسرائيلي إسرائيل فلسطين غزة العدالة تحولات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أن هذا الکیان هذه الحرب لم یعد
إقرأ أيضاً:
العدوان الأمريكي على اليمن.. حربٌ بالوكالة عن الكيان الصهيوني ودفاع عن جرائم الإبادة
يمانيون/ تقارير باتت الولايات المتحدة الأمريكية أسيرة للمصالح الصهيونية، ومكبلة بقيود الولاء المطلق لتلك المصالح منذ نكبة 1948، حتى لو دفعها ذلك لارتكاب أبشع الجرائم؛ وليس أفظع من مشاركتها للكيان في جرائم حرب الإبادة في قطاع غزة على مدى 15 شهرا، وها هي مستمرة في المشاركة في ارتكاب تلك الجرائم في دعمها المطلق للكيان في فرص حصار تجويع وتعطيش سكان غزة في جولة جديدة من حرب إبادة همجية أخرى تقف خلفها واشنطن.
منذ إعلان قيام الكيان الصهيوني، وحتى اللحظة ورؤساء البيت الأبيض في تسابق على إظهار ولائهم وتفانيهم في حب الكيان الغاصب، وغض الطرف عن التصرفات الهمجية والأفعال الشنيعة والجرائم البشعة التي يرتكبها هذا الكيان المؤقت، والتي تتناقض مع أي قيم أو مبادئ أخلاقية أو إنسانية؛ بل إنها لا تغض الطرف عنها وحسب، بل تشارك في تلك الجرائم، وتدعمها بالمال والسلاح على مرأى ومسمع من العالم كله.
باستمرار، تتبنى واشنطن المواقف الصهيونية الممقوتة، وتقف حائط صد بـ”الفيتو” الأمريكي أمام أي إدانة في مجلس الأمن الدولي ضد الممارسات القمعية والوحشية والفاشية التي يرتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، الذى لا حول له ولا قوة ، حتى وإن تغيرت تلك الإدارات الأمريكية بين ديمقراطية أو جمهورية؛ فالقرار الأمريكي مستلب صهيونيًا؛ وقرار الأمم المتحدة مستلب أمريكيًا، في تحد واضح لقيم الحضارة الإنسانية.
الدعم الأمريكي الدائم غير المحدود لهذا الكيان العنصري طوال تاريخه ليس مفاجئًا للمراقبين والمتابعين للشأن الأمريكي، فأمريكا تتحدث بلسان الكيان الصهيوني، وتدعمه ماديا بلا حساب، وعسكريًا بلا حدود ، وترتبط معه بعلاقة متشابكة ليس لها نظير.
ها هو دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الـ45 يقوم وإدارته المتطرفة وجيشه الفاشي بالعدوان على اليمن، ويحارب بالوكالة عن الكيان الصهيوني المجرم الذي يستبيح دماء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ويحاصر قطاع غزة المدمر ، ويمنع عن سكان القطاع الغذاء والماء والدواء، ويمارس بحق سكان غزة أبشع الجرائم؛ التي يندى لها جبين الإنسانية.
سكان غزة اليوم محاصرون، ويكاد يفتك بهم الجوع والعطش والمرض، بينما جميع الأنظمة العربية والإسلامية لاذت بالصمت باستثناء اليمن، باستثناء صنعاء.
ولهذا فقد أثار حفيظة العدو الأمريكي والبريطاني الموقف اليمني القوي المساند لغزة ولمظلومية الشعب الفلسطيني، وذلك في كون اليمن قرر أن يستأنف فرض حصار خانق على الكيان الصهيوني الغاصب في البحر الأحمر والبحر العربي وخليج عدن وباب المندب؛ وهو ما أفقد العدو الأمريكي والبريطاني صوابة، وقرر استئناف حربه على اليمن في جولة جديدة من حرب بالوكالة عن الكيان الصهيوني ؛ فقرر قصف المدنيين الآمنين في بيوتهم ومساكنهم ومحلاتهم في صنعاء وصعدة وذمار وعمران ومأرب وغيرها من المناطق انتقامًا للكيان الصهيوني المجرم.
التصعيد الأمريكي الإجرامي، الذي استهدف المدنيين هو دليل واضح على مدى جرم العدوان الذي لم يفهم أو لا يريد أن يفهم أو بالأصح هو يفهم أن الموقف اليمني الإيمانية والإنساني الثابت في مساندة أبناء غزة وفرض الحصار البحري على العدو الصهيوني يستند إلى خلفية ما يفرضه الكيان الغاصب من حصار وتجويع بحق سكان غزة، لكنه ربما لا يريد أن يفهم أن الموقف اليمني ثابت ولا يمكن التراجع عنه، لو أطبقت السماء على الأرض.
يؤكد الشعب اليمني دائمًا استعداده التام لمواجهة قوى “الهيمنة والاستكبار” العالمي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي ترتكب وارتكبت أبشع الجرائم في اليابان وفيتنام والصومال وأفغانستان والعراق وغيرها من بلدان العالم تحت ذرائع واهية وحجج إمبريالية.
العدوان الأمريكي البريطاني الغاشم على اليمن هو امتداد للدور الأمريكي البريطاني المستمر في دعم جرائم الإبادة الجماعية وسياسة التجويع الممنهجة التي يقوم بها كيان العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
لكن الموقف اليمني الإسنادي لغزة ينطلق من مبادئ ايمانية إنسانية أخلاقية راسخة باتجاه فرض معادلة حصار بحري شديد على الكيان الغاصب؛ دون أي استهداف للملاحة الدولية؛ بل إن واشنطن باستئناف عسكرتها للبحر الأحمر هي مَن تهدد الملاحة الدولية.
ولدأبه على قلب الحقائق يحاول الأمريكي والبريطاني عاجزًا عبر وسائل إعلامه تصوير هذا العدوان الغاشم على اليمن على أنه يهدف إلى حماية الملاحة الدولية.. بيد أن الحقيقية الجلية والواضحة للعيان أن هذا العدوان هو دعم للعدو الإسرائيلي وعسكرة للبحر الأحمر ومصدر تهديد حقيقي للملاحة ولأمن المنطقة، ويمثل انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية وتهديد للسلم والأمن الدوليين.