إطلاق 34 كائناً فطرياً في محمية الوعول
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
الرياض : البلاد
أطلق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية اليوم, 34 كائنًا فطريًا في محمية الوعول، وذلك ضمن برنامج المركز لإكثار وإعادة توطين الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض، وجهود إعادة تأهيل النظم البيئية وإثراء التنوع الأحيائي في المملكة.
وانطلقت صباح اليوم في أرض وسماء المحمية 20 من ظباء الإدمي، و14 طائرًا من ضمنها نسور، وقطا، وبوم، لتؤدي هذه الكائنات أدوارها البيئية وتسهم في تعزيز التنوع الأحيائي وتدعم ملف المحمية لإدراجها في القائمة الخضراء التابعة للاتحاد العالمي لصون الطبيعة IUCN.
وأوضح الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد علي قربان, أن إطلاق هذه الأنواع من الكائنات الفطرية المهددة بالانقراض في محمية الوعول يأتي في ظل حرص المركز على تحقيق مستهدفاته في استدامة الحياة الفطرية، والحفاظ على الأنظمة البيئية والتنوع الأحيائي فيها، وذلك تنفيذاً للإستراتيجية الوطنية للحفاظ على البيئة، وتحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030 لبناء بيئة إيجابية جاذبة وتحسين مستوى جودة الحياة.
وأشار إلى أن المحمية تحظى باهتمام كبير من المركز، ويتم فيها الكثير من الدراسات والمسوح الميدانية لرصد تنوعها الأحيائي، وتأتي الإطلاقات لتعزيز هذا التنوع، لافتًا إلى أن المسوحات تؤكد نجاح الإطلاقات في المحمية من خلال الازدهار الذي تشهده الأنواع المطْلقة, مبيناً أن جهود المركز في المحمية تعزز السياحة البيئية وتخلق روافد اقتصادية تعود بالنفع على المجتمع المحلي، مؤكدًا حرص المركز على الشراكة المجتمعية مع الأهالي والمهتمين.
وأفاد أن الإطلاق في المحمية لم يقتصر فقط على الكائنات التي يتم إكثارها في مراكز الإكثار، بل شمل كائنات من المعاد تأهيلها في مراكز الإيواء، منها طيور مهاجرة يتم إطلاقها ضمن نطاق هجرتها كجزء من الالتزامات والجهود الدولية في المحافظة على هذه الأنواع.
وخلص الدكتور قربان إلى القول: إن المركز يمتلك حالياً مراكز تعد في طليعة المراكز العالمية المتخصصة بإكثار الكائنات المهددة بالانقراض وتوطينها في بيئاتها الطبيعية حسب أدق المعايير العالمية، وينفذ أبحاثًا تتعلق بظروف عيشها، كما يتابع ويرصد التنوع الأحيائي في المناطق المحمية باستخدام التقنيات الحديثة لتعقب المجموعات الفطرية وجمع البيانات وفهم الممكنات والمخاطر التي تواجه الحياة الفطرية.
مما يُذكر أن المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية يقوم منذ تأسيسه بتنفيذ حزمة من الخطط الفاعلة لحماية الحياة الفطرية والحفاظ على التنوع الأحيائي واستعادة النظم البيئية وتعزيز استدامتها، ويعمل على أن يكون في طليعة الجهات التي تسهم في حماية الحياة الفطرية من خلال إكثار الكائنات المهددة بالانقراض في مراكز متخصصة تابعة له، وإعادة إطلاقها في بيئاتها الطبيعية.
ويتابع المركز ويرصد التنوع الأحيائي في المناطق المحمية باستخدام التقنيات الحديثة لتعقب المجموعات الفطرية وتوثيق المعلومات المتعلقة بكل محمية وجمع البيانات وفهم الممكّنات والمخاطر التي تواجه الحياة الفطرية.
وفي سبيل تحقيق رؤيته وأهدافه الإستراتيجية يحرص المركز على تعميق التعاون مع الجهات ذات الاهتمام المشترك وتفعيل الشراكات المجتمعية بما يحقق الأهداف الوطنية.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الحياة الفطرية التنوع الأحیائی فی المهددة بالانقراض الحیاة الفطریة
إقرأ أيضاً:
خاطرة وتأمل: هل نحتاج لإعادة النظر في السياسات التعليمية في السودان؟
قدّم لي صديقي الأخ الكريم، البروفيسور إبراهيم باني، دعوة كريمة لحضور مأدبة عشاء جمعتني مع مجموعة من زملائي الأطباء خريجي جامعة الخرطوم. شاركنا اللقاء أيضًا عدد من خريجي مدرسة خورطقت الثانوية، وكان لقاءً مميزًا حضره كبار المسؤولين من وزراء اتحاديين وإقليميين، بالإضافة إلى رجال أعمال وأطباء ومهندسين، وبعض من عمل في منظمات الأمم المتحدة.
استعرض الحاضرون ذكرياتهم الجميلة، متحدثين عن أساتذتهم الأجلاء وليالي السمر التي أحيتها فرقة الفنون الشعبية المتنوعة في المدرسة. كانت هذه الفرقة تجوب السودان وخارجه، معبّرة عن ثقافة السودان الغنية والمتعددة. لم تكن تفرّق بين الناس، بل قدمت السودان لوحة واحدة نابضة بالحياة. أدركت من خلال حديثهم كيف ساهم هذا التلاقي القديم في ترسيخ الشعور بالوطنية وتعزيز النشاط الوطني الذي دعم حركة الاستقلال السوداني. كان مشهدًا جميلاً يستحق التأمل والاحتفاء، بل والاستفادة منه لبناء مستقبل أفضل عبر إعادة إحياء المبادرات الثقافية التي تجمع ولا تفرق، وتبني ولا تهدم.
أثار اللقاء انتباهي بروح المحبة العميقة والألفة الصادقة التي سادت بين الحاضرين، رغم أن الكثيرين منهم لم يلتقوا منذ أكثر من ثلاثين أو أربعين عامًا. سألت نفسي عن سر هذا الود، فجاءني الجواب من سعادة السفير الفاتح عبد الله يوسف الذي قال: لقد نشأوا جميعًا في مدارس داخلية جمعتهم من مختلف أنحاء السودان، حيث سادت بينهم بيئة يسودها التعاون والتآخي بعيدًا عن العصبية الجهوية أو القبلية.
زادني هذا اللقاء قناعة بأننا بحاجة ماسّة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى استعادة هذه الروح لبناء سودان موحد يقوم على قيم المحبة والانتماء الوطني. ومن هنا تبرز ضرورة إعادة النظر في سياساتنا التعليمية، بحيث تقوم على التنوع والشمول والانفتاح، وليس على الانغلاق المحلي الضيق. ينبغي أن نجعل التعليم منصة لترسيخ الوحدة الوطنية وصناعة مستقبل أكثر إشراقًا.
التنوع الثقافي يمكن أن يكون مصدر قوة للدولة حين تتم إدارته بطريقة عادلة تضمن الاحترام المتبادل والمساواة بين مختلف المجموعات، وعندما يُستخدم لتعزيز الإبداع والتجديد، حيث يؤدي تنوع الخلفيات إلى تعدد الأفكار والحلول. ويكون جسرًا للتواصل مع العالم مما يساعد على بناء علاقات خارجية قوية مع دول وثقافات متعددة، وعندما يشعر جميع المواطنين بأنهم متساوون دون تمييز ثقافي أو عرقي، مما يعزز الانتماء الوطني والاستقرار الداخلي.
أما حين يُستغل التنوع لإثارة الفتن والصراعات الطائفية أو العرقية، أو حين تفشل الدولة في تحقيق العدالة والمساواة بين مكوناتها المختلفة، أو تغيب السياسات التي تنظم التنوع وتحوله إلى مصدر إثراء لا صراع، فإن التنوع يتحول إلى نقطة ضعف خطيرة. كذلك عندما تكون الهوية الوطنية ضعيفة أو مشوشة، تقدم بعض الفئات انتماءاتها الضيقة على الولاء للوطن.
للتنوع الثقافي مظاهر إيجابية كثيرة. فهو يعزز الإبداع والتجديد حيث يؤدي تنوع الثقافات إلى تنوع الأفكار والأساليب ويغني الفنون والآداب والعلوم. كما يعزز التسامح والانفتاح لأن العيش مع ثقافات مختلفة يربي على قبول الآخر واحترامه. ويساهم في تقوية الهوية الوطنية الجامعة عندما يشعر الجميع أنهم جزء من نسيج واحد. ومن مظاهره الغنية أيضًا الثراء الاجتماعي عبر تبادل العادات والتقاليد والمأكولات والفنون. التنوع الثقافي يشكل كذلك قوة اقتصادية وسياحية، لأنه يجذب السياح والمستثمرين ويقوي العلاقات مع الدول الأخرى، ويسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا عندما يُدار بشكل عادل ومنفتح.
هناك دول كثيرة استفادت من تنوعها الثقافي بشكل رائع. فالولايات المتحدة، المعروفة بأمة المهاجرين، جعلت من التنوع مصدر قوة في الابتكار والاقتصاد والفن. وكندا تبنت التعددية الثقافية كسياسة رسمية، مما جعل التنوع جزءًا أساسيًا من هويتها الوطنية. وسويسرا استطاعت عبر اللامركزية السياسية أن تحترم تنوع لغاتها الأربع وتصبح واحدة من أكثر الدول استقرارًا وازدهارًا. وسنغافورة، رغم صغر مساحتها، نجحت في إدارة تنوعها الثقافي بين الصينيين والملاويين والهنود بطريقة جعلتها من أهم المراكز الاقتصادية في العالم.
على الجانب الآخر، هناك دول كان يمكن أن يكون تنوعها مصدر قوة، لكنها فشلت في ذلك بسبب سوء الإدارة. فمثلاً يوغوسلافيا السابقة تفككت بعد حروب أهلية دامية بسبب النزاعات العرقية. ورواندا شهدت واحدة من أبشع الإبادات الجماعية نتيجة لصراع الهوتو والتوتسي. والعراق، رغم تنوعه الغني، عانى من الطائفية والاقتتال. ولبنان، رغم ثرائه الطائفي والثقافي، عانى طويلاً من النزاعات بسبب النظام الطائفي العميق.
من أهم أدوات إدارة التنوع الثقافي بنجاح هي السياسات التعليمية الممتازة. التعليم يغرس قيم الاحترام والتسامح منذ الصغر، ويوازن بين الخصوصيات الثقافية المختلفة وبناء ولاء مشترك للوطن. من خلال تعليم تاريخ وإنجازات جميع المكونات، وتطوير مناهج تشجع التفكير النقدي والحوار، يخلق التعليم جيلاً قادرًا على التفاهم الحضاري. كما أن توفير فرص تعليم متساوية لجميع الفئات بغض النظر عن خلفياتهم الثقافية أو العرقية يسهم في تقليل الفجوات الاجتماعية. دعم التعدد اللغوي في المدارس يعزز التنوع بدلاً من أن يجعله مصدرًا للتهميش.
التعليم الممتاز لا يقتصر على تلقين المعرفة، بل يصنع عقولاً واسعة الأفق، ويحول التنوع إلى طاقة دافعة نحو الوحدة الوطنية والازدهار.
من المدارس القومية الرائدة التي صنعت هذا الاندماج الوطني، مدرسة خور طقت الثانوية التي تأسست عام 1952م في مدينة الأبيض. سميت المدرسة نسبة إلى خور مائي موسمي يُسمى خور طقت. وقد كانت واحدة من أعرق المدارس الثانوية في السودان، وأسهمت في تخريج نخبة من القادة والمفكرين، وعُرفت بانضباطها ومستواها الأكاديمي الرفيع، وكانت تعتمد نظام السكن الداخلي الذي عزز الألفة بين الطلاب من مختلف أنحاء السودان.
المدارس القومية مثل خورطقت ووادي سيدنا وحنتوب، وكذلك جامعة الخرطوم، كانت معاقل لصناعة الوحدة الوطنية في السودان. استقطبت هذه المؤسسات الطلاب من مختلف الأقاليم، مما أتاح لهم فرصة التفاعل والاندماج، وأسهمت في بناء جيل قادة يؤمنون بوحدة السودان ويتجاوزون الانتماءات الضيقة.
من الأفكار التي طرحت في لقائنا المبارك بإذن الله ضرورة إنشاء مدارس قومية في كل ولاية، تستقطب طلابًا من جميع أنحاء البلاد وتوفر لهم تعليمًا داخليًا. ستسهم هذه المدارس في تعزيز الوحدة الوطنية وبناء مجتمع أكثر تلاحمًا، رغم التحديات التي قد تواجهها، مثل العزلة الثقافية أو تفاوت جودة التعليم، وهي تحديات يمكن معالجتها بالتخطيط الحكيم. وتسعى دفعة خريجي خورطقت التاسعة عشرة بحماس وإصرار إلى إعادة الروح لمدرستهم العريقة وبناء مدرسة جديدة تحمل ذات الاسم المحفور في ذاكرة المواطن السوداني ونهج ذات المنوال الذي نأمل أن يساهم في تقوية الوحدة الوطنية.
ختاماً، التنوع الثقافي ثروة عظيمة، تظهر في الفنون الشعبية والعادات والتقاليد واللغات والحكايات الشعبية. هذا التنوع يعزز الفهم المتبادل، ويحفز الإبداع والابتكار، ويقوي الهوية الوطنية الجامعة. يجب أن يكون التنوع مصدر فخر وقوة، وأن يحتفى به كرمز لثراء الأمة السودانية.
بقلم الدكتور حسن المهدي البشري الغبشاوي
hassanemelbushra@gmail.com