مركب واعد يحمي المحاصيل من الفطريات دون مبيدات
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
ارتبط مصطلح "المقاومة السلبية" سياسيا بطريقة الزعيم الهندي ألمهاتما غاندي، في استخدام الأساليب غير العنيفة لتحقيق الاستقلال عن الاستعمار البريطاني، وهو معنى قريب للغاية من استخدامه في مجال وقاية النبات، حيث يشير إلى مواجهة "الاستعمار الفطري للنبات" باستخدام مواد غير ضارة بالبيئة.
وغالبا ما يستخدم المزارعون مبيدات الفطريات لحماية المحاصيل من الفطريات، لكن رغم أهمية هذه المركبات، فإن لها بعض السلبيات، مثل إيذاء الكائنات الحية المفيدة في الأرض، كما أن لبعضها صلات بتلوث المياه والسرطان والعقم وأمراض أخرى، وهو ما دفع بعض الدول إلى إصدار قائمة بمواد يحظر استخدامها.
وأثير بالمملكة المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي جدلا، بعد أن كشف تحقيق أجرته شبكة عمل مبيدات الآفات (شبكة دولية تعمل على إنشاء نظام غذائي عادل وصحي ومنصف)، أن المملكة المتحدة لا تزال تستخدم 36 مبيدا ضارا محظورة في بلدان أوروبية أخرى، مع تصنيف 13 منها بأنها "شديدة الخطورة"، وهو ما يعزز من أهمية حل "المقاومة السلبية" الذي طرحه باحثون من جامعة نوتنغهام في دراسة نشرتها دورية "غرين كمستري".
وخلال الدراسة أعلن الباحثون عن طريقة بديلة لحماية المحاصيل من الفطريات دون استخدام المبيدات التقليدية، وركزوا على اختبار مواد بوليمرية متجانسة تمنع ما يسمى بـ"الاستعمار الفطري"، مما يقدم نهجا جديدا غير سام وصديق للبيئة.
يشير الاستعمار الفطري إلى العملية التي تتيح للفطريات التكاثر والوجود بقوة على سطح النبات، وتتضمن الخطوة الأولى لتلك العملية الالتصاق الضعيف لعدد قليل من الخلايا أو الجراثيم الفطرية بالسطح، وتسهيل هذا الارتباط يحصل بواسطة جزيئات تعرف باسم المواد اللاصقة مثل "الهيدروفوبينات"، وهي بروتينات تجعل الأسطح كارهة للماء، مما يعزز الارتباط الفطري.
وبمجرد التصاقها، تخضع الخلايا أو الجراثيم الفطرية لالتصاق لا رجعة فيه، ويمكن أن يحدث ذلك من خلال إنبات الجراثيم وإنتاج المواد اللاصقة المتخصصة، ويؤدي ذلك إلى اتصال مستقر بين الفطر وسطح النبات.
وبعد ذلك تنتشر الفطريات ويزداد عددها، وهذه المرحلة هي التي يحدث فيها معظم الضرر أو العدوى، حيث يبدأ الفطر في استخلاص العناصر الغذائية من النبات.
والميزة التي تقدمها تركيبة بوليمرات (ميث أكريلات) التي اختبرها باحثو جامعة نوتنغهام، أنها تمنع مرحلة الارتباط الأولية قبل اكتمال خطوات الاستعمار الفطري. ويشير اسم هذه البوليمرات إلى أن جزيئات الأكريليت (مركبات مشتقة من حمض الأكريليك) والميثاكريلات (مركبات مشتقة من حمض الميثاكريليك)، تمثل جزءا كبيرا من بنية البوليمر، والذي يختلف تركيبه من تطبيق لآخر اعتمادا على الوظيفة التي يريد الباحثون لهذا البوليمر أن يؤديها.
والوظيفة التي أرادها الباحثون لتركيبة البوليمرات التي ابتكروها، هي أن تؤدي ما يعرف بـ"المقاومة السلبية"، حيث تعمل كحاجز وقائي يمنع الاستعمار الفطري منذ بدايته عن طريق تعديل خصائص سطح النبات، بما يجعل هناك صعوبة على الجراثيم الفطرية أن تلتصق وتقيم اتصالا مستقرا به، وبالتالي تمنع المراحل الأولية للاستعمار الفطري.
ولا تطلق تركيبة البوليمرات المستخدمة أي مواد كيميائية سامة، ولذلك فإن هذا النهج للمقاومة السلبية يتوافق مع مبادئ الكيمياء الخضراء التي تهدف إلى تحقيق حماية فعالة للمحاصيل دون الاعتماد على المواد السامة، وبالتالي الحفاظ على فعالية الوظيفة في حماية المحاصيل، مع تقليل المخاطر البيئية والإيكولوجية.
يقول أستاذ علم الأحياء الدقيقة والباحث الرئيسي بالدراسة سيمون أفيري، في بيان صحفي نشره الموقع الرسمي لجامعة نوتنغهام: إن تركيبتهم الجديدة اختُبرت معمليا، ثم نُقلت إلى برنامج لتحسين وتوسيع نطاق استخدامها في تركيبة رش يمكن استخدامها على المحاصيل.
وأوضح أن النتائج التي أجريت على نبات القمح أظهرت أن المادة قللت بشكل كبير من العدوى الفطرية بالفطر "سبتوريا تريتشي" بنسبة تصل إلى 26%، وذلك دون أن تؤثر على معدلات نمو المحصول عند مقارنته مع محصول آخر لم تتم معاملته بتلك التركيبة، وهو ما يعني أنها توفر بديلا يبدو أكثر أمانا للبيئة والحياة البرية والناس.
والفطر "سبتوريا تريتشي" يسبب مرضا كبيرا في القمح، وتشمل أعراضه آفاتا نخرية داكنة ذات أجسام صغيرة سوداء مميزة تسمى "بيكنيديا" على أوراق القمح المصابة، ويؤدي إلى أضرار واسعة النطاق في النبات.
وتبدي الباحثة المشاركة بالدراسة فالنتينا كوزوكولي كروسيتي، سعادة بالنتائج التي ستساعد في مواجهة واحد من أهم التحديات التي تواجه محصول القمح.
تقول: "يُعد القمح أحد أهم محاصيل الحبوب من الناحية الاقتصادية والغذائية، ولكن يبقى هناك تحديا حقيقيا ينتظر الحل، حيث يُفقد ما بين 5 و10% من المحصول بسبب الفطريات، حتى مع استخدام أصناف المحاصيل المقاومة ومبيدات الفطريات، لذلك فإن التركيبة الجديدة تمنح أملا كبيرا بالتخلص من تلك المشكلة بالمقاومة السلبية".
ووصفت الباحثة في علم أمراض المحاصيل بشركة الاستشارات الزراعية والبيئية "إيه دي إيه إس" كلوي مورغان، التجربة الحقلية للتركيبة بأنها "كانت واعدة للغاية".
وقالت مورغان التي شاركت شركتها في التجربة: إن "البوليمرات أظهرت أن لديها مستوى من الفعالية ضد الفطر سبتوريا تريتشي، ومع مزيد من التحسين يمكن أن تلعب دورا حيويا في مواجهة الأمراض المستقبلية".
ومن جانبه، أعرب أستاذ المحاصيل بمركز البحوث الزراعية المصري خالد خورشيد، عن إعجابه باختيار فطر "سبتوريا تريتشي" كبداية لتجربة التركيبة، لأنه يمثل مصدر قلق كبير لمزارعي القمح حول العالم، ويمكن أن يسبب خسائر كبيرة في المحصول بسبب تأثيره على قدرة النبات على التمثيل الضوئي عن طريق إتلاف الأوراق، مما يؤدي إلى انخفاض جودة الحبوب وكميتها.
وليس ذلك فحسب، بل إن هذا الفطر -كما يوضح خورشيد في حديث هاتفي مع "الجزيرة نت"- أصبح يشكل تحديا كبيرا في المواجهة، لأنه طوّر مقاومة لبعض مبيدات الفطريات، مما يؤدي إلى صعوبة في إدارة المرض.
لكن رغم الإشادة والإعجاب، لا تزال هناك تساؤلات لم يجد خورشيد إجابة عليها في الدراسة التي وصف فيها الباحثون تركيبتهم الجديدة ونتائج تجاربها الحقلية، وهي:
أولا: هل يختلف أداء المواد البوليمرية في ظل ظروف بيئية مختلفة، مثل اختلاف الرطوبة أو درجة الحرارة أو المواقع الجغرافية؟ ثانيا: هل يمكن لمسببات الأمراض الفطرية في نهاية المطاف تطوير مقاومة للمواد البوليمرية، مثلما فعلت مع المبيدات التقليدية؟ ثالثا: ما هي تكلفة تنفيذ هذا النهج الجديد، مقارنة بالمعالجات التقليدية بمبيدات الفطريات، وكيف يمكن أن يؤثر على اقتصاديات الزراعة بشكل عام؟ رابعا: ما مدى قابلية إنتاج هذه المواد البوليمرية على نطاق واسع، وما هي التحديات التي يمكن مواجهتها عند النظر في التطبيقات التجارية الواسعة النطاق؟ خامسا: ما مدى احتمالية اعتماد المزارعين لهذا النهج الجديد، وما هي العوامل التي قد تؤثر على قرارهم، مع الأخذ في الاعتبار عوامل مثل سهولة التطبيق والفعالية الملموسة؟وحمل البيان الصحفي وعدا بالإجابة على هذه الأسئلة، حيث قالت فالنتينا كوزوكولي كروسيتي: "يتحول اهتمامنا الآن إلى تجربة ميدانية ثانية مدرجة في مذكراتنا لهذا العام لزيادة صقل البوليمر وتحسينه حتى نتمكن من مواصلة تحويل أبحاثنا إلى واقع".
وتضيف أن "جمال تركيبتنا هو افتقارها إلى السمّية، والبساطة النسبية لإنتاجها، وحقيقة أنه يمكن توسيع نطاقها بسهولة، مما يجعلها فرصة جذابة بشكل لا يصدق للعديد من الصناعات الأخرى، وليس فقط الزراعة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: یمکن أن
إقرأ أيضاً:
«الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج
تعد التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في تطوير القطاع الزراعي، خاصة في مناطق تواجه تحديات بيئية، وقد تبنت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تقنيات مبتكرة لتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الأمن الغذائي، ويمكن لسلطنة عُمان أن تحقق فوائد كبيرة من تبني تقنيات الزراعة الدقيقة خاصة في ظل تحديات المناخ الجاف وندرة الموارد المائية، حيث تمكن هذه التقنيات من تحسين كفاءة الري عبر أجهزة استشعار ترصد رطوبة التربة وتحدد الاحتياجات المائية الدقيقة للمحاصيل، مما يقلل الهدر ويعزز الاستدامة.
ويعكس استخدام هذه التقنيات التزام سلطنة عمان بالابتكار لمواجهة التحديات البيئية وتعزيز القطاع الزراعي وضمان استدامة الموارد وتحقيق الأمن الغذائي للمستقبل.
التقنيات الحديثة
أوضح الدكتور سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن التقنيات الحديثة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية في سلطنة عمان، خاصة في ظل التحديات المناخية مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، حيث إن أنظمة الري الذكية مثل الري بالتنقيط والري الأوتوماتيكي المزود بمستشعرات رطوبة التربة يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك المياه وتوزيعها بكفاءة، مما يقلل الهدر ويُعزز نمو المحاصيل.
وأضاف: تستخدم تقنيات الزراعة الدقيقة عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة (الدرون) لمراقبة صحة النباتات وتحليل التربة، مما يمكن المزارعين من تحديد المناطق التي تحتاج إلى أسمدة أو مبيدات بشكلٍ دقيق، كما تدعم البيوت المحمية المجهزة بأنظمة تحكم مناخي زراعة محاصيل عالية الجودة على مدار العام، حتى في المناطق ذات الظروف الجوية القاسية، وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورًا في تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والآفات، مما يزيد من قدرتها على التكيف مع بيئة سلطنة عمان.
وأشار الخميسي إلى أن أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية تساهم في تشغيل مضخات المياه ومرافق الزراعة بشكلٍ مستدام خاصة في المناطق النائية كما تسهِم منصات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط الطقس وتوقعات السوق مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات استباقية.
كما يشير إلى أنه يجب أن لا ننسى دور الزراعة الرأسية والتقنيات الحضرية في توفير مساحات زراعية محدودة وإنتاج محاصيل سريعة النمو.
وأضاف الخميسي: تعمل تطبيقات الهاتف المحمول على ربط المزارعين بالخبراء والبائعين مباشرةً مما يحسن الكفاءة التسويقية ويقلل الفاقد، حيث إنه بدمج هذه الحلول يمكن لسلطنة عمان أن تحقق أمنًا غذائيًا مستدامًا وتعزز مكانتها كواحة زراعية متطورة في المنطقة.
وقال الخميسي: تساهم الزراعة الدقيقة في زيادة الإنتاجية عبر تحليل البيانات الزراعية لتحديد أفضل المواقع لزراعة المحاصيل المناسبة، مما يُعظّم الاستفادة من الأراضي المحدودة، كما يمكن استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) وخرائط GPS لمراقبة الحقول واكتشاف الأمراض أو الآفات مبكرًا، مما يحد من استخدام المبيدات الكيميائية ويخفض التكاليف، بحيث يمكن أن تساعد الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) في التخصيب الدقيق بناءً على احتياجات التربة، مما يعزز جودة المحاصيل ويقلل التلوث البيئي.
مشيرا إلى أنه يمكن لسلطنة عُمان من خلال تبني هذه الأساليب تعزيز الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج المحلي، خاصة في محاصيل استراتيجية مثل النخيل والتمور، حيث توفر الزراعة الدقيقة بيانات تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مدروسة، مما يدعم تحول القطاع الزراعي نحو الاقتصاد الرقمي، ويمكن لهذه الخطوة أن تجذب استثمارات تكنولوجية وتُطور الكفاءات المحلية في مجال الزراعة الذكية، مؤكداً أن الزراعة الدقيقة تعد ركيزة مهمة لتحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» في التنويع الاقتصادي والاستدامة، حيث يتطلب النجاح تطوير بنية أساسية رقمية وتدريب المزارعين على استخدام الأدوات الحديثة ذات العلاقة بالزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، كما ستعزز هذه الخطوة مكانة سلطنة عمان كدولة رائدة في تبني حلول مبتكرة لتحديات الزراعة في المناطق الجافة، مما يسهم في بناء مستقبل زراعي أكثر مرونة وازدهارًا.
استدامة الزراعة
وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط تسهم في توفير المياه بنسبة تصل من 50 إلى 80% مقارنة بالطرق التقليدية، خاصة في محاصيل النخيل بمحافظات السلطنة، حيث توزع المياه مباشرة على جذور النباتات دون هدر، فقد تتيح أنظمة الري الذكية المزودة بمستشعرات رطوبة التربة تحديد الاحتياجات المائية بدقة، كما تلك المستخدمة في مزارع البحوث الزراعية بالرميس، مما يمنع الإفراط في الري ويحافظ على الموارد المائية.
وأضاف: كما يمكن أن يُقلل استخدام الري بالرش المحوري (مثل الموجود في مزارع محافظة الظاهرة) من تبخر المياه، ويُناسب المحاصيل العلفية كالبرسيم، مما يعزز كفاءة الاستهلاك في المناطق الواسعة، حيث تسمح تقنيات الري تحت السطحي (Subsurface Drip Irrigation) بتغذية التربة مباشرة في مزارع شركة تنمية نخيل عمان، حيث تُستخدم لزراعة الخضروات في الترب الرملية، مما يحد من تسرب المياه والأملاح.
ويشير إلى أن أنظمة الري المُدارة بالذكاء الاصطناعي قد تدعم تحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد أوقات الري المثلى مما يُحسن إنتاجية المحاصيل، حيث تُستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات الري في قرى جبال الحجر مما يُخفض تكاليف الكهرباء ويُعزز الاستدامة البيئية. حيث تعتمد مزارع الليمون في نيابة قلهات (مثلا) على أنظمة الري بالفقاعات (Bubble Irrigation)، التي توفر توزيعًا متجانسًا للمياه مع تقليل التبخر في المناطق الحارة، وفي محافظة جنوب الشرقية تُسهم مشاريع معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها للري (مثل مشروع بركاء) في توفير مصدر مائي مستدام لمحاصيل الأعلاف، بحيث تُطبق تقنيات الري التكيفي في واحات الجبل الأخضر لزراعة الفواكه مثل الرمان، حيث تُعدّل كميات المياه تبعًا للمراحل الزراعية مما يُحسن جودة المحصول ويقلل الهدر، حيث إن تبني هذه الأنظمة عبر مشاريع مثل استراتيجية الأمن الغذائي 2040 يمكن أن تدعم بشكل كبير تركيب أنظمة ري حديثة في المزارع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حد سواء.
مقاومة التغييرات المناخية
كما قال الخميسي: يمكن تعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية في سلطنة عُمان من خلال دمج تقنيات مبتكرة تلائم تحدياتها البيئية، مثل استخدام التعديل الوراثي (GM) لتطوير أصناف محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة المرتفعة. كما يمكن أن تسهم أنظمة الزراعة الذكية القائمة على أجهزة استشعار وإنترنت الأشياء IoT في مراقبة العوامل المناخية والتربة لحظيًا، مما يتيح إدارة دقيقة للري والتسميد وفقًا للظروف المتغيرة. بالإضافة إلى تحليل البيانات المناخية للتنبؤ بموجات الجفاف أو الأمطار وتوجيه المزارعين لاختيار المحاصيل المُناسبة لكل موسم، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تشمل الحلول تطبيق تقنيات حيوية لتحسين التربة، مثل استخدام الميكروبات المُثبِّتة للنيتروجين أو إضافة مواد عضوية كالبيوتشار لتعزيز خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه، حيث يعتبر إنشاء بنوك جينية لحفظ البذور التقليدية المقاومة طبيعيًا للمناخ خطوة حيوية لإحياء هذه الأصناف ودمجها في برامج التهجين المستقبلية، بحيث يسهم تبني هذه الحلول المترابطة في بناء قطاع زراعي مرن يتكيف مع تحديات سلطنة عُمان المناخية، ويُحقق أمنًا غذائيًا مع الحفاظ على الموارد المحدودة.
«الدرون » ومراقبة المحاصيل
كما أوضح مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الطائرات بدون طيار (المسيرة) ليست تقنية جديدة لكن استخدامها بدأ بالتزايد نتيجة للاستثمارات والتحرر في البيئة التنظيمية، حيث إن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الواعدة في هذا المجال وبالتالي يمكن للطائرات دون طيار أن تحل العديد من التحديات الرئيسية ويمكن أن تساهم الطائرات دون طيار في تجديد قطاع الزراعة باستخدام التكنولوجيا، حيث يمكن استخدامها خلال دورة المحاصيل: (من حيث تحليل التربة والحقول والتخطيط لزرع البذور، ويمكن أن تؤدي دورا عبر رسم خرائط دقيقة ثلاثية الأبعاد لتحليلات التربة الأولية، وجمع البيانات لإدارة عملية الري ومستويات النتروجين، كما يمكن للطائرات دون طيار أن تقوم بمسح الأرضي والرش في الوقت الفعلي وبشكل متساو، وترش المحاصيل أسرع بخمس مرات من الآلات التقليدية، ويمكن للصور الملتقطة على فترات زمنية منتظمة عن طريق الطائرات دون طيار أن تبين تطور المحاصيل وتكشف عن أي خلل في الإنتاج لتسمح بإدارة أفضل، ويمكن للطائرات دون طيار المزودة بأجهزة استشعار أن تحدد الأجزاء الجافة من الحقل أو تلك التي تحتاج إلى تحسين الري).
وأضاف مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الوزارة قامت بتطبيق استخدام الطائرات المسيرة (Drones) في تنبيت النخيل باستخدام التلقيح السائل وغبار الطلع، حيث تم تنبيت النخيل باستخدام غبار الطلع المخزن على صنفين هما المبسلي والخصاب وكانت النتائج واعدة وأدت إلى تحديد التركيز المثالي لمعلق حبوب اللقاح وكانت نسبة العقد جيدة أدت إلى تخفيف الاعتماد على القوى العاملة في تلقيح النخيل إضافة إلى توفير الوقت والجهد.
كما أن هناك جهودا مبذولة في المسوحات الجوية عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة للكشف المبكر عن حشرتي دوباس وسوسة النخيل الحمراء، باستخدام تكنولوجيا المسح الطيفي، وتسعي الوزارة إلى تطوير تقنيات رش المبيدات والمسوحات الجوية للكشف المبكر عن الآفات الزراعية ومكافحتها.
تقنيات الزراعة المائية
وأوضح أن الوزارة ممثلة بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية بعمل العديد من الدراسات البحثية ذات العلاقة باستخدام التقنيات الحديثة في البيوت المحمية والزراعة المائية، وإيجاد أصناف من محاصيل الخضر والفاكهة والمحاصيل الحقلية ذات إنتاجية وجودة عالية، إضافة إلى استخدام تقنيات التحسين والتهجين للحصول على الأصناف المتحملة للظروف المناخية للسلطنة. كما تم تنفيذ تجارب تتعلق بإنتاج الخضار في غير موسمها للتغلب على التحديات المرتبطة بالمناخ وذلك باستخدام التقنيات الزراعية للبيوت المحمية المبردة وتقنية الزراعة المائية والأحيومائية وذلك بهدف تحسين الإنتاجية والتقليل من استهلاك المياه، حيث تم نقل هذه التقنيات لدى المزارعين في مختلف المحافظات.
ومن بين البحوث التي تم تنفيذها تبريد المحلول المغذي المستخدم في الزراعة المائية لتقليل تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل التي ساهمت بشكل كبير في رفع الإنتاجية إلى حوالي 40% من خلال تهيئة الظروف الملائمة للنباتات لامتصاص الأسمدة بكافة مكوناتها، وقد تم نشر هذه التقنية لدى المزارعين من خلال برامج نقل التقنية الذي تقوم به الوزارة في مختلف أنحاء السلطنة.
وأكد الخميسي أنه في الزراعة المائية التي تعرف بـHydroponic التي هي إحدى الأساليب الزراعية القائمة على استبدال التربة بمحلول يحتوى على العناصر الغذائية التي تحتاجها النبتة، ويتم استخدامها لزراعة الخس، والطماطم، والفلفل، والخيار، والفراولة، الخ.. يتم في هذه التقنية تزويد الماء بالعناصر الغذائية المناسبة حسب نوع المحصول المراد إنتاجه. حيث تم إجراء دراسة في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية حول تأثير المحاليل المغذية على إنتاجية الخيار تحت ظروف البيوت المحمية المبردة باستخدام تقنية الزراعة بدون تربة (النظام المفتوح)، وقد أشارت الدراسة إلى أن المحلول المغذي الجديد قد تفوق في إنتاجية أصناف الخيار بنسبة (8%)، وتم نشر هذه التقنية مع المزارعين من خلال برنامج نقل تقنيات الزراعة المحمية.
تقليل استهلاك المياه
ويشير الدكتور سيف الخميسي انه يمكن للتقنيات الحديثة أن تُسهم بشكل كبير في خفض استهلاك المياه بالزراعة العُمانية التي تعتمد حاليًا على الري التقليدي بنسبة 80% من مواردها المائية (وفقًا لوزارة الزراعة، 2022). فعلى سبيل المثال يقلل الري بالتنقيط الذكي (المُدمج مع أجهزة استشعار رطوبة التربة) الاستهلاك بنسبة تصل إلى (60%) مقارنة بالري السطحي، كما في مشروع تجريبي بمنطقة الباطنة حقق وفورات مائية بلغت (40%). أما الزراعة بدون تربة (الهيدروبونيك) فتوفر (90%) من المياه، وهو ما طُبق في مزارع محلية بإنتاجية أعلى بنسبة (30%). كما تُشير تقديرات منظمة الفاو إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات الري قد يخفض الهدر المائي بنسبة (25-30%) في المناطق الجافة، ومن الأمثلة الواقعية مشروع «الزراعة الذكية» في ظفار الذي يعتمد على أنظمة مراقبة بالطاقة الشمسية، ووفر (35%) من المياه خلال عام 2023، هذه الحلول ليست ضرورية فقط لمواجهة ندرة المياه (حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في عُمان (100 ملم)، بل إنها تعزز أيضًا استدامة القطاع الزراعي في ظل تغير المناخ.
الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا
وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن استخدام الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا البيئية يُسهم في تعزيز الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، حيث تعتمد الأسمدة الحيوية (مثل البكتيريا المُثبِّتة للنيتروجين والفطريات المُسهِّلة لامتصاص العناصر) على تعزيز خصوبة التربة دون تلويثها بالمواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال أظهرت تجارب في محافظة الظاهرة أن استخدام بكتيريا -Rhizobium- زاد إنتاج محاصيل البقوليات بنسبة (20%)، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة (2023). أما التكنولوجيا البيئية مثل إضافة البيوتشار (فحم نباتي) إلى التربة، فقد حسّن احتباس الماء بنسبة (40%) في مزارع النخيل بمنطقة الباطنة، مما خفف آثار الجفاف.
وأكد أن تطبيق تقنيات التحلل الحيوي للمخلفات الزراعية أدى إلى تحويلها إلى أسمدة عضوية، مما خفض تكاليف الزراعة بنسبة (15%) وقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، حيث ساهمت تقنيات (المعالجة الميكروبية) للتربة المالحة في إعادة تأهيل (500 هكتار) من الأراضي المتدهورة في محافظة ظفار، وفقًا لدراسة محلية عام 2022. وفي دراسة أخرى قللت التكنولوجيا الحيوية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث خفضت مزارع عُمان التي تعتمد على الأسمدة الحيوية انبعاثات الميثان بنسبة (12%). ولا تُعزز هذه الحلول الإنتاجية فحسب، بل تحمي التنوع البيولوجي؛ فقد يساعد استخدام الفطريات المفيدة (Mycorrhiza) في زيادة نمو أشجار الليمون مع الحفاظ على الكائنات الدقيقة في التربة.
تحسين جودة المحاصيل
كما أكد الخميسي أنه يمكن تعزيز جودة المحاصيل الزراعية في سلطنة عُمان عبر دمج التقنيات الحديثة التي تحسن القيمة الغذائية والتسويقية، مثل استخدام الزراعة الدقيقة التي تعتمد على بيانات وأجهزة الاستشعار عن بعد، مما يرفع جودة محصول التمور (مثلا) بنسبة (25%) عبر تحسين عمليات التلقيح والري التسميد. كما يمكن أن تساهم الطائرات المسيرة في رش المغذيات الدقيقة بدقة على مزارع الليمون العُماني، مما يزيد حجم الثمار وحمضيتها وبالتالي تعزيز قيمتها التصديرية، أما تقنيات التعديل الجيني (GM Food) غير الضارة، فقد طورت أصنافًا من القمح المقاوم للإجهادات الحيوية واللاحيوية، مع زيادة محتوى البروتين بنسبة (15%) كما تشير الدراسات في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية. كما يمكن للزراعة المائية أنتاج خضروات عضوية (مثل الخيار والطماطم) خالية من المبيدات، بجودة تفوق المنتجات التقليدية، مما يرفع سعرها في الأسواق المحلية بنسبة (30%). كذلك، يمكن أن يحسن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراقبة نضج الفواكه، عبر تحديد الوقت الأمثال للحصاد مما يقلل الفاقد على الأقل بنسبة 20% ويزيد عمرها التخزيني. ومن خلال التقنية الحيوية يمكن إنتاج أصناف من النخيل مقاومة لآفة السوسة الحمراء، مع تحسين مذاق التمور وزيادة حجمها، أما التعبئة الذكية المزودة بمستشعرات لرصد الجودة، فقد ترفع قيمة تصدير الرمان العُماني إلى أسواق الخليج بنسبة (40%)، كما قد تساهم تقنيات التجفيف بالطاقة الشمسية في إنتاج الفواكه المجففة بالتجميد (مثل المشمش والتين) بجودة عالية وحفظ العناصر الغذائية مما يجعلها تباع بأسعار أعلى بنسبة (50%)، ونستطيع القول: إن دمج هذه التقنيات قد يعزز السمعة العالمية للمنتجات العُمانية، ويفتح أسواقًا جديدة، مثل تصدير العسل الجبلي الذي يمكن أن يراقب بتقنية البلوك تشين لضمان أصالته، مما يرفع طلبه في أوروبا وبقية دول العالم بنسبة قد تصل إلى( 60%) في الأعوام القادمة.