صباح يوم 25 يناير عام 1952.. سطرت الشرطة المصرية واحدة من ملاحمها الخالدة في التاريخ المصري، هي معركة الإسماعيلية حيث تصدت القوات بعدادها وعتادها المتواضع لجيش بريطانيا العظمى، أكبر دولة في العالم، معركة الإسماعيلية هي التي مهدت الطريق أمام ثورة يوليو 1952.. هنا نروي ما حدث في ذلك اليوم التاريخي، ونستعرضه في المشاهد التالي: 

المشهد الأول: نوفمبر وديسمبر عام 1951 حكومة الوفد قررت الاستجابة لمطلب الشعب بإلغاء معاهدة 1936‏، ‏حيث أعلن رئيس الوزراء مصطفى النحاس، فى مجلس النواب، يوم 8 أكتوبر 1951، إلغاء المعاهدة، التى فرضت على مصر الدفاع عن مصالح بريطانيا 

تتصاعد الأمور، ويقرر 91 ألف عامل مصري مغادرة معسكرات البريطانيين للمساهمة في حركة الكفاح الوطني، التجار يمتنعون عن إمداد المحتلين بالمواد الغذائية.

 

وتتوتر الأجواء بين الشعب المصري وقوات الاحتلال الإنجليزي، الأعمال الفدائية ضد قوات بريطانيا العظمى تصل إلى ذروتها، وتكبدت قوات الاحتلال خسائر فادحة، أعمال التخريب والأنشطة الفدائية تشتد وتتصاعد وتيرتها ضد معسكراتهم وجنودهم وضباطهم في منطقة القناة من خلال الفدائيين، تكبّدت قوات الاحتلال البريطاني خسائر لا تقدر بثمن، في نفس الوقت ينسحب العمال المصريون من العمل في معسكرات الإنجليز، ما أدى إلى وضع القوات البريطانية بمنطقة القناة في حرج شديد. 

وأزعجت تلك الأفعال حكومة لندن، فهددت باحتلال القاهرة إذا لم يتوقف نشاط الفدائيين، غير أنّ الشباب لم يهتموا بهذه التهديدات ومضوا في خطتهم غير عابئين بالتفوق الحربي البريطاني، واستطاعوا بما لديهم من أسلحة متواضعة أن يكبّدوا الإنجليز خسائر فادحة.

المشهد الثاني: الجمعة 25 يناير عام 1952، يستدعي القائد البريطاني بمنطقة القناة «البريجادير إكسهام»، ضابط الاتصال المصري، وسلّمه إنذارا لتُسلِّم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن مبنى المحافظة ومنطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة.

وجاء هذا الإنذار بعد أن أدرك البريطانيون أن الفدائيين يعملون تحت حماية الشرطة‏، لذا خطط الاحتلال لتفريغ مدن القناة من قوات الشرطة حتى يتمكنوا من الاستفراد بالمدنيين وتجريدهم من أى غطاء أمنى‏.

المشهد الثالث: الجمعة 25 يناير.. مكتب وزير الداخلية يجلس وزير الداخلية فؤاد سراج الدين في مكتبه، يتلقى اتصالا من قائد قوات الشرطة فى الإسماعيلية، اللواء أحمد رائف، كان نصها:

- ألو.. حولني على فؤاد باشا سراج الدين وزير الداخلية.

- مين يا أفندم؟ أنا اللواء أحمد رائف، قائد بلوكات النظام في الإسماعيلية.

- حاضر يا أفندم..

- معالي الوزير صباح الخير يا أفندم..

- صباح النور.. يا أفندم قوات الاحتلال البريطاني وجهت لنا إنذار برحيل قوات البوليس عن مدينة الإسماعيلية، وإحنا يا أفندم رافضين وقررنا المقاومة ومنتظرين تعليمات سعادتك..

- هتقدروا يا أحمد؟..

- يا أفندم مش حنسيب الإسماعيلية حتى لو ضحينا بآخر نفس فينا..

- ربنا معاكم.. استمروا في المقاومة.

المشهد الرابع: مكتب القائد البريطاني «البريجادير إكسهام» يشتد غضب القائد البريطاني فى القناة، بعد رفض رحيل قوات البوليس، ويأمر قواته بمحاصرة قوات شرطة الإسماعيلية، تتحرك القوات، ويحاصر أكثر من 7 آلاف جندي بريطاني مبنى محافظة الإسماعيلية، والثكنات التي كان يدافع عنها 850 جنديا فقط، ما جعلها معركة غير متساوية القوة بين القوات البريطانية وقوات الشرطة المحاصرة.

ويقابل قائد قوات الاحتلال (إكسهام) اليوزباشي مصطفى رفعت، قائد بلوكات النظام الموجودة بمبنى محافظة الإسماعيلية، لإخلاء المبنى، وكان هذا نص المكالمة:

- إذا أنت لم تأخذ قواتك من حول المبنى.. سأبدأ أنا الضرب، لأن تلك أرضي، وأنت الذي يجب أن ترحل منها ليس أنا.. وإذا أردتم المبنى.. فلن تدخلوه إلا ونحن جثث.

ثم تركه ودخل مبنى المحافظة.

وداخل مبنى المحافظة يتحدث اليوزباشي مصطفى رفعت إلى جنوده وزميله اليوزباشي عبدالمسيح، وقال لهم ما دار بينه وبين (إكسهام)، فما كان منهم إلا أن أيدوا قراره بعدم إخلاء المبنى، وقرروا مواجهة قوات الاحتلال، على الرغم من عدم التكافؤ الواضح فى التسليح؛ حيث كانت قوات الاحتلال تحاصر المبنى بالدبابات وأسلحة متطورة شملت بنادق ورشاشات وقنابل، فيما لا يملك رجال الشرطة سوى بنادق قديمة نوعا ما.

المشهد الخامس: المعركة القوات البريطانية تقوم بإطلاق قذيفة دبابة كنوع من التخويف لقوات الشرطة، أدت إلى تدمير غرفة الاتصال «السويتش» بالمبنى، وأسفرت عن استشهاد عامل الهاتف، بدأت بعدها المعركة بقوة، والتى شهدت فى بدايتها إصابة العشرات من رجال الشرطة واستشهاد آخرين.

اليوزباشى مصطفى رفعت، قائد قوة بلوكات النظام الموجودة داخل مبنى المحافظة، يخرج إلى ضابط الاحتلال البريطانى فى مشهد يعكس مدى جسارة وشجاعة رجل الشرطة المصرى، فتوقفت الاشتباكات ظناً من قوات الاحتلال أن رجال الشرطة سيستسلمون، ولكنهم فوجئوا بأن اليوزباشى مصطفى رفعت يطلب الإتيان بسيارات الإسعاف لعلاج المصابين وإخلائهم قبل استكمال المعركة، وفقاً لتقاليد الحرب الشريفة التى اعتاد عليها المصريون.

قوة الاحتلال رفضت واشترطت خروج الجميع أولاً والاستسلام، وهو ما رفضه اليوزباشي مصطفى رفعت، وعاد إلى جنوده لاستكمال معركة الشرف والكرامة، والتي لم يغب عنها أيضاً أهالى الإسماعيلية الشرفاء؛ حيث كانوا يتسللون إلى مبنى المحافظة؛ لتوفير الغذاء والذخيرة والسلاح لقوات الشرطة، رغم حصار دبابات الاحتلال للمبنى.

المشهد السادس: النصر أو الشهادة تستمر الاشتباكات بشراسة، بدأت الذخيرة في النفاد من رجال الشرطة المصرية، ولكنهم رفضوا أيضاً مجرد فكرة الاستسلام، فقرأوا جميعاً فاتحة كتاب الله والشهادتين، بمن فيهم الضابط المسيحى اليوزباشى عبدالمسيح، وقرروا القتال حتى آخر طلقة، وقرر اليوزباشى مصطفى رفعت الخروج من المبنى لقتل قائد قوات الاحتلال (إكسهام)، أملاً منه فى أن يؤدى ذلك إلى فك الحصار وإنقاذ زملائه، وبالفعل عندما خرج، توقف الضرب كالعادة، ولكنه فوجئ بضابط آخر أعلى رتبة من (إكسهام)، وبمجرد أن رأى هذا الضابط اليوزباشى مصطفى رفعت، أدى له التحية العسكرية، فما كان من اليوزباشى رفعت إلا أن يبادله التحية وفقاً للتقاليد العسكرية، وتبين بعد ذلك أن ذلك الضابط هو الجنرال (ماتيوس)، قائد قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة بالكامل.

المشهد السابع: حوار الكرامةيتحدث الجنرال (ماتيوس) إلى اليوزباشي مصطفى رفعت، وقال له إنّهم فعلوا ما عليهم بل أكثر، وإنهم وقفوا ودافعوا عن مبنى المحافظة ببطولة لم تحدث من قبل، وإنّهم أظهروا مهارة غير عادية باستخدامهم البنادق التي معهم ووقوفهم بها أمام دبابات وأسلحة الجيش البريطاني المتعددة، ولا مفر من وقف المعركة بشرف، فوافق اليوزباشى مصطفى رفعت على ذلك، مع الموافقة على شروطه، وهى أن يتم نقل المصابين وإسعافهم بشكل فورى، وأن الجنود الذين سيخرجون من المبنى لن يرفعوا أيديهم على رؤوسهم، بل سيخرجون بشكل عسكري  يليق بهم، مع تركهم لأسلحتهم داخل المبنى، فوافق الجنرال (ماتيوس) على تلك الشروط، وتم خروج قوات الشرطة بشكل يليق بها وهم فى طابور منظم.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الشرطة المصرية وزارة الداخلية عيد الشرطة الشرطة المصریة مبنى المحافظة قوات الاحتلال قوات الشرطة رجال الشرطة قائد قوات

إقرأ أيضاً:

بمشاركة القبائل المصرية والعربية.. التجهيز لإقامة مهرجان الإسماعيلية للهجن في دورته الـ20

عقد المهندس أحمد عصام الدين نائب محافظ الإسماعيلية، اليوم الثلاثاء، اجتماعًا لمتابعة الموقف التنفيذي للإعداد والتجهيز لإقامة مهرجان الإسماعيلية للهجن، في دورته العشرين بعد توقف دام ٥ سنوات.

وذلك بحضور العميد محمد فرج شعلان المستشار العسكري لمحافظة الإسماعيلية، ممثل الجيش الثاني الميداني، الشيخ عيد حمدان المزيني رئيس الاتحاد المصري للهجن، العقيد محمد دعية مدير عام مكتب شئون المحافظ، الدكتور علي حطب مدير المكتب الفني بالمحافظة، العميد وائل حمزة رئيس مركز ومدينة الإسماعيلية، محمد علي رئيس مركز ومدينة فايد، المهندس أحمد الشيمي مدير عام مديرية الطرق والنقل، الدكتور إيهاب صلاح مدير عام مديرية الشباب والرياضة، المهندس محمد جمال رئيس لجنة التخطيط بالاتحاد المصري للهجن، المستشار الإعلامي لمحافظ الإسماعيلية، مديري إدارات العلاقات العامة، السياحة، والإعلام بديوان عام محافظة الإسماعيلية.

وخلال الاجتماع تم بحث ومناقشة كافة الإجراءات اللازمة لخروج مهرجان الإسماعيلية للهجن بالشكل اللائق بمحافظة الإسماعيلية، وكونه أقدم المهرجانات المصرية المتخصصة في رياضات الهجن، فضلًا عن امتلاك محافظة الإسماعيلية لنسبة كبيرة من الهجن على مستوى الجمهورية.

على أن تكون إقامة المهرجان في الأسبوع الأخير من شهر فبراير المقبل، بمشاركة عدد من القبائل المصرية بالمحافظات، بجانب الأشقاء من القبائل العربية.

وكان اللواء طيار أ.ح أكرم محمد جلال محافظ الإسماعيلية، قد أكد في وقت سابق على دعمه الكامل لإعادة إقامة مهرجان الإسماعيلية الدولي للهجن بالمحافظة.

مشيرًا إلى أن عودة المهرجان تهدف إلى تسليط الضوء على إمكانيات الإسماعيلية السياحية، وتفعيل دورها كوجهة مميزة للسائحين من داخل مصر وخارجها، مضيفًا أن المهرجان سيشمل سباقات للهجن، وعروضًا فنية وثقافية تعكس التراث البدوي، بالإضافة إلى أنشطة ترويجية لسياحة السفاري في المناطق الصحراوية القريبة.

ومن جهته أشار رئيس الاتحاد المصري للهجن، إلى أن السباق  تشارك فيه عدد من الدول العربية والأفريقية، بالإضافة إلى مشاركة عدد من المحافظات المصرية.

وتتضمن سباقات المهرجان أشواط منوعة، تتنافس خلالها الهجن المعدة للسباقات على المراكز الأولى.

مضيفًا، الدولة بكل مؤسساتها تعطي رياضة الهجن أهمية خاصة في كل محافظة تقام فيها، وتقوم كل الأجهزة الخدمية بتوفير اللازم لنجاح المهرجان الذي يحظى بمتابعة الآلاف واهتمام إعلامي ودعم للسياحة بكل محافظة، إضافة لأهميته لمربي الإبل في تحسين اقتصادهم وتحقيقهم لمبيعات وتوفير فرص عمل للشباب في أعمال التدريب والرعي والنقل للهجن.

ومن المتوقع أن يساهم المهرجان في جذب عشاق رياضة الهجن من دول الخليج العربي، بالإضافة إلى الدول التي شاركت من قبل بالمهرجان، مما يعزز حركة السياحة ويخلق فرصًا اقتصادية لأبناء المحافظة، كما أنه سيعمل على إبراز أهمية الرياضة كأداة لتعزيز التواصل الثقافي بين الشعوب.

مقالات مشابهة

  • بمشاركة القبائل المصرية والعربية.. التجهيز لإقامة مهرجان الإسماعيلية للهجن في دورته الـ20
  • مصطفى بكري عن تحريض القناة 14 الإسرائيلية ضد مصر: «الشعب المصري كله خلف الجيش والقائد»
  • جامعة قناة السويس تُهنئ مدير أمن الإسماعيلية بعيد الشرطة الـ 73
  • المواطن أولوية.. توجيهات رئاسية لتخفيف العبء على المواطنين ودعم الأسرة المصرية
  • مساعد وزير الداخلية: معركة الإسماعيلية ملحمة سطرها رجال الشرطة بدمائهم
  • عاجل | القناة 12 الإسرائيلية: قوات الجيش الإسرائيلي تبدأ بالانسحاب من محور نتساريم
  • مشاهد يحيى السنوار يفجر براكين الغضب في إسرائيل.. للحرية الحمراء باب
  • اجتماع دوري لمتابعة سير العمل وتعزيز جودة الخدمات الطبية الإسماعيلية
  • القناة الناقلة لمباراة الأهلي وبيراميدز في الدوري
  • هل يحسم فك حصار القيادة العامة معركة الخرطوم؟