هل تنجح صرخة الراعي في تحريك الملف الرئاسي؟!
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
"كفى إقفالًا لقصر بعبدا الرئاسيّ! وكفى إقصاءً للطائفة المارونيّة، وهي العنصر الأساس في تكوين لبنان!".. بهذه العبارات، توجّه البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى "السادة نوّاب الأمّة"، كما وصفهم في قداس الأحد، مطالبًا إياهم بالقيام "بالواجب الموكول إليهم من الشعب والدستور، وانتخاب رئيس للدولة لكي تقوم من حالة نزاعها وتفكّك مؤسساتها"، وعلى رأسها مجلس النواب "الفاقد صلاحية التشريع"، والحكومة "فاقدة الصلاحيّات الإجرائيّة".
رفع البطريرك الراعي السقف إلى الحدّ الأقصى، فدعا إلى الكفّ عمّا وصفه بـ"هرطقة تشريع الضرورة وتعيينات الضرورة"، والذهاب إلى ما اعتبرها "الضرورة الواحدة والوحيدة وهي انتخاب رئيس للدولة"، مناشدًا رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يدعو إلى عقد جلسات متتالية لانتخاب مثل هذا الرئيس، بموجب القاعدة الديمقراطية، من دون انتظار أيّ إشارة من الخارج لاسم، "أو أي شيء آخر من حطام الدنيا"، على حدّ قوله.
ولأنّ البطريرك الماروني اعتبر إحجام نوّاب الأمّة عن القيام بهذا الواجب "خيانة واضحة لثقة الشعب الذي وضعها فيهم يوم انتخبهم"، فإنّ "صرخته" هذه تطرح العديد من علامات الاستفهام حول أيّ تبعات محتملة لها على مستوى استحقاق الرئاسة "المجمَّد" منذ ما قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فهل تنجح هذه الصرخة، الأقرب إلى "انتفاضة"، في تحريك الملفّ، وتدفع نواب الأمّة إلى تلبية "النداء"، بشكل أو بآخر؟!
"الموقف الطبيعيّ"
يقول العارفون إنّ الكلام الأخير للبطريرك الماروني بشارة الراعي حول الاستحقاق الرئاسي هو "الموقف الطبيعي والبديهي" الذي يكرّره الرجل منذ اليوم الأول للفراغ في رئاسة الجمهورية، ولو أنّ اللهجة هذه المرّة جاءت مرتفعة أكثر من السابق، نتيجة ما يمكن اعتباره "إحباطًا" من أداء القوى السياسية التي تتعامل مع الفراغ الرئاسي وكأنّه أمرٌ عادي، وصولاً لحدّ "التطبيع معه"، ما يترك انطباعًا بأنّ البلاد يمكن أن تُدار بلا رئيس للجمهورية.
بهذا المعنى، فإنّ "صرخة" البطريرك الماروني تأتي في مواجهة الأداء السياسي الذي "يهمّش" الاستحقاق الرئاسي بانتظار توافق يبدو متعذّرًا حتى إثبات العكس، علمًا أنّ النافر في الأمر بحسب ما يقول المقرّبون من الكنيسة الماروني، أنّ الاستحقاق الذي يفترض أن يكون "أولوية الأولويات"، ما عاد حتى في "سلّم الأولويات"، بعدما تمّ ربطه بأمور لا علاقة له بها، بل إنّ هناك من يكاد يجزم أنّ لا رئيس في لبنان قبل انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
ولعلّ "الإشارة" التي وجّهها البطريرك الماروني، أو "اللطشة" كما يحلو للبعض وصفها، حول انتظار "إشارة من الخارج"، أو ما يصطلح على وصفه بـ"كلمة السرّ"، تعزّز هذا الاتجاه، فالبطريرك الماروني يريد أن يتمّ انتخاب الرئيس بالطرق الديمقراطية، وكما ينصّ الدستور، بعيدًا عن انتظار "إسقاط الاسم" من دول أو جهات لا علاقة لها بالاستحقاق، وفي ذلك رسالة لبعض الداخل "المُرتهَن"، وليس للدول الصديقة التي تحاول مساعدة لبنان على تجاوز الأزمة.
أي "مفاعيل" لكلام الراعي؟
لكن، أبعد من فهم "مغزى" كلام الراعي ومقاصده، يصبح السؤال مشروعًا عن "مفاعيل" كلام البطريرك الماروني، وانعكاساته على مستوى الاستحقاق الرئاسي، فهل يمكن انتظار "تحرّك ما" من جانب النواب تلبية لنداء رأس الكنيسة المارونية؟ وهل يمكن أن يتلقّف رئيس مجلس النواب الرسالة، فيدعو مجدّدًا إلى جلسات نيابية انتخابية كما يطلب البطريرك، حتى لو لم تكن "مضمونة النتائج"، إذا لم يسبقها تفاهم معيّن؟!
يقول العارفون إنّ البناء على كلام البطريرك الماروني لتوقع "انفراج" على خطّ الملف الرئاسي قد لا يكون واقعيًا، طالما أنّ مقوّمات انتخاب الرئيس لم تنضج بعد، ما يعني أنّ الجلسات المفتوحة والمتتالية لانتخاب الرئيس لن تكون مجدية، إذا لم يسبقها توافق معيّن، بل ستتحوّل إلى "مسرحيات استعراضية" حالها حال الجلسات التي عقدت سابقًا، طالما أنّ أيّ مرشح رئاسي لا يحظى حتى الآن بفرص النجاح، وفق ما تنصّ عليه اللعبة الديمقراطية.
من هنا، فإنّ الرهان الآن وفقًا للعارفين ليس على الجلسات المفتوحة والمتتالية التي ما عاد الفريق الذي يرفع لواءها، يطالب بها بالوتيرة نفسها، لإدراكه أنّها لن تُحدِث أيّ "خرق"، وإنما على الخارج، في ظلّ ترقّب عودة اللجنة "الخماسية" المعنيّة بالشأن الرئاسي إلى الواجهة، مع اجتماع مرتقب لها في غضون أسبوعين على الأكثر، ولو أنّ الآمال لا تبدو كبيرة على رهان دول الخارج، التي لا تستطيع أن تحلّ محلّ اللبنانيين في إنجاز استحقاقاتهم.
لم يقل البطريرك الماروني ما هو خارج عن المألوف، ولو رفع السقف بحديثه عن "إقصاء للطائفة المارونية"، يجسّده برأي كثيرين "تهميش" استحقاق رئاسة الجمهورية، سواء كان ذلك عن قصد أو من دونه. لكنّ ما قاله البطريرك ضمنًا، أنّ الموارنة أنفسهم يتحمّلون جزءًا من هذا "الإقصاء"، فبينهم من لا يزال يرفض التفاهم الذي ما عاد خافيًا على أحد، أنه "شرط" إنجاز الاستحقاق، بل إيقاظه من "سباته العميق"!
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عبد السلام فاروق يكتب: صرخة عربية مدوية
اجتمعت الأمة العربية في قمة طارئة بالقاهرة كأنما الصحوة تدق أبواب الزمن الغافل؛ ليست قمة كالقمم ولا خطابا كالخطابات، بل هي صرخة مدوية في وجه عالم يغرق في صمته المريب، هنا وقفت مصر كعادتها حاملة لواء الحق بعيدة عن درب المساومة بقيادة رجل يعرف أن التاريخ يسجل اللحظات لا السنين.
لقد لخصت كلمة الرئيس السيسي رؤية مصر على زمن يختزل آلام الماضي وآمال المستقبل في كلمات كالسهام تخترق ضمائر القادة، تحدث عن غزة لا كرقعة أرض بل كقلب ينبض بدماء الأجداد حرب ضروس. قالها وكأنما يستحضر روح صلاح الدين وهو يحرر القدس من ظلام الصليبيين، اليوم يريدون لغزة أن تتحول إلى مقبرة جماعية أو ساحة تهجير؛ لكن مصر التي عرفت معنى المقاومة تقف كالسد العالي ترفض أن تكرر مأساة النكبة.
وأكدت كلمة السيسي أن القدس ليست حجرا يباع في سوق المساومات ولا الأقصى سقفا من خشب، بل هي قبلة الأحرار التي لا تنحني إلا لله وحده. تحذيرات السيسي من انتهاكات المحتل لم تكن خوفا من خسارة أرض بل خشية على هوية أمة تذوب كالثلج تحت نيران التطبيع.
الحق أن إعمار غزة طبقا للخطة المصرية؛ هو بمثابة إعلان حرب على عمليات الإبادة الصهيونية فإعادة البناء ليست إسمنت يعلو فوق الأنقاض بل إرادة تحيي الأمل في صدور أنهكها اليأس وان غزة لن تكون سجنا مفتوحا ولا أهلها لاجئين بلا مأوى فالتاريخ يعلم أن من يسكت عن الظلم شريك فيه .
ففي زمن يتنكر فيه الأقوياء لمواثيقهم تبقى مصر قلعة الشرف التي لا تنام على ضيم هنا يتجدد المشهد عبد الناصر يصيح في وجه المستعمر والسادات يرفض أن تكون الأرض ملكا للمتاجرة والسيسي يذكر العالم أن السلام لا يبنى على دموع الأبرياء.
فهل تسمع الأمة نداء التاريخ ! القمة الطارئة محطة في درب طويل لكنها شمعة تضيء في ظلام الليالي الباردة فإما أن تقوم الأمة كالأسد المدافع عن شرعيتها أو تظل أسيرة أحلام الوهن.
ومصر التي علمت الدنيا معنى الكرامة تقول اليوم للعالم لن نسمح باغتيال الحق مرة أخرى؛ فلسطين ليست قضية عابرة، بل هي امتحان الضمير الإنساني؛ فمن يسقط اليوم في هذا الامتحان لن تجوزه شعوب المستقبل.
السؤال الذي يطار الجميع هو : هل تستطيع القمة أن تحول الصرخة إلى فعل والكلمة إلى حرية ؟ الزمن يجيب وحده؛ لكن المؤكد أن مصر ستظل كما عهدناها صاحبة الدور والرسالة، تحمل في يدها غصن زيتون وفي الأخرى سيف العدل.
فقد اجتمعت الأمةُ العربية على مائدة الأزمات، لا لتسكب دموع العجز، بل لتشعل شمعة الأمل في ظلام الليل البهيم. قمةٌ طارئةٌ، لكنها كالصاعقة هزت أركان الصمت الدولي، لتقول للعالم: "كفى!". هنا، حيث تلتقي إرادات القادة على درب القدس، تعلو أصواتٌ ترفض أن تُختزل فلسطين إلى مجرد "ملف" يُناقش في أروقة الأمم المتحدة، أو ورقة مساومة في أيدي لاعبي السياسة.
لماذا الآن؟
لأن الزمنَ لم يعد يحتمل انتظاراً. خططُ التهجير التي تُحاك في غرفٍ مظلمةٍ، تريدُ تحويلَ غزةَ إلى سجنٍ مفتوحٍ، وأهلها إلى لاجئين بلا هوية. نتنياهو يحلمُ بإخراج الفلسطينيين من معادلة الوجود، لكن الأمةَ تذكره أن الدمَ الذي سالَ على أرض غزة سيكون حبراً يكتب نهاية المشروع الصهيوني. القمةُ جاءت لتقطع الطريق على أحلام التطهير العرقي الجديدة، وتُعيد للذاكرة العربية أن فلسطين ليست أرضاً تساوم، بل جرحاً نازفاً في جسد الأمة.
القدس هي البوصلة ..
عندما يتحدث العرب عن القدس، فإنهم لا يناقشون عقاراتٍ، بل يخوضون معركةَ وجود. الأقصى ليس قبةً ذهبيةً، بل شاهدٌ على عروبة الأرض. انتهاكاتُ المستوطنين اليوم ليست مجرد استفزازات، بل محاولةٌ لطمس الهوية. القمةُ وضعت قدسَ الأسرى في قلب المواجهة، لتقول لإسرائيل: "كل حجرٍ تنهبونه سيصير شاهداً عليكم أمام محكمة التاريخ".
الرابع من يونيو..
رسمت القمة حدود الحل على خطوط عام 1967، لا لأن العرب عاجزون عن استرداد الحق كاملاً، بل لأن العدالةَ تبدأ من حيث سُلبَت. هذا التاريخُ يصيح في وجه المطبعين: "لا شرعيةَ لسلامٍ يُبنى على دكّ الأنقاض فوق صدور الأبرياء". الرئيس السيسي يعلم أن المبادرة العربية للسلام ما زالت على الطاولة، لكنها مبادرةٌ معلّقةٌ بشرط واحد: أن تعترف إسرائيل بأنها احتلالٌ، لا دولةٌ.
هل تكفي القمة؟
سؤال يلاحق كل لقاء عربي. الإجابة تكمن في تحويل الكلمات إلى فعل. العالم ينتظر من العرب أن يكونوا جبهة واحدة:
- مقاطعةٌ اقتصاديةٌ لكلّ من يدعم التهجير.
- ضغطٌ سياسيٌ لإجبار إسرائيل على وقف العدوان.
- حملةٌ إعلاميةٌ تكشف جرائم الاحتلال للرأي العام العالمي.
- دعم مادي وقانوني لملف الفلسطينيين في المحاكم الدولية.
الخطر اليوم ليس على غزة وحدها، بل على مصداقية النظام العربي كله. القمةُ نجحت في لمّ الشمل، لكن المعركة الحقيقية تبدأ حين يعود القادة إلى عواصمهم. هل سيترجمون الصرخة إلى قراراتٍ تغير الواقع ؟
هذا لأن الأمم لا تهزم حين تخسر المعارك، بل حين تفقد إرادة الخوض فيها.
العرب اليوم أمام امتحان وجود: إما أن يتذكّروا أنهم حملة رسالة حضارية، أو يسمحوا لليل الطويل أن يبتلع آخر شمعة في درب القدس.