“الهجوم الدبلوماسي”… خطة حميدتي لإضفاء الشرعية السياسية على مكاسبه العسكرية
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
بينما تستمر الحرب في السودان في مطلع العام 2024 رغم محاولات الوساطة الدولية لإخماد فتيلها، كثف الفريق حميدتي من زياراته الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة. وبعد إنجازاته العسكرية في مدينة "ود مدني" في 18 ديسمبر/كانون الأول، يسعى قائد قوات الدعم السريع إلى ترسيخ نفسه كمحاور ذي مصداقية في الخارج، بينما يقوم في الوقت نفسه بتهميش خصمه الفريق عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش النظامي.
فرانس برس: إعداد: رنا الدياب/ دافيد ريش
تسعة أشهر من الحرب ولا هدنة في الأفق. تسبب الصراع المميت في السودان بين الجيش النظامي بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، في نزوح داخلي لأكثر من 7.5 مليون شخص، ما يفاقم وضعا إنسانيا كان مسبقا كارثيا. ولم تؤد محاولات الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وكينيا إلى التوصل لوقف حقيقي لإطلاق النار.
وقد تركز الصراع لبعض الوقت في منطقة دارفور وفي العاصمة الخرطوم، ثم اتسع نطاقه في الأشهر الأخيرة إلى أجزاء أخرى، ولا سيما إلى الشمال الشرقي والجنوب الشرقي من العاصمة. وما لبث حميدتي، الذي تحرز قواته تقدما على الأرض، أن انخرط في هجوم دبلوماسي إقليمي في الأسابيع الأخيرة. وبالارتكاز على نجاحاته العسكرية الأخيرة، يعتزم حميدتي الفوز في معركة الصورة.
عمليات توغل وتهديد لمواقع أثرية
ودقت منظمة الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ناقوس الخطر في منتصف يناير/كانون الثاني، بشأن تهديد بقايا مملكة كوش بسبب الصراع، وهي مواقع مصنفة على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، وعمرها 2300 عام. وبحسب المنظمة غير الحكومية، نفذت قوات الدعم السريع عمليتي توغل خلال الشهرين الماضيين على موقعي النقعة والمصورات الصفراء الواقعتين على بعد 170 كلم شمال شرق العاصمة.
وفي حين أن القوات الجوية للجيش تمكنت من صد القوات شبه العسكرية بدون التسبب في أضرار، فإن هذه التوغلات تعكس الديناميكية الإيجابية التي تعمل بها قوات حميدتي على الأرض.
ووفقا لـ "Acled" غير الحكومية (مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها)، فإن قوات الدعم السريع تسيطر حاليا على "جميع ولايات دارفور تقريبا" في غرب البلاد. وفي الأسابيع الأخيرة، حققت أيضا تقدما كبيرا في ولاية الجزيرة بجنوب شرق الخرطوم، حيث تمكنت من السيطرة على ود مدني في 18 ديسمبر/كانون الأول.
"على وشك الانهيار؟"
إن الاستيلاء على الجزيرة، هذه الولاية التي يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، وهي واحدة من أكبر المدن في البلاد، وقع بعيدا عن وسائل الإعلام المركزة على الهجوم الإسرائيلي على غزة، ما أثار انتقادات واسعة النطاق لقوات الدعم السريع، المعروفة بعنفها، والتي سرعان ما اتُهمت بالتورط في الانتهاكات والنهب.
لكن الجيش النظامي هو الذي أثار الغضب، فبعد بضعة أيام من القتال في الضواحي، انسحب بدون قتال وتخلى عن الولاية.، وحاول البرهان حفظ ماء وجهه قائلا "سنحاسب جميع القادة المهملين. وسيتعين على المسؤولين عن هذا الانسحاب أن يحاسبوا على أفعالهم، بدون أي تساهل".
وورد في تقرير حديث صدر عن "مجموعة الأزمات الدولية" غير الحكومية "توقع السودانيون أنه على الرغم من أدائه الضعيف في الغرب، فإن الجيش سيكون أكثر نجاحا في حماية ساحته الخلفية النهرية التاريخية". وأضاف التقرير "رغم أنه لم ينتصر في أي معركة كبرى، إلا أن الكثير من السودانيين يتساءلون عما إذا كان اليوم على وشك الانهيار، رغم أن كل السيناريوهات تظل واردة".
جولة دبلوماسية ماراثونية
في 27 ديسمبر/كانون الأول، وبعد تسعة أيام من النصر الخاطف الذي حققته قواته في ود مدني، بدأ حميدتي جولة دبلوماسية إقليمية ماراثونية: أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وجنوب أفريقيا ورواندا.
وكان التواصل بين زعيم القوات شبه العسكرية والدول المجاورة بالخفاء أكثر، وكان هناك ما يدعو لذلك، حيث أن حميدتي شغل منصب نائب رئيس الفترة الانتقالية بقيادة البرهان، كما أن قوات الدعم السريع متهمة بقتل عدة آلاف من الأشخاص بمنطقة دارفور في مذابح عرقية.
وفي رسالة طويلة نُشرت على منصة إكس في 11 يناير/كانون الثاني، تحدث حميدتي عن مقابلة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة ندد فيها بانتهاكات الجيش الذي وصفه بـ"الميليشيا"، وأشار إلى أنه كشف لأنطونيو غوتيريس عن "رؤيته لإنهاء الحرب".
في بداية النزاع، "احترمت الجماعتان المسلحتان شكلا معينا من أشكال التسلسل القيادي. لكنهما تكبدتا خسائر كبيرة وقامتا بالتجنيد على نطاق واسع. ويتصرف المجندون الجدد، وبالتأكيد بعض المقاتلين القدامى، بشكل سيء للغاية تجاه السكان السودانيين"، يوضح رولاند مارشال، الباحث في مركز الأبحاث الدولي للعلوم السياسية. ويضيف المتخصص في شؤون المنطقة "صحيح أن كلا الطرفين ليسا متطابقين، إلا أن كلاهما ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وعشية اجتماع مخصص للسودان في كمبالا عاصمة أوغندا، أعلن الفريق البرهان في 17 يناير/كانون الثاني تجميد علاقاته مع كتلة شرق أفريقيا الإقليمية، "Igad" (الهيئة الحكومية للتنمية) التي كانت تحاول القيام بوساطة، متهما إياها بـ"التدخل" في الشؤون السودانية. وهذه كانت فرصة ذهبية لحميدتي الذي أدان على الفور "أولئك الذين يعيقون عملية السلام في السودان"، ووصفهم بـ"خونة الأمة".
ويؤكد مارشال أن "البرهان كان يعتقد حتى وقت قريب أنه يستطيع الحصول على لقب رئيس الحكومة الوطنية السودانية"، على الرغم من أن "الجيش الوطني يقصف شعبه". ويضيف "يبدو حميدتي أكثر فأكثر وكأنه الفائز في هذه المواجهة، ويأمل الآن في إضفاء الشرعية السياسية على مكاسبه العسكرية التي حققها خلال الشهرين الماضيين"، فيما "يعاني السكان ويموتون ويهربون من الحرب في بلادهم، بدون أن يبدو أن المجتمع الدولي يتخذ إجراء بشأن حل الأزمة"، يقول الباحث متأسفا.
ووفقا لتقرير لم يسترع الانتباه كفاية من منظمة "Acled" غير الحكومية، فقد توفي حوالي 13000 شخص خلال الأشهر التسعة من الحرب في السودان. وفي 18 يناير/كانون الثاني، أعلنت الأمم المتحدة بدء تحقيق في جرائم الحرب في البلاد سيركز بشكل خاص على الاتهامات العديدة بالاغتصاب وتجنيد الأطفال منذ بداية الصراع في 15 أبريل/نيسان الماضي.
نقلا عن فرانس برس: إعداد: رنا الدياب/ دافيد ريش
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ینایر کانون الثانی قوات الدعم السریع غیر الحکومیة فی السودان الحرب فی
إقرأ أيضاً:
البرهان: شعبنا بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع لا لمؤتمرات
السودان – أبلغ رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، امس الأربعاء، المبعوث البريطاني الخاص للسودان ريتشارد كراودر، أن “الشعب السوداني بحاجة لوقف انتهاكات قوات الدعم السريع أكثر من حاجته لعقد مؤتمرات”.
جاء ذلك خلال لقاء البرهان بمدينة بورتسودان (شمال شرق)، كراودر، وفق وكالة الأنباء السودانية الرسمية “سونا”.
وذكرت الوكالة أن المبعوث البريطاني قدم شرحا حول مؤتمر لندن الذي سيعقد بشأن السودان.
والأحد، أعلنت الخارجية السودانية اعتراضها على تنظيم بريطانيا في 15 أبريل/ نيسان الجاري، مؤتمرا دوليا عن السودان دون دعوة حكومته للمشاركة.
ووفق “سونا”، أوضح البرهان، للمبعوث البريطاني أن “الشعب السوداني بحاجة لأن ينظر المجتمع الدولي لمعاناته جراء الانتهاكات التي تقوم بها مليشيا الدعم السريع الإرهابية وداعميها”.
ونقلت عن البرهان قوله إن “الشعب السوداني بحاجة لوقف الانتهاكات في الفاشر (غرب) ومخيمات النازحين، أكثر من حاجته لعقد مؤتمرات هنا وهناك”.
وأشار رئيس مجلس السيادة السوداني إلى “الاستهداف الذي تتعرض له المنشآت المدنية والخدمية ومشروعات البنى التحتية من قبل المليشيا المتمردة (الدعم السريع)”.
وأكد البرهان، لكراودر، “رغبة السودان في أن تعمل بريطانيا من خلال موقعها في مجلس الأمن الدولي على تغيير الصورة النمطية عن واقع الأزمة بالبلاد”.
ودعا بريطانيا إلى “تصويب مواقفها انطلاقاً من الروابط التاريخية التي تربطها بالسودان”.
ومنذ أبريل 2023، يخوض الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع” حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل ونحو 15 مليون نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة والسلطات المحلية، بينما قدر بحث لجامعات أمريكية عدد القتلى بنحو 130 ألفا.
من جانبه أكد المبعوث البريطاني، وفق الوكالة السودانية، أن “المجتمع الدولي سيتوحد لدعم السودان” .
وذكر أن “وزير الخارجية البريطاني (ديفيد لامي) سيستضيف الأسبوع القادم مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بجانب عدد من المنظمات الدولية، أكبر تجمع دولي لدعم السودان بعد مؤتمر باريس الذي عقد العام الماضي”.
وأشار كراودر، إلى أن الهدف من المؤتمر “جلب السلام لشعب السودان وإنهاء معاناة السودانيين وليس بغرض فرض حلول من الخارج”.
ولفت إلى أنه “لم يتم دعوة أي جسم سياسي سوداني لهذا المؤتمر”.
ومنذ أسابيع وبوتيرة متسارعة، بدأت تتناقص مساحات سيطرة “الدعم السريع” في ولايات السودان لصالح الجيش.
ففي ولاية الخرطوم، التي تتشكل من 3 مدن، أحكم الجيش قبضته على مدينتي الخرطوم وبحري، فيما يسيطر على معظم أجزاء مدينة أم درمان، باستثناء أجزاء من غربها وجنوبها.
ومنذ أواخر مارس/ آذار الماضي، تسارعت انتصارات الجيش في الخرطوم بما شمل السيطرة على القصر الرئاسي، ومقار الوزارات بمحيطه، والمطار، ومقرات أمنية وعسكرية، للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب قبل عامين.
وفي الولايات الـ17 الأخرى، لم تعد “الدعم السريع” تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).
بينما يسيطر الجيش على الفاشر عاصمة شمال دارفور، الولاية الخامسة والرئيسية في الإقليم.
الأناضول