بعد سنوات من التجاذبات القضائية، وكوارث العلاقات العامة في ما يتعلق بتعامل «فيسبوك» مع المعلومات الخاطئة والمضلّلة، وقراراتها بشأن موعد إلغاء الحسابات وإزالة المنشورات، وغير ذلك، اتخذت المنصة الزرقاء الأشهر، قرارات عدة، مؤخراً، توّجت بها سياستها الجديدة بالابتعاد عن المحتوى الإخباري قدر الإمكان. سياسة من الواضح أنها عطلت تدفق العديد من المنشورات، وخلقت زوبعة من القلق في صفوف الناشرين الذين أصبحوا يعتمدون على «ميتا» لزيادة حركة المرور إلى منصاتهم.

ويقول الناشرون إن «ميتا» بقرارها الابتعاد عن المحتوى السياسي إنما تريد بالفعل عدم دفع المستحقات للمنصات الإخبارية والصحفية، الأمر الذي فرضته عليها العديد من الدول.

يذكر الناشرون كيف لجأت شركة «فيسبوك» إلى الصحافة المكتوبة، وحجزت صفحات إعلانية للاعتذار للعالم بعد فضيحة كامبريدج أناليتيكا الشهيرة، في عام 2018.

وبحسب تقرير مطول ل«سي إن بي سي»، أظهرت مراجعة حديثة ل 1930 موقعاً إخبارياً وإعلامياً، أجرتها «تشارتبيت»، أن إجمالي حركة المرور (عدد الزيارات) من «فيسبوك» إلى المواقع الإخبارية والناشرين، مثّل 33% اعتباراً من ديسمبر/ كانون الأول، مقاساً بعدد مشاهدات الصفحة، انخفاضاً من 50% تقريباً في عام 2023 بأكمله، كما بلغت النسبة 27% من «إكس» (تويتر سابقاً).

أما بالنسبة لجميع الإحالات الخارجية، والتي تأتي من وسائل التواصل الاجتماعي ومحركات البحث الأخرى، على غرار «غوغل»، فقد مثلت «فيسبوك» 6% من حجمها في ديسمبر 2023، بانخفاض من 14% في 2018، و12% في 2022. فيما استحوذ عملاق البحث عبر الإنترنت على 38% من حركة المرور للفترة نفسها من العام الماضي، ارتفاعاً من 26% قبل خمس سنوات، و36% في عام 2022.

ومن الأمثلة الحية على ذلك، مجلة «مذر جونز» الأمريكية، التي شهدت تراجعاً بنسبة 99% في إحالات «فيسبوك» إليها منذ ذروتها قبل 6 سنوات (والإحالة هنا تعني الزيارات الواردة لموقع من موقع آخر).

ووفقاً لبيانات أخرى صادرة عن موقع «ديجيداي، فإن حركة الإحالة العالمية من «فيسبوك» إلى أفضل 30 موقعاً إخبارياً انخفضت بنسبة 62% في الفترة ما بين أغسطس/ آب 2022 وحتى أغسطس/ آب 2023. وشملت بعض أكبر الانزلاقات السنوية في عدد الإحالات ما يلي: «ذا صن» بنسبة تراجع -84%، و«بزنس إنسايدر» -80%، و«ذا غارديان» -79%، و«ديلي ميل» بنسبة -77%، و«ذا ميرور» -75%، و«بازفييد» -72%، و«نيويورك تايمز» -66%، و«سي إن إن» -66%، و«ياهو نيوز» بنسبة -66%

وفي ضوء ذلك، تستذكر مونيكا باورلاين، الرئيس التنفيذي ل«مذر جونز»، عام 2017، عندما كان يزور موقع المجلة الإلكتروني نحو 5 ملايين مستخدم شهرياً، بسبب انجذابهم لمقالات متنوعة نُشرت على منصة «فيسبوك» آنذاك. لكن في ديسمبر الماضي، ولّد موقع «فيسبوك» نحو 67 ألف زائر فقط، بانخفاض عن 228 ألفاً للفترة نفسها من العام السابق.

لطالما اتهم السياسيون المحافظون «ميتا»، بالتحيز لفئة دون الأخرى، وبأن لها دوراً مؤثراً في وصول ترامب عام 2016 إلى السلطة، مدعين أن روسيا استغلت المنصة لدعم ملف ترشح الرئيس السابق. وكردّ وقائي صارم، أعلنت ميتا في سبتمبر/ أيلول الفائت، أنها ستوقف علامة التبويب الإخبارية الخاصة بها على «فيسبوك» في الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، كجزء من جهد مستمر لمواءمة استثماراتها بشكل أفضل مع منتجاتها وخدماتها التي يقدرها الناس أكثر من غيرها. وهو ما أكده متحدث باسم ميتا بالقول: «نحن نعلم أن الناس لا يزورون «فيسبوك» للحصول على الأخبار والمحتوى السياسي، بل للتواصل مع بعضهم بعضاً، واكتشاف فرص وعلاقات واهتمامات جديدة.

وعلقت باورلاين على ذلك قائلة: «في هذه المرحلة الحساسة، يبدو واضحاً جداً من كلام المسؤولون في «فيسبوك»، أن المنصة قررت أخيراً التخلي عن المواقع الإخبارية التي باتت مشاكلها أكبر من فوائدها، وستمرر قدراً أقل منها للمستخدمين إلى حد ما».

بدورها، أشارت جيل نيكلسون، كبيرة مسؤولي التسويق في «تشارتبيت»، إلى أن تراجع حركة المرور الاجتماعي عبر «فيسبوك» إلى المواقع الإخبارية ينبع من عدة تحركات سابقة للشركة الأم، بما في ذلك حظر المستخدمين الكنديين، العام الماضي، من مشاركة الأخبار على تطبيقاتها، بعد أن أقرت الحكومة الفيدرالية هناك قانون الأخبار عبر الإنترنت، والذي أجبر شركات التكنولوجيا على دفع رسوم المحتوى لوسائل الإعلام المحلية.

كما أن الحظر المماثل الذي فرضته ميتا في أستراليا عام 2021 انتهى به الأمر إلى تقييد الوصول إلى الأخبار بشكل عام، قبل أن تتراجع الشركة عن هذا القرار إثر التوصل إلى اتفاق مع كانبيرا.

بعد قيامه برحلات مكوكية إلى الكابيتول هيل، منذ انتخابات عام 2016 وحتى تغيير اسم شركته إلى «ميتا» أواخر عام 2021، تراجع اهتمام الرئيس التنفيذي، مارك زوكربيرغ، بالقضايا الساخنة ذات الشأن السياسي، واضعاً جل تركيزه على استثمار المليارات في تطوير مشروعه المستقبلي الناشئ «ميتافيرس»، ولجم المنافسة الشرسة من «تيك توك» عبر تعزيز منتج الفيديوهات القصيرة «ريلز»، الذي يستخدمه المبدعون وصُناع المحتوى بكثرة. وبالفعل، آتت استراتيجية مارك ثمارها في وول ستريت، إذ صعد سهم «ميتا» إلى مستوى قياسي، مواصلاً تحليقه بداية 2024 بعد مكاسب أكثر من 175% خلال 2023.

وقال ديفيد كار، كبير مديري الرؤى في شركة التحليلات «سايم ويب»، إن نهج ميتا المتغير تجاه الأخبار لا يتعلق بتفضيلات زوكربيرغ فقط، فقد سئم المستخدمون أيضاً جميع المشاحنات الحاصلة عبر الإنترنت. وإن المبرر الذي تحدث عنه «فيسبوك» لإجراء بعض التغييرات هو أن المستخدمين يصبحون أكثر سعادة عندما لا يرون أخباراً متعلقة بالسياسة على منصتهم المفضلة.

اليوم، ومن خلال النهج الإخباري الجديد المتبع، لم تقلل ميتا من المهاترات السياسية المثيرة للجدل، فحسب، بل جعلت من الصعب على وسائل الإعلام والناشرين، على اختلاف أنواعهم وأحجامهم، فرض مقالاتهم على مستخدمي «فيسبوك» البالغ عددهم 3 مليارات مستخدم شهرياً.

وقد أظهرت بيانات «سايم ويب» أن أفضل 100 ناشر أخبار عالمياً، شهدوا انخفاضاً مطرداً في عدد الزيارات المحولة من ميتا عام 2023 مقارنة بالسنوات السابقة. فعلى سبيل المثال، شكّل «فيسبوك» 2.7% من حركة الإحالة العالمية لصحيفة ديلي ميل البريطانية، في نوفمبر الماضي، انخفاضاً من 6.5% لنفس الفترة من عام 2020، و3.8% في 2022. وبالنسبة لصحيفة «ذا إندبندنت»، تراجعت مساهمة «فيسبوك» إلى 1.3% من حركة المرور في نوفمبر من 6.5% قبل ثلاث سنوات، و4% في عام 2022.

وكان على وسائل الإعلام هذه أن تتكيف مع الواقع الجديد، حيث أدركت مع مرور الوقت الحاجة إلى تنويع مصادر النشر الخاصة بها، وضرورة استكشاف طرق أخرى لجذب حركة المرور. وفي مختلف أنحاء صناعة الإعلام، كانت المؤسسات الإخبارية تسعى جاهدة لفطام نفسها عن الاعتماد على «فيسبوك»، منصة التواصل الاجتماعي الأبرز.

لكن، بالنسبة للبعض ممن يحتاج إلى أعداد كبيرة من رواد «فيسبوك» لكسب المال، كان التغيير وجودياً. فقد أغلقت مؤسسة «بازفييد» الإعلامية الأمريكية المتخصصة في وسائط الإنترنت والأخبار والترفيه، موقعها الإخباري الخاص في إبريل/ نيسان الماضي. فضلاً عن ذلك، تراجعت القيمة السوقية للمؤسسة بشكل لافت لأقل من 32 مليون دولار، بعد تسع سنوات من تقييم فاق ال 1.5 مليار دولار. وفي نوفمبر الماضي، بلغت حركة الإحالة إلى بازفييد من «فيسبوك» 12%، بانخفاض من 15% في العام السابق.

كما أعلنت شركة «فايس ميديا»، التي بلغت قيمتها 5.7 مليار دولار في عام 2017، إفلاسها في شهر مايو/ أيار.

في المقابل، استشهد سام تشولك، مسؤول نمو المستخدمين في معهد الأخبار الأمريكي غير الربحي، بصحيفتي «تكساس تريبيون» و«مونتانا فري برس» كأمثلة على مواقع النشر التي سلكت مسارات جديدة بحثاً عن القراء. فيما أخبر جونا بيريتي، الرئيس التنفيذي لبازفييد، المحللين في مكالمة الأرباح، أنه مع تضاؤل إحالات حركة المرور من هذه المنصات إلى المحتوى الخاص بنا، سنركز أكثر على استراتيجيات جديدة تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى، والاعتماد بشكل أكبر على المبدعين الرقميين.

صحيفة الخليج

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: حرکة المرور فی عام

إقرأ أيضاً:

الصحافة..مهنة في محنة

حيدر المكاشفي

تلزمني الأمانة الصحفية أن أشير في البدء الى أن العنوان أعلاه (مهنة في محنة)، هو عنوان كتاب أصدره الدكتور محمود قلندروهو حاليا استاذ جامعي لمادة الاعلام، وكان قبلها قيادي بالجيش السوداني بلغ فيه حتى رتبة اللواء، وشغل في وقت سابق رئاسة تحرير صحيفة القوات المسلحة، وقد وثق الدكتور محمود قلندر الذي غادر الجيش وتخصص في الاعلام ونال فيه درجة الدكتوارة وتفرغ للتدريس الجامعي، وثق في كتابه المار ذكره محنة الصحافة السودانية وما عانته وكابدته منذ الاستعمار، والى فترة نظام الانقاذ البائد..ولست هنا في معرض استعراض ما جاء في الكتاب الذي خلص فيه المؤلف إلى عدة أبعاد مادية لمحنة الصحافة السودانية، واعتمادا على القوانين واللوائح والقرارات الإدارية التي صدرت من السلطات السياسية الحاكمة منذ الإدارة البريطانية وعبر أنظمة ديمقراطية ثلاثة وعسكريتين، وحتى عهد الإنقاذ، تلخصت أشكال الضبط في الترخيص والغرامة والرقابة والإغلاق ومنع التوزيع والمنع من الكتابة وطرد المحررين والحبس والتأميم والاغتيال، اذ أنني معني هنا بالمحنة الحالية والكبد والكبت الذي تعانيه الصحافة السودانية في زمان الحرب العبثية هذا، بما يشكل امتدادا للمحن التي ماتزال تعانيها الصحافة..

وتلزمني الامانة ايضا (رضي من رضي وأبى من أبى ولكنها الحقيقة المؤلمة) ان اشير الى ان الصحافيين السودانيون ليسوا كلهم سواء في الاحترافية والتمسك بأسس المهنة واخلاقياتها، منهم من هم كذلك يؤدون دورهم بكل تجرد ومهنية، وهؤلاء دائما ما يعانون من الخطوط الحمراء التي تضعها السلطات الحاكمة، وغالبا ما تتم جرجرتهم بسبب هذه الخطوط المنتقصة والمنتهكة لحرية الصحافة والأداء المهني الصحيح والاحترافي الى النيابات والحراسات، كما يتم التضييق عليهم لدرجة الايقاف عن العمل والمحاربة في الرزق، ونوع اخر ارتمى في احضان السلطة وتمرغ في نعيمها واصبح بوقا لها يناصرها بالحق وبالباطل، وهؤلاء منهم من هو محسوب على المهنة بحكم تاريخه وممارسته للمهنة ولكنه أعلى مصالحه الخاصة على حساب مهنيته، ومنهم كذلك اصحاب الانتماءات السياسية الصارخة والاجندة الحزبية، وهنالك الادعياء الذين لا علاقة لهم بالمهنة الذين جئ بهم من خلفيات مختلفة أمنية وسياسية وعسكرية لدعم السلطة ووزعت عليهم شهادات القيد الصحفي وبطاقات الانتماء للمهنة..هذه باختصار بعض محن الصحافة من داخل بيتها للأسف الشديد..

أما محنتها من خارجها وتحديدا في ظل هذه الحرب المدمرة قد تضاعفت مرتين، بسبب وجود طرفين يتقاسمان السيطرة على البلاد، فكل طرف يسعى للسيطرة على الصحافة واخضاعها لمشيئته وما يشاءه كل طرف في الجزء الذي يليه، والصحافة في الحالتين هي الضائعة لتضيع معها الحقيقة المجردة التي لا يسمح بها أي طرف (الجيش من جهة والدعم السريع من جهة اخرى)..لتفقد الصحافة بذلك حرفيتها ومهنيتها وتصادم أخلاقياتها وركائزها وثوابتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد تسببت الحرب كذلك في قتل عدد من الصحافيين والصحافيات الذين فقدوا ارواحهم بنيرانها، ورصدت نقابة الصحفيين حتى الان ان 15 صحفياً وصحفية على الأقل لقوا حتفهم بنيران الحرب، اما بالقتل المباشر المتعمد مع سبق الاصرار والترصد، أو نتيجة العمليات العسكرية التي تدور في المناطق المدنية، مقابل أكثر من 500 انتهاك ضد الصحفيين والصحفيات، هذا غير عمليات الاعتقال والتعذيب والتهديد بالقتل والعنف الجنسي والمنع من التغطية المتوازنة..ومازال حبل القتل والانتهاكات على الجرار طالما ان الحرب ما زالت مستمرة..

الوسومحيدر المكاشفي

مقالات مشابهة

  • فيسبوك يجب فلسطين!
  • نشرة مرور "الفجر".. انتظام حركة المرور بشوارع القاهرة والجيزة
  • مع بداية الأسبوع.. زحام خانق يوقف بشكل شبه تام حركة المرور بأغلب شوارع العاصمة
  • روج لنشاطه على فيسبوك.. ضبط صاحب كيان تعليمي وهمي بتهمة النصب على المواطنين بالقاهرة
  • «الإفتاء»: 180 مليون تفاعل على المنصات و1.2 مليون متابع جديد لـ«فيسبوك» في 2024
  • انتظام حركة السيارات بالمحاور وسيولة مرورية بالطرق الرئيسية
  • ماذا تقول فتاة الصورة بعد أن طلب إليها الشرع تغطية الرأس؟
  • بطئ الأشغال يخنق حركة المرور بين مراكش وآسفي
  • قرار جديد يربك حركة المرور بطنجة وسيارات الأجرة تشكو الخسائر
  • الصحافة..مهنة في محنة