من اضطرابات ليبيا حتى صراع السودان إلى الحرب في غزة ثم تطورات التصعيد في البحر الأحمر، عاشت مصر في الفترة الأخيرة تداعيات 4 حروب صعبة ألمت بجوارها ومرّت بجانبها.
فكيف تأثرت البلاد بما يجري حولها؟
ففي تصريحات له أمس الثلاثاء خلال اجتماعات مجلس المشاركة بين مصر والاتحاد الأوروبي، شدد جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، على أن مصر تواجه تحديات متنوعة من حرب غزة إلى السودان مرورا بالوضع في ليبيا.


وأكدت الجلسة الافتتاحية على عمق وخصوصية العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، وشددت على أن المبادرة الأوروبية لرفع مستوى العلاقات مع مصر جاءت انعكاساً لقناعة أوروبية بأن مصر شريك موثوق به، ويعتمد عليه للاتحاد الأوروبي في مختلف مجالات التعاون، مطالبة بدعم الجهود المصرية في المعالجة المستدامة للتحديات الاقتصادية التي زاد من حدتها الأزمات الدولية المختلفة، وعلى رأسها الحرب في غزة وانعكاساتها على التوترات المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط، والأوضاع في السودان وليبيا وسوريا ومنطقة القرن الإفريقي.
عن هذه النقطة، أفاد خبراء مصريون تحدثوا مع “العربية.نت”، بأن مصر حافظت على مكاسب أمنية وعسكرية في مواجهة تلك التحديات، لكنها تعرضت لخسائر اقتصادية وتجارية جراء تبعات الحروب المفتوحة على الجبهات الأربعة.
ولفت الدكتور هشام الحلبي مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية لـ”العربية.نت”، إلى أن مصر تتعرض لهذه التحديات والتهديدات منذ العام 2011 بشكل كبير لم يكن موجودا من قبل، حيث اشتعلت الصراعات الداخلية بالدول المجاورة وعلى رأسها ليبيا والسودان، مشيرا إلى أن هذه الصراعات بات لها بعد دولي وإقليمي إثر تدخل دول إقليمية لتغذية هذه الصراعات، خصوصا مع عدم قدرة المعنيين على إنهائها.
وأضاف أن عدم وجود جيش قوي بدول الصراعات أدى لانتشارها وانطلاق إرهاب عابر للحدود منها لمصر ودول الجوار، مؤكدا أن مصر تغلبت على ذلك بمواجهة شاملة للإرهاب القادم من الخارج ونجحت في تأمين حدودها ومنع تسلل الإرهابيين لأراضيها.
كما قال الحلبي إن حل هذه المشكلة في منتهى الصعوبة، فإضافة لما يحدث في السودان وليبيا جاءت حرب غزة وما تلاها من فتح جبهات جديدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ما أدى لاشتعال الوضع بشكل كبير وعميق ومتسارع، وكذلك تأثر الملاحة في البحر الأحمر نتيجة التهديدات التي تلاحق السفن المارة في قناة السويس، فضلا عما يحدث في البحر المتوسط وتحديدا منطقة شرق المتوسط.
وكشف الخبير العسكري المصري أن القوات المسلحة المصرية نجحت في تأمين أهدافها الاقتصادية عالية القيمة خارج الحدود، كما نجحت في تأمين المياه الاقتصادية وخطوط الملاحة البحرية، مشددا على أن حرب غزة لو لم تنته خلال وقت قريب فسيؤدي ذلك لتمدد الصراع وتوسعه في المنطقة بأكملها ليصبح خارج السيطرة.
من جانبه، أوضح الدكتور مصطفى بدرة الخبير الاقتصادي لـ “العربية.نت”، أن جملة خسائر اقتصادية تعرضت لها مصر جراء الحروب المشتعلة على 4 جبهات خارجية بجوارها، لافتا إلى أن الأوضاع في ليبيا والسودان وغزة واليمن أثرت بشكل كبير.
وذكر أن الوضع في ليبيا أدى لعودة مليون مصري كانوا يعملون هناك ويساهمون في تدفق حصيلة كبيرة من النقد الأجنبي للبلاد، فضلا عن توقف التبادل التجاري مع ليبيا حيث كانت سوقا كبيرة للمنتجات المصرية.

تكدس آلاف السودانيين في وادي حلفا قرب الحدود مع مصر
كما تابع أن الأحداث في السودان أدت أيضا لنزوح مئات الآلاف من السودانيين الفارين من جحيم الحرب إلى مصر، وما تبع ذلك من زيادة العبء على الدولة المصرية ومواردها وخدماتها، موضحا أن السودان كان سوقا كذلك للمنتجات المصرية وتوقف ذلك بسبب الحرب وهو ما أدى لانخفاض حجم التبادل التجاري وزيادة العجز في الإيرادات.
وكشف الخبير المصري أن حرب غزة أدت لتأزم الوضع الاقتصادي في مصر خاصة أن تلك الحرب أثرت على حركة السياحة الوافدة لنحو 5 دول في المنطقة على رأسها مصر، وهو ما يعني انخفاض إيرادات رافد جديد من روافد الناتج القومي المصري، إضافة لارتفاع أسعار النفط والغاز، حيث أغلقت إسرائيل حقل تمار في البحر المتوسط، ما أدى لتراجع صادرات مصر من الغاز وترتب عليه انخفاض كبير في العملة الصعبة التي كانت تتدفق على البلاد، وارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء وزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل عام.
وقال إن الضربات ضد الحوثيين أثرت على مصر كثيرا حيث هددت الملاحة البحرية وحركة عبور السفن في قناة السويس وارتفاع سعر النولون والشحن، وانخفاض إيرادات القناة وهي إحدى روافد الناتج المحلي المصري، مضيفا أن هذا أدى لزيادة كبيرة في أسعار السلع على مستوى العالم كله وليس مصر فقط.
يشار إلى أن الأوضاع في ليبيا لم تهدأ منذ سقوط نظام العقيد معمّر القذافي قبل سنوات وما جرّ معه من فوضى، أما السودان فاشتد به الصراع من إعلان الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع يوم الـ15 من أبريل/نيسان الفائت، فيما كانت الضربة الكبرى انفجار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر، ما ترك أثراً بالغاً على مصر.

العربية نت

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: العربیة نت فی البحر فی لیبیا حرب غزة إلى أن أن مصر

إقرأ أيضاً:

توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء

لحظة فارقة في مسار الدولة السودانية
يقف السودان اليوم على مفترق التاريخ؛ فمع توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية دولية وانتقالياً عبر مؤتمر لندن، لم يعد الحديث مجرّد نهاية للصراع المسلّح، بل هو اختبار جوهري لإمكانات إقامة دولة مدنية ديمقراطية تحتضن التنوع الإثني والثقافي بدلاً من الانكفاء في منطق الاستقطاب العسكري. إن التحدّي المركزي يكمن في ترجمة التزامات الورق إلى واقع ملموس نابض بالحقوق والحريات، وسط لعب إقليمي ودولي متضارب المصالح.
بناء السلطة الانتقالية: هشاشة في التوازن
تشتمل الصيغة المقترحة على مجلس رئاسي متعدد الأقطاب يجمع بين تمثيل المكوّن المدني من قوى الثورة وقوى التغيير وبقايا النظام السابق وأجنحة الحركات المسلحة الكبرى، مع آلية تصويت توافقي تتيح استخدام “الفيتو الجزئي” في القضايا الاستراتيجية لضمان التوازن وتقاسم المسؤوليات. أما الحقائب الوزارية، فستحافظ على السيادية منها لدى مدنيين مستقلين أو تكنوقراط، في حين تُسند الوزارات الأمنية لمن لهم خلفيات عسكرية تحت رقابة مدنية تُشرف عليها بعثة حفظ السلام الدولية. على صعيد الدستور الانتقالي، يتعيّن اعتماد مبادئ اللامركزية الإدارية لتوسيع صلاحيات الأقاليم المهمشة كدارفور والنيل الأزرق، مع تمثيل النساء والشباب بما لا يقل عن أربعين في المئة داخل لجنة دستورية تحت إشراف أممي، تُنهي مسودة الدستور خلال تسعة أشهر.
إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية: ثقة تحت الاختبار
يتطلب دمج ميليشيات الحركات المسلحة ضمن الجيش النظامي إدماج نحو ثلاثين في المئة من مقاتليها وترك الباب مفتوحاً أمام برامج DDR التي تشمل نزع السلاح وتسريح المقاتلين عبر حوافز اقتصادية كتدريب مهني وقروض صغيرة، في سبيل تقليل مخاطر تحول هؤلاء إلى عصابات مسلحة. أما على صعيد الضمانات الأمنية، فستُنشَر قوات حفظ سلام إفريقية في المناطق الساخنة مع دوريات مراقبة دولية لرصد أي خروقات لحقوق الإنسان، إلى جانب آلية تحقيق مشتركة تضم خبراء أمميين ومحليين لجمع الأدلة تمهيداً لإحالتها إلى محكمة يقررها مجلس الأمن.
الحركات المسلحة كفاعلين سياسيين: الإمكانات والمحاذير
تملك الحركة الشعبية اليسارية بقيادة ياسر عرمان رصيداً جماهيرياً في الريف والحضر، وتطرح نفسها حارساً للأجندة المدنية، إلا أن نجاح تحولها إلى حزب سياسي منظم مرهون بقدرتها على ترجمة شعارات المواطنة والعدالة الاجتماعية إلى سياسات تنموية فعلية. أما حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، فتعتمد على دعم شعبي قوي في دارفور، ولكن عليها تجاوز الانقسامات الداخلية وتبنّي خطاب تنموي يخاطب الشريحة الشبابية ويؤسس لحوكمة محلية فعّالة، إذ إن الثغرات التنظيمية والانقسامات الإثنية قد تحول دون بناء حزب متماسك قادر على المنافسة الانتخابية.
التوازنات الإقليمية والدولية: لعبة النفوذ
تسعى القاهرة وأبوظبي أولاً إلى ضمان أمن منابع النيل واستقرار الحدود الغربية، فتدعم جهود الاستقرار شريطة عدم الإضرار بمصالحهما الاستراتيجية. وفي المقابل، تستخدم واشنطن وبروكسل ورقة المساعدات—التي تجاوزت عشرة مليارات دولار—ورفع العقوبات كحافز لتمرير الإصلاحات الاقتصادية والشفافية، مع ربط الدعم بمؤشرات عمل مؤسسي رشيد. أما موسكو وبكين فكلاهما يسعى لتأمين استثمارات نفطية وبنى تحتية عبر دعم غير مباشر للفصائل العسكرية، ما قد يعقّد مسيرة التحوّل المدني ويعيد ترتيب الأوزان داخل السلطة الجديدة.
القنبلة الاقتصادية: تحرير أم استدامة؟
لا بدّ من تعويم الجنيه السوداني لوقف انهياره، رغم مخاطره في إطلاق موجة تضخم قد تُشعل احتجاجات شعبية. وفي الوقت نفسه، يطرح تفعيل مبادرة “الهيبك” لإعادة هيكلة الديون الخارجية التي تجاوزت ثلاثين مليار دولار أملاً بتخفيف الضغط المالي، شريطة تنفيذ إصلاحات جذرية في الحوكمة والإفصاح المالي.
سيناريوهات ما بعد الاتفاق: ما بين التفاؤل والحذر
يمكن رسم خريطة مستقبلية للسودان بوقوعه بين تفاؤل متحفظ ومخاوف متعاظمة. فمن ناحية، تنضج إمكانية نجاح التحالف المدني في فرض أجندة إصلاحية حقيقية، وإجراء انتخابات نزيهة في عام 2025 تؤسس لمرحلة انتقالية توافقية. ومن ناحية أخرى، يتهيأ سيناريو عسكرة الدولة مجدداً إذا فشل دمج المليشيات، مع تجدد الاحتجاجات وتدخل إقليمي مباشر يجرّ البلاد إلى دوامة عنف جديدة. وقد يستقر الوضع هشاً في منتصف الطريق مع تأجيل الانتخابات واستمرار السلطة الانتقالية لسنوات تحت وصاية دولية، ما يقتصر دوره على إدارة احتياجات مؤقتة دون تحقيق قفزة نوعية.
رهان المصير
ترتبط فرص السودان التاريخية بثلاثية مترابطة: تحوّل رأس المال العسكري من موقع الحَكَم إلى خادِم للعملية الديمقراطية، واتحاد القوى المدنية خلف مشروع وطني يتجاوز الانقسامات الإثنية والدينية، وضغوط دولية ذكية تربط الدعم المالي بمعايير شفافة دون وصاية مفرطة تغذي النزعات الشعبوية. إذا نجحت هذه المعادلة، فسيكون السودان نموذجاً للتغيير السلمي في القرن الإفريقي، وإن أخفقت، فقد يتحول إلى مثالٍ صارخ للدولة الفاشلة مع تداعيات تتخطى حدوده إلى شبحٍ يُثقل كاهل استقرار المنطقة والعالم.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • “أسوشيتد برس”: البحرية الأميركية تواجه أعنف معركة منذ الحرب العالمية الثانية
  • توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء
  • القابلية للارتزاق والابتزاز
  • رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي: بعثة “أوصوم” في الصومال تواجه تحديات مالية
  • سفارة ليبيا: بومريز شارك في مباحثات لحل أزمة السودان
  • دغيم: ليبيا تواجه خطر الإفلاس.. والحل في الدعم النقدي المباشر
  • ???? انقلاب حميدتي
  • السياحة في روسيا.. 10 تحديات تواجه المسافر وبدائل لمواجهتها
  • ما هي أسباب الحرب في السودان إذن؟
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: خلق آخر