قالت صحيفة "لاكروا" الفرنسية إن عددا متزايدا من الأصوات في إسرائيل يدعو إلى إجراء انتخابات مبكرة لإزالة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من السلطة، وذلك في وقت يشهد فيه مجلس الوزراء الحربي انقساما علنيا حول كيفية التعامل مع الحرب في غزة.
وأوضحت الصحيفة -في تقرير لمراسلتها بالقدس سيسيل لوموان- أن كلمات الجنرال السابق غادي آيزنكوت، عضو مجلس الوزراء الحربي، خلقت سابقة بكشفه لأول مرة عن خلافاته مع سياسات نتنياهو، في وقت الذروة على القناة 12.
وقال الجنرال السابق، وعضو حزب الوحدة الوطنية المعارض الذي انضم إلى المجلس المختار في بداية الحرب، إن أولئك الذين يتحدثون عن الهزيمة المطلقة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة لا يقولون الحقيقة، "اليوم لم تتحقق أهداف الحرب في قطاع غزة. يجب أن نقول الحقيقة بشجاعة. الطريقة الوحيدة لاستعادة الرهائن أحياء هي التوصل إلى اتفاق (مع حماس)".
"بيبي" في وضع سيئونبهت المراسلة إلى أن مثل هذه الانتقادات، التي لم يكن من الممكن تصورها قبل بضعة أسابيع، تعكس الانقسامات داخل حكومة الحرب التي لا تكاد تتفق على إستراتيجيتها، وعلى مستقبل المحتجزين الـ132.
وتقول ميراف زونسزين، المحللة بمجموعة الأزمات الدولية، إن "إسرائيل يوجد فيها حاليا معسكران، أحدهما يريد صفقة لاستعادة المحتجزين في غزة، ولو كان ذلك يعني إنهاء الحرب قبل القضاء على حماس بشكل كامل، والآخر يرفض دفع هذا الثمن".
ويمثل المعسكر الثاني أغلبية -يقدرها استطلاع للرأي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري- بنحو 65% من اليهود الإسرائيليين، وهم يعتقدون أن مواصلة الضغط العسكري ضرورية لتسهيل إطلاق سراح المحتجزين في غزة.
ولأن آيزنكوت يحظى باحترام كبير، خاصة منذ أن فقد ابنه وابن أخيه في غزة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد كان تأثير القنبلة الصغيرة التي أطلقها في مقابلته قويا، عندما قال إن الانتخابات ضرورية "في غضون أشهر قليلة"، وإنه مستعد للاستقالة إذا أراد نتنياهو استمرار الحرب خارج الحسابات السياسية.
وتعتقد زونسزين "أن مغادرة غادي آيزنكوت وبيني غانتس مسألة وقت فقط"، ورحيلهما يعني نهاية الوحدة الوطنية التي سادت خلال الحرب وسيعجل بإجراء انتخابات جديدة، وإذا أجريت الآن سيخسر حزب الليكود بزعامة نتنياهو نحو نصف مقاعده الـ39 في الكنيست، في حين يضاعف حزب بيني غانتس مقاعده 3 مرات، مما يعطي المعارضة أغلبية 71 مقعدا، حسب استطلاع نشرته صحيفة معاريف اليومية يوم 19 يناير/كانون الثاني الحالي.
وخلصت الصحيفة إلى أن نتنياهو لن يحقق هدفه من الحرب، وأنه يتجنب اتخاذ القرارات، متمسكا بإستراتيجيته الوحيدة وهي الحرب الدائمة بعد أن فقد ثقة الإسرائيليين، رغم أن الاحتجاج لا يزال خجولا، لكنه يتزايد في الشوارع.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
لن يقبل نتنياهو السلام.. فإلى أين تقوده حربه الدائمة؟
لعقيدة الحرب الدائمة التي يتبناها بنيامين نتنياهو قاعدة واحدة هي الأولى والأخيرة والقاعدة المباشرة الواضحة: لا يمكن، ولا يجب، السماح بأن يدوم السلام. وفي الوقت الذي تهوي فيه النيران العشوائية القاتلة من جديد على أهل غزة العزل، بأوامر من رئيس وزراء إسرائيل المولع بالحرب، تتعالى صرخة أليمة. هل انتهت الهدنة الثمينة التي استمرت شهرين مع حماس؟ وتأتي الإجابة المفزعة: لا يهم. فهذه الهدنة، التي تتحطم الآن إلى مليون قطعة، لم تكن سوى استراحة قصيرة وخادعة في حرب لن تتوقف أبدا.
وهي لا تتوقف لأن نتنياهو باق في منصبه بفضل حالة الطوارئ الوطنية المستمرة التي رعاها هو وأنصاره وأطالوا أمدها منذ هجمات السابع من أكتوبر 2023. وهذه الحرب لن تتوقف لأن هدف نتنياهو الأكبر -أي تدمير آمال الفلسطينيين في إقامة دولة- منذور بالفشل. وهي لا تتوقف لأن من ينتقدون إسرائيل -من الداخل والخارج- يواجهون النبذ والإساءة بزعم أنهم لا ينطلقون بوازع من نية حسنة أو بدافع من الفزع من الخسائر البشرية، بل بدوافع من معاداة للسامية.
ولعل الأهم من ذلك كله هو أن هذه الحرب لا تزال مستمرة، وتنذر بالتوسع من جديد؛ لأن نتنياهو وشركاءه من القوميين اليهود اليمينيين المتطرفين والمتدينين المتشددين وجدوا فيها وسيلة لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في إقامة دولة إسرائيل الكبرى. فيستخدمونها هم وحلفاؤهم من المستوطنين العنيفين بوصفها ذريعة لتوسيع نطاق الاستيلاء على الأراضي وترهيب السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ولقد تم الاستيلاء على مناطق جديدة من مرتفعات الجولان السورية. وتبقى إعادة استيطان غزة نفسها هدفًا آخر معلنًا.
ولا يمكن استمرار حرب دائمة ما لم يستمر «الطرف» الآخر في القتال. وقد انهارت قوات حماس لدرجة أنها تبدو عاجزة عن ذلك. وغياب رد فعل مسلح فوري على الضربات الإسرائيلية التي بدأت ليلة الاثنين ينم عن ضعف نسبي. ولكن حماس لم تنهزم بعد. فمع كل تسليم لرهينة، يظهر مقاتلوها المتشحون بالأسود ممثلين تحديا كبيرا. وطالما استمر غياب أي خطة موثوقة ومتفق عليها «لليوم التالي»، وفي غياب غزو بري واحتلال شامل وطويل الأمد أيضا، ستبقى حماس المسؤولة الفعلية عن غزة. وهكذا تستمر الحرب.
ولم يكن نتنياهو راغبا في وقف إطلاق النار من الأساس، وطالما سعى إلى انهيار يمكن أن يلقي اللوم فيه على سواه. ولم يوافق على وقف إطلاق النار إلا في التاسع عشر من يناير بضغط من دونالد ترامب ومبعوثه الدائم، ستيف ويتكوف. وقد كان ترامب، في اليوم السابق رأسًا على تنصيبه، يطالب بإصرار بإنهاء الصراع الذي فشل سلفه، جو بايدن، في إيقافه. وفي عزوف عن إفساد حفل ترامب، وحرصا على كسب وده، وافق نتنياهو مضمرا نفوره وراء ظهره.
لكن حتى في ذلك الحين، بعد مقتل أكثر من ثمانية وأربعين ألف فلسطيني، وإصابة عشرات الآلاف بطريقة أو بأخرى، وتشريد معظم سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، لم يكن نتنياهو مستعدا للتوقف. فقد كان يعلم أن وزراء اليمين المتطرف في حكومته لن يتسامحوا مع السلام طويلا. بل إن أحدهم، وهو إيتامار بن غفير، استقال بالفعل احتجاجا. وهدد آخرون بمثل ذلك، بما قد يؤدي إلى انهيار حكومته. وكان يعلم، وإن ظل هذا الأمر بالنسبة له مسألة ثانوية طوال الوقت، أن العديد من الرهائن الإسرائيليين -وهم تسع وخمسون وفقا لآخر إحصاء- لا يزالون قيد الأسر، ما بين أحياء وأموات.
لم ينو نتنياهو قط نية جادة أن يلتزم بالمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، التي كان يفترض أن تبدأ في الأول من مارس، والتي تدعو إلى انسحاب عسكري إسرائيلي كامل. فمنع المساعدات الإنسانية، وقطع إمدادات المياه والكهرباء، وآخر تنفيذ المرحلة الثانية، وعرقل المحادثات الرامية إلى إعادتها إلى مسارها الصحيح. وشن الحرب بوسائل أخرى. ولما فشلت تلك الاستفزازات، أصر نتنياهو، في خرق لاتفاق وقف إطلاق النار، على أن تطلق حماس سراح المزيد من الرهائن من جانب واحد، عارضا في مقابل ذلك إطلاق سراح عدد محدود من السجناء وتمديدا مؤقتا للهدنة.
ومن الصعب تبرير حرب دائمة، وإن تكن غير معلنة، ويفتقر نتنياهو المدان من المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب والمدان على نطاق واسع في أوروبا والعالم العربي افتقارا حادا إلى الداعمين. وقد تفاقمت مآزقه في الفترة الأخيرة. ففي ظل اتهامه بتنامي الاستبداد، يتورط في خلاف حول محاولته إقالة رونين بار من رئاسة جهاز أمنه العام (الشاباك). كما تحيط به فضيحة فساد جديدة تتعلق بأموال قطرية. وفي هذا السياق، يمكن اعتبار «تشتيت» غزة أمرا ملائم التوقيت.
لقد كتب عاموس هاريل في صحيفة هآرتس أن «نتنياهو يخوض حربا يثبت بها الخصوم على كل الجبهات الممكنة فيحارب الانتخابات المبكرة، ولجنة تحقيق رسمية [في هجمات السابع من أكتوبر]، وأي اتفاق يعيد الرهائن التسعة والخمسين المتبقين، أحياء وأمواتا. «ويبدو رئيس الوزراء أشبه بمن لا يملك ما يخسره. فتصعيد المعركة إلى حد الفوضى يخدمه».
وفي ظل مصرع أكثر من أربعمائة فلسطيني حتى الآن، معظمهم من المدنيين، وفي ظل تهديد إسرائيل بمواصلة وتوسيع نطاق الضربات، تتردد صرخات الغضب والرعب والذعر من الفلسطينيين والأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية والحكومات الأجنبية وكأنها أصداء محزنة في أرجاء غزة المدمرة. وهي صرخات مألوفة بقدر ما هي عقيم لا طائل منها.
والبيت الأبيض، البعيد كل البعد عن العجلة، يبدو حريصا على استمرار هذه الضربات الإسرائيلية، مؤكدا بفخر تواطؤه فيها. وتبدو عملية وقف إطلاق النار في يناير قد لقيت حتفها. ولم يعد أحد يرى أو يسمع بخطة ترامب العبثية الخاصة بالريفييرا في غزة. وها هو بعد إحباطها يرد بالمثل، محرضا نتنياهو. ومع ذلك، سيكون من ضروب السذاجة ألا نرى صلة أوسع وأوضح بترامب. ففي الأيام الأخيرة، لوح بالسيوف في وجه إيران، مطالبا طهران باستئناف المحادثات بشأن تقليص برنامجها النووي وإلا واجهت عملا عسكريا. وفي الوقت نفسه، شن غارات جوية ضخمة على حلفاء إيران أنصار الله في اليمن.
في عالم ترامب الاختزالي، القائم على صفقات الفوز التام أو الخسارة التامة، كل شيء سواء. فقد قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض كارولين ليفيت إنه «مثلما أوضح الرئيس ترامب، فإن حماس وأنصار الله وإيران -وكل من لا يكتفون بالسعي إلى إرهاب إسرائيل وإنما الولايات المتحدة أيضا- سيدفعون ثمنا غاليا، وستنفتح أبواب الجحيم». فهل اليمن إنذار مبكر؟ وهل يتحرك ترامب للدفاع عن إسرائيل ضد أي هجوم إيراني وهو احتمال لا يمل نتنياهو من تكراره تبريرا لحالة حربه الدائمة؟ أم أن ترامب يمهد الطريق بالفعل لضربة إسرائيلية أمريكية في الاتجاه المعاكس، مثلما يعتقد الكثيرون في طهران؟
شأن بعض الرؤساء الأمريكيين السابقين، وفي غفلة معتادة عن التاريخ، يتصور ترامب أن بوسعه إعادة تشكيل الشرق الأوسط بعمل قائم على إرادة إمبريالية. ولكن ترامب، خلافا لباراك أوباما الذي حلم في القاهرة سنة 2009 بنهضة ديمقراطية، يعيد تشكيل المنطقة بالإملاءات، مدعوما باستخدام القوة الغاشمة أو التهديد بها. وفلسطين هي المكان المظلم الذي تصطدم فيه عقدة ترامب المشيحانية وعقيدة الحرب الدائمة الخاصة بنتنياهو. فإلى أين؟ ومن ذا الذي يكون الآن في هون من لا يكون في عون نفسه؟
سيمون تيسدال من كتاب الرأي في صحيفة أوبزرفر البريطانية
عن ذي جارديان البريطانية