وكالة الصحافة المستقلة:
2025-03-16@09:14:37 GMT

“الحيوان وأنا ” سرد مدهش

تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT

يناير 24, 2024آخر تحديث: يناير 24, 2024

عبد المنعم حمندي

الرمز في أي عمل أدبي، أساسه علاقة اندماجية بين مكنونات حسية رامزة، قابلة للتأويل، قد تكتفي بالإيحاء دون تصريح ، ويقوم الرمز على   التشابه الجوهري بين الرامز والمرموز ، وهو مرٱة الذات ودلالتها وقيمتها وما ينبثق من داخلها .

قرأت بمحبة رواية ” الحيوان وأنا” للسارد المبدع الأستاذ أمجد توفيق ورأيت هذه الرواية قد لخصت العلاقة الجوهرية بين السارد وشخصيات الرواية، فهي لم تجنح إلى الهرب من الواقع قبل ادانته، وكان اختيار الحيوان لصفاء سريرته وصدق سلوكه وتطامنه مع ذاته وامتلاكه حريته، لأن صفات الافتراس والمكر والغدر في الانسان وليست في الحيوان.

استخدم السارد أمجد توفيق مكوّنات البنية السردية الأساسية وهي: الراوي: المتحدث عن عناصر أحداث، وشخصيات، وتفاصيل بضمائر متعددة: ضمائر المتكلم، ضمائر المخاطَب، ضمائر الغائب: عبر محكيات تسرد صفحات من السيرة، ونقل خلاصة تجربة حياة بعد خوض غمارها واختيار الحيوان بديلاً عن بني آدم، الا القلة من. أصدقاء، وعرض محكيات نسجها من خلال بناء سرديّ اختاره هو. المرويّ: وعمل على إظهاره بأفضل أسلوب. وقام المؤلف في تحليل المحكيات عبر نقد الواقع المعاش بعد تفكيكه، و تحديد الشخصيات والصراعات، وسرد الأحداث والتقلبات والمفاجآت التي طرأت على الأحداث بتدفق منتظم، و تسلسل بارع.

الراوي هو دانيال علي موسى ، وتركيبة الاسم لها دلالتها ورمزيتها وتأويلها ، وهو ضابط متقاعد خاض حروب وطنه المفروضة عليه، وخبر الدنيا وما فيها، وذاق مرارتها ،وبعد وفاة زوجته ، وسفر ولده نبيل الى لندن قرر العزلة والابتعاد عن صخب المدينة، ولم يكن سفر ولده إلى لندن سوى حالة أراد منها الاشارة  إلى التهجير القسري خشية الخطف والاغتيال إبان الفتنة الطائفية ، كل الوقائع التي عاشها السارد أدت الى حالات احباط ويأس ،فكان اختبار العزلة ادانة لواقع بشع ، نعم اعتكف في مزرعة مع كلبه” ليل” وحصانه “ظلام” ودجاجاته وقططه ، استطاب عشرة  ،تأنسه ويسعد برعاية الحيوان الأليف وهو مطمئن على علاقاته مع الحيوان والشجر الكريم في المزرعة،  كانت رفقته للحيوانات سعادة يومية وراحة بال بمنأى عن  مشاكل المجتمع.  هو هرب من الواقع ،فكان الحيوان رمزاً له مدلولات في الراهن المعتم ، تتوالى المحكيات عبر شخصيات مختارة من أصدقائه ،فالآنسة موج ابنة صديقه” أبو رامي ” الذي يلجأ إليه لحماية ابنته المهددة بالخطف والاغتصاب من قبل الميليشيات ، وبعد مغادرتها المزرعة ، تأمل دانيال ما تركته موج من أثر  خلال مكوثها في المزرعة وما دونته في المذكرات من يوميات عاشتها ، وكذلك صديقه الأثير حصانه “ظلام” الذي قتل من قبل ميليشيات  الاحزاب السياسية الفاسدة انتقاماً منه لإيوائه موج ومناصرة أبيها الذي رفض دفع فدية عنها، كانت انتكاسة دانيال بسبب موت صديقه الجميل، ظلام ، عاش أوقاتاً حزينة بل مأساة ، أبكتني فجيعته لعمق الصداقة بينهما ، وحين ينتقل إلى محكية الأصدقاء : نور الدين وحامد ومرتضى أصحاب أبي رامي ، الذين توسموا بصفة الحمير ، فللحمار دلالة ورمز ، وكان لكل منهم تجربة مرة  ،ولكل شخصية دلالة ورمز، انها محكيات تزخر بالحكمة والدرس المعبر عن وعي عميق وقراءة فلسفية لواقع معتم يعيشه الوطن بعد احتلاله في ظل الفوضى والسلاح المنفلت وغياب القيم وانتشار الفساد واللصوص والقتلة . وكذلك محكية المقاتل الايراني الذي رمى بندقيته وسار إلى جانبه بعد اعياء في أرض محترقة لها دلالتها ورمزيتها، فكلاهما يعيش القهر ورفض الحرب والاحساس الانساني. وحتى محكية الارملة ذكرى التي دخلت حياته لتفتح نافذة مشرقة على الدنيا لها دلالتها، بوجود سانحة أمل وضياء رغم اسوداد الأيام، فلولاها لما استطاع الخروج من أزمته، وقرر السفر مع صديقه إلى لندن وتوطيد علاقة ابنه نبيل مع موج ابنة صديقه واقترانه بها. وهو بذلك يفتح باباً لفجر جديد برغم اليأس والأحباط.

أن كشف الحقائق في الراهن العراقي عبر السرديات الأدبية هو توثيق لمجريات قد يغفلها التاريخ الرسمي وهي بمثابة تاريخ سري لأحداث وشخصيات ، وتصدي لمأساة هذا الشعب المروعة، ، فالمحكيات تعد توثيقاً للأحداث المأساوية التي وقعت للشعب المبتلى بالحروب والاحتلال.

 

لذا فقد أرتأى المؤلف أن يوظف الضمائر في السرد ينتقل من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب ثم يوظف ضمير المخاطب، وهو يسطر محكياته بلغة شعرية عالية وأسلوب أدبي رفيع، غير تقليدي، يمنح المتلقي متعة الجمال، والجمال هنا هو الخيال والافكار الموظفة في الرواية. وكلاهما الخيال والرؤى الفلسفية، أي الجمع بين ما لا يمكن محوه من ذاكرة شعب بأكمله، وبين ما هو مبتكر. وهذه الطريقة من الأساليب الحديثة في فن السرد.

رواية ” الحيوان وأنا”  بكل ما سطره السارد من محكيات في المتن ،  هي ادانة لواقع بشع ، وهي تقييم لمرحلة مركبة في تاريخ العراق المعاصر،  ورفض للطروحات الايديولوجية،  وما خلفه الاحتلال من أثر في الحياة والانسان ، نعم أنها رواية ممتعة بل مدهشة في جمال اسلوبها وشعريتها العالية ،أحيي السارد الفذ أمجد توفيق على اختياره أن يكون حيواناً هو نحن في هذا الغاب.

المصدر: وكالة الصحافة المستقلة

إقرأ أيضاً:

هات “الجِفت” يا خليل

هات “الجِفت” يا خليل

د. #حفظي_اشتية

العنوان لقاسم حداد شاعر البحرين الأشهر. أما #الجفت فهو #بندقية_صيد ذات فوّهتين. وأما خليل فهو خليل حاوي الشاعر اللبناني الذي انتحر عشية الاجتياح الإسرائيلي لبيروت سنة 1982م.

في هذه الظروف المريرة التي نعيش، نظن أنّ ” #خليل_حاوي ” يسكن في حنايا كثيرين منا، إذ تمثّل حياته ــ بصدق ــ عذاباتنا وخيبات آمالنا ونهاياتنا الفاجعة.

مقالات ذات صلة خواطر رمضانية 2025/03/13

والده من بلدة “الشويّر” الوادعة الواقعة في متن جبل لبنان، المطلّة على جبل “صنّين”. كان يعمل بَنّاءً، ويتنقل بأسرته بين لبنان والجولان وجبل العرب “الدروز” حيثما يُطلب للعمل.

ولد خليل في قرية “الهُوَيّة” في جبل العرب، وفي سن الثالثة عشرة أعاق المرضُ والده عن العمل، فاضطرــ لإعالة أسرته ــ أن يترك الدراسة، ويمارس مهنة والده في رصف الطرق وتبليط البيوت. لكنّ طموحه للتعليم لم ينقطع، فتقدّم لامتحان البكالوريا، ونجح بتفوق، والتحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ليحصل على الشهادة الجامعية الأولى، ثم أكمل الماجستير، وحصل على الدكتوراة من جامعة “كامبردج” في أطروحة عن جبران خليل جبران، وعاد ليعمل أستاذا جامعيا في دائرة اللغة العربية في الجامعة الأمريكية، وبدأت تصدر دواوينه الشعرية تباعا، وكانت تعبّر عن قضية حياته المركزية وهي الدعوة إلى الانبعاث العربي، وإيقاظ الأمة العربية لتجاوز نكباتها المتتالية منذ بدء الاستعمار الغربي والتغلغل الصهيوني، ونكبة فلسطين 1948م، وما تلاها من نكسات وهزائم تترى حفرت في نفسه الأبية العروبية الحساسة أخاديد الأسى، وثوّرت أعاصير الألم وتباريح الهمّ والجوى، فتساقطت نفسه المعذَّبة أنفسا عديدة، وذبلت صرخاته، وأنّت روحه من ثقل صمته: “طال صمتي… مَن تُرى يسمع صوتا صارخا في صمته؟! يسمع صوتي؟!…. لِأَمُتْ غير شهيد… مفصحا عن غصّة الإفصاح في قطع الوريد…”

ولعل كلامه هذا كان إخطارا خطيرا وإشهارا مريرا بنيّته المبيّتة قبل موته بسنوات.

ثم جاء الهول عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان سنة 1982م، وتقدمت جحافلها نحو بيروت رغم البطولات الخارقة الهائلة للمدافعين الشرفاء، لكنه ميزان القوى الظالم الذي ينحاز دوما للأعداء!!!

غاص الألم عميقا في قلب خليل، وشاهت الدنيا في وجهه، وغار الأمل بعيدا في الدرك الأسفل، وطغى اليأس وادلهمّ.

وفي ليلة 6/6/1982 ذكرى النكسة القديمة الجديدة، عمّ الاضطراب بيروت، ولعلع الرصاص في كل مكان، فأدركَ خليل يقينا أن الحلم الكبير قد ضاع، فصرخ دون أن يكون لصرخته أيّ صدى: “يا لثقل العار!! هل حملته وحدي؟!”

وأسرّ إلى صديقه قائلا: “لم يبقَ أمامي غير الانتحار، فلا معنى لوجودي”.

صعد إلى شقته، وخرج إلى الشرفة قبل منتصف الليل معلنا ولادة قصيدته الخالدة التي كتبها بدمه القاني. صوّب بندقيته صَوْب رأسه، وضغط الزناد، لمعت شعلة البارود في عتمة الليل البهيم، فطار مِحجر العين وجزء من الرأس، وتهاوى الجسم الجريح على البندقية و”درابزين” الشرفة، وبقي كذلك إلى أن أطلّ الصباح البائس، وذاع الخبر الفاجع.

ومنذ ذلك الحين، وعلى مدي أكثر من أربعين عاما، ما زال كثير من الأدباء يستعيدون مرارة الذكرى، يُبدئون ويعيدون في أسباب الانتحار، ويفترقون وفق ذلك في مسالك شتى بين أسباب اجتماعية أو عاطفية أو نفسية أو وطنية….. بعضهم يرى الانتحار مخالفة شرعية عظمى، وبعضهم يراه انهزاما لأن الشاعر رائد أمته وحامل مشعل هدايتها، وعليه الثبات مقاوما في طليعتها.

وآخرون يؤكدون أن الفقيد كان صادقا أمينا مع نفسه، جبليّا صعب المراس، عروبيا منتميا مخلصا لأمته، مواجها شجاعا جبّارا، لا جبانا متهالكا خوّارا، مرهف الإحساس أنوفا، يؤمن بأن الشاعر ضمير الأمة ووعيها المتوهّج، عاش عمره وفيّا لأمله، وصيّا على حلمه. وعندما سُقط في يده فجّر الباقي من هذا العمر في رصاصة لعل ضياها يهدي الحائرين، ولعل صوتها يوقظ الغافلين ليدركوا الأهوال الحتمية القادمة.

وقد أثمر ذلك حركة أدبية نقدية عظيمة ما زالت تتجدّد وتتمدّد…. وكلما استجدّت مناسبة لانكسار عربي، حامت روح خليل في الأفق، وسطعت جذوة رصاصته وردّد المدى صداها، فبعد عقود كتب “قاسم حداد” :

“هات الجفت يا خليل” (إلى الشاعر خليل حاوي بمناسبة الذل العام) فخاطبه بكلمات تقطر أسى وحسرة على واقعنا العربي. منها قوله : “رأيتَ الصرح الشامخة الذي بنيتَه بالمخيّلة لنهضة العرب على شفير الهاوية، وسمعتَ هدير جنازير الدبابات الإسرائيلية قريبا من شارع بَالاس، دون أن تكون لدى العرب قدرة المجابهة والدفاع…. لذلك كله تناولتَ الجفت، وخرجتَ إلى شرفة البيت، وضعتَ الفوّهة في الرأس، وأطلقتَ مثل شخص يصطاد نفسه…. معك حق يا خليل، فمن يحلم بحضارة تنبعث في شرق جديد، ثم يرى حلمه يتعرّض للدمار والانهيار قبل أن يكتمل، فمن حقه علينا أن نصدّق معاناته، ونصقل له الطريق كي ينتحر، ونذهب نحن إلى النوم جريحي القلب، كسيري الروح، مشوَّشي الضمير، وعلى درجة عالية من تورّم الوهم بأنه ثمّة أمل في الأمل….”

ثم مرت سنوات عجاف وسنوات بعد حسرات قاسم حداد، توالت فيها أحداث عصفت ببقايا آمالنا، وزرعت في عالمنا أهوالا ومفاجآت.

تُرى ماذا كان سيفعل خليل حاوي لو شهد نكبة غزة الحرة المقاومة الصامدة العصية؟؟! أو مأساة لبنان الأرز الجميل وشعبه الصابر الوفي النبيل؟؟!

أم تُرى ماذا كان سيفعل لو أطلّ علينا من عُلاه ليرى الأعداء قد توسّدوا سنام جبل الشيخ، وتربّعوا على قمته، وأجالوا النظر إلى منتهاه في أقاصي مشرقنا العربي وأدناه، بينما دباباتهم تجوس القنيطرة وريف دمشق ودرعا…. وتسيطر على ثرواتها ومياهها وحورانها، وتخطب بعاطفة مصطنعة لزجة ماكرة ممقوتة وُدَّ الأحفاد الأحرار لسلطان باشا الأطرش الثائر الأكبر على الاستعمار الفرنسي!!!

صدق من قال :

رُبَّ يومٍ بكيتُ منه فلمّا         صرتُ في غيره بكيتُ عليه

ألمْ يحن الأوان لهذه الأمة أن تستشعر الخطر المحدق، فتستنهض طاقاتها الوفيرة، وإمكاناتها العظيمة، وتدرك يقينا أن عدوها الحقيقي الآن واحد لا ثاني له ولا شريك، إنه النظام الرسمي الغربي وذراعه الصهيوني العدواني؟؟؟ وما سوى ذلك، فما هو إلا عداوات مفتعلة جرّاء خلافات حدودية مذهبية حزبية طائفية عبثية غبية.

مقالات مشابهة

  • رئيس الجمهورية يخالف الحقيقة التي تؤكد “إن إيران من قصفت حلبجة بالكيمياوي وليس العراق”
  • فيما ورد خبر من هيئة البث الإسرائيلية ذو صلة بالانفجارات … هذه هي المناطق التي استهدفها الطيران في العاصمة صنعاء ” صور ” 
  • قسم الغاز في معمل “سادكوب” بانياس يستأنف عمله بعد التوقف الذي نتج عن هجمات فلول النظام البائد.
  • عقار.. التفاوض مع الدعم السريع صعب لأن قيادتها ليست موحدة بجانب الأعداد الكبيرة من “المرتزقة” التي تقاتل في صفوفها
  • ترامب يؤكد مقتل زعيم “داعش” في العراق
  • السر الغامض لإعادة نمو الشعر في المناطق الصلعاء: مكون طبيعي مدهش ورخيص
  • من أهم ما يحتاجه الإنسان “نعمة الهداية”.. {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ}[الشعراء:78-79].
  • هات “الجِفت” يا خليل
  • ما الذي يمكننا تعلمه من ظاهرة “قمر الدم” النادرة؟
  • علماء يحددون “السن الحرجة” التي يبدأ فيها الدماغ بالتراجع