“الحيوان وأنا ” سرد مدهش
تاريخ النشر: 24th, January 2024 GMT
يناير 24, 2024آخر تحديث: يناير 24, 2024
عبد المنعم حمندي
الرمز في أي عمل أدبي، أساسه علاقة اندماجية بين مكنونات حسية رامزة، قابلة للتأويل، قد تكتفي بالإيحاء دون تصريح ، ويقوم الرمز على التشابه الجوهري بين الرامز والمرموز ، وهو مرٱة الذات ودلالتها وقيمتها وما ينبثق من داخلها .
قرأت بمحبة رواية ” الحيوان وأنا” للسارد المبدع الأستاذ أمجد توفيق ورأيت هذه الرواية قد لخصت العلاقة الجوهرية بين السارد وشخصيات الرواية، فهي لم تجنح إلى الهرب من الواقع قبل ادانته، وكان اختيار الحيوان لصفاء سريرته وصدق سلوكه وتطامنه مع ذاته وامتلاكه حريته، لأن صفات الافتراس والمكر والغدر في الانسان وليست في الحيوان.
استخدم السارد أمجد توفيق مكوّنات البنية السردية الأساسية وهي: الراوي: المتحدث عن عناصر أحداث، وشخصيات، وتفاصيل بضمائر متعددة: ضمائر المتكلم، ضمائر المخاطَب، ضمائر الغائب: عبر محكيات تسرد صفحات من السيرة، ونقل خلاصة تجربة حياة بعد خوض غمارها واختيار الحيوان بديلاً عن بني آدم، الا القلة من. أصدقاء، وعرض محكيات نسجها من خلال بناء سرديّ اختاره هو. المرويّ: وعمل على إظهاره بأفضل أسلوب. وقام المؤلف في تحليل المحكيات عبر نقد الواقع المعاش بعد تفكيكه، و تحديد الشخصيات والصراعات، وسرد الأحداث والتقلبات والمفاجآت التي طرأت على الأحداث بتدفق منتظم، و تسلسل بارع.
الراوي هو دانيال علي موسى ، وتركيبة الاسم لها دلالتها ورمزيتها وتأويلها ، وهو ضابط متقاعد خاض حروب وطنه المفروضة عليه، وخبر الدنيا وما فيها، وذاق مرارتها ،وبعد وفاة زوجته ، وسفر ولده نبيل الى لندن قرر العزلة والابتعاد عن صخب المدينة، ولم يكن سفر ولده إلى لندن سوى حالة أراد منها الاشارة إلى التهجير القسري خشية الخطف والاغتيال إبان الفتنة الطائفية ، كل الوقائع التي عاشها السارد أدت الى حالات احباط ويأس ،فكان اختبار العزلة ادانة لواقع بشع ، نعم اعتكف في مزرعة مع كلبه” ليل” وحصانه “ظلام” ودجاجاته وقططه ، استطاب عشرة ،تأنسه ويسعد برعاية الحيوان الأليف وهو مطمئن على علاقاته مع الحيوان والشجر الكريم في المزرعة، كانت رفقته للحيوانات سعادة يومية وراحة بال بمنأى عن مشاكل المجتمع. هو هرب من الواقع ،فكان الحيوان رمزاً له مدلولات في الراهن المعتم ، تتوالى المحكيات عبر شخصيات مختارة من أصدقائه ،فالآنسة موج ابنة صديقه” أبو رامي ” الذي يلجأ إليه لحماية ابنته المهددة بالخطف والاغتصاب من قبل الميليشيات ، وبعد مغادرتها المزرعة ، تأمل دانيال ما تركته موج من أثر خلال مكوثها في المزرعة وما دونته في المذكرات من يوميات عاشتها ، وكذلك صديقه الأثير حصانه “ظلام” الذي قتل من قبل ميليشيات الاحزاب السياسية الفاسدة انتقاماً منه لإيوائه موج ومناصرة أبيها الذي رفض دفع فدية عنها، كانت انتكاسة دانيال بسبب موت صديقه الجميل، ظلام ، عاش أوقاتاً حزينة بل مأساة ، أبكتني فجيعته لعمق الصداقة بينهما ، وحين ينتقل إلى محكية الأصدقاء : نور الدين وحامد ومرتضى أصحاب أبي رامي ، الذين توسموا بصفة الحمير ، فللحمار دلالة ورمز ، وكان لكل منهم تجربة مرة ،ولكل شخصية دلالة ورمز، انها محكيات تزخر بالحكمة والدرس المعبر عن وعي عميق وقراءة فلسفية لواقع معتم يعيشه الوطن بعد احتلاله في ظل الفوضى والسلاح المنفلت وغياب القيم وانتشار الفساد واللصوص والقتلة . وكذلك محكية المقاتل الايراني الذي رمى بندقيته وسار إلى جانبه بعد اعياء في أرض محترقة لها دلالتها ورمزيتها، فكلاهما يعيش القهر ورفض الحرب والاحساس الانساني. وحتى محكية الارملة ذكرى التي دخلت حياته لتفتح نافذة مشرقة على الدنيا لها دلالتها، بوجود سانحة أمل وضياء رغم اسوداد الأيام، فلولاها لما استطاع الخروج من أزمته، وقرر السفر مع صديقه إلى لندن وتوطيد علاقة ابنه نبيل مع موج ابنة صديقه واقترانه بها. وهو بذلك يفتح باباً لفجر جديد برغم اليأس والأحباط.
أن كشف الحقائق في الراهن العراقي عبر السرديات الأدبية هو توثيق لمجريات قد يغفلها التاريخ الرسمي وهي بمثابة تاريخ سري لأحداث وشخصيات ، وتصدي لمأساة هذا الشعب المروعة، ، فالمحكيات تعد توثيقاً للأحداث المأساوية التي وقعت للشعب المبتلى بالحروب والاحتلال.
لذا فقد أرتأى المؤلف أن يوظف الضمائر في السرد ينتقل من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب ثم يوظف ضمير المخاطب، وهو يسطر محكياته بلغة شعرية عالية وأسلوب أدبي رفيع، غير تقليدي، يمنح المتلقي متعة الجمال، والجمال هنا هو الخيال والافكار الموظفة في الرواية. وكلاهما الخيال والرؤى الفلسفية، أي الجمع بين ما لا يمكن محوه من ذاكرة شعب بأكمله، وبين ما هو مبتكر. وهذه الطريقة من الأساليب الحديثة في فن السرد.
رواية ” الحيوان وأنا” بكل ما سطره السارد من محكيات في المتن ، هي ادانة لواقع بشع ، وهي تقييم لمرحلة مركبة في تاريخ العراق المعاصر، ورفض للطروحات الايديولوجية، وما خلفه الاحتلال من أثر في الحياة والانسان ، نعم أنها رواية ممتعة بل مدهشة في جمال اسلوبها وشعريتها العالية ،أحيي السارد الفذ أمجد توفيق على اختياره أن يكون حيواناً هو نحن في هذا الغاب.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي: مصر دولة محدش يقدر يهددها.. وأنا كمسؤول مطمئن
شدد الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال كلمته في حفل عيد الشرطة الـ73، على أن مصر دولة لا يستطيع أحد تهديها.
وأضاف الرئيس: «لازم أنا كمسؤول أطمنكوا، وأنا مطمئن، ولكن في تطورات على حدودنا المختلفة ممكن تكون الناس قلقانة، والقلق ده مشروع أنك تكون خايف على بلدك، بنبذل أقصى ما في وسعنا وربنا فوق الكل ومطلع علينا أننا لا بنعتدي ولا بنتآمر على حد، وإحنا داخل بلدنا وحدودنا بنبني ونعمر».