لجريدة عمان:
2024-11-27@01:21:51 GMT

إسرائيل: دولة بلا هويّة

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

الأوضاع السياسية في العالم تظل همًّا عامًّا من هموم الفكر، وما يحدث في حرب إسرائيل الوحشية على الشعب الفلسطيني، وليس على غزة وحدها، قد أصبح همًّا عامًا لدى كل شخص في العالم يحمل في قلبه شيئًا من الضمير الإنساني. ولذلك فإنني كلما هممت بالكتابة في موضوع من موضوعات الفكر، أجد أن هذا العدوان هو ما يلحّ على فكري ويدعوني إلى التأمل في شأن هذه الدولة الإسرائيلية التي تمارس العدوان الوحشي بصورة غير مسبوقة في التاريخ.

ومن بين الموضوعات التي لا تزال تلح على ذهني تأمل «أحوال اليهود في القرآن»، ومنها أيضًا مسألة «الهوية في دولة إسرائيل»، وهي موضوع هذا المقال.

وهناك مسائل أولية ينبغي التأكيد عليها منذ البداية، منها أن الهوية ليست شيئًا ثابتًا، وهي لا تكمن في الماضي فحسب، وإنما تكمن أيضًا في الحاضر الذي نصنعه، بل في المستقبل الذي نريده ونخطط له ونعمل من أجله، وهذا ما سبق أن فصلته في أكثر من مقال. ومما ينبغي التأكيد عليه أيضًا أن الهوية لا يمكن أن يشكلها الدين وحده، بل يشكلها أيضًا التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة. وبهذا المعنى يمكننا أن نتحدث على سبيل المثال عن الهوية المصرية، وأن نتحدث عن هذه الهوية باعتبارها جزءًا من هوية أوسع هي الهوية العربية. ولكننا- بهذا المعنى أيضًا- لا يمكن أن نتحدث عن «هوية إسرائيلية». وينبغي هنا التأكيد أيضًا على أن هذا لا يعني التقليل من شأن اليهود بما هم يهود، فما من شك في أن اليهود عبر العالم قد برعوا وأبدعوا في سائر مجالات الفكر والعلوم والاقتصاد والتجارة، ولعل الشتات الذي كان قدرهم التاريخي هو ما جعلهم يتميزون ويبدعون، وتلك ملاحظة عابرة ربما تستدعي مزيدًا من التأمل في سياقات أخرى.

عاش اليهود طيلة تاريخهم في شتات، ولم يجدوا شيئًا يلتحفون به سوى الدين، فلا أرض أو تاريخ يجمعهم؛ وبذلك شكلوا جماعات دينية منغلقة داخل كل دولة عاشوا فيها. ظل هذا هو الحال إلى أن نشأت حركة الصهيونية التي سعت إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. والواقع أن مفهوم «الصهيونية» قائم على استدعاء أساس ديني توراتي مفاده أن الرب وعد بني إسرائيل بإنهاء حالة الشتات التي يعيشونها بالعودة إلى «صهيون»، أي إلى «أرض إسرائيل». نشأت دولة صهيون أو دولة الصهاينة بقرار أممي مؤسس على وعد بلفور؛ ولذلك فإننا لا ينبغي أن نندهش من مؤازرة بريطانيا كدولة ضليعة -بجانب الولايات المتحدة- في حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وليس على غزة أو حماس وحدها كما يتم الترويج لتلك الأكذوبة التي باتت مكشوفة! ولكن الدول الحقيقية لا يمكن أن تنشأ بقرارات، حتى إن كانت قرارات دولية. نعم يمكن إعادة إنشاء وترسيم الحدود بين الدول بقرارات دولية، ولكن هذا لا شأن له بهوية شعب له تاريخ مشترك ويسكن أرضًا ما.

تسعى دولة إسرائيل إلى تأسيس نفسها على المشروع الصهيوني الذي كان يهدف في الأصل إلى لمّ شتات اليهود عبر العالم باعتبارهم يهودًا في المنفى ينبغي أن يتجمعوا لمصلحة دولة إسرائيل باعتبارها المركز، ولا يوافق على هذا أغلب اليهود المتدينين حول العالم الذين يؤمنون بأن الشتات هو قدرهم. وحتى داخل دولة إسرائيل نفسها، فإننا نجد حالة من الشتات والتشرذم وافتقاد البوصلة في البحث عن هوية لدولة إسرائيل، وهذا التشرذم يعبر عن نفسه في اتجاهات متعارضة فاعلة داخل الدولة نفسها، يمكن رصد أهمها فيما يلي:

-التوجه الديني القومي أو الصهيونية القومية، وهو تيار متطرف يمثله منذ سنة 1996 حزب الليكود الذي قام على نوع من التحالف بين القوى الدينية وقوى اليمين الديني المتطرف (الحريديم)، وهو الحزب الذي عاد إلى صدارة المشهد في حرب إسرائيل الوحشية على شعب فلسطين بهدف الإبادة. فهذا الحزب المتشدد يتبنى سياسة عدائية ضد غير اليهود في العالم، وبوجه خاص ضد العالم العربي؛ ولذلك فإنه يرفض عودة أراضي فلسطين المحتلة إلى شعبها، كما يرفض إعادة أرض الجولان إلى سوريا، ومع ذلك فإن هذا الحزب السائد الذي عمل على مداعبة مشاعر الإسرائيليين، يواجه الآن معضلة كبرى تهدد وجوده نفسه بحكم فشله الكبير في إخضاع الشعب الفلسطيني الذي أصبح يهدد وجود إسرائيل نفسها في ضوء المتغيرات الجديدة التي يعرفها الآن القاصي والداني.

- التوجه الديني الخالص الذي يسعى إلى تأسيس الهوية اليهودية الدينية، ويعبر عن هذا التوجه الأحزاب الدينية، والقوى الدينية غير الحزبية التي تعادي الصهيونية العلمانية، بل تعادي دولة إسرائيل نفسها.

- التيار العلماني الإنساني الذي يسعى إلى تأسيس دولة إسرائيل باعتبارها دولة جامعة للثقافات والأعراق المختلفة من أوروبا وروسيا وإثيوبيا وغيرها، وهو حزب أو تيار ربما يكون له حضور خارج إسرائيل، ولكن حضوره داخلها ضعيف.

وعلى الرغم من أن المشروع الصهيوني كان يهدف في الأصل إلى تأسيس هوية مشتركة جامعة لليهود تضم في باطنها الثقافات والأعراق المختلفة، فإن هذا المشروع قد آل إلى الفشل التام من خلال مكونات متضاربة تحتفظ كل منها بشرعيتها، منها: اليهودي، والعربي، والمتشددون دينيًّا، والقوميون الدينيون، والأصول العرقية المتباينة: كالروس والإثيوبيين؛ فضلًا عن الثقافات واللهجات المختلفة والمواقف المختلفة من الدولة نفسها. ومن أراد أن يرجع إلى كتاب رصين عن «إشكالية الهوية في إسرائيل»، فليرجع إلى كتاب الدكتور رشاد عبدالله الشامي الصادر سنة 1997 عن سلسلة «عالم المعرفة» بدولة الكويت.

خلاصة القول إن دولة إسرائيل ضائعة تبحث عن هوية لها في إطار شعب متشرذم بين ثقافات وعرقيات وأيديولوجيات متباينة ومتضاربة، ولعل انقسام الحكومة الإسرائيلية الحالي وثورة شعبها على سياسات قادتها يعبر عن هذه الأزمة بوضوح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دولة إسرائیل إلى تأسیس

إقرأ أيضاً:

إذا لم يكن حزب الإصلاح من اليهود فمَن اليهود؟

محمد محسن الجوهري

تتشابه مواقف الكيان الصهيوني وحزب الإصلاح إلى حد التطابق في كثير من القضايا، خاصةً الوضع في اليمن، حيث يتبنى إخوان الشياطين موقف اليهود رسمياً منذ العام 2004 بمعاداة كل من يعادي اليهود، ورأيناً كيف ديدن الطرفان هجمات البحر الأحمر ويعتبرانها اعتداءات إرهابية، فيما يرحب حزب الإصلاح بكل غارة تشنها “إسرائيل” وحلفاؤها على البلاد، ويعتبرونها انتصاراً لهم ولمبادئهم الدينية.

إعلامياً أيضاً، تتبنى قنوات الإصلاح الخطاب الصهيوني حرفياً، ومن يتابع قنوات مثل “يمن شباب” و”سهيل” و”بلقيس”، لا يفرق بين خطابها التحريضي وبين ما يردده أفيخاي أدرعي بشأن محور المقاومة، وكأن الإصلاح يستقي خطه التحريري من ناطق جيش العدو، وأن تلك الوسائل الإعلامية مجرد نسخ محلية من الإعلام اليهودي المتعدد الجنسيات.

مؤخراً، وعند بدء الحديث عن تدخل عسكري مباشر من الكيان والقوات الأمريكية، استهل حزب الإصلاح تلك الحملة بالترحيب المباشر وغير المباشر، وسخَّر مواقفه السياسية ووسائل إعلامه لاستقبال الغزاة الصهاينة، وتقديم البلاد لهم على طبق من فضة، ولو كان القرار بيدهم لبادروا بإعلان الوصاية الإسرائيلية على اليمن، كما سبق وأعلنوها مع النظام السعودي عشية الحرب على اليمن قبل تسع سنوات، ولولا رعاية الله وتضحيات رجال الرجال، لكانت البلاد ساحة يسرح فيها اليهود ويمرحون، على غرار ما يفعلون في كل المحافظات المحتلة، كعدن وحضرموت والمهرة وغيرها.

ولا يقتصر التشابه بين حزب الإصلاح واليهود على المواقف السياسية وحسب، فعقيدة الإصلاح مقتبسة من الإسرائيليات بشكلٍ جذري، ويرى معتنقوها بأن اليهود إخوة لهم، ويحرمون في الوقت ذاته كل دعواتٍ للوحدة الإسلامية، وينشرون الفتن ودعوات الكراهية أينما رحلوا، ويشهد على ذلك مراكزهم التي كانت منتشرة بطول البلاد وعرضها، وتدعو اليمنيين إلى الاقتتال والعنف فيما بينهم، فيما ترحب بكل غزو خارجي للبلاد، ولو كان يهودياً.

ولا ننسى أن قيادات حزب الإصلاح، كانت تطوف بشكلٍ مستمر بمبنى السفارة الأمريكية في صنعاء، ومنها كانت تأخذ توجيهاتها السياسية والدينية، وعلى إثرها تكون التحركات الإخوانية على الأرض، لدرجة بلغت تكفير كل من يعادي اليهود في اليمن، ويكفي أن تلعن اليهود و”إسرائيل” حتى تحظى بمعاداة الإصلاح، والصرخة خير دليل على عشقهم الأبدي لليهود و”إسرائيل”، فالإصلاحي قد يقبل بانتهاك كل الحرمات إلا حرمة اليهود، فهي مقدسة في دينهم وعقديتهم.

كما أن الغدر بالنسبة لهم مجرد تكتيك سياسي، وكلما عاهدوا عهداً نبذه فريقٌ منهم، تماماً كأسيادهم، وكم من الشواهد العملية على ذلك حتى مع حلفائهم في الرياض وأبوظبي، ومن قبل مع نظام عفاش الذي فتح لهم البلاد على مصراعيها فكافأوه بحادثة النهدين الشهيرة، ومثلها مع سائر التنظيمات السياسية كالاشتراكي والناصري، ولكلٍ منهما قصة غدر طويلة مع الزنداني وصعتر وبقية البغاة في الحزب.

مقالات مشابهة

  • إذا لم يكن حزب الإصلاح من اليهود فمَن اليهود؟
  • العالم إلى أين؟.. أمريكا تكشف لأول مرة نوع الصواريخ التي سمحت لأوكرانيا استخدامها لضرب العمق الروسي
  • بعد غزة ولبنان.. إسرائيل تستعد لشن حرب على ثالث دولة عربية
  • جمهورية اليهود المخفية.. «بيروبيدجان»
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • 300 مليار دولار لمكافحة تغير المناخ سنوياً.. ما القيمة التي يشكلها هذا المبلغ مقارنة بقطاعات أخرى؟
  • أسوأ أزمة في العالم تحدث في دولة عربية وسط صمت عالمي
  • مسئول أمريكي يحذر الدول التي ستحاول اعتقال نتنياهو
  • من هو محمد حيدر الذي تدعي إسرائيل استهدافه بغارة بيروت؟
  • بالفيديو.. لندن تشهد لقاء وتكريم أطول امرأة في العالم التركية روميسا التي تناولت الشاي مع أقصر امرأة بالعالم الهندية جيوتي