لجريدة عمان:
2025-04-07@16:33:15 GMT

إسرائيل: دولة بلا هويّة

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

الأوضاع السياسية في العالم تظل همًّا عامًّا من هموم الفكر، وما يحدث في حرب إسرائيل الوحشية على الشعب الفلسطيني، وليس على غزة وحدها، قد أصبح همًّا عامًا لدى كل شخص في العالم يحمل في قلبه شيئًا من الضمير الإنساني. ولذلك فإنني كلما هممت بالكتابة في موضوع من موضوعات الفكر، أجد أن هذا العدوان هو ما يلحّ على فكري ويدعوني إلى التأمل في شأن هذه الدولة الإسرائيلية التي تمارس العدوان الوحشي بصورة غير مسبوقة في التاريخ.

ومن بين الموضوعات التي لا تزال تلح على ذهني تأمل «أحوال اليهود في القرآن»، ومنها أيضًا مسألة «الهوية في دولة إسرائيل»، وهي موضوع هذا المقال.

وهناك مسائل أولية ينبغي التأكيد عليها منذ البداية، منها أن الهوية ليست شيئًا ثابتًا، وهي لا تكمن في الماضي فحسب، وإنما تكمن أيضًا في الحاضر الذي نصنعه، بل في المستقبل الذي نريده ونخطط له ونعمل من أجله، وهذا ما سبق أن فصلته في أكثر من مقال. ومما ينبغي التأكيد عليه أيضًا أن الهوية لا يمكن أن يشكلها الدين وحده، بل يشكلها أيضًا التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة. وبهذا المعنى يمكننا أن نتحدث على سبيل المثال عن الهوية المصرية، وأن نتحدث عن هذه الهوية باعتبارها جزءًا من هوية أوسع هي الهوية العربية. ولكننا- بهذا المعنى أيضًا- لا يمكن أن نتحدث عن «هوية إسرائيلية». وينبغي هنا التأكيد أيضًا على أن هذا لا يعني التقليل من شأن اليهود بما هم يهود، فما من شك في أن اليهود عبر العالم قد برعوا وأبدعوا في سائر مجالات الفكر والعلوم والاقتصاد والتجارة، ولعل الشتات الذي كان قدرهم التاريخي هو ما جعلهم يتميزون ويبدعون، وتلك ملاحظة عابرة ربما تستدعي مزيدًا من التأمل في سياقات أخرى.

عاش اليهود طيلة تاريخهم في شتات، ولم يجدوا شيئًا يلتحفون به سوى الدين، فلا أرض أو تاريخ يجمعهم؛ وبذلك شكلوا جماعات دينية منغلقة داخل كل دولة عاشوا فيها. ظل هذا هو الحال إلى أن نشأت حركة الصهيونية التي سعت إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. والواقع أن مفهوم «الصهيونية» قائم على استدعاء أساس ديني توراتي مفاده أن الرب وعد بني إسرائيل بإنهاء حالة الشتات التي يعيشونها بالعودة إلى «صهيون»، أي إلى «أرض إسرائيل». نشأت دولة صهيون أو دولة الصهاينة بقرار أممي مؤسس على وعد بلفور؛ ولذلك فإننا لا ينبغي أن نندهش من مؤازرة بريطانيا كدولة ضليعة -بجانب الولايات المتحدة- في حرب إسرائيل على الشعب الفلسطيني، وليس على غزة أو حماس وحدها كما يتم الترويج لتلك الأكذوبة التي باتت مكشوفة! ولكن الدول الحقيقية لا يمكن أن تنشأ بقرارات، حتى إن كانت قرارات دولية. نعم يمكن إعادة إنشاء وترسيم الحدود بين الدول بقرارات دولية، ولكن هذا لا شأن له بهوية شعب له تاريخ مشترك ويسكن أرضًا ما.

تسعى دولة إسرائيل إلى تأسيس نفسها على المشروع الصهيوني الذي كان يهدف في الأصل إلى لمّ شتات اليهود عبر العالم باعتبارهم يهودًا في المنفى ينبغي أن يتجمعوا لمصلحة دولة إسرائيل باعتبارها المركز، ولا يوافق على هذا أغلب اليهود المتدينين حول العالم الذين يؤمنون بأن الشتات هو قدرهم. وحتى داخل دولة إسرائيل نفسها، فإننا نجد حالة من الشتات والتشرذم وافتقاد البوصلة في البحث عن هوية لدولة إسرائيل، وهذا التشرذم يعبر عن نفسه في اتجاهات متعارضة فاعلة داخل الدولة نفسها، يمكن رصد أهمها فيما يلي:

-التوجه الديني القومي أو الصهيونية القومية، وهو تيار متطرف يمثله منذ سنة 1996 حزب الليكود الذي قام على نوع من التحالف بين القوى الدينية وقوى اليمين الديني المتطرف (الحريديم)، وهو الحزب الذي عاد إلى صدارة المشهد في حرب إسرائيل الوحشية على شعب فلسطين بهدف الإبادة. فهذا الحزب المتشدد يتبنى سياسة عدائية ضد غير اليهود في العالم، وبوجه خاص ضد العالم العربي؛ ولذلك فإنه يرفض عودة أراضي فلسطين المحتلة إلى شعبها، كما يرفض إعادة أرض الجولان إلى سوريا، ومع ذلك فإن هذا الحزب السائد الذي عمل على مداعبة مشاعر الإسرائيليين، يواجه الآن معضلة كبرى تهدد وجوده نفسه بحكم فشله الكبير في إخضاع الشعب الفلسطيني الذي أصبح يهدد وجود إسرائيل نفسها في ضوء المتغيرات الجديدة التي يعرفها الآن القاصي والداني.

- التوجه الديني الخالص الذي يسعى إلى تأسيس الهوية اليهودية الدينية، ويعبر عن هذا التوجه الأحزاب الدينية، والقوى الدينية غير الحزبية التي تعادي الصهيونية العلمانية، بل تعادي دولة إسرائيل نفسها.

- التيار العلماني الإنساني الذي يسعى إلى تأسيس دولة إسرائيل باعتبارها دولة جامعة للثقافات والأعراق المختلفة من أوروبا وروسيا وإثيوبيا وغيرها، وهو حزب أو تيار ربما يكون له حضور خارج إسرائيل، ولكن حضوره داخلها ضعيف.

وعلى الرغم من أن المشروع الصهيوني كان يهدف في الأصل إلى تأسيس هوية مشتركة جامعة لليهود تضم في باطنها الثقافات والأعراق المختلفة، فإن هذا المشروع قد آل إلى الفشل التام من خلال مكونات متضاربة تحتفظ كل منها بشرعيتها، منها: اليهودي، والعربي، والمتشددون دينيًّا، والقوميون الدينيون، والأصول العرقية المتباينة: كالروس والإثيوبيين؛ فضلًا عن الثقافات واللهجات المختلفة والمواقف المختلفة من الدولة نفسها. ومن أراد أن يرجع إلى كتاب رصين عن «إشكالية الهوية في إسرائيل»، فليرجع إلى كتاب الدكتور رشاد عبدالله الشامي الصادر سنة 1997 عن سلسلة «عالم المعرفة» بدولة الكويت.

خلاصة القول إن دولة إسرائيل ضائعة تبحث عن هوية لها في إطار شعب متشرذم بين ثقافات وعرقيات وأيديولوجيات متباينة ومتضاربة، ولعل انقسام الحكومة الإسرائيلية الحالي وثورة شعبها على سياسات قادتها يعبر عن هذه الأزمة بوضوح.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: دولة إسرائیل إلى تأسیس

إقرأ أيضاً:

من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟

في موقف شجاع ومؤثر، أصبحت المهندسة المغربية ابتهال أبو السعد حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن قاطعت احتفال شركة مايكروسوفت باليوبيل الذهبي لها، وذلك بسبب تورط الشركة في الدعم الإسرائيلي في الجرائم ضد الإنسانية في غزة. هذا الحادث أثار جدلاً واسعاً، إذ تحدت أبو السعد بشكل علني موقف شركتها وكشفت عن استخدام مايكروسوفت لتقنيات الذكاء الاصطناعي في دعم الهجمات العسكرية الإسرائيلية.خلال الاحتفال الذي أقيم بمناسبة مرور 50 عاما على تأسيس مايكروسوفت، وبينما كان المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي في الشركة مصطفى سليمان يتحدث، قاطعت أبو السعد كلمته قائلة: ‘عار عليك’، واتهمت الشركة ببيع أسلحة الذكاء الاصطناعي للجيش الإسرائيلي، وأضافت أن مايكروسوفت تساهم في الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة. كما عرضت على المسرح الكوفية الفلسطينية، رمز الدعم للشعب الفلسطيني، قبل أن يتم إخراجها من الفعالية.ابتهال أبو السعد هي مهندسة مغربية نشأت في الرباط، ودرست هندسة علوم الحاسب الآلي في جامعة هارفارد.

بعد تخرجها، انضمت إلى مايكروسوفت للعمل في قسم الذكاء الاصطناعي.
على الرغم من مسيرتها المهنية الواعدة، اختارت أن تضحي بمنصبها في الشركة من أجل الدفاع عن القضية الفلسطينية وكشف تورط مايكروسوفت في دعم الاحتلال.بعد الاحتجاج، تم منع ابتهال وزميلها فانيا أجراوال من الوصول إلى حساباتهما المهنية في مايكروسوفت، مما يشير إلى احتمال اتخاذ إجراءات تأديبية ضدهما.
وقد سبق هذا الحادث فصل خمسة موظفين آخرين من الشركة في فبراير الماضي بسبب احتجاجاتهم ضد دعم مايكروسوفت لإسرائيل.في أعقاب الاحتجاج، لاقت أبو السعد إشادة واسعة من العديد من الإعلاميين والنشطاء الحقوقيين عبر منصات التواصل الاجتماعي. وعبر الكثيرون عن دعمهم لموقفها الشجاع، معتبرين أن تصرفها يكشف عن حقيقة دعم شركات التكنولوجيا الكبرى للانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.يُذكر أن مايكروسوفت كانت قد تورطت في وقت سابق في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع شركة ‘أوبن إيه آي’، ضمن برنامج عسكري إسرائيلي لاختيار أهداف القصف في الحروب الأخيرة في غزة ولبنان، وهو ما أدى إلى مقتل العديد من الأبرياء، بما في ذلك أطفال.

صحيفة الخليج

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الهوية والجنسية تستعرض ثلاثة مشاريع في قمة AIM للاستثمار
  • “الهوية والجنسية” تستعرض نظام التعرفة الجمركية والإقامتين الذهبية والزرقاء في “AIM”
  • يجب استهداف الأماكن التي تنطلق منها المسيّرات المعادية في أي دولة كانت
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • الهوية والجنسية تستعرض نظام التعرفة الجمركية والإقامتين الذهبية والزرقاء في AIM
  • من هي ابتهال أبو السعد التي فضحت عملاق التكنولوجيا في العالم؟
  • ما هي خطة “الأصابع الخمسة” التي تسعى دولة الاحتلال لتطبيقها في غزة؟
  • رئيس الوزراء: امريكا ستخسر امام شعبنا الذي اذهل العالم
  • الإمارات الأولى عالمياً في ريادة الأعمال والأمان ومؤشرات الهوية الوطنية
  • حماس: لن ننقل "الرهائن" من المناطق التي طلبت إسرائيل إخلائها