لجريدة عمان:
2024-12-28@11:11:02 GMT

هل حقًا نضبت الأفكار العظيمة وأمهات الابتكار؟

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

في منتصف شهر مايو من عام 2020م ومع تصاعد وتيرة جائحة كوفيد-19 أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا عن إطلاق عملية الالتفات السريع (Operation Warp Speed OWS)، كانت هذه العملية في الأساس عبارة عن شراكة استراتيجية بين القطاعين العام والخاص لتسهيل وتسريع الاستجابة للوباء عبر تعزيز مسارات مبتكرة للتشخيص، ووضع بروتوكولات العلاج، وفي الوقت ذاته تطوير وتصنيع وتوزيع لقاحات فيروس كورونا، حقق البرنامج نجاحات بارزة على المستوى البحثي والعلمي والميداني، وفي نهاية شهر فبراير من عام 2021م تم نقل مهام عملية الالتفات السريع إلى مسؤوليات فريق إدارة الطوارئ والاستجابة لجائحة كوفيد-19 بالبيت الأبيض، وتُعد تجربة الولايات المتحدة الأمريكية هذه ضمن الممارسات الرائدة في إدارة الوباء، وكذلك لنجاحها في لفت انتباه واضعي السياسات إلى أهمية رفع الإنفاق على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي من منظور أن الجائحة قدمت حافزًا استثنائيًا لتمويل البحوث ذات الأولوية الاستراتيجية، وذلك بعد التباطؤ الكبير في تمويل البحث العلمي والتطوير التكنولوجي على مستوى العالم، فهل من الممكن استعادة شرارة الإبداع والابتكار والاختراع مثل تلك التي قادت في الماضي إديسون أو الأخوين رايت؟ أم هل نضبت أمهات الابتكار والاستكشافات العلمية المِفْصَلية في حياة الإنسان؟ في البدء تعالوا نتوقف عند محور استشراف مستقبل الابتكار في واحدة من أكثر الجلسات النقاشية جدلًا في المحيط الأكاديمي في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا في عام 2016م، وفيها تحاور اثنان من الأكاديميين البارزين في جامعة نورث وسترن وهما البروفيسور روبرت جوردون من كلية العلوم الاجتماعية، والبروفيسور جويل موكير أستاذ الاقتصاد والتاريخ، وكان النقاش حول السؤال الاستراتيجي التالي: «هل تجاوزت أمريكا أفضل سنوات النمو الاقتصادي القائم على المعرفة والابتكار؟»، أشار البروفيسور جوردون بأن الابتكارات الجذرية الفارقة مثل الكهرباء والطاقة النووية والسيارات والمضادات الحيوية ولقاح شلل الأطفال أحدثت تغييرات هائلة في حياة البشر، ولكن منذ عام 1970م لم تتغير حياة الإنسان بشكل ملحوظ، وجميع الابتكارات في المجمل هي بمثابة بناء وتطوير على ما هو في الأساس تكنولوجيا قديمة، بعكس ما كان عليه الوضع في عام 1900م حيث بدا كل تطوير حينها ممكنًا، ولم تكن هناك تحديات بعيدة عن متناول العلوم والتكنولوجيا والابتكار، فتربعت الولايات المتحدة على طليعة الابتكار، وحافظت على الصدارة طوال القرن الماضي، وأبهرت العالم بالتقدم العلمي المطرد بدءًا من الصناعات الحربية المتقدمة وانتهاء بالتكنولوجيا الطبية، وأجهزة الحاسوب الرقمية، والإنترنت، والهواتف الذكية، ويبقى السؤال الذي لا يزال يحيّر المفكرين والمؤرخين وصانعي السياسات حاضرًا وهو: كم مرة نسمع عن الاختراعات المذهلة اليوم؟ وهل تبقى مجال ما لم تصله حدود العلم والاستكشاف بعد، أو أن التقنيات المتقدمة قد وصلت إلى قمة حدودها المادية مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي؟ يتصدر موضوع مستقبل الابتكار وأثره على حياة البشر أجندات التخطيط الدولي، إذ تشير الأبحاث الاستطلاعية بأن معدل إنتاج الابتكارات الخارقة التي يمكنها تغيير حياة البشر بشكل جذري قد تباطأ فعليًا وبشكل كبير خلال العقدين الماضيين، ويؤثر هذا التباطؤ في معدل التطوير التكنولوجي الداعم للعديد من الصناعات، بما في ذلك تقنية الاتصالات، والذكاء الاصطناعي، كما أن واقع أداء المؤسسات الرائدة في الابتكار يعكس حقيقة أن الذكاء البشري قد حقق بالفعل معظم الإنجازات الأساسية في العلوم والتكنولوجيا، ففي السابق كان الباحثون والمبتكرون يحققون جزءًا من اختراعاتهم العلمية عن طريق «التجربة والخطأ» ولكن مع هذا التراكم العظيم للمعارف والمعلومات فإن الابتكارات الفارقة تتطلب الكثير من الوقت والتركيز الدقيق، والعقبة الكبرى أمام الابتكار تكمن في حقيقة أن الباحثين في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية يقعون بشكل لاإرادي تحت ضغوطاتٍ لإكمال ونشر أعمالهم البحثية حسب المدة الزمنية المحددة في العقود البحثية، مما يقلل من فرص تمويل إجراء الدراسات البحثية طويلة المدى لاستكشاف آفاق علمية جديدة كليًا، وفي الوقت نفسه، انخفضت مخصصات البحث والتطوير في الشركات الابتكارية في جميع دول العالم لأسباب مالية من تداعيات الركود الاقتصادي، مما أسهم في انحسار جهود البحث والتطوير في معظم التخصصات والمجالات المعقدة، وأسهم ذلك في صعود الشركات الناشئة الأكثر ذكاءً؛ تلك التي تعتمد على تقنية الاتصالات والمعلومات، والتي لم تتأثر بخفض التمويل والدعم والاهتمام.

وهذا يقودونا إلى سلسلة التكهنات السائدة في الأوساط العلمية والتكنولوجية والتي تتوقع سيناريو «غدًا أكثر إشراقًا»، حيث ستنشأ ثورة صناعية جديدة بصرف النظر عن ترتيبها الزمني، فقد تكون الخامسة من بعد الثورة الصناعية الرابعة التي يعيشها العالم، وقد لا تحمل رابطًا تسلسليًا لما قبلها من الثورات التكنولوجية، ولكنها سوف تكتسب مزايا وإمكانات الثورة الصناعية الحالية مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد والتقنيات المصاحبة للذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع أن يزداد في المقابل الذكاء البشري أكثر من أي وقت مضى، فالتطور التكنولوجي في المجالات الطبية سيفتح مجالات أوسع للوصول لفهمٍ أعمق للدماغ، والتركيز على معالجة أفضل لكل من مواضيع الصحة العقلية من جهة، ومشاكل الشيخوخة من جهة أخرى، مما سيتيح للإنسان حياة أطول وأكثر إنتاجية، وبذلك فإن سيناريوهات التفاعل بين الذكاء الفطري والذكاء الاصطناعي ستأخذ أبعادًا متباينة ومختلفة عن العلاقة التنافسية المتوقعة بناءً على معطيات الحاضر.

وإذا عدنا للوراء قليلًا نجد بأن نهايات القرن الماضي قد شهدت العديد من الجهود الفكرية والتحليلية لاستقراء مستقبل الابتكار، ففي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدى وصول التكنولوجيا الرقمية الجديدة والإنترنت إلى تغيير طريقة إدارة الأعمال، والنهج الريادي القائم على الابتكار، وظهرت العديد من المدارس الفكرية الرامية إلى إعداد الشركات والمؤسسات ورواد الأعمال لمواجهة التحديات الجديدة لعصر المعلومات، وفي مقدمتهم بيل جيتس؛ المؤسس الشريك لشركة مايكروسوفت، الذي لخّص عصارة تجاربه وآرائه في كتابه «الأعمال في سرعة الفكر» كنافذة تاريخية فريدة لصناعة المستقبل عبر التحليل الاستراتيجي للدور الحاسم الذي ستلعبه الابتكارات التكنولوجية، وتوقع جيتس في كتابه هذا الكثير من الملامح الحالية لعالم الأعمال من حيث الديناميكية العالية التي فرضت على الشركات التكييف السريع والمرن، ومركزية الاستثمار في التكنولوجيا الرقمية لمواكبة التدفق الهائل للمعلومات والبيانات، وبالفعل بدأت الشركات العملاقة في تمكين الاستثمار في العناصر الأساسية، مثل أجهزة الحواسيب والشبكات واتصالات البريد الإلكتروني، ولكن في الواقع لم تحصل الشركات إلا على ما نسبته 20% من الفوائد المتوقعة، مما يعني أنها لم تنجح في توظيف التكنولوجيا المتاحة لها حينذاك بالطريقة الأكثر فعالية، وهذا يعطينا درسًا مهما في أهمية اقتناص فرص النمو مع تحقيق أقصى درجات الاستفادة من الممكنات الحالية، وعدم التريث لحين اكتمال التطور التكنولوجي، لا يوجد أمد معروف لاكتمال التطور العلمي والتكنولوجي، وإنما يجب فهم الاتجاهات العامة ثم تحديد الخطوات الذهبية التي يمكنها أن تحقق الطموحات بأقصر الطرق وأقل الموارد، وهنا جاءت فكرة «النظام العصبي الرقمي» الذي كان السبب الرئيس وراء قدرة شركة ميكروسوفت (Microsoft) على التكيف مع التغييرات الخارجية في عالم الأعمال بالمرونة الكافية والسرعة المطلوبة، ولم يكن بيل جيتس أو حتى أي من كبار المسؤولين التنفيذيين الآخرين هم الذين اكتشفوا إمكانات الإنترنت والبيانات في ربط أداء الشركة عبر التدفق السلس للبيانات مثل وظائف الجهاز العصبي في جسم الإنسان، بل يعود الفضل إلى مجموعة صغيرة من الموظفين المتفانين الذين حددوا هذا الاتجاه كأفضل الحلول الرقمية للتكييف وأثبتوا نجاحهم، وهذا النهج ينطبق على جميع مجالات الابتكار، فالبشرية لا تعاني من العجز الابتكاري ولا حاجة للبحث عن أفكار عظيمة للابتكارات التكنولوجية الجذرية، فإن أعظم ابتكاراتنا على هذه الأرض ماثلة في تفاصيل الحياة اليومية، وفي إدراكنا لواقعنا الحقيقي، والواقع الافتراضي الذي يمكننا خلقه عبر التقنيات المتاحة، ولكن ما ينقص هذه المعادلة هو توظيف هذه الابتكارات التي أنتجها العقل البشري، وتسخير قوة التكنولوجيا في معالجة التحديات العميقة على هذا الكوكب، فكل ما يمكن اختراعه قد تم اختراعه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

رحلة الابتكار: كيف تدعم البيانات تحقيق رؤية السعودية 2030

الرياض : البلاد

في لقاء حصري مع المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة Innovation360 ماغنوس بنكر، خلال مؤتمر القيادة السنوي الذي عُقد في مركز الملك عبدالله المالي (كافد)، تحدث عن مسيرته الطويلة في عالم الابتكار. بدأ رحلته من خلال مشاريع متخصصة في معالجة اللغات الطبيعية، حيث ركز على تطوير تقنيات عالية المستوى لتحليل البيانات. وأوضح قائلاً: “أدركت أن الأفكار المبدعة لا تضمن النجاح بمفردها. لذا، قررت تكريس حياتي لدعم المبتكرين ومساعدتهم على تحويل أفكارهم إلى إنجازات ملموسة”.

أشار المؤسس إلى أن شركته تستهدف المساهمة في تحقيق أهداف الأمم المتحدة لعام 2030 من خلال أدوات وبيانات مبتكرة. وأوضح: “نحن ندرك أن التحديات العالمية لا يمكن مواجهتها بجهود فردية، لذا نركز على تدريب العقول وتقديم أدوات قادرة على حل المشكلات الكبرى التي تواجه المجتمعات”.

تطرق أيضًا إلى أهمية المؤتمر السنوي في كافد، موضحًا أن المشاركة جاءت بدعوة خاصة من إدارة المركز، الذي يُعد نموذجًا فريدًا لدعم رؤية المملكة 2030 في تعزيز جودة الحياة. وعلق قائلاً: “تمحورت مشاركتي حول الاستفادة من البيانات لتعزيز القيادة وبناء ثقافة الابتكار داخل المؤسسات، وهو مجال نمتلك فيه قاعدة بيانات هي الأكبر عالميًا”.

قدمت Innovation360 ورشة عمل مستندة إلى بيانات مقارنة بين السعودية ودول أخرى مثل الإمارات والصين، مما أتاح استخلاص رؤى حول الطموحات والتحديات التي تواجهها كل دولة. وأوضح: “السعودية تتفوق في العديد من المؤشرات، لكن هناك حاجة لمزيد من التركيز على معالجة عدم اليقين، وهو عامل أساسي في إدارة الابتكار”.

وخلال الجلسة، شارك المؤسس منهجيات تساعد القادة على تحليل عدم اليقين، مشيرًا إلى أهمية اتخاذ نهج أنثروبولوجي لفهم سلوكيات العملاء بدلاً من الاكتفاء بآرائهم الظاهرة. وصرح قائلاً: “إن تعزيز تجربة العملاء من خلال أساليب مبتكرة هو أساس الابتكار والتفوق في المنافسة العالمية”.

عبّر المؤسس عن انبهاره بأجواء المؤتمر وانفتاح المشاركين، مشيرًا إلى أن التجربة فاقت توقعاته. وأضاف: “رغم أنني زرت السعودية من قبل، إلا أن هذه المشاركة أكدت لي ضرورة تأسيس فرع جديد لنا في المملكة. نحن نخطط للقيام بهذه الخطوة الاستراتيجية خلال العام المقبل لتقديم دعم أكبر لعملائنا هنا”.

أشار المؤسس إلى تحدي الفجوة بين النخبة والمجتمع العام في السعودية، مؤكدًا أن هذا التحدي قابل للحل من خلال استراتيجيات مبتكرة تتجاوز التعليم التقليدي. وقال: “تعليم مهارات التعامل مع عدم اليقين، وتعزيز ثقافة المسؤولية، وتمكين الأفراد من تحقيق أهداف تدريجية هي خطوات ضرورية لبناء قدرات مستدامة”.

اختتم المؤسس حديثه بالإشادة برؤية السعودية 2030، مؤكدًا أنها تتميز بدعم شعبي واسع وهو ما يُعد ميزة فريدة. وأضاف: “الرؤية القوية هي حجر الأساس لأي تقدم، والسعودية لديها فرصة استثنائية لتحويل طموحاتها إلى واقع ملموس، خاصة مع التزام الجميع بالعمل المشترك لتحقيق هذه الأهداف”.

مقالات مشابهة

  • مسابقة لطلاب الجامعات والمعاهد لإنتاج فيديوهات للتوعية بمخاطر الأفكار الهدامة
  • لطلاب الجامعات والمعاهد.. إطلاق مسابقة «معًا» لإنتاج محتوى للتوعية بمخاطر الأفكار الهدامة
  • هيئة تنمية المجتمع تختتم معسكر الابتكار الشتوي
  • “أرحومة” يجتمع بمدراء بعض الشركات التي قدمت خدماتها للجنة الطوارئ لمدينة سبها ومدن الجنوب الغربي
  • داعية: "الصلاة العظيمة" دعاء يعبر عن حب عميق للنبي
  • 5 محافظات تعقد امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 بنظام البوكليت| وأمهات مصر: القرار يقلل الغش ونطالب بتعميمه
  • رحلة الابتكار: كيف تدعم البيانات تحقيق رؤية السعودية 2030
  • صنعاء.. الإعلان عن بدء صرف الدورة الثالثة من مشروع إعاشة آباء وأمهات الشهداء والمفقودين
  • بدء صرف الدورة الثالثة من مشروع إعاشة آباء وأمهات الشهداء والمفقودين
  • جامعة الدلتا التكنولوجية تنظم ندوة "ريادة الأعمال ودعم الأفكار الإبتكارية