حتى أواخر القرن السابع عشر، كان الأطباء ينظرون إلى الحنين باعتباره "اضطرابا نفسيا يعاني منه شخص يفضل الضياع في الماضي على حساب الحاضر، ويتم علاجه بإرسال المرضى إلى منازلهم وتهديدهم بالألم والرعب"، بحسب صحيفة "أتلانتيك".

حتى صاغ العالم السويسري يوهانس هوفر في أطروحته الطبية عام 1688، شعور الحنين في كلمة "نوستالجيا" (Nostalgia)، كمصطلح مشتق من ملحمة هوميروس "الأوديسة"؛ يتكون من كلمات يونانية تعني "العودة للوطن" (Nostos) و"الألم" (Algos).

ومؤخرا كتب عالم الأعصاب الأميركي ريتشارد سيما، في عموده العلمي بصحيفة "واشنطن بوست"، واصفا الحنين إلى الماضي الجميل؛ بأنه "عاطفة أصيلة في الفطرة الإنسانية، يشعر بها الناس من جميع الأعمار والثقافات في أحيان كثيرة؛ عندما يجدون أنفسهم يسترجعون الذكريات المشتركة مع العائلة والأصدقاء، أو يحنون للاستماع إلى موسيقاهم المفضلة أو البحث في الصور القديمة؛ كطريقة رائعة للتجول في دروب الذاكرة، ترتبط بصحة عقلية أفضل، ومستقبل أكثر إشراقا".

وهو ما أكده تيم وايلدشوت، أستاذ علم النفس في جامعة "ساوثهامبتون" البريطانية في نفس المقال، قائلا "إن الانغماس في الحنين، والغوص في الماضي؛ مفيد للرفاهية وتحفيز النفس، والسعي لتحقيق الأهداف المهمة، وإضفاء معنى على الحياة، والشعور باستمراريتها وبالارتباط بها".

الحنين يجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر ارتباطا اجتماعيا (بيكسلز) لماذا نحتاج الحنين إلى الماضي؟

على مدى العقود القليلة الماضية، كشفت الأبحاث عن 3 وظائف رئيسية للحنين إلى الماضي، هي:

زيادة الترابط الاجتماعي

يقول أستاذ علم النفس الدكتور كلاي روتليدج، "إن الحنين يفعل أكثر من مجرد استدعاء الذكريات والتماس العزاء عندما تكون الحياة صعبة، فهو يلهمنا القدرة على تحسين حياتنا وحياة الآخرين"؛ فقد وجدت الدراسات أن "الحنين يزيد من ضبط النفس والثقة بالنفس، وتعزيز الهدف والمرونة والتفاؤل والإبداع والسلوك الاجتماعي الإيجابي".

كما تُظهر الدراسات أن "الحنين يجعل الناس يشعرون بأنهم أكثر ارتباطا اجتماعيا"، حيث يُحَفّز الباحثون الحنين "عن طريق مطالبة المشاركين بالتفكير والكتابة عن الذكريات الجميلة أو الاستماع إلى الموسيقى المرتبطة بها".

ويقول دكتور وايلدشوت، إن تفكير المشاركين باعتزاز في الأوقات الماضية مع أحبائهم، "يُعد طريقة لتقريبهم من بعضهم". وإمعانا في الدهشة يضيف "حتى لو كانوا بعيدين جسديا، أو متغيبين لبعض الوقت، فيمكن للحنين إلى الماضي استحضارهم إلى الواقع؛ مما يُعمّق شعورنا بالارتباط والحب".

أيضا، من المثير للاهتمام أن الدراسات تُفرّق "بين الحنين الذي يُحقق فوائد نفسية قوية من خلال قدرته على ربطنا بأحبائنا وبأنفسنا؛ وبين مجرد اجترار الماضي دون تفكير أو تأمل".

وتشير الأبحاث إلى أنه "عندما يُطلب من الناس الانخراط في التفكير بالحنين إلى الماضي، فإنهم يميلون إلى استحضار تجارب عزيزة تتعلق بأحبائهم، مما يزيد من إدراك أن حياتهم ذات معنى".

ويتفق المشاركون على أن ذكريات الحنين هي "ذكريات عميقة وذات أهمية وجودية"، حيث أشار 73% منهم إلى أن أفضل وصف لذكريات الحنين لديهم هو أنها "ذكريات اجتماعية تتضمن العائلة والأصدقاء المقربين"؛ ويعتقد 84% منهم أن "ذكريات الحنين بالنسبة لهم، تذكرهم بالأمور الأكثر أهمية في حياتهم".

استرجاع الذكريات ورواية القصص عن حياتنا، يعززان إحساسنا بالاستمرارية الذاتية (شترستوك) تحقيق الاستمرارية

يعزز استرجاع الذكريات ورواية القصص عن حياتنا، إحساسنا بالاستمرارية الذاتية، "وهو أمر مهم لرفاهيتنا العقلية، ومصدر للإلهام والتحفيز، والسعي لتحقيق أي أهداف مهمة للمستقبل"، كما تقول الدكتورة فيربون تشيونغ، عالمة النفس الاجتماعي بجامعة وينشستر البريطانية؛ موضحة أن "هذا قد يكون هو السبب في ميلنا لتكرار سرد قصص الماضي مع أشخاص آخرين نحبهم".

أيضا، غالبا ما يتم تصوير الحنين على أنه مجرد ترفيه خفيف، أو حاجز عقلي يحول بيننا وبين العيش بشكل كامل في الحاضر والتخطيط للمستقبل؛ رغم أن "جنون الحنين اليوم بالنسبة لجميع الأجيال، لا يتعلق بالماضي، بقدر ما يتعلق بمستقبل أكثر إشراقا"؛ كما يقول دكتور روتليدج.

ويؤكد روتليدج أن "أعظم قوة للحنين هي قدرته على مساعدتنا في التخطيط لمستقبلنا"، مستندا إلى مجموعة متزايدة من الأبحاث العلمية التي تكشف أن "الحنين هو مصدر نفسي قوي، يساعدنا على تغيير حياتنا نحو الأفضل"؛ بحسب ما ذكره موقع "فورتشن".

أعظم قوة للحنين هي قدرته على مساعدتنا في التخطيط لمستقبلنا (بيكسابي) الشعور بالمعنى

فمن خلال تعزيزه للترابط الاجتماعي والاستمرارية الذاتية، "يساعدنا الحنين في إضفاء معنى أكبر على الحياة، والتأقلم في الأوقات المضطربة"، بحسب إحدى الدراسات التي أجريت عام 2019، وشارك فيها دكتور وايلدشوت. كما أفادت دراسة أجريت عام 2022، بأن الكتابة عن حدث يثير الحنين لمدة دقيقتين أسبوعيا، توفر غطاء نفسيا فعالا في مواجهة الأزمات الكبرى.

ويرى الدكتور روتليدج، أن "الحنين يتعلق في الحقيقة بالحاضر والمستقبل أكثر من الماضي، فهو يعمل على تحسين رفاهيتنا عندما نمر بأوقات عصيبة، ويغذي إبداعنا، والأهم من ذلك، أنه يشجعنا على العيش بشكل أكثر يقظة في الحاضر، والتعامل مع المستقبل بأمل وهدف".

وقد توصل بحث أجراه إلى أن "الناس غالبا ما يلجؤون إلى الحنين عندما يعانون من حالات نفسية مؤلمة، مثل الحزن والوحدة وانعدام المعنى". وأرجع ذلك إلى أن "الحنين له تأثير مهدئ خلال الأوقات الصعبة"؛ واتفق 77% من المشاركين على أن "ذكريات الحنين هي مصدر للراحة عندما تكون الحياة صعبة".

لهذا، تقول الدكتورة تشيونغ "إن الحنين يمكن أن يساعدنا على التأقلم في الأوقات المضطربة"، بسبب ما يرتبط به من تجارب إيجابية في الماضي، تجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا، وبأن الحنين "هو أحد الأسلحة التي نمتلكها للاستعانة بها في تنظيم عواطفنا خلال أوقات التحدي".

الكتابة عن حدث يثير الحنين لمدة دقيقتين أسبوعيا، توفر غطاء نفسيا فعالا في مواجهة الأزمات الكبرى (بيكسابي)

وتشير إلى أن الحنين يعيدنا إلى الوراء في الوقت المناسب من خلال تنشيط "الذاكرة السريعة"، ليفتح الطريق أمامنا "لنتطلع للغد ونمضي قُدُما"؛ وذلك لأن الذكريات المتعلقة بالأوقات السعيدة "لا تساعدنا على الشعور بالرضا في الوقت الحالي فحسب، ولكنها أيضا تكون مصدرا للإلهام والتحفيز إلى متابعة تحقيق أهدافنا وتكوين صداقات مهمة للمستقبل".

وقد وجدت دراسة أجريت عام 2021، وشارك فيها دكتور وايلدشوت أيضا، "أن المشاركين الأكثر حنينا إلى الماضي، كانوا أكثر عرضة لطلب المساعدة عندما يحتاجون إليها".

وقالت الدكتورة تشيونغ، إن معرفة فوائد الحنين إلى الماضي، يمكن أن تدفعنا لتأسيس "بنك ذاكرة إيجابية أكبر"، من خلال تذوق تلك اللحظات فور حدوثها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: عندما ی من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

هل يتحول واتساب إلى أقوى منصة ذكاء اصطناعي في العالم؟ ومن سيقف خلفها ؟

في خطوة استراتيجية تُعزز تبنّي الذكاء الاصطناعي عالميًا، أعلن أرافيند سرينيفاس -المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لـ Perplexity AI- عن إتاحة منصته الشهيرة عبر واتساب، والذي يُتيح لمليارات المُستخدمين الوصول إلى إجابات ذكية دون الحاجة إلى تنزيل تطبيقات إضافية أو حتى تسجيل الدخول.

يأتي هذا الإطلاق في خضم مُنافسة شرسة بين عمالقة التكنولوجيا مثل ChatGPT وغيرها، لكن تكامل Perplexity مع واتساب يمنحه ميزة فريدة، خاصةً في المناطق التي تُهيمّن فيها المنصة على مشهد الدردشة، مثل أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأفريقيا.

 

ما هو Perplexity AI؟

Perplexity AI ليس مُحرك بحث تقليدي، بل هو منصة ذكاء اصطناعي مُركّزة على تقديم إجابات دقيقة وموثّقة مُباشرةً، دون إغراق المُستخدم بالروابط. يعتمد على نماذج مُتطورة تُحاكي أداء ChatGPT، لكن مع تركيز أكبر على المصادر الموثوقة والتحديث الفوري للمعلومات.

يتوفر حاليًا على iOS وأندرويد ومتصفحات الويب، بالإضافة إلى تكامله مع تليجرام وX (تويتر سابقًا).

كيف يعمل Perplexity AI على واتساب؟

بدون تعقيدات: لا يحتاج المستخدم إلى تنزيل أي تطبيق أو إنشاء حساب، للبدء فورًا:

 

احفظ الرقم +1 (833) 436–3285 في جهات اتصالك.

ابحث عنه في واتساب.

أرسل رسالة عبر واتساب (من الهاتف أو الكمبيوتر)، واطرح سؤالك لتحصل على إجابة فورية دون عناء!

وظائف مُتعددة:

الإجابة على الأسئلة المفتوحة والاستفسارات الواقعية.

إجراء بحوث موثوقة مع توفير روابط المصادر.

تلخيص المقالات الطويلة أو المُستندات المُعقدّة.

إنشاء صور ذكاء اصطناعي من خلال الأوامر النصية.

 

أهمية تكامل Perplexity مع واتساب

الوصول الشامل: يستخدم واتساب أكثر من ملياريّ شخص، كثير منهم في دول نامية تعتمد على الهواتف الذكية محدودة الإمكانيات.

توفير البيانات والمساحة: يُلغي الحاجة إلى تطبيقات مُنفصلة، وهذا يُقلّل استهلاك التخزين واستهلاك الإنترنت.

تعزيز الثقافة الرقمية: يُترجم المعلومات المُعقدّة إلى إجابات بسيطة لسد الفجوة المعرفية.

منصة موحدّة: يُحوّل واتساب إلى مركز معرفي يُقدم ذكاءً اصطناعيًا دون مُغادرة الدردشات اليومية.

 

ميزات مُستقبلية مُنتظرة

كشف سرينيفاس عن أنّ التكامل الحالي هو مُجرّد البداية، حيث ستُضاف قريبًا ميزات مثل:

الوضع الصوتي للتفاعل دون استخدام اليدين.

إنشاء ميمات ذكاء اصطناعي للترفيه.

مُلخصات الفيديوهات للتحقق من المعلومات.

وضع المساعد لإدارة المهام والتذكيرات.

دعم المجموعات (مُستقبلًا) لتحويل الدردشات الجماعية إلى مساحات تعلُّم وتعاون.

من المُستفيد من هذه الخدمة؟

الطلاب: للبحث عن المعلومات أو تلخيص المواد الدراسية.

المُحترفون: لاستخلاص رؤى وإحصائيات سريعة أو التحقق من البيانات.

الصحفيون: للعثور على المصادر وتمييز الأخبار الكاذبة.

المسافرون: للحصول على نصائح حول الوجهات أو تحويل العملات.

أصحاب الأعمال: لإنشاء مُحتوى تسويقي أو الرد على استفسارات العملاء.

تأثير تكامل Perplexity مع واتساب على الذكاء الاصطناعي

 

يُشير اندماج Perplexity مع واتساب إلى تحوُّل جوهري في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث:

الذكاء الاصطناعي يصبح غير مرئي: يندمج في التطبيقات اليومية بدلًا من كونه أداة مُنفصلّة.

التجربة تُصبح أكثر سلاسة: تفاعلات مُباشرة دون حاجز التثبيت أو التسجيل.

الاعتماد الجماعي: يصبح الذكاء الاصطناعي في مُتناول الفئات غير التقليدية، مثل كبار السن أو محدودي التقنية.

بإتاحة Perplexity على واتساب، لم تعد الحاجة إلى أجهزة مُتطورة أو اشتراكات مُكلفة عائقًا أمام الوصول إلى المعرفة. هذه الخطوة تُعيد تعريف التفاعل مع التكنولوجيا، حيث تختفي الأدوات المُعقدّة لتحل محلها تجارب بشرية طبيعية مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

بهذا التكامل، يُثبت Perplexity أنّ مُستقبل الذكاء الاصطناعي ليس في التطبيقات المُنعزلّة، بل في الدمج الذكي مع حياتنا اليومية

 

مقالات مشابهة

  • 230 مليون درهم تسلمها 18 ألف عامل عبر محكمة أبوظبي العمالية العام الماضي
  • هل يتحول واتساب إلى أقوى منصة ذكاء اصطناعي في العالم؟ ومن سيقف خلفها ؟
  • سومو:أكثر من (106) مليون برميل نفط الصادرات العراقية خلال الشهر الماضي
  • يحبون اللساتك أكثر من منازلهم. لم يظهروا عندما نُهبت ممتلكاتهم، وعندما شُردت أسرهم
  • النفط تعلن عن الإحصائية النهائية للكميات المصدرة خلال آذار الماضي
  • الأورومتوسطي: 94 %على الأقل من ضحايا الإبادة بغزة الأسبوع الماضي مدنيون
  • علماء ناسا يكتشفون مصدرا غير متوقع للمياه على سطح القمر
  • 3.5 مليون مسافر عبر مطارات سلطنة عُمان بنهاية مارس الماضي
  • رئيس جامعة بورسعيد: نعمل على جعل قطاع البيئة مصدرا للاستثمار بالجامعة
  • مصر.. حفل داخل قصر أثري يتحول إلى كارثة