لجريدة عمان:
2025-01-24@09:39:09 GMT

سردية النمو الأخضر التقدمي

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

مع توجه الناخبين في 76 دولة إلى صناديق الاقتراع في عام 2024، فإن هذا العام هو عام تحطيم الأرقام القياسية بالنسبة للديمقراطية. ومع ذلك، فهو يتزامن مع ارتفاع مثير للقلق في الشعبوية اليمينية التي تلقي باللائمة بشكل متزايد على السياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ باعتبارها السبب وراء الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها الناخبون، وعلى الرغم من الإمكانات الواضحة للمبادرات الخضراء من أجل تعزيز الدخل والإنتاجية والنمو الاقتصادي، فإن اليسار التقدمي يكافح من أجل صياغة سردية مضادة مقنعة.

إذا استمر الانقسام الزائف بين الازدهار الاقتصادي والاستدامة البيئية، فإن التحول الأخضر سوف يفتقر إلى الدعم السياسي الذي يحتاج إليه لتحقيق النجاح.

لو نظرنا إلى النقاش الدائر حاليا في المملكة المتحدة حول خطة الازدهار الأخضر التي أقرها حزب العمال بقيمة 28 مليار جنيه إسترليني (35.5 مليار دولار أمريكي)، والتي قدّمها كأداة رئيسية «لجعل بريطانيا قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة»، لوجدنا أنه بدلًا من التركيز على المبالغ التي سيتم إنفاقها، يجب أن تركز النقاشات على ما الذي نحتاجه لإكمال المهمة المذكورة. ليس الهدف هو حل المشكلة من خلال إنفاق الأموال مع الأمل بأن تسير الأمور بشكل جيد؛ بل يجب تقديم استراتيجية لحشد استثمارات ضخمة من القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق هدف جماعي.

ولكي يجعل حزب العمال من الطاقة النظيفة محركا لاستراتيجياته الصناعية والمالية والإبداعية، فإنه يحتاج إلى سردية جديدة بحيث يتعين عليه أن يُظهر بأن الحكومة المصممة على إنجاز المهمة سوف تعمل مع الشركات للاستثمار والابتكار بطريقة تركّز على تحقيق النتائج، وهذا سوف يؤدي إلى مهارات جديدة ووظائف ومكاسب في الإنتاجية وأجور أعلى.

يستطيع حزب العمال أن يدعم قضيته من خلال ست حجج. أولا، لا ينبغي أن يكون هناك أي مفاضلة بين العمل المناخي والنمو الاقتصادي. تتمتع المملكة المتحدة بصناعة خضراء وأسواق رأسمالية ضخمة يمكنها الاستفادة منها من خلال استثمارات القطاع العام الموجهة نحو تحقيق أهدافها. سوف تبلغ قيمة الصناعات الخضراء أكثر من 10 تريليونات دولار على مستوى العالم بحلول عام 2050، وفي المملكة المتحدة تنمو هذه الصناعات بمعدل أسرع بمقدار أربعة أضعاف مقارنة ببقية الاقتصاد. عندما يكون لدى الاستثمار العام مهمة واضحة، سيكون قادرًا على خلق أسواق جديدة وحشد الاستثمار الخاص وزيادة القدرة التنافسية على المدى الطويل، ويعد قطاع الصلب الأخضر في ألمانيا مثالا جيدا حيث يدين بالفضل لنموه إلى برنامج القروض الخضراء التابع للبنك العام الألماني، والذي ساعد في خلق سوق جديدة تماما للصلب الذي يتسم بالكفاءة في استخدام الكربون.

ثانيًا، يمثل تمويل المناخ استثمارًا وليس تكلفة، ومن الممكن أن تعمل السياسات الموجهة نحو تحقيق الأهداف على حشد استثمارات القطاع الخاص وذلك من خلال زيادة القدرة الإنتاجية للشركات وتحفيز النشاط الاقتصادي عبر القطاعات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة إيجابية الآن وفي المستقبل. لقد تطلبت مهمة أبولو التابعة لناسا والهبوط على سطح القمر البحث والتطوير ليس فقط في مجال تكنولوجيا الفضاء الجوي ولكن أيضًا في مجال التغذية والمواد والإلكترونيات والبرمجيات. إن الهواتف المزودة بكاميرات وبطانيات القصدير وحليب الأطفال وبرامج الكمبيوتر ليست سوى عدد قليل من مئات الابتكارات التي لا تزال تفيدنا حتى اليوم.

من الممكن أن تعمل استراتيجيات معالجة تغير المناخ على إعادة خلق هذا النمط من خلال الاستثمارات في البنية الأساسية، والنقل، والزراعة، والطاقة، والابتكار الرقمي. إن البلدان التي كانت سبّاقة في استخدام الطرق الموفرة للطاقة من أجل إنتاج الصلب والأسمنت بالإضافة إلى أساليب أنظف لاستخراج المعادن الرئيسية سوف تصبح أكثر قدرة على المنافسة مع تطبيع المعايير الخضراء. كما أن الاقتصاد الرقمي الذي يساعد القطاعات على التحول إلى الاقتصاد الأخضر سوف يجذب الاستثمار العالمي، وبالمثل، يتطلب برنامج الوجبات المدرسية الذي يضمن الوصول إلى وجبات غداء صحية ولذيذة ومستدامة لجميع الأطفال مشتريات عامة تركّز على تحقيق النتائج والتعاون مع الشركات الخضراء المحلية عبر سلسلة الإمدادات الغذائية.

ثالثًا، تتطلب المهمات تمويلًا صبورًا وطويل الأجل ومتحملًا للمخاطر بحيث يمكنه أن يحشد أشكالًا أخرى من التمويل ويدفع التغييرات التحويلية في مراحل مختلفة من دورة الابتكار والأعمال. إذا تم تنظيم التمويل العام بشكل جيد، فإنه قادر على تشكيل بل وخلق الأسواق من خلال توجيه القروض والمنح والضمانات والأدوات القائمة على الديون والأسهم نحو الشركات الراغبة في الاستثمار في حل مشاكل محددة، وعلى الرغم من تقديم هذا المصطلح في كثير من الأحيان كشكل من أشكال «التخلص من المخاطر»، فإن هناك خطأ في فهم المغزى الحقيقي حيث تتطلب هذه الحالات خوض المخاطر، وبالتالي آليات لتقاسم المخاطر والمكاسب.

أما بالنسبة للطاقة المتجددة ففي كثير من الأحيان استثمرت بنوك التنمية الوطنية في مختلف أنحاء العالم في محافظ استثمارية تشتمل على تقنيات عالية المخاطر تشق طريقها نحو التسويق التجاري القابل للتطوير، فمن خلال قيادة المشاريع بالمراحل المبكرة وذات المخاطر العالية والتي تتطلب رأسمالا كبيرا، يصبح بوسع التمويل العام أن يعمل كمستثمر الملاذ الأول، وليس مقرض الملاذ الأخير وأن يؤدي دورا بالغ الأهمية في خلق وتشكيل أسواق خضراء جديدة.

رابعًا، إن قدرات القطاع العام مهمة حيث تتطلب مهمة الطاقة النظيفة الوطنية الطموحة حكومات وطنية وإقليمية ومحلية واثقة وكفؤة ومجهزة تجهيزًا جيدًا بحيث تعمل معًا من أجل استخدام أدوات مثل المشتريات والاستثمارات الموجهة نحو تحقيق النتائج، ومن أجل نشر وتشغيل خطة المناخ التي تبلغ قيمتها 28 مليار جنيه إسترليني بشكل فعال، تحتاج المملكة المتحدة إلى المهارات المناسبة في كل من الصناعات الخضراء وفي مؤسسات القطاع العام، ومع ذلك، أصبحت العديد من الحكومات، بما في ذلك في المملكة المتحدة، تعتمد بشكل مفرط على الشركات الاستشارية الكبرى التي تعتمد نماذج الأعمال الاستخراجية مما أدى إلى تقزم قدرة الدولة، ومع قيام حزب العمال بزيادة اعتماده على الاستشاريين بمقدار أربعة أضعاف، فإن من الواضح أن من الضروري تغيير المسار.

خامسًا، يتطلب التحول الأخضر العادل عقدًا اجتماعيًّا جديدًا وهذا يعني إعادة تعريف الشراكة الاعتيادية بين الحكومة وقطاع الأعمال، وفي حين أن معدلات الربح مرتفعة على مستوى العالم، فإن معدلات الاستثمار ليست كذلك، وذلك بسبب تزايد أهمية قطاع التمويل والأعمال على حساب القطاعات الأخرى، وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يذهب 20% فقط من التمويل إلى الاقتصاد الإنتاجي؛ ويتدفق الباقي إلى مجالات التمويل والتأمين والعقارات التي تتسم بقدر أكبر من المضاربة.

بالإضافة إلى سياسات إعادة التوزيع (مثل ضريبة الثروة التصاعدية)، فإن وضع المصلحة العامة في قلب الاقتصاد يتطلب تدابير إضافية قبل التوزيع. على سبيل المثال، ينبغي لحزب العمال تضمين شروط في خطة الازدهار الأخضر لضمان قدرة المستهلكين على الوصول إلى السلع والخدمات، أو تقاسم الأرباح الناتجة عن الدعم العام مع مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة، بما في ذلك العمال.

يجب على الشركات التي تتلقى الدعم الحكومي أن تلتزم بإعادة استثمار أرباحها في الابتكار الأخضر وتحسين ظروف العمل والأجور، وكما أظهر انتصار اتحاد عمال السيارات المتحدين مؤخرا في الولايات المتحدة، فإن النقابات العمالية هي ذات أهمية بالغة لضمان أن يؤدي تخضير الاقتصاد إلى تحسين المهارات، وأن الزيادات في الإنتاجية تقابلها أجور أعلى.

وأخيرًا، يجب أن يُنظر إلى خطة الـ 28 مليار جنيه استرليني على أنها استثمار في المستقبل المالي للبلاد، وعلى الرغم من أن الاستثمار العام قد يؤدي إلى زيادة العجز على المدى القصير، فإن التوسع الاقتصادي الذي يعمل على تخضير القدرة الإنتاجية في التصنيع والخدمات من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. لم يؤد التقشف المالي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية إلى إضعاف النسيج الاجتماعي فحسب، بل وأيضا إلى إضعاف الاقتصاد وإمكانات نموه (كما فعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي أدى إلى انخفاض حجم السوق بالنسبة للصناعات في المملكة المتحدة)، ومن خلال إنشاء مركز ديناميكي للاستثمار الأخضر والابتكار في مختلف قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك الخدمات العامة مثل التنقل المستدام، تستطيع الحكومة التي تركّز على تحقيق المهمات أن تعمل على تحسين الوضع المالي للبلاد على المدى الطويل، وبالنسبة للمناخ والمجتمع على حد سواء، فإن التقاعس عن العمل هو الخيار الأكثر تكلفة. وتشمل مصادر التمويل السندات الخضراء البريطانية -السندات الحكومية المصممة خصيصًا للمبادرات الخضراء- فضلا عن الإصلاحات المقترحة لقواعد المحاسبة العامة التي عفا عليها الزمن في المملكة المتحدة، وفي الوقت الحالي، يتم احتساب القروض المقدمة من البنوك الاستثمارية الحكومية كجزء من الدين العام الإجمالي، في حين أن العائدات التي تحققها للدولة لا يتم احتسابها.

يؤدي هذا الأمر الغريب إلى تضخيم أرقام الدين العام بشكل مصطنع، وببساطة، من خلال مواءمة قواعدها مع المعايير العالمية، تستطيع المملكة المتحدة الاستفادة من البنوك العامة، مثل بنك البنية التحتية في المملكة المتحدة، بشكل أكثر فعالية.

ومع وجود العديد من الانتخابات هذا العام، فإن سردية التقدم الأخضر تعد ضرورية، ومن أجل إقناع الناخبين، يتعين عليها أن تُظهر كيف يمكن للاستثمارات العامة والخاصة الجديدة التي تهدف إلى تحقيق نتائج مفيدة اجتماعيا وبيئيا أن تعمل على مضاعفة النمو على مستوى الاقتصاد بالكامل، وهو أمر مفيد للناس والكوكب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی المملکة المتحدة حزب العمال أن یؤدی أن تعمل من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

خطة النواب: التعاون مع فولفو يعزز الاقتصاد الأخضر ويدعم الموازنة

أكدت النائبة مرفت ألكسان، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أن التعاون المرتقب بين مصر ومجموعة فولفو لتصنيع الشاحنات والسيارات الكهربائية يمثل خطوة نوعية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وتعزيز الاقتصاد الأخضر.

وأشارت ألكسان في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد، إلى أن استثمارات بهذا الحجم تسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وزيادة الإنتاج المحلي، مما يخفف الأعباء على الموازنة العامة للدولة، خصوصاً في ظل تنامي الطلب العالمي على وسائل النقل الكهربائية.

الاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز لمصر لتوسيع 

وأضافت أن هذه الشراكة تدعم خطط الدولة لجعل مصر مركزاً إقليمياً للتصنيع والتصدير، ما يعزز الإيرادات العامة ويخلق فرص عمل جديدة، إلى جانب الاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز لمصر لتوسيع النفاذ إلى الأسواق الأفريقية والدولية.

وشددت ألكسان على أهمية الاستعداد الكامل من خلال تطوير البنية التحتية وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع الاستثمارات في هذا القطاع الواعد، مؤكدة أن رؤية الدولة الطموحة نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر ستنعكس إيجاباً على استدامة النمو وتحقيق أهداف التنمية الشاملة.

التقى اليوم الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، مع جينز هولتينجر، نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة فولفو لعمليات الشاحنات، وذلك ضمن أجندة مشاركته نيابة عن الرئيس عبدالفتاح السيسي، في فعاليات المنتدى الاقتصادى العالمي "دافوس 2025" بسويسرا،

وشارك في اللقاء المهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، والسفير محمد نجم، سفير مصر لدى سويسرا.

وفي مستهل اللقاء، أشاد الدكتور مصطفى مدبولي، بالخطوات الكبيرة التي حققتها مجموعة فولفو في تصنيع الشاحنات والسيارات الكهربائية، والنجاح الذي أحرزته في هذا المجال، مشيراً إلى تطلع الحكومة المصرية للتعاون مع المجموعة؛ في ضوء توجه مصر الرامي للتوسع في استخدام وسائل النقل الكهربائية من السيارات والشاحنات لخدمة الأهداف البيئية.

وأعرب رئيس الوزراء عن تطلعه لتوسيع قاعدة التعاون مع مجموعة فولفو، لافتاً إلى أن هذا اللقاء يأتي بهدف الاستماع لوجهة نظر المجموعة حول فرص دعم التعاون الثنائي.

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة المصرية تتطلع لأن تصبح مصر مركزا إقليميا للمجموعة لتصنيع السيارات والشاحنات الكهربائية، خاصة في ظل الفرص الكبيرة للتصدير للدول المُجاورة، وبخاصة للقارة الأفريقية، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية مستعدة لتوفير مختلف الحوافز والمزايا؛ لزيادة استثمارات الشركة في مصر، وتحقيق هذا الهدف.

من جانبه، نوه نائب الرئيس التنفيذي لمجموعة فولفو لعمليات الشاحنات، إلى استعداد الشركة للتعاون مع مصر في مجال تصنيع السيارات والشاحنات الكهربائية، مؤكداً أن المجموعة ترصد وجود استعداد وفرص واسعة للتعاون مع مصر في هذا المجال.

واستعرض جينز هولتينجر، الإمكانات والقدرات الكبيرة لدى المجموعة في مجال تصنيع السيارات والشاحنات الكهربائية وإتاحتها للعديد من الأسواق العالمية، في ظل الاهتمام العالمي بالتوسع في هذا النمط من وسائل النقل الكهربائية، موضحاً أهمية الأخذ في الاعتبار البنية التحتية المتواجدة في الدولة عند الاتجاه لتصنيع السيارات الكهربائية.

مقالات مشابهة

  • أبرز رسائل وزيرة التخطيط بوسائل الإعلام الإقليمية والدولية بمنتدى دافوس
  • المشاط: استقرار الاقتصاد والإصلاحات الهيكلية والتمويل من أجل التنمية ركائز لجذب الاستثمار
  • وزيرة التخطيط: محفز النمو الاقتصادي والتنمية يمكن مصر من الانضمام لمبادرة هامة
  • وزيرة التخطيط: الاستفادة من خبرات المنتدى الاقتصادي العالمي
  • عاجل | وزير المالية: مصر تعتمد على اقتصاد متنوع.. وتنفيذ صفقات كبرى الفترة المقبلة
  • وفد المملكة في دافوس يستعرض تطور السعودية في مختلف المجالات
  • “التجارة”: قطاع المعلومات والاتصالات يحقق نموًا بـ19% خلال العام 2024
  • 40 شركة كندية تبدي استعدادها للاستثمار بالقطاع الصحي في المملكة
  • خطة النواب: التعاون مع فولفو يعزز الاقتصاد الأخضر ويدعم الموازنة
  • ما الوعود التي أطلقها «ترامب» خلال حملته الإنتخابية؟