لجريدة عمان:
2025-04-07@04:52:06 GMT

سردية النمو الأخضر التقدمي

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

مع توجه الناخبين في 76 دولة إلى صناديق الاقتراع في عام 2024، فإن هذا العام هو عام تحطيم الأرقام القياسية بالنسبة للديمقراطية. ومع ذلك، فهو يتزامن مع ارتفاع مثير للقلق في الشعبوية اليمينية التي تلقي باللائمة بشكل متزايد على السياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ باعتبارها السبب وراء الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها الناخبون، وعلى الرغم من الإمكانات الواضحة للمبادرات الخضراء من أجل تعزيز الدخل والإنتاجية والنمو الاقتصادي، فإن اليسار التقدمي يكافح من أجل صياغة سردية مضادة مقنعة.

إذا استمر الانقسام الزائف بين الازدهار الاقتصادي والاستدامة البيئية، فإن التحول الأخضر سوف يفتقر إلى الدعم السياسي الذي يحتاج إليه لتحقيق النجاح.

لو نظرنا إلى النقاش الدائر حاليا في المملكة المتحدة حول خطة الازدهار الأخضر التي أقرها حزب العمال بقيمة 28 مليار جنيه إسترليني (35.5 مليار دولار أمريكي)، والتي قدّمها كأداة رئيسية «لجعل بريطانيا قوة عظمى في مجال الطاقة النظيفة»، لوجدنا أنه بدلًا من التركيز على المبالغ التي سيتم إنفاقها، يجب أن تركز النقاشات على ما الذي نحتاجه لإكمال المهمة المذكورة. ليس الهدف هو حل المشكلة من خلال إنفاق الأموال مع الأمل بأن تسير الأمور بشكل جيد؛ بل يجب تقديم استراتيجية لحشد استثمارات ضخمة من القطاعين العام والخاص من أجل تحقيق هدف جماعي.

ولكي يجعل حزب العمال من الطاقة النظيفة محركا لاستراتيجياته الصناعية والمالية والإبداعية، فإنه يحتاج إلى سردية جديدة بحيث يتعين عليه أن يُظهر بأن الحكومة المصممة على إنجاز المهمة سوف تعمل مع الشركات للاستثمار والابتكار بطريقة تركّز على تحقيق النتائج، وهذا سوف يؤدي إلى مهارات جديدة ووظائف ومكاسب في الإنتاجية وأجور أعلى.

يستطيع حزب العمال أن يدعم قضيته من خلال ست حجج. أولا، لا ينبغي أن يكون هناك أي مفاضلة بين العمل المناخي والنمو الاقتصادي. تتمتع المملكة المتحدة بصناعة خضراء وأسواق رأسمالية ضخمة يمكنها الاستفادة منها من خلال استثمارات القطاع العام الموجهة نحو تحقيق أهدافها. سوف تبلغ قيمة الصناعات الخضراء أكثر من 10 تريليونات دولار على مستوى العالم بحلول عام 2050، وفي المملكة المتحدة تنمو هذه الصناعات بمعدل أسرع بمقدار أربعة أضعاف مقارنة ببقية الاقتصاد. عندما يكون لدى الاستثمار العام مهمة واضحة، سيكون قادرًا على خلق أسواق جديدة وحشد الاستثمار الخاص وزيادة القدرة التنافسية على المدى الطويل، ويعد قطاع الصلب الأخضر في ألمانيا مثالا جيدا حيث يدين بالفضل لنموه إلى برنامج القروض الخضراء التابع للبنك العام الألماني، والذي ساعد في خلق سوق جديدة تماما للصلب الذي يتسم بالكفاءة في استخدام الكربون.

ثانيًا، يمثل تمويل المناخ استثمارًا وليس تكلفة، ومن الممكن أن تعمل السياسات الموجهة نحو تحقيق الأهداف على حشد استثمارات القطاع الخاص وذلك من خلال زيادة القدرة الإنتاجية للشركات وتحفيز النشاط الاقتصادي عبر القطاعات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات غير مباشرة إيجابية الآن وفي المستقبل. لقد تطلبت مهمة أبولو التابعة لناسا والهبوط على سطح القمر البحث والتطوير ليس فقط في مجال تكنولوجيا الفضاء الجوي ولكن أيضًا في مجال التغذية والمواد والإلكترونيات والبرمجيات. إن الهواتف المزودة بكاميرات وبطانيات القصدير وحليب الأطفال وبرامج الكمبيوتر ليست سوى عدد قليل من مئات الابتكارات التي لا تزال تفيدنا حتى اليوم.

من الممكن أن تعمل استراتيجيات معالجة تغير المناخ على إعادة خلق هذا النمط من خلال الاستثمارات في البنية الأساسية، والنقل، والزراعة، والطاقة، والابتكار الرقمي. إن البلدان التي كانت سبّاقة في استخدام الطرق الموفرة للطاقة من أجل إنتاج الصلب والأسمنت بالإضافة إلى أساليب أنظف لاستخراج المعادن الرئيسية سوف تصبح أكثر قدرة على المنافسة مع تطبيع المعايير الخضراء. كما أن الاقتصاد الرقمي الذي يساعد القطاعات على التحول إلى الاقتصاد الأخضر سوف يجذب الاستثمار العالمي، وبالمثل، يتطلب برنامج الوجبات المدرسية الذي يضمن الوصول إلى وجبات غداء صحية ولذيذة ومستدامة لجميع الأطفال مشتريات عامة تركّز على تحقيق النتائج والتعاون مع الشركات الخضراء المحلية عبر سلسلة الإمدادات الغذائية.

ثالثًا، تتطلب المهمات تمويلًا صبورًا وطويل الأجل ومتحملًا للمخاطر بحيث يمكنه أن يحشد أشكالًا أخرى من التمويل ويدفع التغييرات التحويلية في مراحل مختلفة من دورة الابتكار والأعمال. إذا تم تنظيم التمويل العام بشكل جيد، فإنه قادر على تشكيل بل وخلق الأسواق من خلال توجيه القروض والمنح والضمانات والأدوات القائمة على الديون والأسهم نحو الشركات الراغبة في الاستثمار في حل مشاكل محددة، وعلى الرغم من تقديم هذا المصطلح في كثير من الأحيان كشكل من أشكال «التخلص من المخاطر»، فإن هناك خطأ في فهم المغزى الحقيقي حيث تتطلب هذه الحالات خوض المخاطر، وبالتالي آليات لتقاسم المخاطر والمكاسب.

أما بالنسبة للطاقة المتجددة ففي كثير من الأحيان استثمرت بنوك التنمية الوطنية في مختلف أنحاء العالم في محافظ استثمارية تشتمل على تقنيات عالية المخاطر تشق طريقها نحو التسويق التجاري القابل للتطوير، فمن خلال قيادة المشاريع بالمراحل المبكرة وذات المخاطر العالية والتي تتطلب رأسمالا كبيرا، يصبح بوسع التمويل العام أن يعمل كمستثمر الملاذ الأول، وليس مقرض الملاذ الأخير وأن يؤدي دورا بالغ الأهمية في خلق وتشكيل أسواق خضراء جديدة.

رابعًا، إن قدرات القطاع العام مهمة حيث تتطلب مهمة الطاقة النظيفة الوطنية الطموحة حكومات وطنية وإقليمية ومحلية واثقة وكفؤة ومجهزة تجهيزًا جيدًا بحيث تعمل معًا من أجل استخدام أدوات مثل المشتريات والاستثمارات الموجهة نحو تحقيق النتائج، ومن أجل نشر وتشغيل خطة المناخ التي تبلغ قيمتها 28 مليار جنيه إسترليني بشكل فعال، تحتاج المملكة المتحدة إلى المهارات المناسبة في كل من الصناعات الخضراء وفي مؤسسات القطاع العام، ومع ذلك، أصبحت العديد من الحكومات، بما في ذلك في المملكة المتحدة، تعتمد بشكل مفرط على الشركات الاستشارية الكبرى التي تعتمد نماذج الأعمال الاستخراجية مما أدى إلى تقزم قدرة الدولة، ومع قيام حزب العمال بزيادة اعتماده على الاستشاريين بمقدار أربعة أضعاف، فإن من الواضح أن من الضروري تغيير المسار.

خامسًا، يتطلب التحول الأخضر العادل عقدًا اجتماعيًّا جديدًا وهذا يعني إعادة تعريف الشراكة الاعتيادية بين الحكومة وقطاع الأعمال، وفي حين أن معدلات الربح مرتفعة على مستوى العالم، فإن معدلات الاستثمار ليست كذلك، وذلك بسبب تزايد أهمية قطاع التمويل والأعمال على حساب القطاعات الأخرى، وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، يذهب 20% فقط من التمويل إلى الاقتصاد الإنتاجي؛ ويتدفق الباقي إلى مجالات التمويل والتأمين والعقارات التي تتسم بقدر أكبر من المضاربة.

بالإضافة إلى سياسات إعادة التوزيع (مثل ضريبة الثروة التصاعدية)، فإن وضع المصلحة العامة في قلب الاقتصاد يتطلب تدابير إضافية قبل التوزيع. على سبيل المثال، ينبغي لحزب العمال تضمين شروط في خطة الازدهار الأخضر لضمان قدرة المستهلكين على الوصول إلى السلع والخدمات، أو تقاسم الأرباح الناتجة عن الدعم العام مع مجموعة أوسع من أصحاب المصلحة، بما في ذلك العمال.

يجب على الشركات التي تتلقى الدعم الحكومي أن تلتزم بإعادة استثمار أرباحها في الابتكار الأخضر وتحسين ظروف العمل والأجور، وكما أظهر انتصار اتحاد عمال السيارات المتحدين مؤخرا في الولايات المتحدة، فإن النقابات العمالية هي ذات أهمية بالغة لضمان أن يؤدي تخضير الاقتصاد إلى تحسين المهارات، وأن الزيادات في الإنتاجية تقابلها أجور أعلى.

وأخيرًا، يجب أن يُنظر إلى خطة الـ 28 مليار جنيه استرليني على أنها استثمار في المستقبل المالي للبلاد، وعلى الرغم من أن الاستثمار العام قد يؤدي إلى زيادة العجز على المدى القصير، فإن التوسع الاقتصادي الذي يعمل على تخضير القدرة الإنتاجية في التصنيع والخدمات من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي. لم يؤد التقشف المالي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية إلى إضعاف النسيج الاجتماعي فحسب، بل وأيضا إلى إضعاف الاقتصاد وإمكانات نموه (كما فعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والذي أدى إلى انخفاض حجم السوق بالنسبة للصناعات في المملكة المتحدة)، ومن خلال إنشاء مركز ديناميكي للاستثمار الأخضر والابتكار في مختلف قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك الخدمات العامة مثل التنقل المستدام، تستطيع الحكومة التي تركّز على تحقيق المهمات أن تعمل على تحسين الوضع المالي للبلاد على المدى الطويل، وبالنسبة للمناخ والمجتمع على حد سواء، فإن التقاعس عن العمل هو الخيار الأكثر تكلفة. وتشمل مصادر التمويل السندات الخضراء البريطانية -السندات الحكومية المصممة خصيصًا للمبادرات الخضراء- فضلا عن الإصلاحات المقترحة لقواعد المحاسبة العامة التي عفا عليها الزمن في المملكة المتحدة، وفي الوقت الحالي، يتم احتساب القروض المقدمة من البنوك الاستثمارية الحكومية كجزء من الدين العام الإجمالي، في حين أن العائدات التي تحققها للدولة لا يتم احتسابها.

يؤدي هذا الأمر الغريب إلى تضخيم أرقام الدين العام بشكل مصطنع، وببساطة، من خلال مواءمة قواعدها مع المعايير العالمية، تستطيع المملكة المتحدة الاستفادة من البنوك العامة، مثل بنك البنية التحتية في المملكة المتحدة، بشكل أكثر فعالية.

ومع وجود العديد من الانتخابات هذا العام، فإن سردية التقدم الأخضر تعد ضرورية، ومن أجل إقناع الناخبين، يتعين عليها أن تُظهر كيف يمكن للاستثمارات العامة والخاصة الجديدة التي تهدف إلى تحقيق نتائج مفيدة اجتماعيا وبيئيا أن تعمل على مضاعفة النمو على مستوى الاقتصاد بالكامل، وهو أمر مفيد للناس والكوكب.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی المملکة المتحدة حزب العمال أن یؤدی أن تعمل من خلال من أجل

إقرأ أيضاً:

بوابة العالم.. هذا الميناء في المملكة المتحدة لا يزال مسكونًا بذكريات سفينة تيتانيك المشؤومة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قد يُنظر إلى هذه المدينة باعتبارها مجرّد ميناء عادي، لكنها شكّلت بوابةً للعالم منذ نشأتها.

لعب الميناء دورًا في تأسيس أمريكا الحديثة، وصولًا لما يُعتبر الليلة الأشد ظلمة في تاريخ الملاحة البحرية.

وساهم أيضًا في ولادة صناعة الرحلات البحرية الحديثة، وهي صناعة عملاقة تُقدَّر بمليارات الدولارات.

سفينتا الرحلات البحرية "Marella Explorer 2" و"Silver Spirit" في ساوثهامبتون.Credit: Peter Titmuss/Education Images/Universal Images Group/Getty Images

تقع مدينة ساوثهامبتون في خليجٍ محمي على الساحل الجنوبي لإنجلترا، وكانت ملاذًا لسفن تحمل التجار، والمهاجرين، والسياح، والغزاة من وإلى المدينة لما يقرب من ألفي عام.

في مطلع القرن العشرين، استغلت المدينة صناعة السفن العابرة للمحيطات.

وسرعان ما أصبحت مرادفةً للسفر العالمي، حيث تدفق ثلاثة ملايين مسافر عبر ميناء ساوثهامبتون العام الماضي.

لكن الأمور لم تكن سلسة دائمًا، حيث تنطوي قصة ساوثهامبتون على زوار غير مرغوبين، وشبح مأساة سيئة السمعة، ومستقبل يتطلب تغييرات جذرية.

سيف ذو حدين استُخدِمت مدينة ساوثهامبتون، الواقعة على الساحل الجنوبي لإنجلترا، كميناء لمدة ألفي عام.Credit: Simon Dawson/Bloomberg/Getty Images

أثبتت حقيقة رؤية ساوثهامبتون كـ"بوابة إلى العالم" أنّها سيف ذو حدين. 

وكتب المؤرخ برنارد نولز في كتابه "ساوثهامبتون: البوابة الإنجليزية" الصادر في عام 1951 أن "المدينة كانت مركزًا عصبيًا فرديًا يمكن للعدو ضربه بتأثير قاتل محتمل".

خلال أوقاتٍ أكثر صعوبة، نجت المدينة من حملات غزو متكرّر قام به الدنماركيون، والفلمنكيون، والفرنسيون.

عصر السفن العابرة للمحيطات رسمة لزيارة الملكة فيكتوريا إلى ساوثهامبتون لافتتاح "حوض الإمبراطورة" (Empress Dock) في عام 1890.Credit: The Print Collector/Heritage Images/Getty Images

في عام 1842، شيدت ساوثهامبتون أولى الأرصفة فيها، وكان عصر السفن البخارية في بداياته.

وكانت ساوثهامبتون في موقعٍ مميز لهذه الصناعة الناشئة، حيث اعتُبر التنافس الشرس حافزًا للتطور. 

بينما كانت المنافسة محتدمة بين شركات الشحن البريطانية، والألمانية، والأمريكية، والإيطالية، والفرنسية على جائزة "الشريط الأزرق"، وهي جائزة لمن يعبر المحيط الأطلسي بشكلٍ أسرع، أصبحت الراحة على متن السفن ضرورية أيضًا.

السلالم الشهيرة على متن سفينة "تيتانيك".Credit: Pictures from History/Universal Images Group Editorial/Getty Images

وتم تركيب مطاعم فاخرة، ومكتبات، وصالات رياضية، ومسابح على متن السفن الأجدد، وأصبح حساء السلاحف عنصرًا أساسيًا ضمن قوائم طعام فئة الدرجة الأولى.

وكانت ساوثهامبتون على مسار العديد من هذه "القصور العائمة".

سفينة الأحلام صورة لسفينة "تايتانيك" في ساوثهامبتون قبل رحلتها المشؤومة في أبريل/نيسان من عام 1912.Credit: Stocktrek Images, Inc./Alamy Stock Photo

مقالات مشابهة

  • المملكة ترأس الاجتماع الثالث بالدرعية.. لجنة صندوق النقد تناقش تعزيز استقرار الاقتصاد العالمي
  • مدير عام فرع وزارة الخارجية بمنطقة مكة المكرمة يستقبل القنصل العام للولايات المتحدة الأمريكية المعين لدى المملكة
  • قرادة محذراً: الاقتصاد الليبي سيواصل التدهور نحو شيوع الفقر العام
  • رئيس وزراء فرنسا: رسوم جمركية أمريكية قد تُهدد النمو الاقتصادي في البلاد
  • عمومية المصرف المتحد تعتمد المركز المالي 2024 وتناقش خطط النمو والتوسع المستقبلية
  • الدرعية تستضيف الاجتماع الثالث لوكلاء اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية برئاسة المملكة
  • البلدان الفقيرة والناشئة.. الخاسر الأكبر من ارتفاع الرسوم الجمركية.. واشنطن تسعى لابتزاز الدول.. وتستخدم الكثير من وسائل الضغط الدبلوماسية والاقتصادية
  • الأمم المتحدة: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض أمريكا رسوما جمركية جديدة
  • جيه بي مورجان: رسوم ترامب الجمركية تجر الاقتصاد الأمريكي إلى الركود
  • بوابة العالم.. هذا الميناء في المملكة المتحدة لا يزال مسكونًا بذكريات سفينة تيتانيك المشؤومة