لجريدة عمان:
2024-07-06@19:49:28 GMT

حين يضجر الكاتب من الأدب

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

حين يضجر الكاتب من الأدب

هل يمكننا الهروب من علّة (سبب) وجودنا، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالكتابة؟ هل يمكننا فهم جوهر الكائنات بمجرد مشاهدتها حيّة، والتعبير من خلال الكتابة، عن ماهيتها الحقيقية؟ هل يمكن للكاتب أن يشعر بالضجر من «مهنته» وأن يتخذ في «لحظة إشراقية» ربما قرار التوقف عن التأليف للبحث عن بديل آخر؟

هذه هي الأسئلة الأساسية التي تطرحها رواية الكاتب الإيطالي أليساندرو باريكو «مستر جوين» (نقلتها إلى العربية أماني فوزي حبشي، «منشورات الجمل») صحيح هي أسئلة «كلاسيكية»، مثلها مثل موضوعات الرواية كلها، إلا أنها تعكس بعمق اهتمامات باريكو، الذي يرسم ذلك عبر شخصية رئيسية خيالية ومحببة، شخصية منجذبة إلى التشويق اللذيذ تجعل من العمل ممتعًا للغاية وتحثنا على القراءة ليتبين لنا في النهاية أنها أقل طيشا بكثير ممّا كنّا نجدها عليه مع بداية الكتاب أو على الأقل كما تخيلنا ذلك.

تبدأ الرواية من اللحظة التي يقرر فيها الكاتب الإنجليزي جاسبر جوين البالغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا أن يتوقف عن الكتابة. كان سبق له أن نشر ثلاث روايات وكتاب ومقالات بحثية وقصتين قصيرتين أكسبته نجاحا شعبيا ونقديا كبيرا، ما جعله يبدو على «الموضة» في إنجلترا (وإن كان غير معروف كثيرًا في أي مكان آخر) ليتسابق عليه الجميع؛ ومع ذلك كان غير راضٍ عن حياته، إذ قد سئم من الكتابة، وأدرك «بوضوح مذهل» أن ما يفعله لم يعد يرضيه، لذا نشر مقالة (عبارة عن قائمة) في صحيفة الجارديان ذكر فيها اثنين وخمسين أمرًا وعد نفسه بأنه لن يفعلها بعد الآن، وآخر هذه الأمور: التوقف عن تأليف الكتب.

اعتبر وكيله الأدبي و«محرره» وصديقه، توم بروس شيبرد، هذا البيان بمثابة استفزاز؛ لم يأخذ كلامه على محمل الجد ولكن عندما اتصل بالكاتب، فهم أن الأمر لم يكن كذلك: كان جوين مصممًا تمامًا ولا رجعة عمّا قاله، بل أضاف صراحة بأن «الكتابة عن الأذى قد انتهت». يشعر المحرر بالمأزق والحيرة في كيفية أن يتعامل مع التقلبات المزاجية لواحد من كتّابه المفضلين، عندها يبدأ بممارسة الضغط عليه لثنيه عن هذا القرار، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.

شيئًا فشيئًا، ومع هذا الشعور بالحرية الذي لفه، بدأ جوين يشعر بنوع من فراغ لا يمكن إدارته بسهولة. بدأ بالافتقاد إلى فعل الكتابة البسيط. شعر بعذاب الحنين إلى هذا الجهد اليومي لترتيب أفكاره في شكل جملة مستقيمة. ببساطة لم يكن يعرف ماذا سيفعل بعد ذلك؟ لماذا لا تُصبح مترجمًا أو دليل سفر؟ يقول له وكيله: لا. الإجابة الواضحة الوحيدة التي تتبادر إلى ذهنه هي أن يكون ناسخا، أي كتابة الصور الشخصية. نزل عليه «هذا الوحي» أثناء زيارة مرتجلة لمعرض تُعرض فيه الصور؛ لقد اتضح الأمر في ذهنه: سيكون ناسخًا، وسيرسم أيضًا صورًا، ولكن بأدواته التي هي الكلمات. صورا نهائية لعارضات أزياء عاريات في بيئة تجبرهن على الكشف عن أنفسهن...

خياره هذا كان بمثابة بحث عن وسائل جديدة للتعبير ولهذا الغرض، بحث عن ورشة عمل، واهتم بالإضاءة والصوت والديكور، ثم انطلق في البحث عن الموديلات. إنها بداية تجربة غير عادية ستضع الكاتب التائب تحت الاختبار القاسي. أعتقد أنه يتوجب عليّ أن أتوقف عن المزيد من الكشف عن تفاصيل الرواية، لكي نسمح لأنفسنا بقراءتها والشعور بالدهشة من خيال أليساندرو باريكو، ومن شخصياته غير المحتملة في كثير من الأحيان، التي تقترب أحيانًا من الرسوم الكاريكاتورية وذلك كي تساعدنا بشكل أفضل على اكتشاف حقيقة ما يرمي إليه في الختام: كيف «كلّ واحد منا هو صفحة كتاب» بل أنه كتاب «لم يكتبه أحد من قبل، والذي نبحث عنه عبثًا في رفوف عقولنا».

ما يلفت في هذه الرواية القصيرة مسار هذا الكاتب الذي يبحث عن «مهنة أخرى»، مسار يتميز بالبطء والأصالة في البحث عن صور فريدة من نوعها لن تصبح موضوعا لأي منشور، بل من أجل البحث عن هذه الحميمية الأصلية والتجريبية الموجودة في هؤلاء الأشخاص العشرة الذين يبحثون عن أنفسهم والذين يبحث المؤلف عنهم كي يرسم صورهم «بحرفية». هنا إطار القص العام وجوهر اللُحمة الذي يربط الكلام ببعضه البعض.

يقدم لنا باريكو في روايته هذه، غوصًا مثيرًا للاهتمام في أعمق أعماق الكاتب، الذي يجب عليه يومًا ما أن يفعل من منطلق الالتزام، وتحت الضغط، ما فرض نفسه عليه في البداية كضرورة. إنه أيضًا قبول القيود، وثمن النجاح، وصعوبة التعبير عن الذات في سجل آخر غير ذلك الذي يتوقعه الجمهور، وعدم الفهم... أن ينتهي الأمر بكراهية ما أردناه أكثر من كل شيء. أن ندرك أنه على الرغم من كل شيء، تظل الكتابة هي السبب الوحيد لوجودنا، وأنه يجب علينا إعادة اختراع هذه الممارسة.

في أي حال لا تشكل الرواية «رثاء» طفل مدلل. بل هي في الواقع بحث عن طرق جانبية، أكثر خطورة من الطرق المطروقة، وأكثر ثراءً أيضًا بالمشاعر الجديدة والتي تزيل قضبان سجن الملاءمة. نحن بعيدون عن جمع أسرار كاتب خائب الأمل، فالخيال خصب ينجذب القارئ رغم نفسه إلى هذه المغامرة التي تعرف كيف تتجنب الانتظار والمفاجأة عند مطلع الفصل؟

ما هو الفنان؟ يتساءل أليساندرو باريكو في هذه الرواية المثيرة والأنيقة بشكل كبير. للإجابة على هذا السؤال، يدعونا لمتابعة رحلة السيد جوين، التي هي في جزء منها عبارة عن لعبة متطورة، والجزء الآخر مغامرة كوميدية. وإذا أعطانا مفتاح لغز جوين، فمن الطبيعي أن تكون النتيجة غير متوقعة.

يتعامل أليساندرو باريكو مع قلمه بالشعر والمهارة ويغمرنا في رواية مثيرة للاهتمام ولكنها دقيقة على أقل تقدير. فهو يصور بذكاء مفاهيم الكتابة وسحر الكلمات، والفن بشكل عام، الوجود والظهور، وكذلك الحب والصداقة. هذه الرواية، النفاذة والخيالية والأعمق مما تبدو، لها سحر لا يمكن إنكاره وهي رسالة حب حقيقية للأدب، إذ تبدو وكأنها مكتوبة في لحظة خالصة من السعادة الأدبية.

يأخذنا باريكو إلى رحلة في التفكير في عمل الكاتب، من التشبع إلى قلة الإلهام إلى الانتحال. لذا تبدو شخصية السيد جوين وكأنها تبحث عن الكمال الذي قد لا يأتي إلا بالابتعاد عن سبب وجودنا لننخرط فيه بطريقة أخرى. وهنا مفارقة الفن العظيم في أحيان كثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

جموع الأردنيين في الرمثا لمؤازرة الكاتب أحمد حسن الزعبي / صور وفيديو

#سواليف – خاص

تداعى الأردنيون مساء اليوم السبت من جميع محافظات ومناطق الأردن الى اجتماع دعت له عشيرة العبدالرزاق الزعبي ، وذلك لمؤازرة الكاتب أحمد حسن الزعبي ، والذي تم توقيفه يوم الاثنين الماضي لتنفيذ حكم بالسجن لمدة نة على خلفية قضية رأي وتعبير ، حيث تم نقل الكاتب الزعبي الى سجن ماركا .

وشارك بالحضور الى الاجتماع فعاليات شعبية ووطنية وحزبية ، تأكيدا لرفضهم اعتقال الزعبي الذي يمثل نبض الوطن ونبض الشعب الأردني ، والمتحدث الرسمي عن أوجاع المواطنين .

ومنذ اليوم الاول لاعتقال الزعبي ، رفض الاردنيون جميع ما تعرض له الزعبي من ممارسات بسبب تعبيره عن الرأي ، وتبنيه لقضايا المواطنين ، وأكدوا على ضرورة تعديل مواد قانون الجرائم الالكترونية الذي بات سيفا مسلطا على رقاب المواطنين ويهددهم بالاعتقال والتوقيف لمجرد التعبير عن الرأي الذي كفله الدستور .

مقالات ذات صلة طوارئ بصفوف الديمقراطيين.. تحركات لحث بايدن على الانسحاب من الرئاسيات 2024/07/06

واكدت هيئة الدفاع عن الكاتب الزعبي، أنه خلال 11 شهرا ومنذ صدور الحكم بتغليظ الحكومة عليه بالسجن عاما ، باءت جميع محاولات هيئة الدفاع بالفشل ، لتمييز الحكم الصادر بحقه ، واستبدال عقوبة السجن بعقوبة مجتمعية .

جموع الأردنيين في الرمثا لمؤازرة الكاتب أحمد حسن الزعبي pic.twitter.com/EvCP74YDc6

— fadia miqdadai (@fadiamiqdadi) July 6, 2024

مقالات مشابهة

  • جموع الأردنيين في الرمثا لمؤازرة الكاتب أحمد حسن الزعبي / صور وفيديو
  • حول رواية أشلاء.. تأملات عابرة
  • تمرد على الدكتاتورية.. قادري رحل دون أن يحني رأسه (بورتريه)
  • مِنَ الزُّهد إلى الأدب
  • الكتابة في زمن الحرب (28):  التغيير الفعال
  • أمل الثقافة ودورها
  • جلسة حوارية تناقش القيم الفكرية والأدبية لفلسطين
  • صفقة خطيرة أبرمها السيسي تُدخل مصر عقدا مظلما.. ما المقابل؟
  • صفقة خطيرة أبرمها السيسي تُدخل مصر عقدا مظلما
  • صفقة خطيرة أبرمها السيسي تضع تدخل مصر عقدا مظلما