لجريدة عمان:
2025-04-25@21:30:17 GMT

حين يضجر الكاتب من الأدب

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

حين يضجر الكاتب من الأدب

هل يمكننا الهروب من علّة (سبب) وجودنا، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالكتابة؟ هل يمكننا فهم جوهر الكائنات بمجرد مشاهدتها حيّة، والتعبير من خلال الكتابة، عن ماهيتها الحقيقية؟ هل يمكن للكاتب أن يشعر بالضجر من «مهنته» وأن يتخذ في «لحظة إشراقية» ربما قرار التوقف عن التأليف للبحث عن بديل آخر؟

هذه هي الأسئلة الأساسية التي تطرحها رواية الكاتب الإيطالي أليساندرو باريكو «مستر جوين» (نقلتها إلى العربية أماني فوزي حبشي، «منشورات الجمل») صحيح هي أسئلة «كلاسيكية»، مثلها مثل موضوعات الرواية كلها، إلا أنها تعكس بعمق اهتمامات باريكو، الذي يرسم ذلك عبر شخصية رئيسية خيالية ومحببة، شخصية منجذبة إلى التشويق اللذيذ تجعل من العمل ممتعًا للغاية وتحثنا على القراءة ليتبين لنا في النهاية أنها أقل طيشا بكثير ممّا كنّا نجدها عليه مع بداية الكتاب أو على الأقل كما تخيلنا ذلك.

تبدأ الرواية من اللحظة التي يقرر فيها الكاتب الإنجليزي جاسبر جوين البالغ من العمر ثلاثة وأربعين عامًا أن يتوقف عن الكتابة. كان سبق له أن نشر ثلاث روايات وكتاب ومقالات بحثية وقصتين قصيرتين أكسبته نجاحا شعبيا ونقديا كبيرا، ما جعله يبدو على «الموضة» في إنجلترا (وإن كان غير معروف كثيرًا في أي مكان آخر) ليتسابق عليه الجميع؛ ومع ذلك كان غير راضٍ عن حياته، إذ قد سئم من الكتابة، وأدرك «بوضوح مذهل» أن ما يفعله لم يعد يرضيه، لذا نشر مقالة (عبارة عن قائمة) في صحيفة الجارديان ذكر فيها اثنين وخمسين أمرًا وعد نفسه بأنه لن يفعلها بعد الآن، وآخر هذه الأمور: التوقف عن تأليف الكتب.

اعتبر وكيله الأدبي و«محرره» وصديقه، توم بروس شيبرد، هذا البيان بمثابة استفزاز؛ لم يأخذ كلامه على محمل الجد ولكن عندما اتصل بالكاتب، فهم أن الأمر لم يكن كذلك: كان جوين مصممًا تمامًا ولا رجعة عمّا قاله، بل أضاف صراحة بأن «الكتابة عن الأذى قد انتهت». يشعر المحرر بالمأزق والحيرة في كيفية أن يتعامل مع التقلبات المزاجية لواحد من كتّابه المفضلين، عندها يبدأ بممارسة الضغط عليه لثنيه عن هذا القرار، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.

شيئًا فشيئًا، ومع هذا الشعور بالحرية الذي لفه، بدأ جوين يشعر بنوع من فراغ لا يمكن إدارته بسهولة. بدأ بالافتقاد إلى فعل الكتابة البسيط. شعر بعذاب الحنين إلى هذا الجهد اليومي لترتيب أفكاره في شكل جملة مستقيمة. ببساطة لم يكن يعرف ماذا سيفعل بعد ذلك؟ لماذا لا تُصبح مترجمًا أو دليل سفر؟ يقول له وكيله: لا. الإجابة الواضحة الوحيدة التي تتبادر إلى ذهنه هي أن يكون ناسخا، أي كتابة الصور الشخصية. نزل عليه «هذا الوحي» أثناء زيارة مرتجلة لمعرض تُعرض فيه الصور؛ لقد اتضح الأمر في ذهنه: سيكون ناسخًا، وسيرسم أيضًا صورًا، ولكن بأدواته التي هي الكلمات. صورا نهائية لعارضات أزياء عاريات في بيئة تجبرهن على الكشف عن أنفسهن...

خياره هذا كان بمثابة بحث عن وسائل جديدة للتعبير ولهذا الغرض، بحث عن ورشة عمل، واهتم بالإضاءة والصوت والديكور، ثم انطلق في البحث عن الموديلات. إنها بداية تجربة غير عادية ستضع الكاتب التائب تحت الاختبار القاسي. أعتقد أنه يتوجب عليّ أن أتوقف عن المزيد من الكشف عن تفاصيل الرواية، لكي نسمح لأنفسنا بقراءتها والشعور بالدهشة من خيال أليساندرو باريكو، ومن شخصياته غير المحتملة في كثير من الأحيان، التي تقترب أحيانًا من الرسوم الكاريكاتورية وذلك كي تساعدنا بشكل أفضل على اكتشاف حقيقة ما يرمي إليه في الختام: كيف «كلّ واحد منا هو صفحة كتاب» بل أنه كتاب «لم يكتبه أحد من قبل، والذي نبحث عنه عبثًا في رفوف عقولنا».

ما يلفت في هذه الرواية القصيرة مسار هذا الكاتب الذي يبحث عن «مهنة أخرى»، مسار يتميز بالبطء والأصالة في البحث عن صور فريدة من نوعها لن تصبح موضوعا لأي منشور، بل من أجل البحث عن هذه الحميمية الأصلية والتجريبية الموجودة في هؤلاء الأشخاص العشرة الذين يبحثون عن أنفسهم والذين يبحث المؤلف عنهم كي يرسم صورهم «بحرفية». هنا إطار القص العام وجوهر اللُحمة الذي يربط الكلام ببعضه البعض.

يقدم لنا باريكو في روايته هذه، غوصًا مثيرًا للاهتمام في أعمق أعماق الكاتب، الذي يجب عليه يومًا ما أن يفعل من منطلق الالتزام، وتحت الضغط، ما فرض نفسه عليه في البداية كضرورة. إنه أيضًا قبول القيود، وثمن النجاح، وصعوبة التعبير عن الذات في سجل آخر غير ذلك الذي يتوقعه الجمهور، وعدم الفهم... أن ينتهي الأمر بكراهية ما أردناه أكثر من كل شيء. أن ندرك أنه على الرغم من كل شيء، تظل الكتابة هي السبب الوحيد لوجودنا، وأنه يجب علينا إعادة اختراع هذه الممارسة.

في أي حال لا تشكل الرواية «رثاء» طفل مدلل. بل هي في الواقع بحث عن طرق جانبية، أكثر خطورة من الطرق المطروقة، وأكثر ثراءً أيضًا بالمشاعر الجديدة والتي تزيل قضبان سجن الملاءمة. نحن بعيدون عن جمع أسرار كاتب خائب الأمل، فالخيال خصب ينجذب القارئ رغم نفسه إلى هذه المغامرة التي تعرف كيف تتجنب الانتظار والمفاجأة عند مطلع الفصل؟

ما هو الفنان؟ يتساءل أليساندرو باريكو في هذه الرواية المثيرة والأنيقة بشكل كبير. للإجابة على هذا السؤال، يدعونا لمتابعة رحلة السيد جوين، التي هي في جزء منها عبارة عن لعبة متطورة، والجزء الآخر مغامرة كوميدية. وإذا أعطانا مفتاح لغز جوين، فمن الطبيعي أن تكون النتيجة غير متوقعة.

يتعامل أليساندرو باريكو مع قلمه بالشعر والمهارة ويغمرنا في رواية مثيرة للاهتمام ولكنها دقيقة على أقل تقدير. فهو يصور بذكاء مفاهيم الكتابة وسحر الكلمات، والفن بشكل عام، الوجود والظهور، وكذلك الحب والصداقة. هذه الرواية، النفاذة والخيالية والأعمق مما تبدو، لها سحر لا يمكن إنكاره وهي رسالة حب حقيقية للأدب، إذ تبدو وكأنها مكتوبة في لحظة خالصة من السعادة الأدبية.

يأخذنا باريكو إلى رحلة في التفكير في عمل الكاتب، من التشبع إلى قلة الإلهام إلى الانتحال. لذا تبدو شخصية السيد جوين وكأنها تبحث عن الكمال الذي قد لا يأتي إلا بالابتعاد عن سبب وجودنا لننخرط فيه بطريقة أخرى. وهنا مفارقة الفن العظيم في أحيان كثيرة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

مركز أبوظبي الثقافي يستضيف حديثُا عن الأدب والزمن والرواية.. صور

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

استضاف المركز الثقافي في أبوظبي، حديثًا عن الأدب والزمن والرواية وسر خلود العمل الأدبي، وذلك بتنظيم اتحاد كتاب الإمارات تناول الحديث.

وبحضور الكاتبة الإماراتية عائشة سلطان وادباء القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية ومنهم أزهر جريس صاحب رواية وادي الفراشات والكاتب المصري أحمد سمير ندا صاحب راية صلاة القلق والكاتبة اللبنانية حنين الصايغ صاحبة رواية ميثاق النساء والكاتبة الإماراتية نادية النجار صاحبة رواية ملمس الضوء.

لماذا تأخرنا؟ 

حيث أوضح الكاتب أزهر جريس أن الرواية تتناول حياة شخوص قد تخطئ وقد تصيب، لكننا في بداية الأمر لم نكن نحلم بصناعة الرواية حتى جاءت الترجمات والتي أفادت بشكل كبير في صناعة الرواية العربية، فنحن كعرب عرفنا القصص. 


تأخر فن الرواية


وتابع جريس عن أسباب تاخر الرواية العربية موضحًا أن هناك الكثير من الأدباء يستنكرون فعل الكتابه ومنهم من يقول: "أنا أكتب لنفسي" وإذا كان الكاتب يكتب لنفسه لماذا يقوم بالنشر كان من الأفضل أن يحتفظ بها لنفسه تحت وسادته، وأعتقد أن هذا هو سبب تأخر الكتابة العربية، وأن هذا يرجع إلى هذا الاستعلاء عن فعل الكتابه والذي لا بد وأن يحظى بالكثير من الاهتمام.

 

الترجمة والرواية 


وفي سياق متصل أوضحت الكاتبة اللبنانية حنين الصايغ أن الترجمه تسهم بشكل كبير في خلود الرواية العربية وتناقلها عبر الثقافات المختلفة.
ولفتت الصايغ إلى أهمية الجوائز الأدبية، وأنها لم تكن تتوقع أن تصل للقائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية وأن ناشرتها حذرتها من أن وصولها للقائمة القصيرة، والتي تجعل قراءة الرواية بشكل أكبر ما سيجعل الضوء مسلطًا بشكل أكبر هلىىارةاية خاصة أنها تعالج موضوعًا من الموضوعات المسكوت عنها بداخل المجتمع. 

قضايا النساء 


وأشارت الصايغ إلى أن الرسائل التي تلقيتها من مختلف العالم العربي خاصة النساء أكدن أن القضايا التي تحدثت عنها في روايتي هي قضايا تتعلق بالنساء في مختلف أرجاء الأرض وخاصة المرأة العربية، فالجميع يتشاركون نفس الهم. 
فيما أشارت الكاتبة الإماراتية نادية النجار إلى أن الجوائز تسهم بشكل كبير في تسليط الضوء على العمل الأدبي، وأيضا الوصول للقائمة القصيرة تتيح فرصة أكبر للقراء والنقاد في قراءة العمل الأدبي، مؤكدًا تلة سعادتها بوصولها للثائيمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. 
وأكدت النجار أن الرواية تكشف من خلال أحداثها عن حواس الإنسان وكيف يستطيع أن يعرف؟

شرخ النكسة 

فيما أكد الكاتب المصري محمد سمير ندا أنه قد عايش فترة شرخ نكسه 67، وأنه على الرغم من أنه ولدت بعد النكسه إلى أن معايشته لأحد الأشخاص الذين عاصروها ما أصر بشكل كبير على تجربته الإنسانية، وجعله يتساءل حول حقيقة ما حدث في نكسه 67 أو حول هذا الجيل الذي فقد الكثيرمن مشاعره وأحساسيه، والتي قد تؤدي في بعض الأحيان تتوقف حياته.  

وكانت الجائزة العالمية للرواية العربية قد أعلنت في الـ19 فبراير وصول الروايات الست للقائمة القصيرة هي: "دانشمند" لأحمد فال الدين، و"وادي الفراشات" لأزهر جرجيس، و"المسيح الأندلسي" لتيسير خلف، و"ميثاق النساء" لحنين الصايغ، و"صلاة القلق" لمحمد سمير ندا و"ملمس الضوء" لنادية النجار.
ومن المقرر أن يتم الإعلان عن الفائزة بالجائزة الكبرى ي، يوم غد الخميس الموافق 24 أبريل الجاري  في أبوظبي. 
وتضم لجنة تحكيم الحائزة كلًا من منى بيكر، رئيسة لجنة التحكيم، وعضوية بلال الأرفه لي، أكاديمي وباحث لبناني؛ وسامبسا بلتونن، مترجم فنلندي؛ وسعيد بنكراد، أكاديمي وناقد مغربي؛ ومريم الهاشمي، ناقدة وأكاديمية إماراتية، بالإضافة إلى ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة، وفلور مونتانارو، منسقة الجائزة، ومدير مكتبة الإسكندرية، أحمد زايد.   
وضمت القائمة القصيرة لدورة الجائزة العالمية للرواية العربية الثامنة عشرة كُتّابًا من ستة بلدان عربية، هي الإمارات، وسوريا، والعراق، ولبنان، ومصر، وموريتانيا، وتتراوح أعمارهم بين 38 و58 عامًا. تتميز رواياتهم بالتنوع في المضامين والأساليب وتعالج قضايا راهنة ومهمة. 
شهدت الدورة الحالية من الجائزة ترشيح كتّاب إلى القائمة القصيرة لأول مرة، هم: أحمد فال الدين، وحنين الصايغ، ومحمد سمير ندا، ونادية النجار. ويذكر أنه وصل كاتبان إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقًا، هما أزهر جرجيس (القائمة الطويلة عام 2020 عن "النوم في حقل الكرز" والقائمة القصيرة عام 2023 عن "حجر السعادة") وتيسير خلف (القائمة الطويلة عام 2017 عن "مذبحة الفلاسفة"). 

مقالات مشابهة

  • صلاة القلق.. إبداع مصري يتوّج بـ«جائزة البوكر العربية 2025»
  • سامح قاسم يكتب | فتحي عبد السميع.. الكتابة من الجهة التي لا يلتفت إليها الضوء
  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • خبراء يناقشون سؤال: الكتابة في عصر الذكاء الاصطناعي.. إلى أين؟
  • ما صحة تمرير مرشحين رسبوا في امتحانات الكتابة في البقاع؟
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تدشن جناح المملكة في معرض مسقط الدولي للكتاب 2025
  • اليوم.. الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر 2025
  • ليوم.. الإعلان عن الرواية الفائزة بجائزة البوكر 2025
  • مركز أبوظبي الثقافي يستضيف حديثُا عن الأدب والزمن والرواية.. صور
  • أمسية ثقافية حول أثر القراءة في تشكيل الوعي المجتمعي بتبوك