يوميات الإبادة الجماعية في غزة
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
توقفت منذ بعض الوقت عن مشاركة يومياتي حول استمرار الإبادة الجماعية بالغة الوحشية في غزة، ربما ما عدتُ أحتمل هذا العجز، وما يظنه الناس نسيانًا، أو اعتيادًا على هذه الكارثة، قد يكون طريقة يتعامل فيها العاجزون مثلي عن فعل شيء حقيقي، يستطيع أن يوقف هذه المجزرة بكل أشكالها.
هي إذن خيبة أمل شخصية، وانهيار داخل الذات، وتقهقر إلى ركنها المظلم، لا أعتقد بأنني الإنسان نفسه بعد السابع من أكتوبر الماضي، أشياء كثيرة تغيرت فيّ للأبد.
تعودنا منذ سنوات على مجموعة من الباحثين العرب الذين يقيمون ويعملون في هذه الجامعات الأوروبية والأمريكية المرموقة، والذين يُظهرون نوعًا من الانحياز للثقافة العربية والإسلامية ضد «الإسلاموفوبيا» أمثال الباحث وائل حلاق، الذي وإن كان ينحدر من خلفية دينية مسيحية، إلا أنه يتحدث عن الإسلام ومنجزاته عبر التاريخ، في محاولة لا تخلو من التلاعب لمواجهة النزعة الاستعمارية الأوروبية. لكن هل هذا ما نحتاجه حقا؟ هل ما نحتاجه هو ما أشار له سلافوي جيجك بـ«الابتزاز المزدوج» الذي يمنع اليسار في العالم اليوم من تبني مواقفه الجذرية، لصالح خطاب يحاول ويدعي التعامل مع كل ثقافة حسب خصوصيتها، والاعتراف بحق كل ثقافة في أن توجد كما هي عليه، دون أن يكون هنالك قيم إنسانية مشتركة، نستطيع كبشر اليوم أن نعتبرها المرجع والرافد الأساسي لحياتنا وكرامتنا؟ وكل هذا لِمَ؟ أليست هذه الطهرانية، بذيئة ومبتذلة بالقدر نفسه، عندما لا تستطيع تجاوز نفسها على الإطلاق، تجاوز مجرد النقد السطحي غير المركب لتمركز الغرب حول نفسه، وتقديمنا في صورة الضحية المطلقة لهذا الدور؟ ماذا عن البحوث التاريخية الجادة والتي وللأسف الشديد لا تلقى رواجًا بالقدر نفسه، حول تركيب المعرفة الأوروبية، وعلاقة المسلمين وبقية العالم بها، وعدم وجود ثقافة مستقلة أو (أصيلة) بمعنى من المعاني، وأن العالم لطالما كان متواصلا ومتواشجا، الأمر الذي أفضى لميزان القوى بشكله الحالي، كما هي أطروحة بيتر فرانكوبان في كتابه «طرق الحرير: تاريخ جديد للعالم»؟
ماذا عن الاستبداد الذي يرزح معظم العرب تحت مظلته والذي يسهم في تردي الحال العربي، وفي فقدان الدولة العربية لسيادتها، وفي أنها ليست أكثر من وكالات غير شرعية لأوروبا وأمريكا، التي تحمي الحكومات المستبدة، وترسخ وجودها، بينما تدعي في الجانب الآخر، التنور والديمقراطية؟ ماذا عن نقدنا لثقافتنا، وتحملنا قدر من المسؤولية تجاه المستقبل، ومراجعتنا لكل ما حدث خلال الخمسين سنة الماضية؟ كيف تبدو خلافاتنا اليوم؟ وما الذي يغذيها؟ وكيف يمكن أن نهيئ فضاءً أرحب لخنق وترويض هذا الحيوان البري المتوحش الذي هو واقعنا؟
نحتاج للحديث أكثر من أي وقت مضى، ومشروعنا التحرري أصبح ملحًا وضروريًا بلا عودة، وما تهافت الناس على أصحاب قنوات اليوتيوب «الشعبويين» ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة ويقدمون قصصًا لا سند لها سوى نبرة الصوت الواثقة أو التلويح بـ«أتحدى أي أحد يقول عكس اللي أقوله» إلا علامة على تعطشنا جميعا لخلق مجال عام يستطيع أن يحتوي الذعر الذي تبثه إبادة الفلسطينيين فينا. لكن في المقابل لا ينبغي أن ننخدع بهؤلاء الأكاديميين الذين لا يمارسون دورا أكثر من كونهم أداة لغسيل عار وجرائم أوروبا وأمريكا اليوم، ووسيلة تسوية رخيصة لا تساوي قطرة دم واحدة نُزفت في فلسطين الآن. لا شيء سيجعلنا أقل سخطا وغضبا وحقدا على ثقافة حقوق الإنسان التي لم تتجاوز كونها أيديولوجية أخرى للهيمنة علينا، لكن في الوقت نفسه ينبغي أن نوجه هذا الغضب في الاتجاه الصحيح، دون أن نسمح بمصادرته.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
المقابر الجماعية..هذا القاتل من ذاك السفاح
حيدر المكاشفي
من أنباء القتل الجماعي ما أعلنته مؤخرا صحيفة الغارديان البريطانية، عن اكتشاف مقبرة جماعية سرية شمال الخرطوم، يُعتقد أنها تضم أكثر من 500 ضحية تعرضوا للتعذيب أو التجويع حتى الموت على يد قوات الدعم السريع، ويقع الموقع قرب قاعدة عسكرية سابقة استعادها الجيش السوداني مؤخرًا، حيث تم العثور على مركز احتجاز يحتوي على غرف تعذيب وقيود معلقة على الأبواب، مع بقع دماء على الأرض، وأفاد ناجون من المركز، الذي يقع على بعد 70 كيلومترًا شمال العاصمة، بأنهم تعرضوا للتعذيب المتكرر، في حين أظهرت الفحوصات الطبية التي أجريت لهم علامات تعذيب وسوء تغذية شديدين، وغير هذا الذي أعلنته الغارديان هنالك المئات الذين اغتالهم الدعم السريع في مختلف المناطق التي دخلها، وبدأ بعضها يتكشف بعد رجوع أهلها اليها بعد تحريرها من قبضة الدعم السريع، وكذلك ما أعلنته هيئة الطب العدلي بولاية الخرطوم عن جمع عدد (٣٥) جثة متحللة بمحلية شرق النيل والعدد في الليمون كما يقال عن الشئ بلا حصر ولا عد. غير ان الارقام الحقيقية لن تكتشف بدقة الا بعد نهاية هذه الحرب القذرة اللعينة، سواء من قضوا بواسطة المليشيا، أو من قضوا بواسطة طيران الجيش أو المليشيات المتحالفة معه، وما فعله الدعم السريع في الحرب وهو الذي كان الابن المدلل لوالده النظام البائد، هو ذات ما كان يفعله والده النظام البائد طوال سنوات حكمه الدموية، ولهذا ليس غريبا ان يكون هذا القاتل من ذاك السفاح..
يبدو ان اعداد المقابر الجماعية مرشحة للزيادة باستمرار، دعك من المقابر الفردية التي دفن فيها بعض من اغتالهم النظام البائد، فما ان يتم الاعلان عن اكتشاف مقبرة جماعية، الا ويتردد حديث جديد عن مقبرة جماعية اخرى لم يعلن عنها ولم تكتشف بعد، فتاريخ النظام البائد القمعي ووحشيته الدموية مليء بمثل هذه الشواهد، وهو دليل على أن أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم هي التخلص من الخصوم بقتلهم خارج القانون وبلا محاكمات ودفنهم بليل جماعات وفرادى، هكذا كان النظام المباد يستسهل قتل الخصوم والمعارضين بلا ذرة من انسانية ولا اخلاق ولا دين ودون اعلان ولا تحديد اين دفنوا، ولكن بعد الثورة وازاحة النظام الفاشي الديكتاتوري بدأت تتكشف الكثير من المآسي المفجعة، ويتم اكتشاف بعض المقابر الجماعية بين الحين والآخر، وبدأ الامر باعلان السلطات عن اكتشافها للمقبرة الجماعية التي ضمت رفات ثمانية وعشرين ضابطا من خيرة ضباط الجيش، تم إعدامهم في رمضان وبصورة وحشية بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب فيما عرف بحركة ضباط رمضان ومجموعة الخلاص الوطني قبل نحو اكثر من ثلاثين عاما، ثم تلا ذلك اعلان السلطات عن اكتشافها لمقبرة جماعية حوت بداخلها رفات العشرات من المجندين من الطلاب فيما عرف حينها بالخدمة الالزامية الذين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من معسكر تدريب للجيش في ضاحية العيلفون جنوب شرقي الخرطوم عام 1998 لرفضهم الذهاب للحرب في جنوب السودان ولمنعهم من قضاء عطلة عيد الأضحى مع عائلاتهم.. واستمرت كشوفات المقابر الجماعية لتعلن السلطات ايضا انها عثرت على مقابر جماعية رجحت احتواءها جثامين لمفقودين تم قتلهم خلال وبعد عملية فض الاعتصام القذرة، ولكن بمجرد اذاعة ونشر هذا الخبر، اعلنت مجموعة ما يسمى (انصار هيئة العمليات) وهي الهيئة القتالية التي تتبع لجهاز الامن والتي أعيدت للخدمة بعد الحرب (كانت تم حلها وتفكيكها سابقا)، ان هذه المقبرة ليست كما اعلن تخص ضحايا من فض الاعتصام، وانما هي لأفراد من هيئة العمليات سقطوا خلال المواجهات المسلحة مع حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم عند غزوها أم درمان في العام 2008، غير ان جهاز المخابرات العامة تصدى سريعا لمزاعم (انصار هيئة العمليات)، ونفى ان تكون المقبرة المعنية تخص افراد من جهاز الامن، وعلى كل حال وأيا تكن هوية هذه المقبرة المكتشفة مؤخرا، سواء كانت تتبع لهؤلاء أو اولئك، تبقى الحقيقة ان مغامرة حركة العدل والمساواة (الذراع الطويل)، قد خلفت ضحايا من الطرفين من القوات الحكومية التي قاتلتها، ومن طرف مجندي العدل والمساواة، وتقول بعض المعلومات ان قتلى حركة العدل والمساواة في تلك المغامرة بلغ 450 قتيلا دفنوا فى مقبرة جماعية واحدة، وبالضرورة يكون الضحايا من القوات الحكومية قد دفنوا ايضا في مقبرة جماعية، وهناك ايضا ما اعلنته هيئة محامي دارفور عن كشف والي ولاية وسط دارفور وقتها عن نبش مقابر جماعية حوت 76 جمجمة، وطبقاً لتعميم أصدرته الهيئة، فإن والي وسط دارفور حينها أديب يوسف الذي كان يتحدث في جلسة حوار نظمتها هيئة محامي دارفور بدار المحامين السودانيين بالخرطوم، أكد العثور على مقابر جماعية بالولاية..وبهذا تتعدد وتتنوع المقابر الجماعية التي لم يعرف بعد عددها بالكامل، ولكن المؤكد ان الخرطوم استحقت ان يطلق عليها عاصمة المقابر الجماعية ما قبل الحرب وما بعدها..ولله الامر من قبل ومن بعد..
الوسومحيدر المكاشفي