لجريدة عمان:
2025-07-29@08:32:37 GMT

يوميات الإبادة الجماعية في غزة

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

توقفت منذ بعض الوقت عن مشاركة يومياتي حول استمرار الإبادة الجماعية بالغة الوحشية في غزة، ربما ما عدتُ أحتمل هذا العجز، وما يظنه الناس نسيانًا، أو اعتيادًا على هذه الكارثة، قد يكون طريقة يتعامل فيها العاجزون مثلي عن فعل شيء حقيقي، يستطيع أن يوقف هذه المجزرة بكل أشكالها.

هي إذن خيبة أمل شخصية، وانهيار داخل الذات، وتقهقر إلى ركنها المظلم، لا أعتقد بأنني الإنسان نفسه بعد السابع من أكتوبر الماضي، أشياء كثيرة تغيرت فيّ للأبد.

لقد جاءت هذه الكارثة لتكون بمثابة ختم شمعي على شكل هذا العالم الذي نعيش فيه، وعلى من يستطيع أن يتناسب واللعبة القذرة والمأساوية التي وجدتُ نفسي وآخرين متورطين بها. لكن لا بد من أن نتحدث عن هذه اللحظة التاريخية القاتمة، لقد بدأت الأكاديميا (الغربية) التي خذلتنا كل أنواع الخذلان منذ بداية هذا العدوان، باستخدام العدوان والصعود على أكتافه، هذه الأكاديميا التي صرعتنا بالدراسات ما بعد الكولونيالية، وبعدم مركزية أوروبا، وبانحياز نظرية المعرفة الأوروبية وأدبياتها، هي نفسها التي لم تفعل شيئًا إزاء ما يحدث بل وساندت الاستعمار ووحشية إسرائيل في غالب الوقت، أو تهربت بحجة تعقيد الوضع في الشرق الأوسط.

تعودنا منذ سنوات على مجموعة من الباحثين العرب الذين يقيمون ويعملون في هذه الجامعات الأوروبية والأمريكية المرموقة، والذين يُظهرون نوعًا من الانحياز للثقافة العربية والإسلامية ضد «الإسلاموفوبيا» أمثال الباحث وائل حلاق، الذي وإن كان ينحدر من خلفية دينية مسيحية، إلا أنه يتحدث عن الإسلام ومنجزاته عبر التاريخ، في محاولة لا تخلو من التلاعب لمواجهة النزعة الاستعمارية الأوروبية. لكن هل هذا ما نحتاجه حقا؟ هل ما نحتاجه هو ما أشار له سلافوي جيجك بـ«الابتزاز المزدوج» الذي يمنع اليسار في العالم اليوم من تبني مواقفه الجذرية، لصالح خطاب يحاول ويدعي التعامل مع كل ثقافة حسب خصوصيتها، والاعتراف بحق كل ثقافة في أن توجد كما هي عليه، دون أن يكون هنالك قيم إنسانية مشتركة، نستطيع كبشر اليوم أن نعتبرها المرجع والرافد الأساسي لحياتنا وكرامتنا؟ وكل هذا لِمَ؟ أليست هذه الطهرانية، بذيئة ومبتذلة بالقدر نفسه، عندما لا تستطيع تجاوز نفسها على الإطلاق، تجاوز مجرد النقد السطحي غير المركب لتمركز الغرب حول نفسه، وتقديمنا في صورة الضحية المطلقة لهذا الدور؟ ماذا عن البحوث التاريخية الجادة والتي وللأسف الشديد لا تلقى رواجًا بالقدر نفسه، حول تركيب المعرفة الأوروبية، وعلاقة المسلمين وبقية العالم بها، وعدم وجود ثقافة مستقلة أو (أصيلة) بمعنى من المعاني، وأن العالم لطالما كان متواصلا ومتواشجا، الأمر الذي أفضى لميزان القوى بشكله الحالي، كما هي أطروحة بيتر فرانكوبان في كتابه «طرق الحرير: تاريخ جديد للعالم»؟

ماذا عن الاستبداد الذي يرزح معظم العرب تحت مظلته والذي يسهم في تردي الحال العربي، وفي فقدان الدولة العربية لسيادتها، وفي أنها ليست أكثر من وكالات غير شرعية لأوروبا وأمريكا، التي تحمي الحكومات المستبدة، وترسخ وجودها، بينما تدعي في الجانب الآخر، التنور والديمقراطية؟ ماذا عن نقدنا لثقافتنا، وتحملنا قدر من المسؤولية تجاه المستقبل، ومراجعتنا لكل ما حدث خلال الخمسين سنة الماضية؟ كيف تبدو خلافاتنا اليوم؟ وما الذي يغذيها؟ وكيف يمكن أن نهيئ فضاءً أرحب لخنق وترويض هذا الحيوان البري المتوحش الذي هو واقعنا؟

نحتاج للحديث أكثر من أي وقت مضى، ومشروعنا التحرري أصبح ملحًا وضروريًا بلا عودة، وما تهافت الناس على أصحاب قنوات اليوتيوب «الشعبويين» ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة ويقدمون قصصًا لا سند لها سوى نبرة الصوت الواثقة أو التلويح بـ«أتحدى أي أحد يقول عكس اللي أقوله» إلا علامة على تعطشنا جميعا لخلق مجال عام يستطيع أن يحتوي الذعر الذي تبثه إبادة الفلسطينيين فينا. لكن في المقابل لا ينبغي أن ننخدع بهؤلاء الأكاديميين الذين لا يمارسون دورا أكثر من كونهم أداة لغسيل عار وجرائم أوروبا وأمريكا اليوم، ووسيلة تسوية رخيصة لا تساوي قطرة دم واحدة نُزفت في فلسطين الآن. لا شيء سيجعلنا أقل سخطا وغضبا وحقدا على ثقافة حقوق الإنسان التي لم تتجاوز كونها أيديولوجية أخرى للهيمنة علينا، لكن في الوقت نفسه ينبغي أن نوجه هذا الغضب في الاتجاه الصحيح، دون أن نسمح بمصادرته.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

غزة بين نار الإبادة وصمت العالم

 

حمود بن سعيد البطاشي

ما يحدث اليوم في غزة، وفي عموم فلسطين المحتلة، تجاوز حدود المعقول، وتخطّى كل ما يمكن أن يوصف به من وحشية ودموية. نحن لا نتحدث عن حرب متكافئة بين جيشين، بل عن مجازر ممنهجة تُرتكب في وضح النهار، أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، دون رادع أو مساءلة.

إنها ليست حربًا عادية، بل إبادة جماعية تطال الإنسان، والحيوان، والحجر، والشجر. أطفال يُذبحون، رُضّع تُسحب أرواحهم من تحت الركام، نساء تُدفن أحياء، شيوخ يلفظون أنفاسهم الأخيرة على أبواب المستشفيات المدمرة، وجنين يُقتل في بطن أمه تحت قصفٍ لا يرحم. أي عالم هذا الذي لا يحرّك ساكنًا أمام كل هذا الجحيم؟

 

نُشاهد المجازر اليومية، ونسمع أنين الضحايا، ونعرف يقينًا أن ما يحدث هو جرائم حرب مكتملة الأركان، بل جرائم ضد الإنسانية. ومع ذلك، لا نجد سوى بيانات خجولة وتصريحات جوفاء من "منظمات حقوق الإنسان" و"المجتمع الدولي". أين ذهبت تلك القيم التي طالما تغنّى بها العالم الحر؟ أين اختفت الإنسانية التي يدّعون حمايتها؟ هل أصبحت هذه المنظمات مجرد أدوات ناعمة بيد الدول الكبرى، تُستخدم فقط عندما تخدم مصالحهم؟

 

إسرائيل، التي تمعن في القتل والتدمير، تمارس سلوكًا نازيًا لا يختلف كثيرًا عمّا فعله الطغاة في التاريخ. إنها دولة احتلال واستيطان وتمييز عنصري، تمضي في مشروعها الإجرامي تحت مظلة الحماية الدولية، وتبريرات إعلامية كاذبة، وتواطؤ دولي مفضوح.

 

إن صمت الدول الكبرى، وعلى رأسها من تدّعي الريادة في الدفاع عن حقوق الإنسان، ليس مجرد تجاهل، بل هو تواطؤ صريح، ومشاركة غير مباشرة في هذا الإجرام. ومن المؤلم أن نرى بعض الأنظمة العربية تكتفي بالمشاهدة أو حتى تبرر العدوان ضمنيًا، وكأنّ الدم الفلسطيني لا يعنيهم، وكأنّ هذه الأمة الممتدة من المحيط إلى الخليج فقدت شعورها الجمعي، وتبلدت أمام مشهد الموت الجماعي في غزة.

 

أما نحن -أمة المليارين مسلم- فقد أصبح وجودنا وكأنّه مجرد رقم في الإحصائيات، بلا تأثير ولا موقف موحد. كيف لأمة بهذا الحجم وهذا التاريخ أن تعجز عن الوقوف في وجه كيانٍ مغتصبٍ لا يتجاوز عدد سكانه بضعة ملايين؟ أليس فينا رجل رشيد؟ أليس في قادتنا من يقول: "كفى" لهذا الظلم، ويقف ليقول للعالم إن لفلسطين من يدافع عنها؟

 

لسنا بحاجة لمظاهرات موسمية، ولا لخطابات حماسية، بل نحتاج إلى تحرك عملي، إلى موقف جماعي عربي وإسلامي يعيد لفلسطين حقها، ولفصائل المقاومة دعمها، ويضع حدًا لهذا الغول الصهيوني الذي يلتهم كل شيء دون حساب.

 

غزة اليوم ليست فقط اختبارًا لصمود أهلها، بل اختبار حقيقي لضمير العالم، وفضيحة كبرى للمنظمات الدولية التي سقطت أقنعتها. إنهم لا يرون إلا بعين واحدة، ويسمعون فقط ما يريدون سماعه، ويقفون دومًا إلى جانب الظالم ضد المظلوم.

 

أقولها بمرارة: ما تفعله إسرائيل في غزة وفلسطين هو جريمة نازية حديثة، تنفذها بأحدث الأسلحة، وتغطيها بأكاذيب الإعلام، وتباركها قوى عالمية فقدت شرفها الأخلاقي. والتاريخ لن ينسى من سكت أو تواطأ، ولن يغفر لمن مد يده لهذا الكيان المجرم.

 

ستبقى غزة عنوانًا للكرامة، وستبقى فلسطين في قلب كل حرّ. وسنظل نكتب ونصرخ ونشهد للتاريخ أن هناك شعبًا يُباد، وأن هناك أممًا اكتفت بالمشاهدة.

مقالات مشابهة

  • بسبب جرائم الإبادة في غزة.. المفوضية الأوروبية توصي بفرض قيود على الأبحاث “الإسرائيلية”
  • منظمة بتسيلم: أميركا وأوروبا أسهمتا في استمرار الإبادة الجماعية بغزة
  • "حماس" ترحب بتقرير "بتسيلم" وتطالب بمحاكمة قادة الاحتلال بتهمة الإبادة الجماعية
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • بقائي : استمرار الإبادة الجماعية في غزة تتم بموافقة وتواطؤ بعض الدول الغربية
  • لماذا تؤجل محكمة العدل الدولية إصدار حكمها بشأن الإبادة الجماعية بغزة؟
  • ارتفاع حصيلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية إلى 59 ألفا و821 شهيدا
  • اللغة التي تفشل
  • غزة بين نار الإبادة وصمت العالم
  • موقع إسرائيلي: ما الذي يمكن أن يدفع المجتمع الدولي إلى التدخل ووقف الإبادة بغزة؟