ashuily.com
الشتاء هو موسم الفرح والاحتفاء والاحتفال، وتجمع كل دول العالم على أن الشتاء هو أفضل مواسم السنة للبهجة والسرور وإشاعة الفرح والسعادة بين الناس وهو موسم الترفيه والتسلية وإقامة المهرجانات، والألعاب، وللسفر، والترحال. وتتسابق الدول والمؤسسات والأفراد على الاحتفاء بالشتاء وقدومه ابتداء بالأعياد الدينية المقدسة عند بعض الطوائف ودخول رأس السنة الميلادية وإقامة المهرجانات الترفيهية والألعاب الشتوية، ويمتاز الشتاء فضلا عن باقي فصول السنة الأخرى بأنه فصل التقاء الأسرة والعائلة واجتماع العالم بأسره من مختلف أقطاره في مناسبات مختلفة، وهو ملهم الأدباء والشعراء والكتاب والرسامين والمبدعين بالكثير من الإبداعات الإنسانية التي خلدتها الإنسانية في سجلها البشري.
الشتاء لدينا هبة من الله مَنَّ به علينا دون سائر دول العالم التي يسكنها بياض الثلج، ويعصفها صقيع البرد، والشتاء في المنطقة العربية وتحديدا في الدول الخليجية يمتاز بميزات إضافية لا تتوافر في كثير من دول العالم يجعلها وجهة سياحية وترفيهية وثقافية ورياضية ومجتمعية، ويقصدها طلاب المتعة والاسترخاء والسفر والترحال وتتسابق دول الخليج على إقامة المهرجانات الشتوية والملتقيات الترفيهية والبطولات الرياضية والكثير من الفعاليات التي تناسب الأسرة والمجتمع وتجلب الكثير من الفرح والسرور للناس قاطبة والقاطنين والمقيمين والمسافرين، وتعد هذه الملتقيات فرصة لتنشيط الحياة الاقتصادية والتجارية للدول والأفراد في هذه الدول.
يمكن احتساب فصول الشتاء وتأطيرها في سلطنة عمان بأنها تبدأ من بواكير نوفمبر وتختم بنهايات مارس أي ما يعني خمسة أشهر من الطقس الجيد الذي يمتاز بانخفاض في درجات الحرارة واعتدال في الجو مع عدم إغفال التنوع الكبير في درجات الحرارة بين البرد القارس في قمم الجبال، والدفء الحميم وسط الصحاري والرمال. وخلال الأشهر الشتوية الخمسة يتسابق الناس على الارتواء من معين الطقس المعتدل قبل توهج شمسه واشتعال حرارته فيشدون الرحال إلى قيعان الأودية ورمال الصحراء ويركبون أمواج البحر ويعتلون قمم الجبال ويتسابقون على إقامة المنتديات والمهرجانات المتفرقة والمتوزعة بين القرى الجبلية والحواضر العمرانية والصحاري الرملية طمعا في الترفيه والتسلية وتحقيق بعض المكاسب التجارية والاقتصادية والترويج لسياحة تحاول أن تثبت قدمها في بلد كل شبر فيه يعد معلمًا سياحيًا.
بالحديث عن السياحة الشتوية في سلطنة عمان ومقارنة بما تقوم به بعض الدول في الترويج لنفسها سياحيًا رغم عدم امتلاكها للكثير من مقومات السياحية الحقيقية كالتي نمتلكها نحن في هذا البلد الطيب، نجد أنفسنا بأننا مقصرون كثيرًا في استغلال هذه الصناعة أي صناعة السياحة على مستوى وطني مع الاعتراف بوجود محاولات متفرقة هنا وهناك بين المحافظات لإقامة مهرجانات سياحية ترفيهية واستضافة بطولات رياضية إقليمية وعالمية ومحاولة إيجاد أجواء سياحية ترفيهية نهارية وليلية وابتكار طرق وأساليب حديثة في الترويج السياحي والثقافي والمجتمعي للمحافظات العمانية المختلفة، غير أن كل هذه التجارب السياحية المختلفة ينقصها إطار وطني شامل يقوم على مبدأ الترويج لـ«الشتاء في سلطنة عمان» ينطلق بحملة تسويقية عالمية تصل إلى العالم مع أفراد مساحات لكل محافظة من المحافظات وما يمتاز به الشتاء في كل محافظة وما يمكن أن تقدمه من خدمات ترفيهية وتثقيفية ومعرفية للسائح والزائر والقاطن والباحث عن المتعة والباحث عن المعرفة والباحث عن العادات والتقاليد.
في السابق كان «مهرجان مسقط» بمثابة الملجأ للسائح والمقيم، وتم ترسيخ هذا المهرجان كأيقونة شتوية ليس لمسقط وحدها، بل لسلطنة عمان بأكملها، وكان يعج بالكثير من الأنشطة والفعاليات الشتوية، ويقصده الجميع من القاطنين والمقيمين والزائرين والسائحين من مختلف أرجاء العالم، حتى جاء وقت مراجعة المهرجان وتقييم مسيرته التي زادت عن عقد من الزمان بانتظار أن يتم الكشف عن جديد مفاجآت الشتاء غير أنه حتى اللحظة لم يتحرك ساكن في الأمر. دول بدأت بعدنا في الاحتفاء بالشتاء، وحققت فيه مكاسب اقتصادية وترفيهية عظيمة وأدرجت نفسها على خريطة السياحة الشتوية العالمية ونحن من بدأنا منذ ما يربو على العقدين من الزمان في الترويج لشتائنا ومهرجانات الشتاء ونعتقد بأننا امتلكنا ناصية الخبرة في إقامة المهرجانات وإدارتها تراجعنا في ذلك. قد تكون بدايات العام تحمل معها الكثير من أخبار الفرح الذي ننتظره.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
يناير 31, 2025آخر تحديث: يناير 31, 2025
محمد الربيعي
بروفسور ومستشار دولي، جامعة دبلن
تعتبر جامعة كامبردج، بتاريخها العريق الذي يمتد لاكثر من ثمانية قرون منذ تاسيسها عام 1209، منارة للعلم والمعرفة، وصرحا اكاديميا شامخا يلهم الاجيال المتعاقبة. تعد كمبردج رابع اقدم جامعة في العالم، وثاني اقدم جامعة في العالم الناطق باللغة الانجليزية، حاملة على عاتقها مسؤولية نشر العلم والمعرفة وخدمة الانسانية. لم تكن كمبردج مجرد مؤسسة تعليمية عابرة، بل كانت ولا تزال محركا رئيسيا للتطور الفكري والعلمي على مستوى العالم، وشاهدة على تحولات تاريخية هامة، ومخرجة لقادة ومفكرين وعلماء غيروا مجرى التاريخ، امثال اسحاق نيوتن، الذي وضع قوانين الحركة والجاذبية، وتشارلز داروين، الذي وضع نظرية التطور، والان تورينج، رائد علوم الحاسوب.
تتميز جامعة كمبردج بمكانة علمية رفيعة المستوى، حيث تصنف باستمرار ضمن افضل الجامعات في العالم في جميع التصنيفات العالمية المرموقة، مثل تصنيف شنغهاي. هذا التميز هو نتاج جهود مضنية وابحاث علمية رائدة في مختلف المجالات، من العلوم الطبيعية الدقيقة كالفيزياء والكيمياء والاحياء، مرورا بفروع الهندسة المختلفة كالهندسة المدنية والميكانيكية والكهربائية، وصولا الى العلوم الانسانية والاجتماعية التي تعنى بدراسة التاريخ والفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية. تضم الجامعة بين جنباتها العديد من المراكز والمعاهد البحثية المتطورة التي تساهم في دفع عجلة التقدم العلمي والتكنولوجي، مثل معهد كافنديش الشهير للفيزياء. تعرف كمبردج باسهاماتها القيمة في جوائز نوبل، حيث حاز خريجوها على اكثر من 120 جائزة نوبل في مختلف المجالات، مما يعكس المستوى العالي للتعليم والبحث العلمي فيها. من بين الاسهامات الخالدة لجامعة كامبريدج، يبرز اكتشاف التركيب الحلزوني المزدوج للحامض النووي (DNA) على يد جيمس واتسون وفرانسيس كريك عام 1953. هذا الاكتشاف، الذي حاز على جائزة نوبل في الطب عام 1962، غيّر مسار علم الاحياء والطب، وأرسى الاساس لفهم أعمق للوراثة والأمراض، ويعد علامة فارقة في تاريخ العلم.
اضافة الى مكانتها العلمية المرموقة، تتميز جامعة كمبردج ببيئة تعليمية فريدة من نوعها، حيث تتكون من 31 كلية تتمتع باستقلال ذاتي، ولكل منها تاريخها وتقاليدها الخاصة، وهويتها المعمارية المميزة. هذه الكليات توفر بيئة تعليمية متنوعة وغنية، تجمع بين الطلاب من مختلف الخلفيات والثقافات من جميع انحاء العالم، مما يثري تجربة التعلم ويساهم في تكوين شخصية الطالب وتوسيع افاقه. توفر الجامعة ايضا مكتبات ضخمة ومتاحف عالمية المستوى، تعتبر كنوزا حقيقية للطلاب والباحثين، حيث تمكنهم من الوصول الى مصادر غنية للمعرفة والالهام. من بين هذه المكتبات، مكتبة جامعة كمبردج، وهي واحدة من اكبر المكتبات في العالم، وتحتوي على ملايين الكتب والمخطوطات النادرة، بالاضافة الى متاحف مثل متحف فيتزويليام، الذي يضم مجموعات فنية واثرية قيمة، ومتحف علم الاثار والانثروبولوجيا.
يعود تاريخ جامعة كمبردج العريق الى عام 1209، عندما تجمع مجموعة من العلماء في مدينة كمبردج. لم يكن تاسيس كمبردج وليد الصدفة، بل جاء نتيجة لهجرة مجموعة من العلماء والاكاديميين من جامعة اكسفورد، بحثا عن بيئة اكاديمية جديدة. هذا الاصل المشترك بين كمبردج واكسفورد يفسر التشابه الكبير بينهما في العديد من الجوانب، مثل النظام التعليمي والهيكل التنظيمي، والتنافس الودي بينهما، الذي يعرف بـ “سباق القوارب” السنوي الشهير. على مر القرون، شهدت جامعة كمبردج تطورات وتحولات كبيرة، حيث ازدهرت فيها مختلف العلوم والفنون، واصبحت مركزا مرموقا للبحث العلمي والتفكير النقدي، ولعبت دورا محوريا في تشكيل تاريخ الفكر الاوروبي والعالمي.
كليات الجامعة هي وحدات اكاديمية وادارية مستقلة، تشرف على تعليم طلابها وتوفر لهم بيئة تعليمية فريدة من نوعها، تساهم في خلق مجتمع طلابي متنوع وغني، حيث يتفاعل الطلاب من خلفيات وثقافات مختلفة، مما يثري تجربتهم التعليمية ويساهم في تكوين شخصياتهم وهي ايضا مراكز اقامة للطلاب. هذا النظام الفريد للكليات يعتبر من اهم العوامل التي تميز جامعة كمبردج، ويساهم في الحفاظ على مستوى عال من التعليم والبحث العلمي.
تقدم جامعة كمبردج تعليما متميزا عالي الجودة يعتمد على اساليب تدريس متقدمة تجمع بين المحاضرات النظرية والندوات النقاشية وورش العمل العملية، مما يتيح للطلاب فرصة التعمق في دراسة مواضيعهم والتفاعل المباشر مع الاساتذة والخبراء في مختلف المجالات. يشجع نظام التدريس في كمبردج على التفكير النقدي والتحليل العميق، وينمي لدى الطلاب مهارات البحث والاستقصاء وحل المشكلات. هذا التنوع يثري تجربة التعلم بشكل كبير، حيث يتيح للطلاب فرصة التعرف على وجهات نظر مختلفة وتبادل الافكار والمعرفة، مما يساهم في توسيع افاقهم وتكوين صداقات وعلاقات مثمرة. كما توفر الكليات ايضا انشطة اجتماعية وثقافية متنوعة تساهم في خلق جو من التفاعل والتواصل بين الطلاب، مثل النوادي والجمعيات الطلابية والفعاليات الرياضية والفنية.
تخرج من جامعة كمبردج عبر تاريخها الطويل العديد من الشخصيات المؤثرة والبارزة في مختلف المجالات، الذين ساهموا في تغيير مجرى التاريخ وخدمة الانسانية، من بينهم رؤساء وزراء وملوك وفلاسفة وعلماء وادباء وفنانين.
باختصار، تعتبر جامعة كمبردج منارة للعلم والمعرفة، وتجمع بين التاريخ العريق والمكانة العلمية المرموقة والتميز في مجالات متعددة، مما يجعلها وجهة مرموقة للطلاب والباحثين من جميع انحاء العالم.