أسمع كل ألوان الموسيقى المحلية، وكذلك الكثير جداً من الإنتاج العالمى، بهدف معرفة ما وصلت إليه البشرية، ولو أننى ما زلت حبيساً، من ناحية التفضيل، فى حقبة زمنية غنائية محصورة بين خمسينات وتسعينات القرن الماضى. النفس البشرية غير المبنية على التنوع وقبوله تعيش فى معاناة.
الموسيقى قوة ناعمة، ولها وجه سياسى واضح.
استُخدمت موسيقى «الراب» للاحتجاج ضد النظم الاجتماعية والسياسية. أول من فعل ذلك كان مطرب الراب الأمريكى «آيس تى» حين حث فى أغانيه على استخدام العنف ضد الشرطة، وبسببه توقفت الشركة المنتجة «تايم وارنر» طواعية عن إنتاج المزيد من أغانى «الهيب هوب» لأى مطرب. بالمناسبة، فإن «آيس تى» هذا، واسمه الحقيقى «تريسى مورو»، هو أحد أهم مؤسسى فن «الجانجستا راب» أو «راب العصابات»، وهى موسيقى لها طابع عنيف وتستخدم الكلمات النابية والعنصرية، وبسببها صدر قانون يُلزم شركات الموسيقى بوضع ملصقات تحذيرية على الألبومات الموسيقية الـ«ملائمة للكبار فقط». كان لدينا منذ بضعة عقود ظاهرة غنائية سياسية مصرية هى الثنائى: المُطرب الشيخ «إمام عيسى»، والشاعر «أحمد فؤاد نجم»، وفى الزمن نفسه كانت ظاهرة شبيهة تغزو أوروبا وهى فريق «البيتلز» المكون من «جون لينون»، و«بول مكارتنى»، و«جورج هاريسون»، و«رينجو ستار». جمع الفقر والمعاناة الثنائى الأول، ووحد الحلم بالتغيير الرباعى الثانى. الظاهرة الأولى أوصلت أصحابها لسجن القلعة ليحمل كل منهما لقب «معتقل»، بينما حملت الثانية أبطالها لقصر «باكنجهام» ليحصل كل منهم على لقب «سير».
اتصفت تجربة «إمام - نجم»، رغم رونقها وبريقها، بالمحلية. أما «الخنافس» فقد غزوا العالم لأنهم غنوا للمُطلق، مثل: الحب والحرية والسلام (لكن لا ننسى أيضاً أن أغانيهم المعارضة لحرب فيتنام قد ساعدتهم على الانتشار العالمى، فضلاً عن سهولة انتشار اللغة الإنجليزية). توفى الشيخ إمام عيسى وهو يعانى الفقر والنسيان، ومات «نجم» بعده بحوالى عقدين من الزمن، أما «جون لينون» فقد اغتيل مطلع الثمانينات على يد أحد المختلين عقلياً، وبعد قرابة العقدين أيضاً مات «جورج هاريسون» بالسرطان. رحم الله الجميع، والسؤال هو: ما هى الموسيقى المصرية المعاصرة التى قد نتذكرها بعد بضعة عقود كموسيقى استطاعت الوصول للعالمية؟ ظنى أن أغانى المهرجانات سوف تفعل ذلك! رأيت بنفسى من يستمعون إليها فى حى «الفهيدى» فى دبى، وفى «هايد بارك» فى لندن، وفى «التايم سكوير» فى نيويورك. ومنذ أكثر من عشر سنوات اقتربت من مجموعة من الطلبة الأمريكيين ممن يدرسون اللغة العربية فى الإسكندرية، وكانوا يفضلون هذا النوع من الأغانى ونقلوه معهم إلى بلادهم. حين تصل أغانى المهرجانات المصرية إلى الدول المجاورة فى حفلات عامة كبيرة وصاخبة، أجد البعض يستهجن الأمر، بينما الواقع هو أن وجود أى مظهر من مظاهر الثقافة المصرية خارج الحدود هو قوة ناعمة وزيادة فى رصيد التأثير. ربما تحتاج الكلمات لبعض التغيير، وهذا سيحدث بالتراكم والتطور، لكنها إيقاعات مبهجة نابعة من طينة أرضنا مثل: الراب الأمريكى والراى الجزائرى اللذين غزوا العالم. المهرجانات فن وطنى وليست أغانى مستورَدة كعادة الكثير من إبداعنا، ويمكن تحويلها إلى قوة مصرية ناعمة. وبقليل من التنظيم ستُستخدم فى الترويج للثقافة والقصص المصرية، لكن هذا يحتاج، ابتداء، إلى التوقف عن الحملات الساذجة القائمة على المقاربات الأخلاقية وادعاءات المثالية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الموسيقى
إقرأ أيضاً:
تامر كروان: "مؤلفين الموسيقى عندهم إيجو عالي"
بدأت منذ قليل ندوة مميزة ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، حيث اجتمع المؤلف الموسيقي تامر كروان مع الناقد السينمائي عصام زكريا للحديث حول الموسيقى التصويرية للأفلام وأهميتها في تقديم تجربة سينمائية متكاملة.
وتحدث “كروان” عن طبيعة وشخصية مؤلفين الموسيقى التصويرية: "مؤلفين الموسيقى عندهم إيجو عالي جدا بيحسوا بنفسهم أوي فبنجاول نقلل من الإيجو ده علشان يتعاون مع المخرج الذي يرى رؤية معينة فبيحاول يقلل الجزء ده يعني أنا أقبل جدا أن المخرج ممكن يقول الموسيقى مش ماشية مع الدراما لكن لا أقبل أنه يقول الآله دي مش مناسبة في هذه الحالة بيبقى ده تدخل في العمل".
تأتي هذه الندوة كجزء من أنشطة المهرجان التي تهدف إلى تقديم نظرة أعمق لعناصر صناعة السينما، وإتاحة الفرصة للمبدعين والجمهور للتفاعل ومشاركة الأفكار حول دور الموسيقى في الأفلام العربية والدولية.
تامر كروان هو مؤلف موسيقي ومهندس صوت مصري بارز، يُعرف بإسهاماته الكبيرة في مجال الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات. وُلد تامر في مصر ودرس الموسيقى وتعلم فنونها على يد متخصصين، مما أكسبه خلفية موسيقية قوية جعلته واحدًا من أبرز الملحنين في عالم السينما العربية.
بدأ تامر كروان مسيرته الفنية في تسعينيات القرن الماضي، ونجح سريعًا في ترك بصمته الخاصة بفضل موهبته في استخدام الموسيقى للتعبير عن المشاعر والأجواء السينمائية المختلفة. تعاون مع عدد كبير من المخرجين المصريين والعرب، وشارك في تأليف الموسيقى التصويرية لأفلام ومسلسلات لاقت استحسانًا كبيرًا من النقاد والجمهور.
يتميز أسلوب تامر كروان بالمزج بين الألحان الشرقية والغربية، والقدرة على نقل الحالة النفسية للشخصيات من خلال الموسيقى، مما جعله ينجح في تقديم موسيقى تتناسب مع مختلف الأنواع السينمائية، سواء الدرامية أو الرومانسية أو الأكشن.
شارك تامر في العديد من الأفلام التي عُرضت في مهرجانات سينمائية دولية وحصدت جوائز، مما أكسبه شهرة وتقديرًا على مستوى عالمي. كما أنه معروف بقدرته على التعاون مع المخرجين بشكل وثيق، لضمان أن تكون الموسيقى جزءًا لا يتجزأ من رؤية الفيلم العامة.
إلى جانب أعماله السينمائية، يشارك تامر كروان في ورش عمل وندوات تهتم بتعليم الموسيقى التصويرية وتحليلها، مما يجعله مصدر إلهام للعديد من المؤلفين والموسيقيين الصاعدين.