بمشاركة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين في مراسم صب الخرسانة لمفاعل الضبعة النووى عبر تقنية الفيديو كونفرانس يكون الحلم الذى طال انتظاره قد بدأ يتحقق وينزل على أرض الواقع.
مشروع الضبعة هو أحد أكبر الإنجازات التى تتم فى مصر، وسيكون له أكبر الأثر على قوة مصر فى الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.
روسيا الشريك المنفذ للمشروع هى واحدة من أكبر الدول فى هذا المجال، وجاء اختيار مصر لروسيا لإنجاز هذا المشروع الضخم بناءً على دراسة كبيرة تقنيًا واقتصاديًا.
الحلم النووى المصرى قديم منذ الستينيات، ودائمًا مصر ترفع شعار الاستخدام السلمى لهذه الطاقة المهمة، بوتين يبدو دائمًا صديقًا لمصر وروسيا شريكًا مهمًا، خاصة بعد انضمام مصر لتجمع بريكس الذى تقوده موسكو وبكين.
مصر جربت لسنوات الاتجاه نحو الغرب والولايات المتحدة الأمريكية والتجارب أثبتت أننا خسرنا كثيرًا بتجاهل القوى الأخرى من العالم المتمثلة فى الصين وروسيا.
الحقيقة أن مصر بموقعها المتميز كبوابة لأفريقيا القارة البكر التى تستهدفها روسيا والصين يعطيها دائمًا الأفضلية لدى تلك القوى الصديقة دائمًا على مدار التاريخ.
الحروب الباردة والساخنة انتهت تقريبًا فى العالم كله، وحلت محلها الحرب الاقتصادية، والصراع على الكعكة الكبيرة فى أفريقيا ودول الشرق الأوسط.
لدينا فرصة كبيرة لتوطين التكنولوجيا الصينية والروسية والأوروبية أيضاً فى مصر، وتحويل المشروع الاقتصادى لقناة السويس لمحور ومنطقة حرة لجميع دول العالم التى تستهدف أفريقيا ودول الشرق الأوسط.
روسيا مثلًا من أوائل الدول التى حجزت مكانها بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وبعدها ستأتى الصين، ودول أوروبا مهنة، بشرط توفير المناخ الاقتصادى الجاذب وإقناع تلك الدول بفرص الاستثمار الحقيقى بمصر.
علينا استغلال الحدث الكبير بمشروع الضبعة النووى وزيارة بوتين للترويج للاقتصاد المصرى والاستثمار، لأنه الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية.
أقترح على الدولة المصرية أن تحول فترة السنوات الست الجديدة فى ولاية الرئيس السيسى إلى مشروع قومى كبير ليس للخروج من الأزمة الحالية فقط، وإنما للانطلاق نحو مصر الجديدة فعلًا فى الأفكار والأشخاص والرؤى الجديدة نحو المستقبل الواعد.
مصر رغم هذه الأزمة الخانقة تمتلك الفرص بشرط تحول العقلية الحكومية من الاستدانة إلى الطريق الأصعب وهو جذب الاستثمارات الأجنبية.
تجربة دبى أمامنا جميعًا، ومن قبلها تجارب كثيرة نستطيع أن نستلهمها نحو التحول إلى طريق جديد يحقق ما نتمناه لمصر فى غضون سنوات إذا توفرت الإرادة.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الحلم النووي الرئيس الروسي
إقرأ أيضاً:
بناء المستقبل العربي
بينما طوى العالم صفحات القرن العشرين ودخل القرن الحادي والعشرين بزخم التقدم والتطور، بقي العالم العربي أسيراً لتحولات عميقة، تنوعت بين صراعات إقليمية، وثورات تحررية، وانقلابات سياسية. رغم ذلك، ظل التقدم المنشود غائباً، ولم تتحقق التطلعات الكبرى في الوحدة والتنمية، بل تفاقمت الأزمات، وانحرفت المسارات المفصلية، لتضيع معها إمكانات تاريخية كان يمكن أن تعيد تشكيل مستقبل المنطقة.
الإرث الاستعماري وإخفاق السياسات الداخلية
لم يكن خروج الاستعمار من الدول العربية إيذاناً ببداية عهد من الاستقلال الحقيقي، بل ترك إرثاً ثقيلاً من التقسيم الجغرافي والانقسام المجتمعي، فضلاً عن تبعية اقتصادية عميقة رسخت هيمنة القوى العالمية على مًقدّرات المنطقة. أضف إلى ذلك، غياب القيادة التشاركية التي تخلق بيئة للحوار والتنمية، أدت بدورها إلى تفاقم مشكلات الحوكمة وسوء إدارة الموارد.
في ظل هذه التحديات، أُهدرت الموارد البشرية والطبيعية، واستُنزفت الدول العربية في صراعات داخلية وخارجية. هذا التوجه لم يعمق فقط الهوة بين الشعوب والحكومات، بل ساهم في إنتاج بيئة سياسية واجتماعية مُعيقة للإصلاحات ومُغذية لمشاعر الإحباط العام.
التحديات الاقتصادية والاجتماعية المتشابكة
اليوم، تقف الدول العربية على مفترق طرق حرج، تواجه خلاله تحديات اقتصادية واجتماعية بالغة التعقيد. فمعدلات البطالة المرتفعة، والتفاوت الاجتماعي، والضغط على البنى التحتية بفعل النمو السكاني، كلها عناصر تغذي أزمات هيكلية تهدد الاستقرار في الداخل العربي. كما أنه وفي ظل هذه الأوضاع المُتقلبة والمتوترة، لعبت التدخلات الخارجية دوراً سلبياً، إذ ساهمت في تفاقم الخلافات الداخلية وأعاقت محاولات تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
التداعيات العابرة للحدود
ولم تتوقف آثار التدهور الاقتصادي والاجتماعي عند حدود الدول العربية، بل امتدت لتشمل العالم بأسره. فقد أصبحت المنطقة العربية مسرحاً لأزمات إنسانية حادة، من موجات النزوح والهجرة إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر ضعفاً من أطفال وشباب. وفي غياب استراتيجيات متماسكة للتعامل مع هذه الأزمات، برزت تهديدات جديدة تمثلت في انتشار التطرف والإرهاب، وجعل المنطقة مصدر قلق عالمي يهدد الأمن والاستقرار الدوليين.
فرص الإصلاح والتنمية
وسط هذه المعطيات القاتمة، يبقى الأمل في إعادة صياغة مسار المنطقة العربية قائمًا، ولكنه مشروط بقرارات حاسمة وإصلاحات استراتيجية جذرية. فلا يمكن الحديث عن تنمية حقيقية دون إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة وآليات عملها بما يضمن تحقيق العدالة والشفافية والمساءلة. هذا التغيير يتطلب الانتقال إلى نماذج حوكمة قائمة على الفصل بين السلطات، وسيادة القانون.
إلى جانب ذلك، فإن إصلاح منظومة التعليم يُعد الركيزة الأساسية لهذه التحولات، ليس فقط لتطوير الكفاءات البشرية القادرة على الإسهام بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولكن أيضاً لخلق اقتصادات معرفية متقدمة. كما أن التكنولوجيا الحديثة تمثل فرصة ذهبية لتجاوز القيود التقليدية وإنشاء نماذج اقتصادية جديدة قادرة على المنافسة العالمية.
وعلى مستوى أوسع، فإن التكامل العربي لا يمكن اعتباره خياراً بل ضرورة استراتيجية، إذ تحتاج الدول العربية إلى رؤية مشتركة للتنمية تعزز المصالح الجماعية وتضع حداً للصراعات التي لا تحقق أي منفعة حقيقية، والتي غالباً ما تستغلها القوى الخارجية لتعزيز نفوذها على حساب استقرار المنطقة.
وفي صلب هذه الرؤية، لا بد أن يكون الشباب في قلب هذه الرؤية، بصفتهم المحرك الحقيقي لبناء المستقبل وتحقيق التحولات المستدامة. هذه الطاقات الهائلة وقدراتها على الابتكار والتكيف تمثل القوة الدافعة للتغيير الإيجابي في العالم العربي.
إعادة صياغة الواقع العربي
لقد علّمنا التاريخ بأن التحولات الكبرى تتطلب إرادة صلبة ورؤية استراتيجية بعيدة المدى. ومن هنا، ينبغي لصانعي القرار في الدول العربية أن يدركوا أن مستقبل المنطقة مرهون بقدرتهم على تجاوز الخلافات والانقسامات الضيقة والعمل نحو تحقيق التكامل في المصالح المشتركة. فالحديث عن مستقبل العالم العربي لا يمكن أن يُختزل في إصلاحات سطحية أو وعود سياسية عابرة، بل يتطلب تحولاً جوهرياً في الفكر والممارسة، يعيد تعريف التنمية بمفهوم شامل ويتجاوز الأبعاد الاقتصادية ليضع أسس العدالة الاجتماعية، ويؤسس لمناخ الحوار الشفاف والبنّاء الذي يرسخ قيم الانتماء والتعاون والمسؤولية المشتركة.
الفرصة لا تزال قائمة، ولكنها مشروطة بالعمل الجماعي والإيمان بأن المستقبل العربي لا يُصنع بالانتظار أو الترقب، بل بالإرادة والإقدام على خطوات جريئة والعمل المشترك.