الحرب في السودان: الهجوم الدبلوماسي... خطة حميدتي لإضفاء الشرعية السياسية على مكاسبه العسكرية
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
إعداد: رنا الدياب | دافيد ريش إعلان اقرأ المزيد
تسعة أشهر من الحرب ولا هدنة في الأفق. تسبب الصراع المميت في السودان بين الجيش النظامي بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، في نزوح داخلي لأكثر من 7.5 مليون شخص، ما يفاقم وضعا إنسانيا كان مسبقا كارثيا.
وقد تركز الصراع لبعض الوقت في منطقة دارفور وفي العاصمة الخرطوم، ثم اتسع نطاقه في الأشهر الأخيرة إلى أجزاء أخرى، ولا سيما إلى الشمال الشرقي والجنوب الشرقي من العاصمة. وما لبث حميدتي، الذي تحرز قواته تقدما على الأرض، أن انخرط في هجوم دبلوماسي إقليمي في الأسابيع الأخيرة. وبالارتكاز على نجاحاته العسكرية الأخيرة، يعتزم حميدتي الفوز في معركة الصورة.
I was pleased to participate in the 42nd Extraordinary Session of IGAD Assembly of Heads of State and Government, held in Entebbe, Republic of Uganda, which discussed the ways to halt the ongoing war in the Sudan.
The summit was a significant opportunity for us to brief the… pic.twitter.com/5HNxplaZ9t
ودقت منظمة الشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ناقوس الخطر في منتصف يناير/كانون الثاني، بشأن تهديد بقايا مملكة كوش بسبب الصراع، وهي مواقع مصنفة على قائمة مواقع التراث العالمي لليونسكو، وعمرها 2300 عام. وبحسب المنظمة غير الحكومية، نفذت قوات الدعم السريع عمليتي توغل خلال الشهرين الماضيين على موقعي النقعة والمصورات الصفراء الواقعتين على بعد 170 كلم شمال شرق العاصمة.
وفي حين أن القوات الجوية للجيش تمكنت من صد القوات شبه العسكرية بدون التسبب في أضرار، فإن هذه التوغلات تعكس الديناميكية الإيجابية التي تعمل بها قوات حميدتي على الأرض.
ووفقا لـ "Acled" غير الحكومية (مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها)، فإن قوات الدعم السريع تسيطر حاليا على "جميع ولايات دارفور تقريبا" في غرب البلاد. وفي الأسابيع الأخيرة، حققت أيضا تقدما كبيرا في ولاية الجزيرة بجنوب شرق الخرطوم، حيث تمكنت من السيطرة على ود مدني في 18 ديسمبر/كانون الأول.
#Sudan: More than eight months into the war between the Sudanese Armed Forces and the Rapid Support Forces, the RSF offensives are gaining the upper hand. Read more in our latest situation update: https://t.co/Gc195swz4Y pic.twitter.com/YnJ68yuNcW
— Armed Conflict Location & Event Data Project (@ACLEDINFO) January 16, 2024 "على وشك الانهيار؟"إن الاستيلاء على الجزيرة، هذه الولاية التي يبلغ عدد سكانها 400 ألف نسمة، وهي واحدة من أكبر المدن في البلاد، وقع بعيدا عن وسائل الإعلام المركزة على الهجوم الإسرائيلي على غزة، ما أثار انتقادات واسعة النطاق لقوات الدعم السريع، المعروفة بعنفها، والتي سرعان ما اتُهمت بالتورط في الانتهاكات والنهب.
لكن الجيش النظامي هو الذي أثار الغضب، فبعد بضعة أيام من القتال في الضواحي، انسحب بدون قتال وتخلى عن الولاية.، وحاول البرهان حفظ ماء وجهه قائلا "سنحاسب جميع القادة المهملين. وسيتعين على المسؤولين عن هذا الانسحاب أن يحاسبوا على أفعالهم، بدون أي تساهل".
وورد في تقرير حديث صدر عن "مجموعة الأزمات الدولية" غير الحكومية "توقع السودانيون أنه على الرغم من أدائه الضعيف في الغرب، فإن الجيش سيكون أكثر نجاحا في حماية ساحته الخلفية النهرية التاريخية". وأضاف التقرير "رغم أنه لم ينتصر في أي معركة كبرى، إلا أن الكثير من السودانيين يتساءلون عما إذا كان اليوم على وشك الانهيار، رغم أن كل السيناريوهات تظل واردة".
جولة دبلوماسية ماراثونيةفي 27 ديسمبر/كانون الأول، وبعد تسعة أيام من النصر الخاطف الذي حققته قواته في ود مدني، بدأ حميدتي جولة دبلوماسية إقليمية ماراثونية: أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي وكينيا وجنوب أفريقيا ورواندا.
وكان التواصل بين زعيم القوات شبه العسكرية والدول المجاورة بالخفاء أكثر، وكان هناك ما يدعو لذلك، حيث أن حميدتي شغل منصب نائب رئيس الفترة الانتقالية بقيادة البرهان، كما أن قوات الدعم السريع متهمة بقتل عدة آلاف من الأشخاص بمنطقة دارفور في مذابح عرقية.
وفي رسالة طويلة نُشرت على منصة إكس في 11 يناير/كانون الثاني، تحدث حميدتي عن مقابلة هاتفية مع الأمين العام للأمم المتحدة ندد فيها بانتهاكات الجيش الذي وصفه بـ"الميليشيا"، وأشار إلى أنه كشف لأنطونيو غوتيريس عن "رؤيته لإنهاء الحرب".
في بداية النزاع، "احترمت الجماعتان المسلحتان شكلا معينا من أشكال التسلسل القيادي. لكنهما تكبدتا خسائر كبيرة وقامتا بالتجنيد على نطاق واسع. ويتصرف المجندون الجدد، وبالتأكيد بعض المقاتلين القدامى، بشكل سيء للغاية تجاه السكان السودانيين"، يوضح رولاند مارشال، الباحث في مركز الأبحاث الدولي للعلوم السياسية. ويضيف المتخصص في شؤون المنطقة "صحيح أن كلا الطرفين ليسا متطابقين، إلا أن كلاهما ارتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وعشية اجتماع مخصص للسودان في كمبالا عاصمة أوغندا، أعلن الفريق البرهان في 17 يناير/كانون الثاني تجميد علاقاته مع كتلة شرق أفريقيا الإقليمية، "Igad" (الهيئة الحكومية للتنمية) التي كانت تحاول القيام بوساطة، متهما إياها بـ"التدخل" في الشؤون السودانية. وهذه كانت فرصة ذهبية لحميدتي الذي أدان على الفور "أولئك الذين يعيقون عملية السلام في السودان"، ووصفهم بـ"خونة الأمة".
ويؤكد مارشال أن "البرهان كان يعتقد حتى وقت قريب أنه يستطيع الحصول على لقب رئيس الحكومة الوطنية السودانية"، على الرغم من أن "الجيش الوطني يقصف شعبه". ويضيف "يبدو حميدتي أكثر فأكثر وكأنه الفائز في هذه المواجهة، ويأمل الآن في إضفاء الشرعية السياسية على مكاسبه العسكرية التي حققها خلال الشهرين الماضيين"، فيما "يعاني السكان ويموتون ويهربون من الحرب في بلادهم، بدون أن يبدو أن المجتمع الدولي يتخذ إجراء بشأن حل الأزمة"، يقول الباحث متأسفا.
ووفقا لتقرير لم يسترع الانتباه كفاية من منظمة "Acled" غير الحكومية، فقد توفي حوالي 13000 شخص خلال الأشهر التسعة من الحرب في السودان. وفي 18 يناير/كانون الثاني، أعلنت الأمم المتحدة بدء تحقيق في جرائم الحرب في البلاد سيركز بشكل خاص على الاتهامات العديدة بالاغتصاب وتجنيد الأطفال منذ بداية الصراع في 15 أبريل/نيسان الماضي.
المصدر: فرانس24
كلمات دلالية: كأس الأمم الأفريقية 2024 الحرب بين حماس وإسرائيل الحرب في أوكرانيا ريبورتاج السودان عبد الفتاح البرهان قوات الدعم السريع الولايات المتحدة دارفور محمد حمدان دقلو حميدتي عبد الفتاح البرهان السودان نزاع قوات الدعم السريع الجيش دارفور كرة القدم كأس الأمم الأفريقية 2024 للمزيد ساحل العاج منتخب مصر الجزائر مصر المغرب السعودية تونس العراق الأردن لبنان تركيا ینایر کانون الثانی قوات الدعم السریع غیر الحکومیة فی السودان الحرب فی
إقرأ أيضاً:
مقاطعة الإعلام الحربي كأداة مقاومة ضد آلة الدعاية العسكرية
مع كل نشرة أخبار — أصبحت مقاومة الحرب تبدأ بزرّ “كتم الصوت”. لم نعد بحاجة إلى جيوشٍ ولا خنادق، فالمعارك الآن تُخاض على الريموت كنترول، والهزيمة تُقاس بعدد مرات المشاهدة.
نحن جيلٌ يتصفّح الجحيم بين الإعلانات، ويستلهم ضميره من فواصل درامية مدفوعة.
لم نعد بحاجة إلى السلاح أو الجنود لنخوض الحروب، بل أصبحت المعركة تُخاض اليوم عبر شاشات التلفزيون، حيث تَتَحَكَّم التقارير الإخبارية في مصائرنا أكثر من أي معركة حقيقية. أصبحنا نعيش في عصرٍ يتخلله مشهد العنف والتدمير الذي يُعرض بين فواصل الإعلانات، في وقتٍ أصبح فيه الموت مجرد حدث يومي تُبث تفاصيله دون توقّف، وكأنما نحن جزء من مسرحيةٍ درامية لا تنتهي.
في هذا العصر، ماذا يعني أن تقاطع نشرة الأخبار؟ ببساطة، يعني أنك ترفض الانغماس في الحقيقة التي تُصاغ وفقًا لاحتياجات السلطة، وتصر على عدم أن تكون جزءًا من السرديات التي تُستخدم لإعادة تشكيل الواقع وفقًا لمصالح القوى المسيطرة.
إن مقاطعة الأخبار التي تُروّج لحكايات الصراع لا تعني إنكار الواقع، بل هي محاولة واعية لتحرير الوعي من عبودية الدعاية التي تُخفي وراءها مآسي الإنسان وتُهمّش معاناته. هذا الفعل لا يُعدّ هروبًا من الواقع، بل هو نوع من العصيان المدني الهادئ، الذي يهدف إلى كسر دائرة الرأي العام المُستعبَدة بتكرار صور العنف والدمار. غير أن هذا التأمّل لا يأتي من فراغ، بل ينبثق من وعيٍ جمعيّ تحاول المؤسسات الإعلامية الموجّهة أن تُجهضه يوميًا.
الإعلام هنا لم يعد ناقلًا للواقع، بل مُهندسًا له، خادمًا مطيعًا في بلاط السلطات العسكرية والمليشياوية، لا ينقل الأخبار بقدر ما يُعيد تشكيل الإدراك العام، وفق خطة متقنة لغسيل الدماغ الجمعي. وكأنّ من يدير هذه الماكينة الإعلامية قد قرأ بتمعّن أطروحة نعوم تشومسكي عن “تصنيع القبول”، ثم أساء استخدامها على نحو تراجيدي.
أما أولئك “الخبراء الاستراتيجيون” الذين يُستدعون كل مساء لتحليل “الموقف الميداني”، فهم في الحقيقة تجسيدٌ حيٌّ لعبثية نخبةٍ شاخت دون أن تعي، وتكلّست دون أن تتقاعد.
خبراء بلا حس، لا يُحسّون بكهولتهم، لكنهم مصرّون على أداء دور الرُسل الزائفين الذين يحملون رسائل الخراب، وكأنهم يسعون إلى تحويل معاناة الناس إلى لوغاريتمات عسكرية. أولئك الذين يمتلكون القدرة على التفسير، لا على الفعل، يُكرّسون خطابًا يُحيل المعاناة اليومية إلى مجرد معادلات انتصار أو خسارة، كأنّ حياة البشر أصبحت نردًا مسعورًا في يد نخبة مستبدّة.
وهم لا يطلبون منّا شيئًا أقلّ من المشاركة في هذه الحرب الرمزية. بل يطلبون منّا أن نكون جنودًا في جيش التأويل، حتى لو كنّا على بُعد آلاف الأميال. يُطالبوننا بأن نحمل بنادق وهمية من وراء الشاشات، ونقف صفًّا في معركة لا تُشبهنا، ضد عدوٍّ لم نُحدّده نحن، ولصالح سلطةٍ لم نخترها.
إنهم لا يطلبون تأييدًا، بل ولاءً أعمى، يجعل من صمتنا جريمة، ومن أسئلتنا خيانة، ومن تعاطفنا مع الضحية دليلًا على الانحياز غير المقبول.
ولأجل ذلك، تُستخدم أدوات السادية الإعلامية دون وجل: مقاطع الفيديو التي تُوثّق الذبح، والتنكيل، وحرق الناس و هم احياء، لا تُعرَض من أجل إيقاظ الضمير، بل من أجل تخديره. لا لشيء إلا للتطبيع مع الموت، والتعوّد على القبح، وفقدان القدرة الأخلاقية على الارتجاف من الألم الإنساني.
إنها أدوات غسيل دماغ ممنهج، تُراد لنا بها أن نُطبّع مع الرعب، أن نصبح شهودًا متواطئين في مسرحية دموية لا تنتهي. وكما يقول هربرت ماركوز: “الحرية التي تُمارَس في ظل هيمنة الصور الموجّهة ليست حرية، بل امتداد لنظام القمع في شكل جديد”. بل إنهم يُحفّزوننا — بإلحاح عاطفي ولغة مشحونة — أن نكون جزءًا من المعركة، حتى لو على البعد.
إنهم لا يريدون فقط أن نتابع أخبارهم، بل أن نتبنّى رؤيتهم للعالم، أن نحمل أعلامهم، ونغنّي أهازيجهم، ونلعن من يرفض هذا الانتماء القسري. إنهم، ببساطة، لا يطلبون وعينا، بل استلابه.
وعلى صعيد آخر، فإنّ هذه المقاطعة تُعيد إلى الجمهور السيطرة على المعلومات التي يتلقّاها، فتفتح المجال للتفكير النقدي وإعادة قراءة الأحداث من منظورٍ مختلف، بعيدًا عن التأطير الرسمي الذي يخدم مصالح الأطراف المتصارعة. إنها دعوة لإعادة صياغة رواية الحرب بحيث لا تبقى مجرد أرقام وإحصاءات تُبثّها محطات الأخبار، بل تتحوّل إلى قصة إنسانية تُبرز آلام الضحايا وتدعو إلى السلام والحوار.
إنّ في وجه هذا القمع الإعلامي والجماهيري، قد يكون صمت الفرد المقاوم، وامتناعه عن الاشتراك في ولائم الصور، أقرب إلى فعلٍ ثوريّ من ألف هتاف. كما قال محجوب شريف: “أخوي في الركن ساكت، ساكت… لكن الكلام فوقو بليغ”، فحتى السكوت يمكن أن يحمل صرخة كاملة حين يُصبح الوعي متيقظًا.
وفي ظل هذا الجنون الجماعي، تبدو كلمات الخاتم عدلان عن “الاستقلال الثاني للوعي” مُلحّة أكثر من أي وقت مضى. فمقاطعة الأخبار هنا ليست انسحابًا سلبيًا، بل بداية لانعتاق داخلي من منظومة إعلامية تُحوّل الإنسان إلى خلية ضمن معادلة ربح وخسارة. هو مقاومة ضد عقلية الحرب، وضد نظام يُعيد إنتاج الدمار باسم الواقعية السياسية.
في النهاية، تُعدّ مقاطعة أخبار الحرب في السودان فعل مقاومة، ليس فقط ضد محتوى الإعلام القمعي، بل ضد النظام الذي يُفضي إلى تكرار مآسي الماضي. هو تحدٍّ يُعبّر عن إرادة الشعوب في تحرير نفسها من دوّامة الدمار والإعلام المستعبِد، ورغبة في بناء مستقبل يُستمدّ من قيم الإنسانية والتضامن، بعيدًا عن أي محاولة لتزييف الحقيقة أو استغلال الألم لتحقيق مكاسب سياسية.
بهذا الصمت الثوري، يمكن أن يُكتب فصلٌ جديد في تاريخ المقاومة، فصلٌ تُعيد فيه الشعوب تعريف مصيرها بيدها، دون أن تُسكنها شاشات الحرب التي لا تُظهر سوى عَدائِها المستمر لكل مظاهر الحياة.
zoolsaay@yahoo.com