جريدة الرؤية العمانية:
2025-07-05@22:02:35 GMT

التعليم المستدام (3-3)

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

التعليم المستدام (3-3)

 

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

يُولي العالم اهتمامًا واسعًا وكبيرًا بالتعليم؛ إذ ترصُد الدول موازنات ضخمة من أجل تعليم أبنائها، لهذا تضاعفت الحاجة إلى التعليم وتطويره رغم وجود عوائق اقتصادية وتكنولوجية حالت دون المضي به بعيدا، لكن الكلام عن التعليم ومشكلاته وتطويره مقبلات تثير الشهية، في الوقت الذي بدأت المعاقل الأكاديمية تمتص العقول المهاجرة من هنا وهناك والتي لم يتم توفير المناخ الملائم للإبداع والابتكار لعلمائها وباحثيها.

وفي هذه الحلقة من سلسلة مقالات "التعليم المُستدام"، نستكمل خطوات رسم خارطة الطريق من أجل تحقيق تعليم مستدام ومعزز للمهارات على النحو التالي:

9- تنويع الأهداف التعليمية: غالبا ما تكون الأهداف أن يعرف الطالب أو يفهم كذا وكذا، ليس المطلوب المعرفة والفهم في القرن الحادي والعشرين فقط، فهذه أدنى مستويات أهداف التعلم والتعليم، لماذا لا تكون الأهداف أن يطبق، يقارن، يحلل يكتشف، يقوم ويحلل، يستنتج. وهذا ما أشار إليه هرم بلوم المعروف في الأوساط التربوية، والذي أوضح فيه أن عمليات التعليم تبدأ بالتذكر والفهم لتنتقل للتطبيق والتحليل والتقويم والابتكار؛ فالاستمرار على التركيز على المستويين الأوليين سوف يخلق طلابا غير مستقلين عن المقرر الدراسي والمعلم وغير قادرين على التعلم الذاتي ومواكبة ركب الحضارة المتسارعة والتأقلم مع مستجدات الحياة وتقلبات العصر الهائلة التي تنتظرهم في المستقبل القريب قبل البعيد، "إننا نريد أناسا لديهم الجرأة على النهوض للتحديات والرغبة في المبادرة باستمرار" (روبرت فينسترا). فنحن نعدهم للمواجهة المبكرة للتحديات والمصاعب التي سوف تقابلهم، وذلك بلا شك سيدربهم على صقل مهاراتهم وتنمية قدراتهم، في تناغم مستمر مع ضروريات الحياة، ومتطلبات المجتمع.

10- إشراك المتعلمين في صناعة القرارات التعليمية: فما أجمل أن يكون هناك ممثلين من الطلبة والطالبات بنسبة من كل تخصص في اجتماعات مجالس الكليات والجامعات ومجالس التعليم العالي في كل قطر من أقطار عالمنا المترامي الأطراف، لنستفيد منهم ونعدهم للمستقبل، ليكونوا قادرين على صنع القرار. لا نعدهم ليكونوا منفذين فقط. (الديمقراطية في إدارة المؤسسة التربوية). الطلبة شركاء في نجاح العملية التعليمية. فالعمل الحقيقي للجامعة هو إطلاق القدرات القيادية لكل فرد، من ذلك تطلق جامعة ستيندن التي يدرس فيها أحد عشر ألف طالب في هولندا على نفسها جامعة قيادة وتعرف القادة على أنهم أناس "يتصرفون وفقا للمبادئ العالمية، ويتحملون المسؤولية، ويقدرون الاختلافات لدى الناس، ويتعاونون تعاونا إبداعيا، ويعملون على تطوير أنفسهم" [كوفي، ستفين آر، البديل الثالث:253]، تقول ساندرة لوني: "نحن نبني بيوتا لنسكن بها أما الجامعات فهي بيوت للأفكار. نحن نبني جامعات لكي تسكن بها الأفكار"، فكيف يتم ترجمة تلك الرسالة في واقعنا إلى واقع عملي. يقول البلام، "متى آمنّا بأن التعليم احتضان التنوع وتقبل الآراء المتضاربة، وتسامح مع المعارضة واعتراف بأن الحقائق ليست كلها مطلقة، وأنه ثورة العقل على الماضي ليحاكم به الحاضر منتجاً المستقبل، استطعنا من خلال ذلك أن نبني عقولاً ونفوساً تصارع الجبال وتؤسس الأوطان".

11- تعزيز دور الجامعات والكليات فيما بعد التخرج من عمل لقاءات وتواصل مع الخريج. وفتح قنوات التواصل بين جهات التوظيف والكلية والجامعة لمعرفة ما ينبغي أن يتوفر لدى الخريج من مهارات صلبة وناعمة ليتم تزويدهم بها في مقاعد الدراسة، وأخذها في الحسبان أثناء تصميم المقررات الدراسية والاختبارات التحصيلية وفي بيئات التعليم في طرق التدريس والتدريب المناسب، لطمس الهوة والفجوة الحاصلة بين التعليم في الأوساط التربوية وبيئات العمل، وتفعيل ما يُسمى باستراتيجية التعليم القائم على المشاريع وإتاحة الفرصة للطلاب للتطبيق العملي وعمل مشاريع عملية أثناء الدراسة كتطبيق للعلوم والمعارف.

12- تعزيز استخدام التعليم الإلكتروني (E-Learning)، والتعليم المدمج في مؤسسات التعليم من خلال لوائح وأدلة تنظيمية تحدد آلية تطبيقه بشكل كُفء وفعال، ليعمل بالتزامن مع التعليم وجهاً لوجه أو التعليم المباشر، وعمل شراكة وتعاون مع شركات الإتصالات بغرض تحسين جودة خدمتها وتوفير بنية تحتية تكنولوجية قادرة على الإرتقاء بالتعليم، وتدريب وتأهيل الهيئات الإدارية والتدريسية على التعامل مع المستجدات الحديثة ومواكبة عالم التقنية والاتصالات، لتكون جاهزة لمواجهة أي ظرف طارئ لا سمح الله، مثل الأزمة التي واجهت القطاع التعليمي -بسبب تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19). فالتعليم الإلكتروني أضحى ضرورة مستقبلية لما يوفره من جهد وقت.

13- تفعيل نظام رخصة مزاولة مهنة التدريس: وتعتمد على استيفاء المعلم في التعليم العام وأعضاء هيئة التدريس في مؤسسات التعليم العالي لمتطلبات ومعايير محددة تحددها الجهات المختصة، وتعتمد على معايير الجودة التعليمية الشاملة وترتبط بالمعايير الدولية والمحلية والإقليمية، على أن يتم تجديد هذه الرخصة في مدة محددة تحددها الجهات المختصة.

14- الاهتمام بتشييد مجلات علمية محكمة في كل معهد أو كلية أو جامعة تستقطب وتستهوي الكتاب من مختلف أنحاء المعمورة، ورصد جوائز قيمة للمبدعين في المجالات البحثية المختلفة والابتكارات المتنوعة. وتعزيز مكانة البحث العلمي والتدريب على أساليبه وطرقه والتحول لمجتمع المعرفة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وبما يتناغم مع رؤية تعزيز مؤشر الابتكار العالمي، والعمل على تطوير المجلة والارتقاء بمكانتها بين المجلات العلمية المحكمة وتسجيلها في الفهارس العلمية العالمية وإدراجها في شبكات وقواعد البيانات العلمية العالمية.

يقول علماء النفس إن الشرط الأول للشفاء والنمو هو الصدق أو الواقعية أو الانسجام، فبداية نجاح العملية التعليمية مرهون بناء ميثاق قيمي يتغلغل في ماشطنا التعليمية، ومناهجنا بالشكل الذي يضمن لطلابنا التعليم المستمر والتعلم مدى الحياة، فنحن نعدهم للمواجهة المبكرة للتحديات والمصاعب التي سوف تقابلهم، وذلك بلا شك سيدربهم على صقل مهاراتهم وتنمية قدراتهم، في تناغم مستمر مع ضروريات الحياة، ومتطلبات المجتمع بمدى ارتباطها بتحقيق متطلبات المجتمع وملاءمتها مع طبيعة المتعلمين وميولهم واتجاهاتهم ورغباتهم.

وتعد تلك الخطوة من أوليات تجديد التعليم، وخطوة للخروج من "قرني المأزق" والتي تحتم علينا ضرورة التحول من ثقافة الذاكرة والحفظ إلى ثقافة الإبداع والابتكار، والاتجاه نحو تعليم مهارات بدلاً من معلومات ومعارف، والتي تمكنهم من عبور حدود الزمان والمكان، عوضاً عن المعرفة والتي تولد وتموت بتغير الزمان والمكان، ويبقى منها العبرة والعظة والذكريات الجميلة أو المؤلمة. فمن يفتش وراء النهر ويستنشق من أجوائه عبير المستقبل المعطر بروائح الأمل لحل ومواجهة مشكلات الحياة فالتعليم المستدام هو المستقبل.. لذا "كُنْ أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم" (غاندي).

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

طهران تقود ثقافة الانتصار بعقلية المستقبل

 

أخيراً، أعترف الكيان الصهيوني بانكساره وطالب بوقف لإطلاق النار بينه وبين إيران، وما دفع بنيامين نتنياهو إلى هذا الطلب بواعز أمريكي هو حجم الخسائر داخل كيانه الاستيطاني وعدم رغبة البيت الأبيض باتساع المواجهة في المنطقة.

المجتمع الاستيطاني الصهيوني كان خلال الأيام الماضية ضحية مصطلح البروباغندا الإعلامية الصهيو/ غربية، وصدق إمكانية القضاء على «الخطر الوجودي الإيراني»، لكن اتساع دائرة الدمار في الكيان الصهيوني دفع المؤسسة الأمنية والسياسية للضغط على رئيس الحكومة من أجل التراجع والطلب بوقف إطلاق النار.

هدف الكيان الصهيوني تبدل مع بدء المواجهة العسكرية وهو لم يعد مجرد ضرب المنشآت النووية، فهو يدرك أن هذا هدف بعيد المنال رغم اغتيال العلماء وتخريب الموارد. كما أن تحجيم القوة الصاروخية والقدرة الصناعية الإيرانية لن ينجح أيضًا.

ولكن الهدف الحقيقي «للصهيو أمريكي» هو الاقتصاد الإيراني: قطاع الطاقة، والصناعات البتروكيمياوية، والغازية، والفولاذ وغيرها – وهي مفاصل قوة الدولة الإيرانية ومصادر تماسكها. ولذلك فإن نتنياهو، ومن يشاركه أمريكيًا وأوروبيًا، سعوا إلى إسقاط النظام السياسي في طهران واستبداله بنظام جديد عميل لهم.

ولكن ما أربك هذا المخطط هو إدراك الإيرانيين، بمن فيهم المعارضون الوطنيون في الداخل والخارج، أن بلادهم أصبحت هدفًا لحرب شاملة تهدد وجودهم، واقتصادهم، ومستقبل أجيالهم. لذا فإنهم أكدوا على أن التماسك الداخلي في ظل العدوان قد يعزز بدل أن يتفكك، وهو ما أفرغ استراتيجية «التمرد الداخلي» الذي سعى إليها أعداء إيران من مضمونها.

ينظر البعض لمفهوم «النصر» بشكل سطحي كمجرد تحقيق هدف مادي محدد دون النظر للسياق والملابسات المحيطة به. لكن هناك رؤية أعمق ينبغي أن تأخذ في الاعتبار معايير نسبية لتقييم النتيجة المادية، وكذلك البعد المعنوي المتمثل في تجسيد قيم العزيمة والمثابرة.

ينبغي علينا إذن أن ننظر لمفهوم النصر الإيراني في هذه الجولة بعمق، من خلال منظوريه المادي – حسب معايير نسبية وليست مطلقة – فضلا عن المنظور المعنوي.

ولكن من صنع الانتصار المزدوج، ومن دافع عن الهزيمة وتضرر منها؟

التاريخ وحده سيجيب عن كل الأسئلة التي تطرح وستطرح الآن وفي المستقبل، والتاريخ وحده سيسجل الحقيقة كما هي وسيفرز الناس، بين الذين صمدوا وتصدوا بشجاعة دفاعًا عن بلادهم، وأولئك الخونة الذين غدروا وطعنوا بوطنهم في الظهر قبل وخلال العدوان، وتحالفوا مع أعدائهم وتجار الموت والدمار والحروب. ‏

قريبًا ستفتح صفحات التاريخ.. ولن يمر وقت حتى نقرأ الحقائق كما هي دون «رُتوش» أو تحريف أو تزوير، ألسنا في زمن التزوير والزيف والأكاذيب الإعلامية، الغربية والعربية؟ ‏

اليوم يحق للشعب الإيراني المجاهرة بمشاعر الفخر والعزة والكرامة رغم الخسائر البشرية والمادية، وهو يتذكر بطولات جيشه الذي سجل بدمائه الزكية وبصبره وجهاده أنصع صورة في التاريخ الحديث والمعاصر، فهو لم يقهر جيشًا ­ قيل عنه لا يُقهر­ بل واجه قوة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية أيضًا واجبرها على إعادة قراءة الوقائع على الأرض بعيدًا عن الأوهام والأحلام. ‏

النصر العسكري الإيراني على أهميته البالغة في الجولة الأولى، ليس إلاّ الشق الميداني المباشر من النصر الكبير عندما تبدأ هذه الدولة الإقليمية العظمى في الاستمرار ببناء دولة ذات ثوابت سيادية واجتماعية واقتصادية ومستقبلية، بناء الدولة أو إعادة بناءها أمر في غاية الصعوبة، وببساطة لكي تبني دولة يجب أن تفكر بعقل المنتصر، وعقل المنتصر دائما مشغول بالبناء والمحتوى والتقدم للأمام، وليس مشغولا بالأوهام أو لوم الذات أو التقليل من شأن ذاته أو الخضوع للإملاءات، بل هو موجه داخليًا لتحقيق الانتصارات تلو الانتصارات، فهو مشغول طول الوقت بالانتصار للمستقبل.

أما الشق الثاني الذي قد يفوقه أهمية، فهو الشق السياسي والمتمثل في تراجع المشروع الأمريكي الخطير المعدّ في كواليس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والدولة العميقة، والمعروف باسم مشروع «الشرق الأوسط الجديد». ‏

ليست هذه استنتاجاتنا وتحليلاتنا، بل هي اعترافات صريحة من قبل المهزومين أنفسهم.‏ فالإعلام الصهيوني، كما الأمريكي، اعترف بالفشل علنًا، وكل من يكابر ويرفض سماع هذه الاعترافات فهو كمن يغمض عينيه ويسير نحو المجهول. ‏

وهنا يمكننا التأكيد على الهزيمة العسكرية التي اصابت الكيان الصهيوني وجيشها من جهة، والهزيمة السياسية للإدارة الأمريكية التي لها نصيب من الهزيمة العسكرية، هي من كان يمنع أي قرار بوقف إطلاق النار بوهم أن «إسرائيل» ستنتصر، وهي التي نقلت الأسلحة الذكية والغبية والمحرّمة دولياً، لظنها أن الكيان الصهيوني قادر على أن يكون القابلة القانونية لتوليد «الشرق الأوسط الجديد» من رحم الدمار والموت والدم في فلسطين ولبنان وسوريا. ‏

وبما أن نصف «الهزيمة» كان مزدوجًا (إسرائيليًا وأمريكيًا)، فالنصر الإيراني كان مزدوجًا بدوره ويسجل بأحرف من نور ونار ودم في سِفر التاريخ، وسيظل مفخرة للمنطقة. ‏وغدًا سنرى من نصّب نفسه محامياً للشيطان ورافضًا الاعتراف بنصر إيران وهزيمة العدوان والمشروع الأمريكي­ الصهيوني. ‏وعندما جاء «نصر الله والفتح» لن يعترف أصحاب «ثقافة الهزيمة» به، بل سيعتبروه كارثة ستحل بالمنطقة ‏ «فللمهزوم ثقافته كما للمنتصر ثقافته» كم قال الإمبراطور والفيلسوف الروماني ماركوس أوريليوس في كتابه الشهير «التأملات».

تقودنا هذه الظاهرة إلى فهم أعمق لكيفية تحول الذاكرة الجماعية الإيرانية خلال العدوان عليها إلى أداة حياة، تُستخدم لإعادة كتابة التاريخ، وصياغة الحاضر، وتوجيه المستقبل، تحت راية “النصر” أو “الشهادة”.

* صحافي وكاتب سوري.

مقالات مشابهة

  • أجواء حماسية ومنافسات قوية في بطولة النصر السابعة لفروسية قفز الحواجز والتي أُقيمت في نادي الفروسية المركزي بالديماس
  • طهران تقود ثقافة الانتصار بعقلية المستقبل
  • 31 الجاري آخر موعد للتسجيل ببرنامج «استشعار المستقبل»
  • خلل المركب الحضاري في المؤسسات التعليمية
  • شراكة بين التعليم والأمن لضمان استقرار العملية التعليمية في عدن
  • اجتماع في الشارقة لتطوير المبادرات التعليمية النوعية
  • ملتقى القطاع غير الربحي في التعليم والتدريب يستعرض التجارب الناجحة ويعزز الشراكة بين الجهات التعليمية
  • التعليم تعلن ترشيح 10,494 متقدمًا على الوظائف التعليمية
  • عاجل التعليم تعلن ترشيح 10,494 متقدمًا على الوظائف التعليمية
  • لدعم آلية محفزة ضمن رؤية متكاملة.. وزير التعليم: بدأنا «أنسنة» المدارس وتحسين البيئة التعليمية