استراتيجيات لتقوية السيطرة المدنية على الجيش حماية للديمقراطية
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
"ومن كان (الخليفة) إنما يصول على الناس بقوم (الجيش) لا يعرف منهم الموافقة في الرأي والقول والسيرة فهو كراكب الأسد الذي يوجل من رآه (يخاف منه) والراكب أشد وجلا" ابن المقفع
“"سبايا نحن في هذا الزمان الرخو/ أسلمنا الغزاة الى اهالينا/ فما كدنا نعض الارض حتى انقض حامينا على الاعراس والذكرى فوزعنا اغانينا على الحراس/ من ملك على عرش/ الى ملك على نعش" محمود درويش
مشروعية سيطرة المدنيين على العسكريين
تعد سيطرة المدنيين على الجيش ومنع تدخل الجيش في سياسات الدولة وقراراتها ضرورة لحماية الديمقراطية بل ولحماية المدنيين من عنف الشموليين من العسكريين.
من ناحية أخرى فإن سيطرة المدنيين على الجيش ضرورة لضمان احتكار ممثلي الشعب المنتخبين لأدوات عنف الدولة ومنع إساءة استخدامها لقمع الشعب واحتكار السلطة والثروة وإفساد الدولة والمجتمع وإشعال الحروب الأهلية و الخارجية.
وهنا لابد أن نشير الى إجماع أدبيات العلاقات المدنية-العسكرية على ضروة تقبل العسكريين لأخطاء المدنيين السياسية بل والعسكرية وعدم استخدامها كمبرر للتغول على سلطتهم. فمن حق الشعب عبر ممثليه المنتخبين أن يخطئ ولا سلطان لأحد مؤسسات الشعب أو مجموعة من أفراده، المسلحين بماله وتفويضه، عليه.
الطبيعة العسكرية مختلفة عن الطبيعة المدنية
وفقا لصمويل هنتنغتون، كما ورد في كتابه الشهير "الجندي والدولة"، فإن العسكريين والمدنيين يمثلان عالمين متباينين ذوي فوارق كبيرة في القيم والنظم، ولا يمكن حماية الديمقراطية وضمان سيطرة المدنيين على الجيش الا بتقوية احترافية العسكريين، اي التزامهم بمهنتهم وعدم تدخلهم في المهن المدنية، شاملا السياسات والاهداف العسكرية, باعتبار الأخيرة ذات طبيعة سياسية لا يجوز صناعتها واتخاذها، على التوالي، الا من قبل ممثلي الشعب المدنيين.
من ناحية أخرى هامة، فقد لاحظ موريتس يانوتويتز، في كتابه العمدة "الجندي المحترف"، ان الطبيعة المحافظة للعسكريين تقود لبطء التغييرات داخلهم وتجعل مهمة مدينتهم، اي إخضاعهم لسيطرة المدنيين، عصية.
انشاء الجيش منذ البداية بقيادة المدنيين
يتم تفسير سيطرة المدنيين على العسكريين في الاتحاد السوفيتي والصين، ذات الأنظمة الشمولية، بأن إنشاء جيوشها تم من الصفر بيد وتحت إشراف وبقيادة الحزب المدني الثوري الحاكم.
كما نلاحظ أن تجارب كثير من الدول التي لم يتم فيها انشاء الجيوش منذ البداية على يد وبإشراف وقيادة المدنيين شهدت سيطرة العسكريين على المدنيين عبر الانقلابات. اغلب هذه الدول انشأت جيوشها سلطات اجنبية مستعمرة ونمت هذه الجيوش بصورة مستقلة عن المدنيين وبعيدا عن القيم الديمقراطية بعد الاستقلال.
الخلاصة البسيطة من هاتين الظاهرتين أنه ما لم يقم النظام المدني بإنشاء الجيش من الصفر، فسوف يجد صعوبة بالغة في السيطرة عليه.
تقليص حجم الجيش والتوازن المجتمعي في تكوينه
حرصت كثير من الدول الديمقراطية، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، على تخفيض أعداد العاملين في الجيش أثناء فترات السلم (مع استثناء فترة الحرب الباردة)، وذلك لمنع تحول الجيش الضخم إلى دولة داخل الدولة.
من ناحية أخرى لا تقل أهمية، يدعو الكثيرون ضرورة تمثيل مختلف مكونات المجتمع بتوازن وعدالة داخل الجيش، وخاصة في المستوى القيادي للجيش، حتى لا تحتكر أو تتسيد شريحة اجتماعية، طبقة ، طائفة أو عرق أعنف مؤسسات الدولة.
الاحترافية العسكرية والحياد السياسي للجيش
يدعو هنتتنغتون إلى "السيطرة المدنية الموضوعية" على الجيش عبر تأهيل قيادات عسكرية محايدة سياسيا ومستقلة ومهنية كضرورة لابعاد الجيش عن السياسة وقيادة المدنيين له.
منع التدخل المدني الفاسد في اختيار الضباط العسكريين وترقياتهم
منع التدخل الفاسد للمدنيين في اختيار الضباط العسكريين، مثلا عبر المحسوبية والتمييز للنخب المدنية الحاكمة، في مرحلة الالتحاق بالجيش وفي مراحل الترقي المهني العسكري، يزيد من احترافية الجيش ويقلل من فرص تدخله في السياسة.
تحول العسكرية من مؤسسة إلى مهنة
وفقا لفرضية تشارلس موسكوس فإن تحول العسكرية من مؤسسة، ذات طبيعة مختلفة بصورة كبيرة من المدنية، إلى مهنة يقرب العسكرية من النظم والقيم المدنية ويجعلها أكثر تقبلا للنظام الديمقراطي الذي يحتم السيطرة المدنية.
قد يساهم تحول العسكرية من مؤسسة متمايزة عن بقية مؤسسات المجتمع إلى مهنة مطبعة في الحياة المدنية تمنع تمايز العسكريين والجيش على المدنيين والمؤسسات الحكومية المدنية. يمكن دعم هذا التحول عبر محاربة ثقافة التميز والتعالي العسكري في مرحلة التدريب الأولي والتدريبات التالية وعبر تقوية المساواة في الحقوق والواجبات العامة بين العسكريين والمدنيين.
الرقابة المدنية من داخل الجيش
وظفت الأنظمة الشمولية اليسارية في الصين والاتحاد السوفيتي وبعض الأنظمة العسكرية ما يسمي بالمفوضين العسكريين والذين يتم تعيينهم بالتوازي مع التسلسل القيادي داخل الجيش لمراقبة التزام العسكريين على مختلف المستويات بسياسات الحزب الحاكم وايدولوجيته. تختلف وظيفة المفوضين العسكريين عن الاستخبارات والشرطة العسكرية في كونهم اذرع مدنية داخل الجيش.
الرقابة المدنية من خارج الجيش
من وسائل الرقابة المدنية على الجيش من خارجه أنظمة وازرة الدفاع واللجان البرلمانية المختصة بالرقابة على الجيش. وتقوم هذه الأنظمة الرقابية على الجيش بعمليات التفتيش وتقديم التقارير الروتينية ومراجعة الخطط العسكرية والرقابة التفصيلية على الميزانية، وجلسات الاستماع.
كذلك يمكن لمنظمات المجتمع المدني الغير حزبية ووسائل الإعلام وقادة الرأي العام القيام بالرقابة غير الحكومية علي الجيش والعسكريين.
القائد العام المدني للجيش
في أغلب الأنظمة الديمقراطية يكون القائد العام للجيش، السلطة الاعلى للقرار في الجيش، مدنيا، وغالبا هو قائد السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء). ويعتبر هذا أحد الآليات الهامة لقيادة المدنيين للجيش وحماية الديمقراطية.
اقالة القيادة المدنية للقيادات العسكرية وسلطة إجازتهم لترقيات كبار الضباط
في بعض الأنظمة الديمقراطية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يجوز للقائد العام المدني للجيش اقالة القيادات العسكرية العليا. وقد حدث ذلك مرات عديدة أثناء حروب كبيرة. كذلك تعطي بعض الأنظمة الديمقراطية الحق للقيادة المدنية في إجازة أو الامتناع عن إجازة ترقيات الضباط العسكريين، خاصة في المستويات العليا، مما يشجع على احترام العسكريين للقيادة المدنية.
تنقلات الضباط بين الوحدات العسكرية
في معظم الجيوش تعتبر التنقلات المنتظمة للضباط، بل والجنود احيانا، بين الوحدات العسكرية المختلفة إحدى وسائل منع تشكل التكتلات غير الرسمية عبر ارتباط العسكريين بنفس الوحدة لمدة زمنية طويلة.
التوافق المجتمعي على العلاقات المدنية-العسكرية
تدعو نظرية التوافق لربيكا شيف، لتوافق المؤسسات المجتمعية الثلاث - (1) الجيش، (2) النخب السياسية، و(3) المجتمع المدني على أربعة محددات أساسية للعلاقات المدنية-العسكرية وهي: التكوين الاجتماعي لهيئة الضباط، عملية صنع القرار السياسي، طريقة تجنيد الأفراد العسكريين، والاسلوب العسكري.
السيطرة المدنية على الجيش كعملية طويلة ومعقدة لمصلحة العسكريين والمدنيين
في الختام، يجب النظر لسيطرة المدنيين على الجيش وقيادتهم للعسكريين كعملية متغيرة وليس كمنتج جاهز وجامد.
ونظرا للطبيعة المختلفة بدرجة كبيرة للمدنيين والعسكريين واعتبارا لتعقيد العلاقات المدنية-العسكرية في سياقتها الاجتماعية والاقتصادية في السودان واستصحابا لواقع نشأة الجيش في غياب القيادة والقيم الوطنية المدنية بل ولتاريخ اطول لسيطرة العسكريين على المدنيين حربا وسلما، فإنه يتحتم على السودان، ككثير من الدول المشابهة، العمل بصبر ولمدة طويلة لوقف الحروب ولإرجاع العسكر للثكنات ودمج وتسريح المليشيات والحركات المتمردة المسلحة وذلك بالتوازي مع استخدام المعروف واستحداث الجديد من استراتيجيات فعالة وذات تكلفة اجتماعية معقولة لتخليق وصناعة واستدامة سيطرة مدنية على الجيش تليق بتحول ديمقراطي لمصلحة العسكريين والمدنيين سويا.
moniem.mukhtar@googlemail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: العسکریین والمدنیین المدنیة العسکریة السیطرة المدنیة العسکریة من داخل الجیش
إقرأ أيضاً:
السودان تعلن عن استعادة الجيش لمدينة سنجة اليوم
اعلن الناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، خالد علي الاعيسر وزير الثقافة والإعلام، عن عودة مدينة سنجة اليوم إلى حضن الوطن، مؤكدا أن لحظة تطبيق العدالة والمحاسبة قادمة.
وأضاف في منشور بصفحته في الفيسبوك ان العدالة والمحاسبة ستطال كل من ساهم في هذه الجرائم، وانه سيتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم.
نص المنشور:-
إن عزم الشعب السوداني وإرادته في مواجهة التحديات والمحن يعكسان قوة وصمود الشعب وأجهزته العسكرية والأمنية التي لا تعرف الانكسار.
إن الثقة التي يتمتع بها السودانيون في قواتهم المسلحة والمخابرات والقوات النظامية الأخرى، بالإضافة إلى القوات المشتركة والمستنفرين، ستظل ثابتة وراسخة رغم حجم الاستهدافات الداخلية والخارجية. وهذه الثقة هي دليل على وحدة الهدف ووضوح الرؤية وتماسك الإرادة الوطنية.
الصمود المستمرإن هذا الصمود المستمر يؤكد أن الشعب السوداني وقواته على موعد مع تحقيق المزيد من الانتصارات التي ستعيد للبلاد أمنها واستقرارها، وتطهرها من الفتن التي زرعها المتمردون والعملاء ومن يقف خلفهم من دول وأطراف متورطة.
عادت مدينة سنجة اليوم إلى حضن الوطن بفضل الله وعزيمة الأبطال، ولحظة تطبيق العدالة والمحاسبة قادمة، وستطال كل من ساهم في هذه الجرائم، وسيتم معاقبة المجرمين بما يتناسب مع أفعالهم.
التحية للقوات المسلحة السودانية والأجهزة الأمنية والقوات المشتركة والمستنفرين، ولكل من حمل همّ الوطن من زاويته وموقعه وإسهامه.