كيف تفاعلت الشعوب العربية مع العدوان على غزة؟
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
لم يكن تفاعل الشعوب العربية مع العدوان الصهيوني الوحشي ضد غزة على درجة واحدة، فثمة دول عربية سمحت بهوامش محدودة لحراكات ونشاطات شعبية للتعبير عن مناصرتها لأهل غزة، تمثل ذلك بتنظيم عشرات المظاهرات والوقفات على مدار أيام العدوان، وثمة دول عربية أخرى ليس من الوارد في أعرافها السياسية إقامة مثل تلك النشاطات والفعاليات.
وحتى تفاعل الشعوب العربية في بعض الدول العربية التي تتسامح مع نشاطات وحراكات شعبية ضمن السقوف التي تحددها تلك الأنظمة، لم يكن على مستوى الحدث وضخامته وتاريخيته، بل كان بمجموعه تفاعلا متواضعا، مع أنه في بعض مظاهره وتجلياته كان تفاعلا قويا، لكنه لم يشكل بتراكماته ضغطا قويا على الحكومات العربية يدفعها لتغيير مواقفها السياسية وفق مراقبين.
وفي هذا الإطار شهدت بعض الدول العربية، كالأردن واليمن والمغرب ولبنان مظاهرات ووقفات شعبية متواصلة طوال فترة العدوان على غزة، نددت بالجرائم والمذابح التي اقترفها جيش الاحتلال بحق المدنيين من أهل غزة، وطالب المتظاهرون بوقف فوري للعدوان، واستنكروا ما وصفوه بالصمت العربي الرسمي والدولي، وطالبوا برفع الحصار والسماح بإدخال المساعدات إلى غزة.
وتبعا لاختلاف الظروف والأعراف السياسية السائدة في العالم العربي، وحدود المسموح به والممنوع بشأن الفعاليات والنشاطات الشعبية، تباينت الآراء حول تفاعل الشعوب العربية مع مجازر جيش الاحتلال ضد أهل غزة، والتدمير الجنوني الشامل لعمرانها ومبانيها وأحيائها السكنية، بين من يعذر تلك الشعوب ويرى أنها تحركت وفعلت ما أمكنها فعله، وبين من يصفها بمحدودية المشاركة والفاعلية والتأثير، وكانت أقل من السقوف المسموح بها.
الأكاديمي والداعية السعودي، الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي رأى أن تعاطف الشعوب العربية مع ما يجري في غزة "له جانبان، الأول يتعلق بالاعتقاد والوجدان، فهي مع الشعب الفلسطيني وما يحدث للأهل في غزة، وهذا أمر مهم جدا، لأن انعدامه يعني خروج المسلم من دائرة الالتزام الذي يوجبه الدين الإسلامي على المسلم".
سعيد الغامدي.. أكاديمي وداعية سعودي
وأضاف "أما الجانب الثاني فيظهر بالخطوات العملية التي تطبق على الواقع، وفيه تقصير كبير، وقد تخلف فيه المسلمون عن الواجب الذي يجب عليهم القيام به، اللهم ما حدث من بعضهم بتقديم التبرعات والمساعدات، لكن الواجب أكبر من هذا بكثير".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولا يخفى أن المسلمين ابتلوا بالحكام الظلمة والفسقة والمرتدين، الذين تحالفوا مع العدوان ووقفوا معه، ولهذا فالشعوب العربية تخاف، وبات خوفهم مسيطر على أعمالهم وتصرفاتهم، ولا يستطيعون للأسف الخروج من هذا المأزق الذي يعيشونه، والله سبحانه قد عذر المستضعفين، فقال {إلا المستضعفين من الرجال والنساء لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا}.
وتساءل الداعية الغامدي "هل الأمة كلها وصلت إلى درجة الاستضعاف؟ إن هذا من الهوان والوهن الذي أصاب الأمة، ونسأل الله أن تشكل الأحداث منعطفا كبيرا لإيقاظ أحاسيسها ووجدانها وتحركها وعملها، وهذا له مؤشرات كبيرة في الواقع، وهو الذي يخافه الأعداء في كل مكان".
من جانبه رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الأردنية، الدكتور أحمد البرصان أن "الأنظمة السياسية العربية قامت طوال السنوات السابقة بترويض الشعوب العربية، وقامت كذلك بتهميش الأحزاب السياسية، والتضييق عليها، ما أوصل الشعوب العربية إلى الابتعاد عن المشاركة السياسية، أو تحاشي الانخراط في العمل الحزبي والسياسي نتيجة تلك السياسات".
أحمد البرصان.. باحث أردني.
وأضاف: "وهذا ما يتبدى بوضوح في تجربة الأحزاب السياسية في مصر، فقد كانت أحزابا قوية ولها حضور في الشارع، لكن النظام قام بتهميشها، وكذلك الحال في تجربة إشراك الإسلاميين في المغرب، ثم تم تهميشهم بعد ذلك، وفي التجربة التونسية تم إحباط الثورة والالتفاف عليها، والاصطدام بالأحزاب وتهميشها، وهو ما انعكس على أداء الشعوب وتحجيم دورها كذلك".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21" أن "ما تسمح به الأنظمة السياسية العربية في بعض الحالات يأتي ضمن الأطر والخطوط التي تسمح بها الأنظمة، وهي تهدف من وراء ذلك إفساح المجال للشعوب كي تنفس عن غضبها ونقمتها واحتجاجها عما تراه من مجازر وعدوان وحشي، وصمت عربي ودولي".
وتابع "ومع ذلك فقد كان الفعل العربي في دعم غزة ومؤازرتها قويا، وأثبت أن الشعوب العربية ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى، ولكن بعض الحكومات العربية منعت المظاهرات الشعبية، لأنها أنظمة ضعيفة، وتفتقر إلى الشرعية، وخافت أن تنقلب المظاهرات ضدها، ما حملها على فرض قيود شديدة على مختلف أشكال الحراكات الشعبية".
وبدوره وصف الكاتب والصحفي المصري، يوسف الداموكي "تفاعل الشعوب العربية مع المذبحة الدائرة في غزة" بأنه "كان أدنى من المطلوب والمنتظر، ولم يكن على مستوى المذبحة في غزة، فتحول من تأثير على الأرض، وفعالية في الميدان، وضغط على الحكومات والأنظمة لإجبارها ـ دفعا للحرج ـ أن تتحرك إلى مجرد تفريغ للطاقات، واستنفاد للقدرات، بين تنفيس الغضب على مواقع التواصل، وإتاحة التظاهر بعيدا عن الحدود المتاخمة للأراضي المحتلة، وفق ما تسمح به السلطات ويتماشى مع هواها..".
يوسف الداموكي صحفي وكاتب مصري.
وأردف: "فجاءت التحركات وفق السقوف التي تتيحها تلك السلطات، وليس كسرا أو تحديا لها.. فنجحت بعض الشعوب في التفاعل ضمن الدائرة المرسومة لها، لا أكثر، وذلك الموقف المحبط ليس المتهم فيه الأنظمة القمعية وحدها، وإنما الشعوب أيضا التي بشكل أو بآخر، يئست من الخروج على السلطة، ومن صنع الحدث بنفسها".
وردا على سؤال "عربي21" بشأن ما ينقص الشعوب العربية كي تقوم بواجبها المطلوب في نصرة غزة والتضامن الحقيقي معها، أشار الدموكي إلى أن "الشعوب العربية في غالبها تعيش حالة استسلام عامة مخزية، قد تتبعها موجات حقيقية، لكن ليس الآن حسب معطيات الواقع، ومن المؤسف أن الانفجار المنتظر لم يحدث في اللحظة التي انفجرت فيها الشعوب الغربية فاعلة ومؤثرة وضاغطة، بأفضل آلاف المرات من شعوب المنطقة".
وختم كلامه بالتنبيه على أن "ما ينقض الشعوب العربية اليوم هو (الجرأة)، والثقة بأنها قادرة على التحرك، ويلزمها إحداث ثورات جذرية في نفوسها أولا، ما يمكنها من العمل الجاد والمضني لتغيير كل العروش المتخمة بالاطمئنان الزائد عن حده، بأنهم نجحوا في قص مخالب الشعوب، وسلب إرادتها للأبد".
يُذكر أن انخراط غالب الشعوب العربية في حملات مقاطعة شركات وبضائع ومطاعم الدول الداعمة للكيان الصهيوني كان فاعلا ومؤثرا، وهو بحسب مراقبين سلاح الشعوب العربية في مواجهة العدوان الوحشي على غزة وأهلها وعمرانها ومرافقها العامة، ومساكن أهلها، وقد أتى أكله في تراجع مبيعات تلك الشركات والمطاعم والبضائع تراجعا كبيرا، وتكبدها خسائر مالية هائلة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية العدوان غزة الاحتلال الفلسطيني احتلال فلسطين غزة مواقف عدوان المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعوب العربیة فی الشعوب العربیة مع فی غزة
إقرأ أيضاً:
المؤسسات السياسية تتداعَى في فرنسا
ارتدت مارين لوبان ثوب حِداد أسود في ذهابها للتصويت على حجب الثقة عن الحكومة الفرنسية برئاسة ميشال بارنييه. فعلت ذلك وكأنها ذاهبة إلى جنازة نظامٍ تزعم أنها تحترمه لكنها تعمل بلا كلل ولا ملل لتقويضه.
في الأثناء ومن منصة الضيوف في مبنى الجمعية الوطنية راقب جان - لوك ميلانشون زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري أعضاء حزبه وهم يدلون بأصواتهم. وبعد اقتناعه بأنهم نفذوا تعليماته غادر المبنى قبل إعلان النتيجة النهائية للتصويت.
وهكذا تعاون أقصى اليمين وأقصى اليسار للإطاحة بحكومة بارنييه الوسطية بعدما يزيد قليلا على ثلاثة أشهر من تشكيلها وأدخلا فرنسا في المجهول.
هذه مرحلة جديدة في الأزمة ابتدرتها الانتخابات التشريعية المبكرة في الصيف الماضي والتي فشلت في المجيء بأغلبية برلمانية. الأزمة الآن عميقة إلى حد أن الرئيس إيمانويل ماكرون توجَّب عليه الإصرار في خطاب حازم ومتلفز على أنه لن يستقيل.
هل هذا هو الشفق الذي يُؤذِن بمغيب شمس الجمهورية الخامسة في فرنسا؟ لقد أسسها الجنرال شارل ديجول (1890-1970) بدستور مُصمَّم خصِّيصا لها في عام 1958 بقصد بسط الاستقرار بعد عقود من الحكم البرلماني الفوضوي. أقامت جمهورية ديجول توازنا بين البرلمان من جهة وبين رئيس الدولة الذي كرِّست في يده سلطات واسعة من جهة أخرى. وأصبح نظام الحكم في فرنسا رئاسيا بدرجة أكبر بعد أن أفضَى استفتاء أُجرِي في عام 1962 إلى انتخاب رئيس الدولة بالاقتراع العام وليس بالمجمع الانتخابي. لكن لسوء الحظ هذا الترتيب الذي تمت صياغته بعناية لم يعد فاعلا كما يبدو. (الاقتراع العام يحق فيه التصويت لكل مواطن بالغ. أما انتخاب الرئيس بواسطة المجمع الانتخابي كما في الولايات المتحدة فيتم بطريقة غير مباشرة عبر مجموعة من الأشخاص أو الناخبين الذين اختيارهم لهذا الغرض - المترجم.)
سياسي الوسط جان- لويس بورلانج صاحب خبرة ومراقب حصيف للتاريخ السياسي. يقول بورلانج والذي ترك البرلمان في الصيف الماضي «نحن ندخل مرحلة جديدة في هذا التوازن المؤسَّسَاتي». لفترة طويلة كان هنالك توافق أو انسجام بين الأغلبية الرئاسية والأغلبية البرلمانية مما سمح لليسار واليمين بالتناوب على الحكم بطريقة منتظمة. ثم بدأ ما سُمِّي «عهد التعايش» في أواخر الثمانينيات عندما جاءت الانتخابات بأغلبيات متعارضة للبرلمان والرئاسة. تمكن الرئيسان فرانسوا ميتران وجاك شيراك من ترتيب الأمور ببعض النجاح من خلال ممارسة الحكم مع رؤساء وزارة من الأحزاب المعارضة.
نجح هذا التعايش (بين رئيس من حزب ورئيس وزراء من حزب آخر- المترجم) لأنه كان مدفوعا بواسطة الأحزاب الرئيسية ممثلة في حزب يمين الوسط «الاتحاد من أجل حركة شعبية» الذي كان يقوده شيراك والحزب الاشتراكي بقيادة ميتران. فهما كانا يتشاطران نفس الرؤية للنظام السياسي. لكن انهار هذان الحزبان عندما شق ماكرون طريقه إلى المشهد السياسي وفاز بفترته الرئاسية الأولى في عام 2017. ازدهر حزب مارين لوبان المتطرف التجمع الوطني وسط أنقاض النظام الحزبي الرئيسي فيما اتخذ حزب ميلانشون المسار الراديكالي.
هزم ماكرون رئيسة حزب التجمع الوطني لوبان ليفوز بفترة رئاسية ثانية في أبريل 2022. لكن أغلبيته تقلصت ودخل عدد كبير من نواب التجمع الوطني البرلمان بعد الانتخابات التشريعية التي أعقبت ذلك. ويعتقد بورلانج أن تلك هي اللحظة التي كان ينبغي لماكرون أن يفسح فيها مجالا أكبر للبرلمان ولرئيس الوزراء ويعيد بذلك التوازن للعلاقة بين الإليزيه (القصر الرئاسي) وبين الفرع التشريعي للحكم.
في الأثناء تغير النسيج السكاني والثقافي للمجتمع الفرنسي، فالقضايا التي كانت بالكاد توجد في الساحة عند ولادة الجمهورية الخامسة كالهجرة والعولمة والتكامل الأوروبي زعزعت المشهد السياسي. وحول أوروبا تحدت حركات جديدة التوافق الديموقراطي الليبرالي.
كانت النتيجة برلمانا ثلاثيا تشكل في انتخابات هذا الصيف من ثلاث كتل متساوية تقريبا من اليسار والوسط وأقصى اليمين وبدون أغلبية، هذه الكتل البرلمانية والتي تتحدى اثنتان منها القواعد التي ترتكز عليها التسوية الحالية تكره بعضها البعض وتبدو غير قادرة على التعاون فيما عدا لإسقاط الحكومة. كل هذا يشير إلى خلل وظيفي في نظام الحكم.
هذا هو السبب في أن إجبار ماكرون على الانسحاب قد لا يحل أي مشكلة، فبما أن الدستور لا يسمح بإجراء انتخابات جديدة قبل يوليو، في العام القادم لن يكون لدى الرئيس الجديد (إذا استقال ماكرون) أغلبية برلمانية ليحكم معها.
هنالك عيب آخر في النظام، فعلى الرغم من التصريحات المغالية بأن الانتخابات المبكرة شهدت انتقالا للسلطة من قصر الإليزيه إلى قصر بوربون حيث تعقد الجمعية الوطنية جلساتها إلا أن عددا كبيرا جدا من كبار الساسة من اليسار واليمين والوسط تحركهم في الواقع رغبتهم في خوض الانتخابات الرئاسية التالية في عام 2027، فالحلبة تحتشد بالطامحين.
لكل هذا تعتقد قلة من الخبراء أن الوقت حان لدفن الجمهورية الخامسة. أما ماكرون فهو يقامر باعتقاده أن روح الوحدة والتعاون القوية التي مكنت كاتدرائية روتردام من النهوض من رماد الحريق ربما تُلهِم الساسةَ مجددا وتجعل اختيار لوبان ارتداء ثوب الحداد يبدو سابقا لأوانه.
سيلفي كوفمان مديرة تحرير صحيفة لوموند الفرنسية
الترجمة عن الفاينانشال تايمز