خبير أممي: ارحموا السودان، فما يجري الآن هو جريمة في حق الشعب
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
دعا رضوان نويصر خبير الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان طرفي النزاع إلى الوقف الفوري للعنف، مشيرا إلى أن ما يجري في البلاد الآن هو "جريمة في حق السودان والسودانيين".
وأشار إلى أن السودان عانى لعقود طويلة من الاضطرابات السياسية والإفلات من العقاب وعدم وجود السلطات القضائية وانتهاكات الحقوق.
وقال نويصر في حوار حصري مع أخبار الأمم المتحدة: " ارحموا السودان. هذا يكفي". ونبه الخبير الأممي إلى أن أغلب الانتهاكات المرتكبة في السودان قد ترقي- من الناحية القانونية- إلى جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
عُين نويصر أواخر عام 2022 من قبل المفوض السامي لحقوق الانسان بناء على طلب مجلس حقوق الإنسان لتوثيق الانتهاكات المرتكبة في السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر / تشرين الأول 2021 والإبلاغ عنها. وتم تعزيز ولايته خلال جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان لتشمل الانتهاكات الناجمة بشكل مباشر عن الصراع الحالي.
فيما يلي نص الحوار مع الخبير الأممي:
رضوان نويصر: هناك تدمير كلي تقريبا للبنية التحتية- الخاصة منها والعامة- في بعض المناطق، بما فيها المدارس والمستشفيات ودور العبادة وحتى مخازن المساعدات الإنسانية. ثم هناك نهب وسرقة وتدمير العديد من المنازل الخاصة وحرق بعض القرى بأكملها. هناك حوادث مفزعة حول العنف الجنسي والاغتصاب الذي يستهدف النساء والفتيات. هناك اعتداءات على الأطفال بما في ذلك إدماجهم في صفوف العساكر. هناك حالات من التعذيب والاختفاء القسري والسجن غير المبرر. لا ننسى أن السودان دولة متعددة اللغات والقبائل ومن الصعب جدا أن تستمر أعمال العنف هذه والتي قد تهدد بتقسيم السودان إلى مناطق عدة وربما أقاليم متنازعة.
دولة مثل السودان تتميز بتعدد القبائل والمجموعات العرقية والإثنية وعندما يستهدف أي طرف من الجهات المتنازعة قبائل أو إثنيات بعينها فهذا يغذي الصراع العرقي والإثني.
أخبار الأمم المتحدة: دعوت مرارا إلى ضمان التحقيق الفوري والشامل في جميع انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ومحاسبة المسؤولين عنها. ما جدوى هذه الدعوات في ظل استمرار الانتهاكات منذ بداية الحرب؟
رضوان نويصر: الإفلات من العقاب كان ولا يزال سببا أساسيا في الانتهاكات التي يتعرض لها أهل السودان. رغم أن كل الأطراف المتنازعة اليوم أعلنت عن وضع آليات ولجان بقصد الحد من ظاهرة الإفلات من العقاب وتقديم المنتهكين إلى العدالة فليس لدينا أي معلومة عن نتائج هذه الإجراءات وهذه الآليات، وهذا الأمر يؤدي إلى تقويض الثقة بين المواطن والحكومة والسلطات العمومية ويؤدي إلى إثارة الشك في المنظومة القضائية. وهذا ما يجعل الإفلات من العقاب عنصرا في مواصلة الانتهاكات والعنف والاعتداءات على الحقوق الأساسية للبشر.
أخبار الأمم المتحدة: كنتَ قد أجريتَ زيارة إلى السودان في بداية تسلمك لمهامك. هل لا زلت على تواصل مع الأطراف؟
رضوان نويصر: زرت السودان في شباط فبراير 2023- أي قبل بضعة أسابيع من اندلاع الصراع الحالي. وكان هناك أمل كبير في الانتقال إلى مرحلة جديدة في السودان- مرحلة وفاق سياسي وتجميع أطراف المجتمع السوداني ووضع الأسس الضرورية لانطلاق مرحلة سياسية تضمن الاستقرار والأمن وربما الانطلاق الاقتصادي في البلاد. ولكن مع الأسف مع حلول 15 نيسان/أبريل من السنة الماضية- أي قبل أكثر 9 أشهر- تبددت كل الآمال وصرنا نبحث عن وقف لأعمال العنف وانتهاكات الحقوق الأساسية.
أخبار الأمم المتحدة: قلت أيضا إنه ما من حلّ سلمي يلوح في الأفق على الرغم من مبادرات الوساطة الإقليمية والدولية المتعدّدة. برأيك ما الذي يعيق جهود الحل السلمي في السودان؟
رضوان نويصر: غياب الحل السياسي ومواصلة الأعمال العسكرية. في نظري لا يمكن حل الوضع في السودان بالأعمال العسكرية ولابد من إجراء مناقشات ومفاوضات سياسية بإشراك كافة الأطراف المعنية وخاصة الأطراف المجتمعية وأهل الذكر في ميدان السياسة وكذلك إشراك الجمعيات النسائية والشبابية لأن كل هذه الأطراف لها كلمتها في مستقبل السودان والذهاب نحو حل يرضي الجميع وتسريع الانتقال إلى حكومة وسلطات مدنية لتفادي تقسيم السودان وضمان انطلاقة جديدة لحوكمة ديمقراطية وإنماء اقتصادي.
أخبار الأمم المتحدة: كيف تحصلون على التقارير من الأرض؟ هل لديكم مكاتب في السودان؟
رضوان نويصر: في الوقت الحاضر، كما تعلمون، تم إخراج كل الموظفين الدوليين من السودان ولم يبق لنا سوى مكتب صغير في بورتسودان في شرق البلاد وهناك أيضا زملاء سودانيون لا يزالون داخل السودان- ومن بينهم من أصبح نازحا. نعقد اجتماعات أسبوعية مع بعض منظمات المجتمع المدني في السودان وتصلنا الأخبار عن طريق كل هذه المجموعات.
أخبار الأمم المتحدة: هل تنوي زيارة السودان في أي وقت قريب؟
رضوان نويصر: طلبت مؤخرا زيارة السودان- بورتسودان على وجه التحديد- وأنتظر الموافقة والتأشيرة كي أتمكن من الذهاب إلى هناك والاطلاع عن كثب عما يحدث والاتصال بالسلطات والنظر عما إذا كان هناك أمل في أن تتغير الأحوال في البلاد.
أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، هل لديك رسالة إلى طرفي النزاع؟
رضوان نويصر: ارحموا السودان، فما يجري الآن هو جريمة في حق السودان والسودانيين. لا ننسى أن هذا البلد عانى لمدة عقود طويلة من الاضطرابات السياسية والإفلات من العقاب وعدم وجود السلطات القضائية، وانتهاكات الحقوق. هذا يكفي. السودان دولة قوية بثرواتها وبشعبها وبثقافتها وبتنوعها المجتمعي والقبلي واللغوي. لابد من وضع حد لهذه الأعمال العدائية والوصول إلى اتفاق. بالطبع، هذا أمر يخص السودانيين وأنا لست خبيرا سياسيا أو عسكريا لإعطاء نصائح في هذا الموضوع، ولكن ما أقوله هو أن ما حدث يكفي وقد فات اللزوم.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أخبار الأمم المتحدة فی السودان من العقاب
إقرأ أيضاً:
مرور عامان: تقرير خاص عن الحرب السودانية وتداعياتها الإنسانية
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا
خاص – سودانايل
مقدمة
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، غرق السودان في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه الحديث. ووفقًا لتقارير صادرة عن الأمم المتحدة، تجاوز عدد القتلى المدنيين 24,000 شخص حتى الآن، مع نزوح أكثر من 5.7 ملايين شخص داخليًا وخارجيًا (الأمم المتحدة - نوفمبر 2024). ولم يقتصر عدد الضحايا على القتل الناتج عن تبادل النيران العشوائية، بل تصاعدت الانتهاكات في الآونة الأخيرة لتشمل القتل العمد، واستهداف الأفراد على أساس قبلي وهوياتي، وهو ما يزيد من تعقيد النزاع وتأجيجه.
انتهاكات جسيمة تستهدف الهوية
تشير تقارير حقوقية، منها ما صدر عن منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، إلى أن عمليات القتل العمد بحق المدنيين والأسرى تستند غالبًا إلى خلفياتهم الإثنية أو القبلية، مما يُنذر بتفاقم الانقسامات العرقية وتعميق جراح المجتمع السوداني. وذكرت منظمة العفو الدولية أن عددًا كبيرًا من حوادث القتل موثقة على أنها جرائم حرب، حيث تُرتكب دون أي مراعاة للقوانين الدولية الإنسانية (العفو الدولية - ديسمبر 2024).
أبعاد الكارثة الإنسانية
يتجاوز النزاع القتل المباشر ليشمل تداعيات إنسانية كارثية. ووفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي في السودان، مع تحذيرات من مجاعة واسعة النطاق إذا استمرت الحرب دون تدخل دولي فاعل (برنامج الأغذية العالمي - نوفمبر 2024). وفي الوقت نفسه، وثق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) حالات اغتصاب وعنف جنسي متزايدة، مع تسجيل أكثر من 200 حالة مؤكدة في المناطق المتأثرة بالنزاع منذ بداية الصراع.
انتهاكات قوات الدعم السريع واستهداف المدنيين على أسس عرقية وقبلية
على الجانب الآخر من النزاع، ارتكبت قوات الدعم السريع انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، اتسمت بالقتل الممنهج والاستهداف المباشر على أسس عرقية وقبلية وجنسية. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، فإن قوات الدعم السريع استهدفت بشكل منهجي مجموعات سكانية تنتمي إلى قبائل محددة، حيث تم توثيق عمليات قتل واغتصاب ونهب في المناطق التي تسيطر عليها هذه القوات (العفو الدولية، نوفمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، ديسمبر 2024).
استهداف النساء والفتيات
تشير تقارير صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات قد أصبح سلاحًا حربياً تستخدمه قوات الدعم السريع لترهيب المجتمعات المحلية وإجبارها على النزوح. وتم توثيق أكثر من 200 حالة اغتصاب في المناطق التي سيطرت عليها القوات، مع توثيق شهادات مباشرة من الناجيات تؤكد أن هذه الجرائم كانت موجهة ضد فئات عرقية معينة. (UNFPA، ديسمبر 2024)
استهداف القرى والأحياء السكنية
في المناطق الريفية تحديدًا، قامت قوات الدعم السريع بحملات عنف شديدة استهدفت القرى التابعة لقبائل معينة، حيث تم تدمير المنازل ونهب الممتلكات وقتل المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال. وفي بعض الحالات، تم إجبار الناجين على النزوح تحت تهديد السلاح، ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وارتفاع أعداد النازحين داخليًا إلى أكثر من 5.7 ملايين شخص (مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية OCHA، نوفمبر 2024)
انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني بعد دخول الجيش السوداني
في أعقاب دخول الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني بولاية الجزيرة الأسبوع الماضي، تواترت تقارير عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحق المدنيين. وأفادت منظمة العفو الدولية باندلاع القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في ود مدني، مما أثار مخاوف جديدة على سلامة المدنيين (العفو الدولية، ديسمبر 2024).
من جانبه، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، عن قلقه البالغ إزاء التقارير المتعددة التي تفيد بوقوع تجاوزات واسعة النطاق وارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في ود مدني خلال الأيام الأخيرة من القتال. وأشار إلى أن الحالة الإنسانية في ولاية الجزيرة، التي تستضيف ما يقرب من نصف مليون نازح داخليًا، "رهيبة ومروّعة" (مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ديسمبر 2024).
في هذا السياق، ندد الجيش السوداني بما وصفه بـ "التجاوزات الفردية" التي حدثت في بعض مناطق ولاية الجزيرة عقب استعادة مدينة ود مدني، مؤكدًا التزامه بالقانون الدولي الإنساني وحرصه على محاسبة كل من يثبت تورطه في أي تجاوزات (الجزيرة نت، يناير 2025).
هذه التطورات تسلط الضوء على التحديات المستمرة التي تواجه المدنيين في مناطق النزاع، وتؤكد الحاجة الملحة لحماية حقوق الإنسان وضمان المساءلة عن أي انتهاكات تُرتكب.
أدوار الكتائب والمليشيات المرتبطة بحزب المؤتمر الوطني المنحل
تشير التقارير الميدانية إلى أن العديد من هذه الانتهاكات تُرتكب على يد كتائب ومليشيات مسلحة، في الغالب ذات توجهات إسلامية أو تدّعي تبنيها لقيم الإسلام، مع انتمائها إلى قيادات الحزب الحاكم المحلول، حزب المؤتمر الوطني. من بين هذه الكتائب، تبرز كتائب البراء المعروفة، التي تنشط في مناطق النزاع وتتحمل مسؤولية انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. تعمل هذه الكتائب غالبًا تحت مظلة دعم بعض قادة الجيش السوداني أو على الأقل تحت مرأى ومسمع من القيادات العسكرية دون اتخاذ إجراءات واضحة لردعها أو محاسبتها. وقد أعربت منظمات حقوقية دولية عن قلقها من أن هذه الكتائب، واللتي تسهم في تأجيج النزاع عبر ممارساتها التي تنتهك حقوق الإنسان، وتفاقم الانقسامات العرقية والسياسية في البلاد (العفو الدولية، ديسمبر 2024؛ هيومن رايتس ووتش، نوفمبر 2024).
توثيق الانتهاكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي
في سياق توثيق هذه الجرائم، نشر عشرات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر بوضوح انتهاكات جسيمة تُنسب إلى كتائب البراء وغيرها من المليشيات المشابهة. تُظهر هذه الفيديوهات عمليات قتل متعمد وتعذيب للمدنيين ونهب للممتلكات في المناطق التي شهدت نزاعًا مسلحًا. وقد أثارت هذه المقاطع موجة من الإدانات الدولية والمحلية، حيث تمثل دليلًا مباشرًا على الانتهاكات التي تُرتكب بجرأة وعلانية. ورغم ذلك، لا تزال هذه الجرائم تُرتكب دون محاسبة جدية أو تدخل دولي فاعل لوقف هذه الممارسات التي تهدد الأمن والاستقرار في السودان.
القتل العرقي وتداعياته على السودان
تقوم هذه الجرائم على أساس القتل العرقي والممنهج، مما يشير إلى نقل الحرب إلى مربعات جهوية وعرقية وإثنية خطيرة. وما حدث مؤخرًا في ولاية الجزيرة يمثل دليلًا موثقًا لهذه الانتهاكات، حيث تعرضت مجموعات معينة للاستهداف على أسس إثنية واضحة. هذا التصعيد يهدد بنقل البلاد إلى مرحلة الحرب العرقية، وهي مرحلة قد تطول نتيجة التعدد القبلي الكبير والتنوع الثقافي في السودان.
في ظل هذه الظروف، فإن عدم تدخل السلطات بشكل حاسم يُعد إشارة ضمنية إلى مباركة هذه الجرائم، خاصة في ظل الصمت أو التأييد غير المباشر من رئاسة الدولة ممثلة في مجلس السيادة الانتقالي. هذا الوضع يضع السودان أمام سيناريوهات خطيرة، حيث تتعمق الانقسامات العرقية وتُزرع بذور حروب أهلية طويلة الأمد، ما لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات ومعالجة جذور الصراع.
مسؤولية القيادات وتفاقم الانقسامات
تعتمد قوات الدعم السريع في عملياتها على قيادات ميدانية تنتمي إلى شبكات قبلية متداخلة، ما يجعل من الصعب فصل الممارسات الفردية عن التوجهات العامة التي تُنفذ بتوجيه أو بغطاء ضمني من القيادة العليا. وقد أدت هذه الانتهاكات إلى زيادة الانقسامات العرقية وتأجيج الصراعات داخل المجتمعات المحلية، مما يُنذر بتفكك النسيج الاجتماعي في السودان.
تداعيات مستمرة وخطر الحرب الممتدة
إن استمرار هذه الممارسات من قبل قوات الدعم السريع، إلى جانب الانتهاكات الموثقة التي ترتكبها القوات المسلحة السودانية والمليشيات المتحالفة معها، يعمّق الانقسامات العرقية والقبلية في البلاد. ومع غياب أي مساءلة دولية أو محلية جادة، تتزايد المخاوف من أن تتحول هذه الحرب إلى صراعات طويلة الأمد على أسس عرقية، مما يجعل التوصل إلى أي حل سياسي شامل أكثر تعقيدًا.
تصاعد الضغوط الدولية: عقوبات أمريكية تطال حميدتي والبرهان
في تطور لافت، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، في 7 يناير 2025، متهمة إياه بارتكاب جرائم إبادة جماعية خلال الصراع المسلح مع الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، ما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من السودانيين (فرانس 24، 7 يناير 2025).
وفي 16 يناير 2025، أعلنت الحكومة السودانية رفضها للعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، معتبرة إياها استخفافًا بالشعب السوداني (سودان تربيون، 16 يناير 2025).
هذه الإجراءات تعكس تصاعد الضغوط الدولية على القيادات العسكرية السودانية بسبب الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد.
دور الإعلام في مواجهة الحرب ومخاطر الانزلاق العرقي
في خضم الأزمة السودانية المتفاقمة، يلعب الإعلام دورًا محوريًا في توجيه الرأي العام نحو نبذ خطاب الكراهية ومواجهة الانتهاكات التي ترتكبها الأطراف المتنازعة. تقع على عاتق الإعلاميين والصحفيين مسؤولية كبيرة في تسليط الضوء على هذه الجرائم، وتحديدًا الانتهاكات ذات الطابع العرقي أو القبلي، والتي قد تؤدي إلى تقسيم المجتمع السوداني وإشعال فتيل حرب لا تبقي ولا تذر.
مناشدات للإعلاميين والنشطاء
يجب على الإعلاميين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الناشطين المؤثرين الذين يمتلكون أعدادًا كبيرة من المتابعين، الالتزام بخطاب يدعو إلى التهدئة وتجنب تأجيج الصراعات القبلية. هؤلاء الناشطون، بمنصاتهم الواسعة الانتشار، لديهم القدرة على تغيير مسار الخطاب العام من التحريض إلى تعزيز قيم التعايش السلمي ونبذ العنف.
دور الصحفيين ووسائل الإعلام
من جهة أخرى، يجب على الصحفيين والمؤسسات الإعلامية، سواء عبر الصحف الإلكترونية أو القنوات الإعلامية التقليدية، الإقليمية منها، والدولية التطرق إلى هذه الانتهاكات بموضوعية ومصداقية. على الإعلام أن يكشف الحقيقة ويوثق الجرائم التي تُرتكب، مع التركيز على الأبعاد الإنسانية لهذه الكارثة. يجب أن يكون الإعلام صوتًا للضحايا، وأداة للضغط على الأطراف المتنازعة والمجتمع الدولي للعمل على وقف هذه الحرب.
حماية النسيج الاجتماعي
الإعلام مسؤول أيضًا عن التذكير بأهمية حماية النسيج الاجتماعي للسودان، وضرورة عدم السماح بتحويل النزاع إلى صراع قائم على العرق أو الجنس أو القبيلة. عليه أن يواجه محاولات بعض الأطراف التي تسعى لتأجيج الفتنة القبلية لتحقيق مكاسب قصيرة المدى على حساب وحدة السودان ومستقبله.
هذا الدور الإعلامي الحساس يجعل من الصحفيين والإعلاميين شركاء أساسيين في مجابهة هذه الحرب اللعينة، ومنعها من التدهور إلى صراعات قبلية طويلة الأمد، قد تستنزف السودان لعقود قادمة.
الخاتمة
في ظل هذه الأزمات المتفاقمة، يتطلب الوضع في السودان تحركًا جماعيًا من كافة الأطراف، بدءًا من القيادات السياسية والعسكرية إلى المجتمع المدني والإعلام. لا يمكن للسودان أن يتحمل استمرار هذا النزاع الذي يهدد مستقبل أجياله ويُدمر نسيجه الاجتماعي. إن الحل الوحيد يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم، والالتزام بتسوية سياسية شاملة تضمن تحقيق العدالة وحماية حقوق الإنسان.
على الإعلام، كسلطة رابعة، أن يستمر في نقل الحقيقة بموضوعية وشجاعة، وأن يكون صوتًا للضحايا ومنبرًا للمصالحة الوطنية. فلا يمكن تحقيق السلام دون مواجهة حقيقية للجرائم والتحديات، ودون خطاب إعلامي يوحد السودانيين بدلًا من تقسيمهم.
فهرس المراجع
العفو الدولية: تقرير حول انتهاكات حقوق الإنسان في السودان، ديسمبر 2024
هيومن رايتس ووتش: تقارير موثقة عن الانتهاكات الجسيمة من قبل الأطراف المتنازعة، نوفمبر وديسمبر 2024
مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA): تقارير حول أعداد الضحايا والنازحين، 2024
صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA): تقرير عن العنف الجنسي ضد النساء والفتيات في مناطق النزاع، ديسمبر 2024
برنامج الأغذية العالمي: تقرير عن أزمة انعدام الأمن الغذائي في السودان، نوفمبر 2024
فرانس 24: إعلان العقوبات الأمريكية على قائد قوات الدعم السريع، 7 يناير 2025
سودان تربيون: تقرير حول العقوبات الأمريكية على عبد الفتاح البرهان، 16 يناير 2025
مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: تقارير النزوح الداخلي والخارجي في السودان، 2024
تصريحات مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك: حول الانتهاكات في ولاية الجزيرة، ديسمبر 2024
الجزيرة نت: تغطية للتصريحات والتطورات السياسية في السودان، يناير 2025