كيف تجنّد الإعلام الإسرائيلي طوعا في الحرب على غزة؟
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
حرب الإبادة في قطاع غزة لا تكاد تصل إلى الجمهور الإسرائيلي، ليس لأن إسرائيل أغلقت أبواب القطاع أمام وسائل الإعلام وأعملت سيف الرقابة العسكرية فحسب، بل لأن الأغلبية الساحقة من الصحفيين الإسرائيليين أغلقت على نفسها باب النقد أيضا، واختارت الاصطفاف مع المستويين السياسي والعسكري في معركة "ننتصر معا" على غزة وعلى الحقيقة!
فلم تعد إسرائيل في حاجة أصلا إلى تفعيل سيف الرقابة العسكرية، ولا حتى إلى تحريك وازع الرقابة الذاتية داخل الصحفيين.
من صحفي القناة 12 داني كوشمرو الذي ظهر في الأستوديو حاملا بندقية، إلى مذيعة القناة 14 ليتال شيمش التي تمنطقت مسدسا أثناء تقديمها نشرة الأخبار؛ انقلب صحفيون إسرائيليين بندقيةً تقاتل مع الجيش، وأقصى مسافة يقتربون بها من الحقيقة هي نزولهم ضيوف شرف على ظهر دبابة تجوب قطاع غزة، وتعيد اجترار ما تكرره آلة الدعاية، حسب تعبير معلق إسرائيلي.
لذلك ليس صدفة ألا يسقط هؤلاء في الحرب، لأنهم خارج المعركة أصلا، وهم إن كانوا داخلها فغير مستهدفين بالسلاح الإسرائيلي.
تكفي بالنسبة لهم جملة تقال لرفع العتب وتسويغ كم الأكاذيب المتدفقة، كما فعلت يونيت ليفي من القناة 12 عندما خاطبت جمهورها قائلة "هذا هو المكان المناسب لنقول لمشاهدينا ومشاهداتنا إننا في وضع غير مسبوق. دولة إسرائيل لم تُنكب أبدا بحدث بهذه الأبعاد (…) لذا نقول: هنا، نحن أيضا لم نعرف حدثا بمثل هذه الأبعاد. نعتذر سلفا إن لم يستجب أمر ما لمقاييس معاييركم".
لذا لم يجد صحفي إسرائيلي حرجا وهو يصيح وسط الدمار، مبتهجا وفي حالة هستيريا: "اختفت غزة!" ولم يكن صعبا على زميل آخر الانضمام إلى قوة إسرائيلية وهو يخاطب مشاهديه منفعلا: "إننا نحضر الآن عملية قصف يا رفاق!"
كثير من المنتسبين إلى صناعة الإعلام في إسرائيل قرروا الانضمام إلى معركة الدعاية باسم الدفاع عن "الدولة"، فـ"الحديث عن الموضوعية أصبح بلا معنى"، على حد تعبير صانع محتوى ومدير شركة خدمات إعلامية اسمه ناعام شلو في لقاء مع هآرتس، فـ"أنا أقول كل يوم للزبائن: لو حدث في دولتكم أمر كهذا لما كان ردكم أقل قوة".
عدد من هؤلاء لم يختر الاصطفاف مع الجيش فحسب، بل مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أيضا، حتى وهو يعرف أن الأمر لا يتعلق بمعركة وجودية يواجهها الكيان فحسب، وإنما بمعركة مصيرية يواجهها رئيس الحكومة في سعيه لإطالة أمد الحرب ليطيل أمد الإفلات من الملاحقات القانونية.
لم يكن عبثا أن يعين نتنياهو في الأسبوع الأول من الحرب -وفي خطوة غير معتادة- همزة وصل بين مكتبه وبين المراسلين العسكريين الإسرائيليين.
فقد اختار للمنصب إلي فلدستاين، المتحدث السابق باسم وزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، رغم وجود منصب الناطق باسم الجيش، في حين جرت العادة أن تكون وسائل الإعلام في تماس مع وزير الحرب وقائد الأركان لا مع رئيس الحكومة.
وسائل الإعلام النادرة التي تغرد -قليلا فحسب- خارج السرب يُسلط عليها سيف التهديد، بحجب الإعلانات عنها مثلا، كما هي الحال مع هآرتس، رغم أن الصحيفة تصطف إجمالا في خندق معركة "ننتصر معا"، وما ينشر فيها في باب النقد متروك لمقالات الرأي حيث يكتب معلقون مثل جدعون ليفي.
صور معقّمةمن نافلة القول إن حجم الدمار في غزة غائب تماما عن الشاشات وصفحات الجرائد الإسرائيلية حيث لا تظهر إلا عمليات الجيش، ونجاحاتها المزعومة والمُعقّمة دائما من دم الأبرياء.
لا صور للدمار المروع، ولا للجثث الملقاة في الشوارع ينهشها الطير، ولا للمستشفيات التي انقلبت مقابر.
على الجانب الآخر، اختار عشرات الصحفيين الفلسطينيين أن ينقلوا للعالم جزءا مما يجري في معركة يمكن تسميتها "معا ننتصر للحقيقة"، واكتست معداتهم بطبقة سميكة من غبار الخراب، الذي لم يلامس أي منه كاميرات المراسلين الإسرائيليين التي حافظت على نقائها لبقائها خارج الخدمة أصلا.
دفع هؤلاء الصحفيون الفلسطينيون دون ذلك حياتهم، وكان حريًا بالصحفيين الإسرائيليين أن يُحنوا لهم الرؤوس احتراما لأنهم قرروا أن تبقى "التغطية مستمرة"، حتى وهم يراسلون من فوهة الجحيم نفسها، على حد تعبير الصحفية والكاتبة أورلي نو، ومع ذلك "يتقاسم هؤلاء وهؤلاء المهنة نفسها"، اسميا على الأقل.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
أكثر من ثلثي الإسرائيليين يؤيدون صفقة التبادل ولو أدت لإنهاء الحرب
يؤيد 68 بالمئة من الإسرائيليين التوصل لصفقة مع حركة حماس لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين من قطاع غزة، حتى لو كلف الأمر وقف حرب الإبادة المستمرة منذ أكثر من سنة ونسف.
أظهر استطلاع حديث للرأي أجراه معهد "ميدغام" للأبحاث لصالح "القناة 12" أن 54 بالمئة من العينة المستطلعة، يرون أن حكومتهم تطيل أمد حرب الإبادة في القطاع لـ"أسباب سياسية تتعلق ببقاء الائتلاف الحكومي الذي يضم أحزاب من أقصى اليمين".
واعتقد 40 بالمئة من المستطلعة آراؤهم أن الحرب "مستمرة لأسباب أمنية وموضوعية"، في حين أن 6 بالمئة لم يحددون رأيا في هذا الشأن.
وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وفي 18 آذار/ مارس الماضي، تنصلت "إسرائيل" من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى الساري منذ 19 كانون الثاني/ يناير الفائت، واستأنفت حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، رغم التزام حركة حماس بجميع بنود الاتفاق.
وتسبب تنصل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته من الاتفاق وعدم إكمال مراحله في إبقاء المحتجزين الإسرائيليين قيد الأسر لدى حماس، حيث تشترط الحركة وقف الحرب وانسحاب كافة القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
وبالانتقال إلى الانقسام الداخلي في إسرائيل، قال معظم المشمولين بالاستطلاع إنهم "يشعرون بالخوف على مستقبل الديمقراطية في البلاد".
وأكد 61 بالمئة من الإسرائيليين بأنهم "خائفون للغاية" أو "خائفون إلى حد ما" على مستقبل الديمقراطية في بلادهم بينما أجاب 34 بالمئة بأنهم "غير خائفين" و5 بالمئة لم يحددوا موقفا.
وفي سياق متصل، اعتبر 66 بالمئة من الإسرائيليين المستطلعة آراؤهم أنهم يعتقدون أن الخلاف الداخلي هو الذي يهدد استقلال البلاد، مقابل 28 بالمئة أجابوا بأن التهديد الأمني هو الأكثر خطورة، و6 بالمئة لا يعرفون.
وفيما يتعلق بالنزاع بين نتنياهو ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، قال 45 بالمئة من الإسرائيليين المبحوثين إنهم يثقون في رئيس الجهاز الأمني، مقابل 34 بالمئة يثقون في نتنياهو، و21 بالمئة لم يحددوا موقفهم.
وفي 20 آذار/ مارس الماضي، وافقت الحكومة بالإجماع على مقترح نتنياهو إقالة بار، في أول قرار من نوعه بتاريخ "إسرائيل"، رغم احتجاج الآلاف على هذا القرار.
وبعد ساعات من قرار الحكومة، جمدت المحكمة العليا إقالة بار لحين النظر في التماسات قدمتها أحزاب المعارضة، وألمح مسؤولون في الحكومة إلى اعتزامهم عدم احترام قرار المحكمة.
ولاحقا في 8 نيسان/ أبريل الجاري، قررت محكمة الاحتلال العليا، منع الحكومة من تنفيذ قرار إقالة بار، الذي كان من المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في 10 من الشهر ذاته، أو الإعلان عن إيجاد بديل له، لحين انتهاء النظر في القضية.
وبرر نتنياهو قرار إقالة بار بأنه "فاشل" ولكن بار عزا القرارات إلى خلافات مع نتنياهو وتحقيق "الشاباك" في عدد من القضايا الداخلية بينها تغلغل اليمين المتطرف في جهاز الشرطة وتواصل مسؤولين في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مع حكومة أجنبية، بحسب القناة "12" العبرية.
ويواجه نتنياهو عدة تحديات داخلية متعلقة بفشله في إعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حركة "حماس" رغم مرور قرابة 19 شهرا على حرب الإبادة التي يشنها ضد غزة، وراح ضحيتها مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين.