تعقد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر بالقاهرة، مطلع مارس المقبل، مؤتمرها الدولي الخامس "الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد"، تحت رعاية الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والدكتور سلامة داوود رئيس الجامعة، والدكتورة شفيقة الشهاوي، عميدة الكلية، رئيس المؤتمر، والدكتورة وفاء غنيمي وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، أمين المؤتمر.

مركز الأزهر لتعليم الفرنسية يختتم مؤتمر «التفاعل بين القيم وأثره على الهوية» رئيس جامعة الأزهر يفتتح الملتقى العلمي الأول لكلية الدراسات الإسلامية للبنات بالزقازيق

وقالت الدكتورة شفيقة الشهاوي عميدة الكلية، رئيس المؤتمر، إن مؤتمر "الأخلاقيات.. وآليات بناء الوعي الرشيد" يعقد انطلاقًا من رؤية مصر للتنمية المُستدامة 2030م، وتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي ببناء الوعي الرشيد، والتي أكدها خلال كلمته في احتفالية المولد النبوي الشريف في أكتوبر 2020.

المؤتمر يعقد تحقيقًا لجزء من رسالة جامعة الأزهر تجاه خطة مصر 2030م

وأِشارت إلى أن المؤتمر يعقد تحقيقًا لجزء من رسالة جامعة الأزهر تجاه خطة مصر 2030م، وتلبيةً لواجب الوقت في استحداث آليات لبناء وعي رشيد يحقق مصالح العباد في ضوء مقاصد الشريعة الغراء، لافتة إلى أن المؤتمر يشارك فيه متخصصون في الدراسات الشرعية والعربية والتطبيقية والدراسات الإنسانية الأخرى، مؤسسات المجتمع المدني وكل المعنيين؛ بما يحقِّق الفائدة المرجوة من الدراسات البينية في مجالاتها المختلفة من أجل بناء الوعي الرشيد بناءً متكاملًا مُحكمًا في ضوء متغيرات الواقع المتسارع؛ حتى تستمر مصر بأزهرها الشريف نهرًا فياضًا بالعلم على غيرها من الأقطار والبلدان.

محاور المؤتمرالدكتورة شفيقة الشهاوي - عميد الكلية ورئيس المؤتمر

ونوهت إلى أن المؤتمر يتناول مجموعة من المحاور المهمة وهي:

المحور الأول: آليات بناء الوعي الرشيد في ضوء الأحكام المتعلِّقة بالأخلاق، ويناقش ما يلي:

- فقه الأولويات والمقاصد وأثره في بناء المجتمعات والحفاظ على القيم ونشرها ضرورة إنسانية.
- أخلاقيات المنافسة في ميدان العمل الاقتصادي.
- الوعي الرشيد وأثره في إحياء العقل نحو فقه حضاري.
- تنمية الوعي بمدى قيمة تاريخنا وتراثنا الحضاري، ودور المثقف في نشر الوعي والثقافة والبناء المعرفي.
- النصوص الشرعية المرتبطة بالأخلاق دراسة أصولية مقاصدية.
- تفعيل دور المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية في رفع مستوى الوعي الرشيد في المجتمع وآليات التعاون.
- إسهام العقل الفقهي المعاصر في تحويل التهافت العالمي نحو الفنون إلى خيارات محببة لزرع القيم وترسيخ المقاصد الدينية والشرعية.

المحور الثاني: مقاصد الشريعة وأثرها في بناء الإنسان وعمارة الأكوان، ويناقش ما يلي:

- مقاصد الشريعة في بناء الإنسان بناءً جسديًّا ونفسيًّا صحيحًا، من خلال ما تقوم به الدولة من جهود لبناء الإنسان مثل: (المشروعات الصحية التي قدمتها الدولة، ومنها: حملة 100 مليون صحة، حملة القضاء على فيروس C، مبادرة الكشف المبكِّر عن سرطان الثدي، المبادرة الرئاسية لفحص وعلاج أمراض سوء التغذية (الأنيميا والسِّمنة والتقزُّم)، القضاء على العشوائيات ومواجهة الفقر والبطالة بسلاح التعمير ... إلخ).

- حقوق المواطنين والدولة.

- دور الوقف في عمارة الكون.

- استحداث آليات نشر ثقافة الوقف بين أفراد المجتمع واستلهام نماذج تراثية للوقف حققت مصالح العباد، وأسهمت في عمارة الكون، مثل: (أوقاف الأشرف برسباي على المدرسين والخطباء - أوقاف علي شعراوي لبناء المعاهد الأزهرية - أوقاف السيدة فاطمة إسماعيل لبناء جامعة القاهرة وغير ذلك من التجارب الرائدة في مصر والعالم الإسلامي).

- تأصيل الفقه الصناعي والفقه الرقمي وأثره على المجتمع.

- الشريعة الإسلامية وموقفها من التطور العلمي والحضاري.

- المحور الثالث: الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد في الدراسات القانونية، ويتناول ما يلي:

- التنظيم القانوني لأخلاقيات العمل التجاري.
- إسهامات الحماية الجنائية في القضاء على الجرائم الإلكترونية.
- إسهام القيم الأخلاقية في تحقيق العدالة القانونية.
- المصلحة المُعتبرة في الجرائم الأخلاقية.
-أثر الأخلاق في تنظيم علاقات القانون الخاص.

المحور الرابع: سُبُل بناء الوعي الأخلاقي الرشيد والنهوض بالمجتمعات في ضوء نصوص القرآن الكريم، ويتضمن ما يلي:

-قواعد بناء الأخلاق في القرآن الكريم.
-الحقوق والواجبات في الخطاب القرآني دراسة تأصيلية.
-الانحراف الخُلقي أسبابه، ووسائل علاجه في ضوء القرآن الكريم.
-القدوة في القرآن الكريم.
-القصص القرآني، وأثره في بناء الوعي الرشيد.
-الوسيطة في الأخلاق الإسلامية وأثرها في بناء الأفراد والمجتمعات، في ضوء القرآن الكريم.
-مسئولية الأسرة والمجتمع في بناء الوعي الأخلاقي.

المحور الخامس: البناء السلوكي الخاص والعام في السُّنَّة النبوية، أسسه وتداعياته، ويناقش ما يلي:

-المواقف الشخصية الأخلاقية للنبي ﷺ قدوةً وأنموذجًا.
-أخلاق الصحابة والعلماء، وأثرها في بناء الأُمم.
-منهج السُّنَّة النبوية في معالجة المشكلات السلوكية الفردية والجماعية.
-توظيف الحدث الأخلاقي في السُّنَّة النبوية.
-السيرة النبوية وأثرها في النهوض الإنساني والحضاري.
-الشبهات المُثارة حول بعض الجوانب الأخلاقية الخاصة والعامة والرد عليها.

المحور السادس: الأُسس النظرية والتطبيقات العملية للقيم الأخلاقية في السُّنَّة النبوية والعصر الحاضر، ويتضمن ما يلي"

-القيم الإنسانية وتأصيلها في السُّنَّة النبوية.
-السُّنَّة وترسيخ القيم الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
-منهج السُّنَّة النبوية في البناء الأخلاقي للمسلم.
-الهدي النبوي في التعامل مع غير المسلمين سِلمًا وحربًا.
-أخلاقيات الحوار وأدب التعامل مع الآخر في السُّنَّة النبوية.
-الإيمان والأخلاق والعلاقة بينهما في السُّنَّة النبوية تصور وتحليل.

المحور السابع: أخلاقيات المهنة في ضوء السُّنَّة النبوية تصورات وضوابط، ويناقش ما يلي:

-السُّنَّة وأخلاقيات الموظف العام، وأثرها في النهوض بالعمل.
-تمكين المرأة واثره في بناء الوعي الرشيد.
-مكافحة السُّنَّة للفساد المالي والإداري.

المحور الثامن: الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد في الدراسات العقائدية ومقارنة الأديان، ويناقش ما يلي:
- القيم الأخلاقية مشترك بين جميع الأديان.
- القيم الأخلاقية، وأثرها في تحقيق السلام للإنسانية.
- الوسطية في الأخلاق الإسلامية، وأثرها في بناء الشخصية السوية.

-الإنسان بين ثبات القيم الأخلاقية، ومتغيرات الأحوال النفسية.
-المقامات الصوفية وأثرها في بناء الوعي الرشيد.
-الجانب الخُلقي ودوره في التقارب الفكري لدى كُتَّاب العصر الحديث.
-التسامح الفكري في الجانب الخُلُقي بين القديم والحديث".

المحور التاسع: القيم الأخلاقية والإبداع الأدبي، ويتضمن ما يلي:

- أدبيات الخطاب الأخلاقي في الحديث النبوي الشريف.
- القيم الأخلاقية في الشِّعر العربي القديم.
- الأنموذج الخُلُقي في النثر الأدبي القديم.
- ترسيخ القيم الأخلاقية في الشِّعر العربي الحديث.
- معالجة السرد العربي الحديث للقيم الأخلاقية.
- الخطاب الأخلاقي والأدب النسوي.
- تمكين المرأة وأثره في بناء الوعي الرشيد.
-القيم الأخلاقية في أدب الأطفال.
-الأدب الإلكتروني والوعي الأخلاقي.

المحور العاشر: القيم الأخلاقية والنقد الأدبي، ويناقش ما يلي:

- قضية الأخلاق في النقد الأدبي القديم.
- الأدب بين الإلزام والالتزام.
- العلاقة الجدلية بين الأدب والحياة.
- النظريات النقدية الحديثة والأخلاق.
- المناهج النقدية الحداثية وما بعد الحداثة، والوجهة الأخلاقية.
- نظرية العلاج بالأدب وبناء الوعي الرشيد.

المحور الحادي عشر: الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد في الدراسات البلاغية، ويناقش ما يلي:

- بلاغة التعبير عن الأخلاق في القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية.
- الأخلاق وأثرها في الارتقاء ببلاغة الخطاب.
- تمكين المرأة وأثره في بناء الوعي الرشيد.
- أخلاقيات المرأة العربية وطُرُق الإبانة عنها.

- مُعوِّقات الإبانة عن الفهم الصحيح للأخلاق.

المحور الثاني عشر: الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد في الدراسات النحوية، ويناقش ما يلي:

- أهمية اللغة العربية في كشف زيف الفهم المغلوط لنصوص الكتاب والسُّنَّة.
- دور علماء النحو في ترسيخ أخلاقيات البحث العلمي.
- بناء الوعي الرشيد في البنى الصرفية.
- بناء الوعي الرشيد في تحقيق المخطوطات.
- المبادئ الأخلاقية المنظِّمة للخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين.
- القيم الحضارية والأخلاقية في منظومة القواعد النحوية والصرفية الإنسانية والاجتماعية في لغتنا العربية.
- تمكين المرأة واثره في بناء الوعي الرشيد.

المحور الثالث عشر: الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد في الدراسات اللغوية، ويتضمن ما يلي:

- البيان القرآني، وأثره في ترسيخ مبادئ الأخلاق، وآليات بناء الوعي الرشيد.
- البيان النبوي، وأثره في ترسيخ مبادئ الأخلاق، وآليات بناء الوعي الرشيد.
- الإبداع الأدبي، وأثره في ترسيخ مبادئ الأخلاق، وآليات بناء الوعي الرشيد.
-  كنوز التراث الإسلامي، وأثرها في ترسيخ مبادئ الأخلاق، وآليات بناء الوعي الرشيد.
-  القيم الأخلاقية في الإبداع الأدبي بين الأصالة والمعاصرة، وآليات بناء الوعي الرشيد.

-تمكين المرأة واثره في بناء الوعي الرشيد.

المحور الرابع عشر: الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد في المجال الإعلامي، ويناقش الموضوعات التالية:

- دور الإعلام المعاصر في توجيه الأخلاقيات وبناء الوعي الرشيد.
- الخطاب الديني في وسائل الإعلام ودوره في بناء الوعي.
- تمكين المرأة واثره في بناء الوعي الرشيد.
- الإعلام الموجَّه، واستحداث القيم المجتمعية.
- مواقع التواصل الاجتماعي، وآليات نشر الأخلاق.
- الضوابط الأخلاقية في العالم الافتراضي صناعة وتوريث.
- دور الإعلام في كشف زيف الوعي الجمعي.
- الإعلام الرقمي ودوره المحوري في بناء الوعي الرشيد.
- سُبُل مواجهة استقطاب الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
- قيم الإعلام البديل وانعكاسات الواقع.
- أخلاقيات العمل الصحفي في مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي.
- صُنَّاع المحتوى الجُدد وأخلاقيات المهن الإعلامية.
- اتجاهات الجماهير نحو تأطير وسائل الإعلام للقضايا الأخلاقية.
- محددات المحتوى الأخلاقي في وسائل الإعلام، وانعكاسه على وعي الجماهير.
-الدراما والمعايير الأخلاقية بالفضائيات، والمنصات الرقمية، والمحطات الإذاعية.
-لغة الخطاب الإعلامي الرقمي، والوعي الرشيد.
-أخلاقيات الإعلام الرقمي والوعي الرشيد بها، وتفعيل دور القائم بالاتصال.
-أخلاقيات التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
-رسالة الإعلام ومسؤوليته في الحفاظ على أخلاقيات المجتمع.
-الشائعات عبر وسائل الإعلام وخطورتها على الفرد والمجتمع.

-دور الإعلانات عبر وسائل الإعلام في التأثير على أخلاقيات المجتمع.
- تداول المعلومات بين حرية الإعلام وأخلاقيات المجتمع.
- الضوابط الأخلاقية للإعلان والممارسات الإعلامية.
-تأثير التغيُّر في البيئة الإعلامية على قيم وأخلاقيات المجتمع.
-وسائل التواصل الاجتماعي، وتأثيرها على النسق القيمي والأخلاقي للمجتمع.
-الأخلاقيات المهنية في ظل تحديات الإعلام الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي.
-دور المؤسسات الإعلامية "العامة والخاصة" في دعم قيم وأخلاقيات المجتمع والحفاظ عليها.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأزهر جامعة الأزهر دراسات بنات الأزهر الأخلاق وآليات بناء الوعي الرشيد شيخ الأزهر القيم الأخلاقية القیم الأخلاقیة فی التواصل الاجتماعی وسائل الإعلام القرآن الکریم جامعة الأزهر الأخلاق فی ة النبویة تحقیق ا فی الس فی ضوء

إقرأ أيضاً:

الإنتلجنتسيا الروسية.. صراع الفكر بين المثالية الثورية والمحافظة الأخلاقية

الكتاب: "الفكرة الروسية ورؤيا دوستويفسكي للعالم"
الكاتب: نيقولاي بِرْدياف
ترجمة: شاهر أحمد تصر ومالك صقور
الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب، الطبعة الأولى 2025
عدد الصفحات: 511 من القطع الكبير.

ولادة الإنتيليجنتسيا الروسية

تعد الإنتيليجنتسيا ظاهرة روسية ذات سمات روسية مميزة، لكنها ظلت تشعر بأنها تفتقد إلى الأرضية الاجتماعية. وفقدان تلك الأرضية يمكن أن يكون سمة وطنية روسية. من الخطأ الاعتقاد بأن الولاء لمبادئ الأرضية المحافظة هو الموقف الوطني الوحيد، فالثورية، أيضاً يمكن أن تكون وطنية.

لقد شعرت الإنتيليجنتسيا بالتحرّر من ثقل ضغط التاريخ، الذي تمردت عليه. أظهرت الإنتيليجنتسيا الروسية مقدرتها الاستثنائية في الشغف والحماسة الفكرية. لقد تحمّس الروس إلى هيغل وشيلينغ، وسان سيمون، وفورييه، وفویرباخ، وماركس، تحمساً قل نظيره في أوطان هؤلاء أنفسهم.

إن الروس ليسوا ريبيين (متشككين)، بل عَقَدِيِّينَ، تأسرهم الدوغما (العقيدة)، ويغلب عليهم الطابع الديني، وهم لا يفهمون النسبية جيداً. فالداروينية، التي عرفت في الغرب كفرضية بيولوجية، تمتلك طابعاً عقدِياً في صفوف الإنتيليجنتسيا الروسية، كأنها مسألة خلاص وسبيل إلى الحياة الأبدية، كما تحولت المادية إلى عقيدة دينية، واتهم خصومها في عصر معروف جيداً أنهم أعداء تحرير الشعب.

كل شيء في روسيا يصنف إما في فئة الأرثوذكسية أو الهرطقة (البدع). فالشغف بهيغل اتخذ طابع الولع الديني، وعوّل على الفلسفة الهيغلية أن تقرر مصير الكنيسة الأرثوذكسية. وآمنوا بفلانستير (المدينة الفاضلة) فورييه كوحي لسيادة ملكوت الرب.

إن الروس ليسوا ريبيين (متشككين)، بل عَقَدِيِّينَ، تأسرهم الدوغما (العقيدة)، ويغلب عليهم الطابع الديني، وهم لا يفهمون النسبية جيداً. فالداروينية، التي عرفت في الغرب كفرضية بيولوجية، تمتلك طابعاً عقدِياً في صفوف الإنتيليجنتسيا الروسية، كأنها مسألة خلاص وسبيل إلى الحياة الأبدية، كما تحولت المادية إلى عقيدة دينية، واتهم خصومها في عصر معروف جيداً أنهم أعداء تحرير الشعب.لقد اعتاد الشبان استعمال مصطلحات فلسفة شيلنغ الطبيعية حين يعترفون بالحب. وينطبق الأمر نفسه على الولع بهيغل وبوخنر. لقد اهتم دوستويفسكي كثيراً بمصير المثقف الروسي، الذي يسميه جواب (جوال) المرحلة البطرسبورغية في التاريخ الروسي، وأنه سيكشف عن الأسس الروحية لهذا التجوال.

إن سمات الإنتيليجنسيا المميزة هي: الانشقاق، والتمرد، والتجول، واستحالة المصالحة مع الحاضر، والطموح إلى المستقبل، من أجل حياة أفضل وأكثر عدالة. كما أن شعور تشاتسكي بالوحدة، وفقدان أونيغن وبيتشورين) لتربتهم الاجتماعية هي ظواهر تنبئ بظهور الإنتيليجنتسيا.

يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف: "تنحدر الإنتيليجنسيا من شرائح اجتماعية مختلفة، جاء أغلبها في البداية من النبلاء، ثم أضحت من الروزناتشينيتس، إذ تجد المثقف تارة شخص هامشي، ثم تجده ثورياً ـ تلك هي اللحظات المختلفة لوجود الإنتيليجنتسيا. امتلكنا في ثلاثينيات القرن الماضي، فرصة للخروج من الحاضر، الذي لا يطاق. ترافق ذلك مع يقظة الفكر. وما يدعوه و. فلوروفسكي خطأ بأنه خروج من التاريخ: "التعليم (التنوير)"، والطوباوية، والنهلية (العدمية)، والثورية ـ هي أيضاً فعل تاريخي. التاريخ ليس مجرد عادات وتقاليد، وليس فقط الأمن والحماية(37)..

إن فقدان الأسس له تربته الخاصة، والثورية هي حركة (قاطرة) التاريخ؛ فحينما تشكلت لدينا الإنتيليجنسيا اليسارية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في صيغتها النهائية، اكتسبت طابعاً شبيهاً بالطراز الرهباني. هنا تجلى الأساس الأرثوذكسي العميق للروح الروسية بمغادرتها العالم الغارق في الشر، وبزهدها، ومقدرتها على التضحية وتحمّل الآلام والشهادة. لقد حمت نفسها بالتعصب والتميز الحاد عن بقية العالم. إنها وريثة الانشقاق نفسياً. وبفضل ذلك استطاعت أن تعيش في أثناء الملاحقات. لقد عاشت طوال القرن التاسع عشر في صراع حاد مع الإمبراطورية، وسلطة الدولة. كانت الإنتيليجنسيا هي المحقة في ذلك الصراع، في تلك اللحظة الديالكتيكية في مصير روسيا، لقد تمخضت عن الفكرة الروسية، التي خانتها الإمبراطورية، في توقها للسلطة والعنف.

راديشف هو مؤسس الإنتيليجنسيا الروسية، الذي أبدع وحدد سماتها الرئيسة؛ فحينما كتب في كتابه "رحلة من سانت بطرسبرغ إلى موسكو" قائلاً: "نظرت حولي، فأدمت معاناة البشرية روحي" ولدت الإنتيليجنسيا الروسية.

يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف: "لقد تحدث دوستويفسكي عن الفتية الروس، الذين انشغلوا بمعالجة القضايا العويصة، وفي برلين اهتم تورغينيف بفلسفة هيغل، وعبر عن ذلك قائلاً: "في ذلك الوقت رحنا نبحث في الفلسفة عن حلول لكل شؤون العالم، باستثناء التفكير الخالص". سعى مثاليو الأربعينيات إلى تحقيق تناغم مشاعر الفرد الشخصية.

في الفكرة الروسية، يتفوق العنصر الأخلاقي على الميتافيزيقي، وهي تخفي وراءها ظمأ التوق لتغيير العالم.

فالاهتمام الاستثنائي، في سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، بفلسفة شيلينغ وهيغل لم يفض إلى تأسيس فلسفة روسية مستقلة. ينبغي أن نستثني عدداً من أفكار السلافويين الفلسفية، لكنهم ليسوا هم من وضعها. كانت الفلسفة مجرد طريق، أو إعادة خلق الروح وتغييرها، أو تغيير المجتمع. إذ عانى كل شيء الانقسام عن الإمبراطورية، وازدادت مسألة الموقف من "الواقع" تعقيداً وصعوبة سنتعرف هنا إلى الدور الذي لعبته فلسفة هيغل(ص75)..

لقد أسهمت الفلسفة المعروفة بالمثالية في الأربعينيات بدور كبير في تشكيل شخصية الإنسان الروسي الأديب المثقف. فقط في الستينيات استبدل الأنموذج "المثالي،" بالأنموذج "الواقعي". لكن ميزات "المثالي" لم تختف قط، حتى حينما بدأ الاهتمام ليس بشيلينغ، ولا بهيغل، بل بالمادية والوضعية. لا توجد حاجة إلى إعطاء كثير من الأهمية للأفكار المثبتة عن طريق الوعي.

يعد غرانوفسكي أكثر النماذج المثالية الإنسانية اكتمالاً. لقد كان شخصاً رائعاً، أثار الافتتان والتأثير الكبير كأستاذ، لكن فكره لم يكن أصلياً كما ينبغي. لقد ظهر الشقاق جلياً بين غرانوفسكي وغير تسن. تعذر على غرانوفسكي المثالي الانتقال من فلسفة هيغل إلى فلسفة فيورباخ، الذي مثل أهمية فائقة بالنسبة إلى غيرتين. أراد غرانوفسكي أن يظل مخلصاً للمثالية، وثمن الإيمان بخلود الروح، فهو معارض للاشتراكية، ويعتقد أنّ الاشتراكية معادية للشخصية الفردية، في حين اتجه غير تسن، وبيلينسكي إلى الاشتراكية والإلحاد. يمتلك كل من غير تسن، وبيلينسكي أهمية مركزية في المصير الروسي؛ إنهما ممثلا التيار اليساري في الغربوية، المفعم باستشراف المستقبل.

يعد بيلينسكي واحداً من أكثر الشخصيات المركزية في تاريخ الوعي الروسي في القرن التاسع عشر. إنه يختلف عن كتاب الثلاثينيات والأربعينيات الروس الآخرين بمنبته الاجتماعي، فهو لم يخرج من بيئة النبلاء، ولم يمتلك ميزات اللوردات التي امتاز بها الأنارخي (الفوضوي) باكونين. إنه أول مثقف أنموذجي بالمعنى الأضيق المنبثق من عامة الشعب، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حينما توقفت ثقافتنا أن تُعدّ ثقافة النبلاء وحدهم حصراً، لقد امتلك بيلينسكي مواهب عظيمة، وحساسية رائعة، واستيعاباً متميزاً، لكنه امتلك معرفة محدودة باللغات، إذ لم يكن يعرف اللغات الأجنبية، ولا اللغة الألمانية تقريباً. فتعلم فلسفة هيغل ليس عبر قراءة كتب هيغل نفسه، إنما عبر المقالات التي كتبها باكونين عن هيغل الذي قرأه باللغة الألمانية. لكن درجة استيعابه بلغت حداً غير عادي لدرجة أنه فهم مقاصد هيغل، واستوعب بمنهجية فيخته، وشيلينغ، وهيغل على التوالي، ثم انتقل إلى فويرباخ والإلحاد المكافح. وسعى بيلينسكي، كمفكر روسي أنموذجي، في جميع مراحل تطوره إلى امتلاك وجهة نظر أيديولوجية كونية عن العالم. لقد تساوى لديه كإنسان مرهف وحساس الإدراك والمعاناة. لقد عاش حصرياً من أجل البحث عن الأفكار، وعن الحقيقة، "دؤوباً، قلقاً ومتسرعاً"؛ فالتهب، مبكراً واحترق.

لقد وصف روسيا بأنها نسيج من جميع العناصر، وأراد هو نفسه أن يصبح نسيجاً من جميع العناصر، لكنه لم يحقق مرامه مباشرة، وظل يسقط باستمرار في مطب الحدود القصوى، إنما بمنهجية، وفي الوقت المناسب. يُعد بيلينسكي أهم ناقد روسي، والناقد الروسي الوحيد الذي امتلك حساسية فنية وشعوراً جمالياً. لكن النقد الأدبي لم يكن بالنسبة إليه سوى شكلاً من أشكال التعبير عن وجهة نظره الأيديولوجية الكونية عن العالم، والنضال في سبيل الحقيقة.

سيصبح الاتجاه اليساري الاشتراكي الغربوي أكثر روسية، وسيتجذر تجذراً أصيلاً في فهم مسارات روسيا أعمق من اتجاه الغربوية الليبرالي الأكثر اعتدالاً، الذي سيصبح عديم اللون أكثر فأكثر. وسيكتشف اتجاه الاشتراكية الشعبوية المنبثق عن الجناح اليساري في اتجاه الغربوية، المسألة الروسية وخصوصية الطرق الروسية، واستبدالها بالطرق الغربية للتطور الصناعي الرأسمالية. سيصبح غيرتين أحد مصادر الاشتراكية الروسية الشعبوية.يقول الكاتب نيقولاي ألكسندروفيتش بِرديائف: "في تلك المرحلة، عُرف الأنارخي (الفوضوي) باكونين بشغفه بالفكرة الهيغلية "الواقعية" العقلانية، وجذب بيلينسكي إلى الشغف بهذه الفكرة. وسنرى أن هيغل لم يكن مفهوماً على نحو صحيح، وأن ذلك الشغف بني على فهم قاصر. فقط في المرحلة الأخيرة، في أواخر حياته، بنى بيلينسكي وجهة نظرأيديولوجية إلى العالم محددة تماماً، وأصبح ممثلاً للحركات الاشتراكية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. إنّه سلف تشير نيشيفسكي المباشر، بل الماركسية الروسية في نهاية المطاف، وهو أقل ميلاً إلى الشعبوية من غير تسن. حتى أنه نادی بالتطور الصناعي. نجد لدى بيلينسكي، عند تطرقه إلى القضايا الاجتماعية، تقييداً للوعي فعلاً، واستبعاده لكثير من القيم، التي أثارت إعجاب الإنتيليجنتسيا الثورية في الستينيات والسبعينيات بدرجة فظيعة. لقد مثل الروسي الحقيقي في انتفاضته ضد روح هيغل المطلقة باسم الإنسان الواقعي المحدد (78).

كما أننا نكتشف الموضوع الروسي نفسه لدى غيرتسن. لقد أثر إعدام الديكابريين تأثيراً قوياً في صياغة وجهات نظره. يمتلك غيرتسن أهمية كبيرة في موضوع التأريخ الروسي؛ وهو إن لم يكن أعمق، فهو الأكثر روعة بين أناس الأربعينيات. إنه الممثل الأول للمهاجرين الثوريين. لقد عاش الغربوي (نصير الغرب الروسي هذا خيبة أمل عميقة في أوروبا الغربية. لم يعد ممكناً، أن يبقى تيار الغربوية على النحو الذي وجد فيه في الأربعينيات بعد تجربة غيرتسن؛ إذ سيناصر الماركسيون الروس الغربوية بمعنى مختلف، وستكتشف في ماركسية الشيوعيين بعض سمات المسيانية الروسية. وسيتلاقى تيار الغربوية مع السلافوية في شخص غيرتين، وسيحدث الأمر نفسه مع فوضوية (فوضوية) باكونين السياسية.

عموماً، سيصبح الاتجاه اليساري الاشتراكي الغربوي أكثر روسية، وسيتجذر تجذراً أصيلاً في فهم مسارات روسيا أعمق من اتجاه الغربوية الليبرالي الأكثر اعتدالاً، الذي سيصبح عديم اللون أكثر فأكثر. وسيكتشف اتجاه الاشتراكية الشعبوية المنبثق عن الجناح اليساري في اتجاه الغربوية، المسألة الروسية وخصوصية الطرق الروسية، واستبدالها بالطرق الغربية للتطور الصناعي الرأسمالية. سيصبح غيرتين أحد مصادر الاشتراكية الروسية الشعبوية.

لقد طور غيرتسن وتيار الاشتراكية الشعبوية فكرة تشادايف القائلة إن الشعب الروسي، الأكثر تحرّراً من ضغط عبء التاريخ العالمي، يمكن في المستقبل أن يخلق عالماً جديداً. إن غيرتسن هو أول من أعلن الانتفاضة الروسية ضد النزعات البرجوازية الصغيرة في الغرب، ورأى خطر تلك النزعات في الاشتراكية الغربية نفسها. إنما هذه لم تكن فكرة الاشتراكية الشعبوية وحدها، إذ امتلكت هذه الفكرة عمقاً كبيراً، لم تسبر أغواره فلسفة غيرتسن السطحية نفسه، لقد كانت فكرة روسية مرتبطة بالمسيانية الروسية.

لقد سار غيرتين عبر فلسفة هيغل مثله مثل جميع مثقفي الأربعينيات، وهو واحد من أوائل الذين وصلوا إلى فيورباخ، وتوقف عنده. هذا يعني أنه كان قريباً من الفلسفة المادية، وإن لم يكن عميقاً، وملحداً، إنما بدلاً من ذلك، سنصفه بأنه إنساني ـ شكاك. لم يكن بطبعه مؤمناً، متحمساً، مثل بيلينسكي، إذ لم يعد المادية والإلحاد ديناً.

إن اشتراكية غيرتسن اشتراكية شعبوية فضلاً عن أنها فردية، فهو لم يميز بعد بين الفردية والشخصية "لقد ذابت شجاعة الفرسان، وأناقة العادات الأرستقراطية، والتراتبية البروتستانتية الصارمة، واستقلالية البريطاني المتعجرفة وحياة الفنانين الإيطاليين الفاخرة، والذهن الموسوعي المتلألئ، وطاقة الإرهابيين القائمة، وانصهر كل ذلك ليولد مجموعة أخرى من العادات البرجوازية الصغيرة ضيقة الأفق المهيمنة." "وكما كان الفارس هو الأنموذج الأولي للعالم الإقطاعي، فإن التاجر أصبح هو الأنموذج الأولي للعالم الجديد؛ فاستبدل الملاك بالسيد". "لقد تغير كل شيء في أوروبا بسبب تأثير البرجوازية الصغيرة؛ إذ استبدل شرف الفروسية بأمانة المحاسبة، والعادات الإنسانية بعادات الموظفين التراتبية الهرمية واللطافة بالصرامة، والفخر بالاستياء والحدائق بالجنائن المسورة، والقصور بالفنادق المفتوحة للجميع (أي للجميع الذين يمتلكون المال).

اقرأ أيضا: الروح الروسية بين الشرق والغرب.. كتاب يرصد تطور الفكر الروسي ومصيره

مقالات مشابهة

  • ولد الرشيد: الإستثمارات حسنت جودة الحياة في العيون
  • أرامكو السعودية تعقد ملتقاها الرمضاني للإعلاميين الخامس عشر
  • تفاصيل لقاء السوداني وأبو رغيف
  • الأوقاف والأزهر يعقدان 10640 ندوة علمية لنشر الوعي والفكر المستنير
  • وزير الإعلام اللبناني: تشكيل لجنة لمتابعة النقاط التي عرضها صندوق النقد الدولي
  • الإنتلجنتسيا الروسية.. صراع الفكر بين المثالية الثورية والمحافظة الأخلاقية
  • ????الي الظاهرة الصوتية وعديم الأخلاق.. صاحب اللسان البذئ.. هل انت مؤمن..؟
  • تحليل معمق- زعيم الحوثيين يقود “محور المقاومة” الخارج عن الخدمة  
  • الدعم وطرح وحدات سكنية جديدة.. تفاصيل المؤتمر الصحفي الأسبوعي لرئيس الوزراء
  • انطلاق المؤتمر الدولي الثالث حول "الصيرفة والمالية والأعمال".. 22 أبريل