في صباح الخميس 30 نوفمبر/تشرين الثاني من العام المُنقضي 2023، كان المحامي "يوفال كاستلمان" البالغ من العمر 38 عاما في طريقه إلى العمل بلجنة الخدمة المدنية في القدس المُحتلة، قبل أن يجد نفسه متورِّطا في حادثة سرعان ما أنهت حياته. لقد شهد يوفال عملية إطلاق رصاص قام بها فدائيان فلسطينيان ردا على الاعتداءات الإجرامية لجيش الاحتلال الصهيوني، فاندفع بدون تردد، وهو مكشوف دون حتى واقٍ ضد الرصاص، وأخرج مسدسه وقتل به الفلسطينيَّيْن، وبعدها نظر إلى دمائهما على الأسفلت الداكن ونظر حوله، ولعله شعر لوهلة وكأنه خارج التاريخ، وأنه إنسان خارق مُحصَّن ضد الرصاص.

بيد أن أصوات أحذية الجنود سرعان ما أعادته إلى أرض الواقع، إذ أتوا مباشرة إلى موقع الحادثة مُدجَّجين بالسلاح، وبدأوا بإطلاق النار. فهم يوفال ما يحدث من حوله، فتنازل عن مقام البطولة مؤقتا، وألقى بمسدسه على الأرض، وخلع معطفه، وجثا على ركبتيه، وصرخ بالعبرية: "أنا إسرائيلي"، لكن صرخته لم تُسعِفه.

أطلق الجنود الإسرائيليون رصاصات متتالية على رأس وجسد يوفال، حتى تأكدوا من قتله، وبقي الرجل مُلقى على الأرض يسبح في دمه مدة طويلة. وقبل أن تظهر حقيقة ما جرى على وسائل الإعلام الإسرائيلية، تفاخر قاتله في مقابلة مع القناة 14 المحلية بإطلاق النار، مُوضِّحا أنه ينتمي إلى "شبيبة التلال"، الجماعة المتطرفة التي يفخر وزير الأمن القومي بحكومة نتنياهو "إيتمار بن غفير" بأنه يرتدي أحذية من صنعها. وكذلك فعلت زوجة القاتل التي أجرت بعض المقابلات تفاخرت فيها بما قام به زوجها، وبالوحدة التي يخدم فيها، وهي وحدة "كتيبة الصحراء"، التي تتشكَّل من أكثر الجنود تطرفا، وتجعل حياة الفلسطينيين الأبرياء أقرب إلى الجحيم (1).

المستوطن الإسرائيلي يوفال كاستلمان الذي قتله جيش الاحتلال (مواقع التواصل)

بعد تلك الحادثة التي لا يمكن اعتبارها مجرد "قتل بنيران صديقة"، بل إعدام مُتعمَّد، كتبت "شيلي يحيموفيتش"، عضوة الكنيست ورئيسة حزب العمل سابقا، أن الحادثة "نموذج لما يمكن أن يحدث عندما يكون السلاح في أيادٍ خارج السيطرة"، ونتيجة مباشرة لحملة توزيع السلاح وتسليح المستوطنين التي أطلقها بن غفير، ويدعمه فيها رئيسه المتطرف بنيامين نتنياهو، وفق قولها. وبحسب تقرير نشره موقع "كالكلسيت" الاقتصادي العبري، حصلت وزارة الأمن القومي في إسرائيل، التي يترأسها بن غفير، على ميزانية إضافية تشمل مليار شيكل (265 مليون دولار) لجهاز الشرطة، و40 مليون شيكل (10 ملايين دولار) لإدارة السجون، و633 مليون شيكل (168 مليون دولار) لقوات الطوارئ التي شكَّلها بن غفير في المستوطنات، ويتشكَّل قوامها من إرهابيي تنظيم "تدفيع الثمن" وغيرهم من نشطاء الإرهاب الصهيوني في الضفة (2).

وتقول وثيقة مُسرَّبة اعتمد عليها التقرير إن بن غفير أوعز إلى الشرطة بالامتناع عن اتخاذ أي إجراءات لملاحقة المتطرفين اليهود الذين يرتكبون اعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية. وقد حذرت يحيموفيتش من أن حملة التسليح تلك وما يصاحبها من انفلات للأمن ستجعل لحظة ما بعد الحرب الجارية حريقا يأكل الداخل الإسرائيلي نفسه. كما حذر رئيس الوزراء السابق "إيهود أولمرت" نفسه من ذلك الرجل، قائلا إن بن غفير خطر وشيك على إسرائيل أكثر من إيران المسلحة نوويا (2)(3).

لكن ما لم يذكره أولمرت هو أن بن غفير لم يعد ظاهرة شاذة أو مجرد سياسي منبوذ كما كان في بداية القرن، فالرجل اليوم هو وجه إسرائيل الذي لا يريد العالم رؤيته أو الاعتراف به، بل هو وجه التحول اليميني الذي حصل في المجتمع الإسرائيلي على مدار خمسين سنة، ويُعبر عن انتصار الأساطير والخرافات الدينية وتأجيج مشاعر الحقد والكره والرغبة في الانتقام التي اجتاحت إسرائيل. وكما ردد كثيرا في خطاباته، يقود بن غفير إسرائيل إلى زمن الخلاص، معتقدا أنه سيلعب دورا في تعجيل عودة "المسيح المخلص"، لكنه في الحقيقة ربما يقود دولته إلى حتفها.

مُهرِّج في حفل يميني صاخب

نشأ بن غفير الطفل في منطقة "مَفسيرت صهيون"، إحدى ضواحي القدس المتهالكة، إذ كانت ذات يوم معسكرا مؤقتا للمهاجرين اليهود من كردستان (الفرنسية)كانت المرة الأولى التي يسمع فيها الإسرائيليون اسم بن غفير في خريف عام 1995، وهي فترة متوترة في تاريخ دولة الاحتلال بعد توقيع رئيس الوزراء "إسحاق رابين" اتفاق "سلام" مع منظمة التحرير الفلسطينية، مقابل أن تتنازل إسرائيل على الورق عن مساحات تحتلها في الضفة الغربية، وهو ما اعتبره اليمين الصهيوني "خيانة"، فاندلعت احتجاجات وتحوَّلت إلى أعمال عنف في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه. وقد ظهر في ذلك الوقت على شاشة التلفزيون الإسرائيلي فتى تبدو عليه ملامح الطيش وعدم الاتزان العقلي، وكان يرتدي قميصا أزرق باهتا، ويحمل في يده شعارا معدنيا لسيارة "كاديلاك" انتُزِع من سيارة رئيس الوزراء رابين، ونطق صارخا: "مثلما وصلنا إلى هذه الشارة يمكننا الوصول إلى رابين".

بعد ثلاثة أسابيع، اقترب طالب قانون آخر يُدعى "يغال عمير" من رابين في مظاهرة بتل أبيب وأطلق النار عليه مرتين، فأرداه قتيلا. وبعد أقل من شهرين على حادثة الاغتيال، زار أعضاء من لجنة التحقيق الحكومية عمير في زنزانته واستجوبوه بشأن علاقته بفتى يدعى "إيتمار بن غفير"، فأجاب عمير بأنه يعرف إيتمار من أوساط الشباب اليمينيين، وقد سمع أنه يريد أن يقتل رابين، لكنه أضاف بسخرية: "إيتمار لا يمكنه ارتكاب جريمة قتل، فهو مجرد طفل، وليس قاتلا، بل مهرج" (3).

نشأ الطفل بن غفير في منطقة "مَفسيرت صهيون"، إحدى ضواحي القدس المتهالكة، إذ كانت ذات يوم معسكرا مؤقتا للمهاجرين اليهود القادمين من كردستان، وكانت عائلته تعيش قبل تأسيس دولة الاحتلال هناك. وقد أتى أبوه من العراق وكان يبيع البضاعة لأفراد عصابة "الأرغون" الصهيونية المتطرفة، بينما كانت أمه عضوة في العصابة، وتقضي معهم الليل لتخطيط عمليات القتل والتخريب. ومع مرور الوقت، انتقلت عائلة بن غفير إلى منطقة أرقى، ورغم أن والديه كانا يمينيَّيْن فإنهما صوَّتا عدة مرات لحزب العمل اليساري مثل العديد من اليهود الشرقيين أو السفارديم. غير أن إيتمار أصبح مختلفا تماما عن أبيه، ربما لأنه نشأ في جيل مختلف. ففي سن الثانية عشرة أصبح بن غفير متدينا بشكل مفاجئ، وفي الرابعة عشرة من عمره شاهد الفتى الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وذكر في لقاء مع إحدى الصحف أنه قرر وقتها وضع حدٍّ لـ"شغب الفلسطينيين" (4).

الحاخام "مائير كاهانا" الذي أسس حركة "كاخ" وزرع بذور اليمين اليهودي المتطرف قبل عقود خَلَت. (غيتي)

شهد بن غفير حدثا آخر كان له تأثير عليه، وهو قتل الحاخام المتطرف "مائير كاهانا". ففي أثناء المدرسة الثانوية انضم بن غفير إلى حركة كاخ المتطرفة بزعامة كاهانا، الذي لم يتلقَّ أي تعليم ديني بالأساس، لكنه قدم نفسه للمجتمع الصهيوني على أنه حاخام يُبشِّر بأيديولوجيا تجمع بين التصوف العِرقي القائم على "تقديس أرض إسرائيل" وبين عنصرية وحشية تجاه العرب. ثم في السادسة عشرة من عمره، أصبح بن غفير لاعبا أساسيا داخل الحركة بعد أن أثبت جدارته في عمليات التخريب والتجنيد. وبينما خدم زملاؤه القدامى بالمدرسة الثانوية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، رفض الجيش تجنيد بن غفير، حيث صرَّح أحد المسؤولين عند سؤاله عن سبب الرفض قائلا: "هل يمكن إعطاء سلاح لشخص كهذا؟". في منتصف الثلاثينيات من عمره، أصبح بن غفير محاميا يتقن ألاعيب القانون ورمي الحجج بشكل مُفوَّه، واستخدم هذه الموهبة للدفاع عن أعضاء المنظمات الصهيونية المتطرفة. وفي عام 2015، وبَّخ بن غفير عددا من أتباعه كي يتوقفوا عن الصراخ بشعار "الموت للعرب" ويستبدلوا به شعار "الموت للإرهابيين" كي يكون تطرفهم وفق حدود القانون (5).

بجانب مهارته في الصراخ والتحريض على التخريب والقتل، أظهر بن غفير مهارة غير عادية في تغليف تطرفه بالقانون، بالضبط كما توضع قنبلة في ظرف هدايا. وقد صرح "رافائيل موريس"، وهو ناشط يميني متطرف يرأس حركة تسمى "العودة إلى جبل الهيكل"، ذات مرة قائلا: "لقد تعلمت منه كيفية تحدي النظام دون تجاوز الخط الأحمر". وصرح مسؤول سابق في الشاباك قائلا: "بن غفير متطرف، لكنه براغماتي، ويعرف كيف يمشي بين قطرات المطر". إن هذه البراغماتية التي استطاع بن غفير إتقانها طيلة ثلاثين عاما تقريبا قضاها داخل مجتمع العصابات والمنظمات اليمينية الصهيونية المتطرفة هي التي ساعدته أخيرا في الوصول إلى الكنيست. فقبل انتخابات عام 2019، قام رجل الأعمال الصهيوني ومصمم الحملات الانتخابية اليمينية "بيرال كرومبي" بتقديم عدة نصائح واستشارات لبن غفير كي يبدو في صورة "رجل الدولة" (5).

اقتنع بن غفير حينها بإزالة صورة المجرم "باروخ غولدشتاين" صاحب مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994 من على جدار بيته، مع الإبقاء على صورة كاهانا الذي وصفه إيتمار بـ"القديس". وفي غضون عامين، ارتفع دعم بن غفير بين ناخبي الليكود إلى الثلث تقريبا، وبعد محاولتين فاشلتين لدخول الكنيست، نجح إيتمار أخيرا في إعادة تمثيل حركة كاخ المتطرفة داخل الكنيست. وقد دخل بن غفير الكنيست عام 2021، بعد أن نجح نتنياهو في العودة لكرسي رئاسة الوزراء بائتلاف يضم تحالف الليكود وحزب "القوة اليهودية" الذي يتزعمه بن غفير ويُعد امتداد حزب كاخ (5). ورغم ذلك، جاء في أحد استطلاعات الرأي أن 46% من الإسرائيليين يرون أن بن غفير لا يستحق حقيبة وزارة الأمن القومي، التي تشمل السلطة على دوريات الحدود في الضفة الغربية. غير أن بن غفير حظي مؤخرا بشعبية جارفة في الأوساط اليمينية وبين جنود الجيش وحتى في الكيبوتسات التي عُرفت بميولها اليسارية، الأمر الذي يطرح السؤال: لماذا يحب الصهاينة بن غفير؟

عندما كان بن غفير شابا ضمن حركة كاخ قام بمضايقة الممثلين وأي شخصية عُرِفَت بآرائها اليسارية (الجزيرة) بن غفير.. وجه إسرائيل القبيح

بقي بن غفير طوال السنوات الماضية على هامش السياسة الإسرائيلية، لكنه كان يجهز نفسه للقفز إلى الأضواء، ليس باكتساب مزيد من الأصوات، بل بتأجيج المزيد من الكراهية ونشر الفوضى، إذ كانت تلك الأعمال هي مهنته التي برع فيها منذ المراهقة. فعندما كان بن غفير شابا ضمن حركة كاخ قام بمضايقة الممثلين وأي شخصية عُرِفَت بآرائها اليسارية، فقد كان يوزع البيض على زملائه "الكاهانيين" أو على المراهقين ليرموه على المتظاهرين في أي مسيرة أو وقفة لليسار، بجانب تنظيم عمليات حرق السيارات وقطع إطاراتها، أو تخريب سخانات المياه على أسطح بيوت الفلسطينيين في القدس.

بعد ذلك، أصبح بن غفير وجها معروفا وحاضرا في أي ساحة اشتباك، وأصبح صوته العالي وصراخه الدائم بانفلات على خصومه وتصريحاته المستفزة معروفة للجميع على الساحة السياسية الإسرائيلية. وقد استغل كل عملية مسلحة للفلسطينيين للظهور واتهام الحكومة بفقدان السيطرة، كأنه يقدم عرضا مسرحيا، وهو وصف أكَّده "ميخائيل مانيكين"، الناشط الصهيوني اليساري، قائلا: "بن غفير كان يدرك دائما أن كل شيء كان نوعا من العرض"، مضيفا أنه في كل فعالية سياسية لليسار "كان يرمي البيض ويلعن ويصرخ علينا.. وبعد ذلك، عندما تنتهي الجولة، كان يأتي إليّ ويبتسم ويسألني: إذن، متى ستعودون مرة أخرى؟" (5).

يرى كثيرون أن الشهرة والقبول المتزايد الذي يحظى به بن غفير وحلفاؤه له علاقة باستغلال الغضب الشعبوي، وضعف اليسار في إسرائيل، غير أن المتابعة الدقيقة لتاريخ صعود اليمين في إسرائيل تشي بأن بن غفير يُمثِّل الوجه الحقيقي للمجتمع الإسرائيلي في الوقت الراهن، فقد فقدت إسرائيل وجهها العلماني "العقلاني" نسبيا، وفقدت السيطرة على النزعة الدينية التي وضعتها للمشروع الصهيوني في بدايته.

حتى حرب 1967، كانت الدولة اليهودية التي أُقيمت على أرض فلسطين وتهيمن عليها حركة مباي التي تحولت إلى حزب ترأسه بن غوريون، أول رئيس وزراء للكيان الصهيوني، تحقق الصهيونية بصيغتها الغربية بوصفها مشروعا علمانيا استيطانيا؛ إذ كانت القوة السياسية التي رفعت مبادئ "علمانية اشتراكية" قادرة على إقامة الفكرة القومية وفق "دين مدني" يوظف الأسطورة الدينية ويجعلها ديباجة جاذبة لليهود حول العالم، لكن على هامش المشروع السياسي. أما التيارات الحريدية الرافضة بشكل قطعي للصهيونية فقد أقامت علاقتها مع إسرائيل بعدما قدمت الدولة نفسها لتلك التيارات على أنها دولة تفصل بين المشروع السياسي و"الخلاص الديني"، أي إن دولة إسرائيل قدمت نفسها للتيارات الدينية اليهودية على أنها ليست دولة إسرائيل الدينية التي ستحقق الخلاص لليهود كما في الديانة اليهودية (6).

راف كوك، الحاخام الرئيسي الأشكنازي الأول في فلسطين (1921-1935)، وأول من ربط فكرة التوبة والخلاص في الديانة اليهودية بالصهيونية (مواقع التواصل)

ومن ثمَّ نظمت تلك التيارات علاقتها مع الدولة على أساس توافقي إثر رسالة الوضع الراهن "الستاتوس كو"(أ) التي خطَّها بن غوريون والتزم فيها بإعطاء التيار الحريدي نوعا من الاستقلالية ليضمن عدم معارضته إعلان الدولة، فيما كان التيار القومي اليميني الذي مثَّلته حركة حيروت معارضة لا تتمتع بقوة تنفيذية. وفي هذا السياق كانت مشاريع "الهيكل" و"أرض إسرائيل" مجرد ديباجات ومشروعات مُجمدة للاستهلاك لا أكثر. غير أن حرب 1967 والتحولات الاجتماعية في تيار الصهيونية الدينية غيَّرت المشهد الداخلي تماما، فقد أدى الانتصار الكبير الذي حققه جيش الاحتلال في تلك الحرب، والأراضي الجديدة التي احتلها، بجانب تزايد الكتلة العددية للتيارات الدينية الحريدية، إلى بروز جيل جديد يتبنى تنظيرات الحاخام "أبراهام إسحاق كوك" أو "راف كوك" كما يشتهر.

و"راف كوك" ليس مجرد حاخام أحدثت آراؤه تغييرا كبيرا في نظرة التيار الديني للدولة الصهيونية، بل هو الحاخام الرئيسي الأشكنازي الأول في فلسطين (1921-1935)، وكان قبلها راف مدينة يافا وراف مدينة القدس، ومفتيا ومنظرا، وهو أول مَن ربط فكرة التوبة والخلاص في الديانة اليهودية بالصهيونية، حيث قال إن الخلاص لا يبدأ من مجيء المسيح، بل بالاستيطان مجددا في أرض إسرائيل (7). وبذلك تزعزعت للمرة الأولى هيمنة الصهيونية المؤسسة بزعامة حزب مباي، وأصبحت القومية الصهيونية المعلمنة تميل تدريجيا نحو فكرة الخلاص وقداسة أرض إسرائيل.

وبذلك فإن ما كان يُعد هامشيا في الحركة الصهيونية، مثل الصهيونية القومية التي تتبع مدرسة "كوك"، والصهيونية اليمينية التصحيحية القومية التي تتبع مدرسة "غابوتينسكي" ويُمثِّلها حزب الليكود، بدأ في الانتقال من الهامش إلى مركز المجال السياسي، وهو ما تُرجم سياسيا عام 1977 في صعود حزب الليكود إلى السلطة لأول مرة. ولم تكد تمضي خمسون سنة حتى صعد حزب القوة اليهودية الذي ينتمي إلى تيار الصهيونية الدينية المتطرفة وحزب كاخ بزعامة بن غفير.

بن غفير وإحياء المشروع الماشيحاني

خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، اعتاد بن غفير اقتحام ساحات المسجد الأقصى على رأس جماعات من المستوطنين، الأمر الذي كان يستفز الفلسطينيين، وأدى إلى حرب عام 2021 ثم عملية "طوفان الأقصى". وقبل ذلك بثلاثة وعشرين عاما، قرر رئيس وزراء إسرائيل "أرئيل شارون" اقتحام المسجد، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الأولى بفلسطين المحتلة، لكن الغريب هو أن كل تلك الاقتحامات لم تبدأ إلا بعد عام 1967، بسبب وجود تحريم ديني داخل التيارات الدينية لدخول باحات المسجد الأقصى، ولم يبدأ هذا التحريم في التفكك إلا بعد عام 1967 (8).

تمخض احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967 عن ظاهرتين مركزيتين في المجتمع الإسرائيلي، الأولى صعود القومية اليمينية، والثانية إطلاق الشحنة الماشيحانية الدينية داخل الصهيونية. فقد تحول مشروع الصهيونية التنقيحية التي يُمثِّلها حزب الليكود من مشروع مؤجل إلى مشروع قابل للتحقق، بعد إثبات إمكانية احتلال كل أرض فلسطين وطرد الفلسطينيين منها، وتزامن وقوع ذلك التحول في التفكير السياسي داخل إسرائيل مع تآكل هيمنة التيار الصهيوني المؤسس "مباي" على خلفية تزايد الكتلة السكانية للتيارات الدينية وظهور نخب وتحالفات جديدة. ونتيجة لذلك، ظهرت طلائع حركة الاستيطان "غوش إيمونيم" التي أطلقت على نفسها "حركة التجديد الصهيوني"، وادَّعت أن مهمتها هي استكمال المشروع الصهيوني "الخلاصي"، ليس بوصفه مشروعا سياسيا علمانيا، بل بكونه مشروعا سياسيا دينيا ذا طابع مقدس (8).

ساعد في صعود حركة "غوش إيمونيم" الأزمة التي حدثت في المعسكر العلماني بعد حرب 1973، فبدأت الحركة في صياغة مشروع الاستيطان بمفردات دينية توراتية، وأطلقت على مشروعها تسمية توراتية، خلافا للمفردات الاشتراكية التي استُخدمت قبل عام 1948 لوصف المستعمرات اليهودية. ومن ثمَّ جاء صعود حزب الليكود بزعامة نتنياهو عام 1977 بمنزلة تعبير عن شعبية الصهيونية الدينية الاستيطانية التي اجتاحت جمهور الناخبين في الوسط السياسي الصهيوني، إذ استطاع الليكود جذب أصوات اليهود الشرقيين، ما أدى إلى صعود قوة الجماعات التي كانت ثانوية وهامشية ومن دون أثر قوي على المسار السياسي، وأصبحت بمنزلة النخبة السياسية الجديدة التي تصارع من أجل فرض رؤيتها لتحقيق الصهيونية (8).

تدريجيا، انتظم المجال السياسي بين معسكرين أساسيين: الأول يضم تيارات اليمين القومي والديني الاستيطاني الذي يتمحور حول أرض إسرائيل ويريد تشكيل هوية شعب يهودي فيها، والتيار المؤسس الذي أراد تشكيل هوية إسرائيل وشعبها وفق مفاهيم قومية أوروبية علمانية تُخضِع الديني لها وتوظِّفه بشكل نفعي براغماتي. وقد استمرت الصراعات بين هذه التيارات حتى بداية التسعينيات، لكن اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987، ثم عقد مؤتمر مدريد في أعقاب حرب الخليج الأولى، أدى إلى تعميق النزاع السياسي على مستقبل "أرض إسرائيل" بين الجناح الليكودي والاستيطاني من جهة، ومن جهة أخرى الجناح العمالي الصهيوني-البراغماتي الذي ضم الجيل الثاني للمؤسسين. وتقاطع هذا الصراع مع التغيرات الديمغرافية العميقة، ما دفع نحو مزيد من الانزياح الإسرائيلي باتجاه اليمين واليمين المتطرف (8).

بعد اتفاقية أوسلو، مر صعود اليمين في إسرائيل بثلاث مراحل، بدأت الأولى برد فعل التيارات الصهيونية الدينية والاستيطانية واليمينية على معاهدة السلام، وبلغت تلك المرحلة ذروتها باغتيال إسحق رابين، ثم انتهت بإعلان حكومة "إيهود باراك" عدم جدوى مفاوضات السلام، وكان ذلك اعترافا صريحا أن المشروع اليساري العلماني انتهى ولم يتبقَّ إلا طريق اليمين الصهيوني (8). وبعد خطة فك الارتباط التي أعلنت الانسحاب من غزة وإخلاء المستوطنات بها، حدث ما يشبه الانشقاق في المعسكر اليميني الصهيوني، ما بين يمين براغماتي يُخضع الأيديولوجيا والاستيطان للمصالح الأمنية، ومثَّله حزب كديما، ويمين عقائدي يتمترس وراء الأيديولوجيا الدينية، ويرفض أي مساومة أو انسحاب، وهو يمين مثَّله تحالف نتنياهو مع الشرقيين ثم مع اليمين الاستيطاني الديني. وبعد هذا التحالف، وتحوُّل الليكود إلى حزب شعبوي يستخدم الخطاب الديني ويتحالف مع التيارات الصهيونية المتطرفة الصاعدة، نجح اليمين المتطرف في المرحلة الثالثة في الوصول إلى الحكم عام 2009، فبدأت عملية التوسع في الاستيطان وسرقة ما تبقى من أراضي الفلسطينيين وبيوتهم، وترسيخ الفوقية القومية اليهودية ودولة الفصل العنصري.

تجلَّى هذا النجاح في صعود تيار "الحردلية" بزعامة "بتسلئيل سموتريتش"، الذي يدمج بين التزمُّت الحريدي الديني والتطرف القومي الاستيطاني، كما تجلى في تحوُّل الحريدية، التي كانت إجمالا خارج المشروع الصهيوني، إلى تيار يميني-قومي، وفي عودة الكاهانية إلى قلب المشهد السياسي عبر حزب القوة اليهودية "عوتسما يهوديت" بزعامة بن غفير بعد أن كان قد أُقصي إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل (10). في الفترة التي أعقبت اغتيال رابين عام 1995، كان صوت بن غفير في الخطاب العام جزءا مما اصطلح عليه إسرائيليا "الأعشاب الضارة"، أي تلك العناصر المتطرفة التي نمت على هوامش الدولة والمجتمع ويمثِّل سلوكها انحرافا عن الإجماع والقيم المقبولة. أما عام 2021 فقد أصبح بن غفير عضوا في الكنيست الإسرائيلي، مُحمَّلا بثلاث وخمسين لائحة اتهام، وبثماني إدانات بقضايا جنائية وأعمال شغب وإخلال بالنظام والتحريض على العنصرية ودعم منظمات إرهابية، فيما أصبحت مشاهد عربدته وهو يُلوِّح بالسلاح في وجه الفلسطينيين جزءا من المشاهد الاعتيادية المميزة له التي تذكرها نشرات الأخبار دون أن تكون لها تبعات، ويتجاهلها أغلب السياسيين (10).

عميل الفوضى

في عام 2015، حضر بن غفير بملابس بيضاء حفل زفاف في القدس لزوجين شابين في دائرته. وبعد الزفاف، اشتعلت الموسيقى الصاخبة، واندفع الرجال للرقص في نشوة، وفجأة رفع أحد ضيوف الزفاف صورة لطفل رضيع، فقام ضيف آخر مستخدما سكين الطعام وطعن الصورة مرارا وتكرارا، وسط صيحات الحضور. كان الطفل الرضيع صاحب الصورة هو "علي دوابشة"، الذي ألقى مشعلو الحرائق اليهود قنابل حارقة على منزل عائلته في قرية دوما بالضفة الغربية، ما أدى إلى احتراق الطفل مع والديه حتى الموت وإصابة شقيقه البالغ من العمر أربع سنوات بجروح خطيرة.

كان بن غفير هو محامي الصهيوني المتهم الرئيس في جريمة الحريق قبل دخوله البرلمان، وكان المحامي الإسرائيلي الرئيسي لمعظم الإرهابيين اليهود والمستوطنين، وكأنه حرفيا "محامي الشيطان". يلعب بن غفير الدور نفسه ببراعة لأسباب غامضة حتى اللحظة، ففي ربيع عام 2021، بعد شهر من دخوله البرلمان، ظهرت عدة اشتباكات في حي الشيخ جراح بالقدس، حيث كان من المتوقع أن تُصدر المحكمة العليا الإسرائيلية حكما حاسما في شهر مايو/أيار من ذلك العام بعد معركة قانونية خاضها الفلسطينيون لخمسة عقود للحفاظ على منازلهم في حي الشيخ جراح من المستوطنين الذين يريدون سرقتها.

بعد وقوع الاشتباكات، ظهر بن غفير في الشيخ جراح بشكل استفزازي، وافتتح مكتبا لنفسه وضع عليه لافتة ضخمة تعلن عن وجوده عضوا في الكنيست وبجوارها علم إسرائيل، وقال إن الهدف هو توفير الأمن لشرذمة العائلات الصهيونية الموجودة هناك. ولكن الأمر تحول إلى اشتباكات عنيفة، وبحسب مجلة "نيويوركر"، تلقى بن غفير في تلك الليلة اتصالا من نتنياهو ينصحه بترك المنطقة وإلا سيكون سببا في إشعال الحرب، لكن الأمر لم ينتهِ إلا بحرائق في تل أبيب بسبب صواريخ القسام (10).

رغم ذلك، لا يمكن اعتبار بن غفير شخصية خارج السيطرة، بقدر ما يُعتقد أنه مرتبط بجهات نافذة في دولة الاحتلال في مقدمتها رئيس الوزراء نتنياهو. فقبل تلك الأحداث، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن "يعقوب شبتاي"، مفوض الشرطة، حذَّر نتنياهو صراحة من أن بن غفير مسؤول عن الاضطرابات العربية-اليهودية، إذ يقود حملة ممنهجة لنشر الفوضى وتحطيم كل ما كان يمكن اعتباره "إجراءات قانونية" داخل إسرائيل. فبأوامر بن غفير، تضع الشرطة حواجز أمنية أمام المصلين في المسجد الأقصى، وعندما وقعت احتجاجات بسبب ذلك، سار عدة مئات من أتباع جماعة "لهافا" اليهودية المتطرفة، التي أسسها بن غفير، في وسط مدينة القدس وهم يهتفون "الموت للعرب" (11).

من جهة أخرى، نفى بن غفير لسنوات شائعات حول تعاونه مع جهاز الشاباك. ففي جلسة للكنيست عام 1999 فيما يتعلق بأنشطة عملاء الشاباك، قرأ مشرع يميني يدعى "بيني إيلون" بصوت عالٍ أوراقا من مقابلة لجنة التحقيق مع يغال عمير، قاتل رابين، حيث ذكر أمير أن بن غفير قال إنه يريد قتل رابين بنفسه. فيما كشف الشاباك بعد ذلك أنه نشر عميلا واحدا على الأقل بين اليمين المتطرف لمراقبة نشاطهم الداخلي، وقد أطلق عليه الشاباك الاسم الرمزي "شامبانيا". وفي عام 2019، تحدث وزير الدفاع السابق "أفيغدور ليبرمان" في مقابلة إذاعية عن حزب بن غفير، وتساءل: "هل إيتمار بن غفير هو ما يقدم نفسه عليه، أم نوع من الشمبانيا الجديدة؟ لست متأكدا على الإطلاق". وقد رفع بن غفير دعوى قضائية ضده قائلا: "إذا كنت عميلا للشاباك، فإن ليبرمان عميل للاستخبارات الروسية (كي جي بي)" (12).

في عام 2020، بينما كان "نفتالي بينيت" يشغل منصب وزير الدفاع، كتبت زوجته "جيلات" على موقع فيسبوك أن منزلها قد اقتُحم، وادَّعت أن نشطاء حزب القوة اليهودية هم المسؤولون. وبعد ذلك، رفع بن غفير دعوى قضائية ضدها بتهمة التشهير، وبعد أربعة أشهر، أصدرت بيانا كتبت فيه: "رغم أن بن غفير يقدم قشرة من التطرف اليميني، فإنه عمل لسنوات عديدة عميلا للشاباك بهدف جمع المعلومات عن نشطاء اليمين المتطرف وتشويه المعسكر اليميني بالاستفزازات". ولم تكشف بينيت عن كيفية حصولها على هذه المعلومات. وبعد شهر، توصلت هي وبن غفير إلى تسوية خارج المحكمة، وأصدرت اعتذارا رسميا، وسحبت ادعاءاتها (12).

وبغض النظر عن الدور الحقيقي الذي يلعبه بن غفير داخل إسرائيل، فهو يُمثِّل التحوُّل الديني الذي تشهده إسرائيل منذ خمسة عقود، إذ اعتقد مؤسسو الصهيونية ومنظّروها أنه عبر تأسيسها على مبادئ العقلانية الغربية العلمانية، ستكون الصهيونية قادرة على ترويض الأساطير التي استقدمتها من المجال الديني وإخضاعها لحساباتها والتحكم بها. فلم يكن مشروع بناء الهيكل أو إقامة دولة شريعة يهودية هو هدف الصهيونية المؤسسة، بل إقامة الدولة القومية التي تخيَّلها هرتزل بوصفها مشروعا علمانيا غربيا يقوم على الاستيطان. ورغم ذلك أدرك عدد من منظري الصهيونية العلمانيين أن اللاهوت السياسي الصهيوني ينطوي على لمسة ماشيحانية خطرة يمكنها أن تغير الصهيونية وتسيطر عليها. وبحسب المؤرخ "موطي جولاني"، عبَّر رئيس إسرائيل السابق "حاييم وايزمان" عن رفضه القاطع قيام حزب مزراحي صهيوني ديني خوفا من أن "يصادر السيادة من الإنسان ويعيدها إلى الرب" (13).

بدأت الاساطير المقدسة والديباجات الدينية تنفلت من عقالها، وقد تجلى ذلك في خطة "الحسم" التي نشرها سابقا الوزير سموتريتش وتحمس لها بن غفير. (الأناضول)

وبحسب الباحث في الصهيونية الدينية "تومر برسيكو"، لم يكن بن غوريون "يريد جبل الهيكل، وكذلك أيضا بقية القيادات الصهيونية. لقد اعتقد هؤلاء أن المدينة القديمة ليست سوى خراب يحتوي على مخزون طاقة للإشعاع الديني. وأراد بن غوريون التخلص منها بتقسيم المدينة إلى شرق وغرب". وحين عارض التيار التصحيحي ذلك التقسيم عام 1937 تحت شعار عدم التنازل عما يعتبره جبل الهيكل، اعتبر بن غوريون الأمر كارثيا وكتب مدافعا عن التقسيم: "أورشليم يهودية محررة من الشراكة المقيتة مع الأفنديات والموظفين الإنجليز، منقطعة عن البلدة القديمة التي لا علاج لها إلا بتحويلها إلى متحف ثقافي وروحي وديني لجميع الأديان، ومعفاة من الأحياء العربية التي ستحفز مواهبنا الإبداعية الحضارية، وتركز ثروتنا وكياننا". ولكن في العشرينيات، ومع تشكل التيار التصحيحي، أصبح بناء الهيكل الثالث بمنزلة التعبير الملموس عن استعادة التاريخ القومي والسيادة الكاملة على الأرض. فبحسب الموروث اليهودي لا تقاس السيادة اليهودية على أرض إسرائيل فقط بإقامة المملكة/الدولة، بل أيضا بإعادة بناء الهيكل مع حكم ملكي من سلالة داوود (13).

تدريجيا، أصبحت أسطورة الهيكل تُشكِّل مرجعية لكل التيارات الصهيونية الدينية، وتحققت مخاوف المؤرخين الصهاينة بحذافيرها، وبدأت الأساطير المقدسة والديباجات الدينية تنفلت من عقالها، وقد تجلى ذلك في خطة "الحسم" التي نشرها سابقا الوزير سموتريتش، وتحمس لها بن غفير، وألمح لها نتنياهو في خطابه ببداية الحرب الحالية، والمبنية على قصة "يوشع بن نون" في حربه مع "العماليق"، بعد أن عبر نهر الأردن وسيطر على أرض كنعان تنفيذا للإرادة الإلهية وتحقيقا للوعد. وبحسب الأسطورة أرسل يوشع بن نون إلى سكان البلاد ثلاث رسائل فيها ثلاثة خيارات: "إذا لم يهرب سكان البلاد فيجب أن تُفرَض عليهم قيود، أن يكونوا مهانين ومحتقرين، وألا يرفعوا رأسا في إسرائيل، وإن عارضوا ذلك فلا نترك منهم نفسا" (13).

في الوقت نفسه، يستمر بن غفير في إصدار تراخيص الأسلحة وتوزيعها على المستوطنين، ويحرّض على العنف والقتل داخل إسرائيل، وهو بذلك يحطم ببساطة الداخل الإسرائيلي ويقوده إلى قاع الوحشية والعنف ووحل الانتقام، وقد كتب المحلل الإسرائيلي "غدعون ليفي" في صحيفة "هآرتس" محذرا بأن المفاجأة التالية ستأتي من داخل الضفة التي تغلي بسبب اعتداءات المستوطنين المتكررة، بعد أن تحولوا إلى عصابات ترتدي الزي العسكري وتطلق النار على السكان الفلسطينيين. ولكن ليفي يقول إن العدو هذه المرة لن يكون الفلسطينيين، بل سيكون المستوطنين المتطرفين الذين سينقضّون على دولة إسرائيل نفسها قريبا.

_______________________________________

الهوامش:

"الستاتوس كو" (Status quo) "الوضع القائم كما كان عليه"، مشتق من اللاتينية (status quo ante bellum)، التي تعني حرفيا "الوضع الذي كان موجودا قبل الحرب"، وكان يُستخدَم للمطالبة بإعادة الوضع إلى سابقه.

المصادر:

إعدام في الغرب المتوحش. تسليح "جيش بن غفير": أكثر من 5 ملايين رصاصة و40 ألف بندقية. يتمار بن غفير، وزير الفوضى الإسرائيلي. حركة كاخ (عصبة الدفاع اليهودية). Itamar Ben-Gvir, Israel’s Minister of Chaos دولة أرض إسرائيل و"الستاتوس كو" المتدحرج. إذا فعل الـ"راف كوك"؟ فكرة الخلاص في الصهيونيّة الدينية. صعود أقصى اليمين الإسرائيلي.. الخلفية والإسقاطات. الحريديم في مواجهة حماس.. لماذا يسعى المتطرفون للسيطرة على الجيش.  إيتمار بن غفير، وزير الفوضى الإسرائيلي. How Bibi Empowered the Supremacist Movement Fueling This Conflict. إيتمار بن غفير، وزير الفوضى الإسرائيلي.  صعود أقصى اليمين الإسرائيلي.. الخلفية والإسقاطات. المفاجأة الثانية ستأتي من الضفة الغربية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الصهیونیة المتطرفة الصهیونیة الدینیة الیمین المتطرف إیتمار بن غفیر الضفة الغربیة رئیس الوزراء داخل إسرائیل جیش الاحتلال أرض إسرائیل حزب اللیکود فی إسرائیل بن غفیر فی أن بن غفیر بن غوریون فی الضفة أدى إلى بعد ذلک التی ی بعد أن عام 2021 ما کان فی عام غیر أن

إقرأ أيضاً:

المرابي اليهودي ترامب.. سيد إمبراطورية المواخير والإجرام المتهاوية (أمريكا الصهيونية)

يمانيون/ كتابات/ إبراهيم محمد الهمداني

لم يكن زعماء كيان الإرهاب الإجرامي، المسمى (الولايات المتحدة الأمريكية)، أبطال الخلاص الإنساني، ولا حماة الحقوق والحريات، ولا حملة مشروع الحضارة، ولا خلاصة نهضة وتقدم المجتمعات الإنسانية، وكل ما في الأمر، هو أنهم تصنَّعوا ذلك الدور، وقدموا أنفسهم من خلال ماكينتهم الإعلامية الضخمة، في صور تدعي الإيمان بالفضيلة، ومشاهد تجسد رعاية القيم والمبادئ المثالية، وسلوكيات تتقنع بالأخلاق والتضحية، وسياسات توهم بالتسامح وإغاثة الملهوف ومساعدة المحتاج، والانتصار للحق دون أي تمييز أو تعصب، وقد نجحوا في إيهام معظم الشعوب، بصورة المخلِّص الأمريكي الزائفة، الذي اجتهدت “هوليوود” في تقديمه، وفق أعلى المواصفات والمعايير المثالية، كما أسهم الإعلام العربي – وبالذات الخليجي العميل – في التسويق والترويج لذلك التضليل والخداع، الذي استهدف الوعي الجمعي للشعوب، وتمكن من صناعة وتوجيه الرأي العام الجماهيري، فيما يصب في مصلحة المجرم الأمريكي، ويجمِّل قبح صورته وانحطاط دوره، في الماضي والحاضر والمستقبل.
رغم تواطؤ معظم الأنظمة العربية العميلة، مع راعي البقر الأمريكي، في عملية اغتيال الوعي الجمعي، وتقديم العدو الأزلي في ثياب الصديق الوفي، إلا أن صحوة الشعوب ومفكريها الأحرار، قد أسهموا في إسقاط أقنعة المشروع التضليلي، وتعرية قبحة وتوحشه وإجرامه، وحقيقة دوره التدميري الهدام، وقد برزت الكثير من المشاريع التنويرية، سواء في الجانب الفكري أو الثقافي أو الديني، ويمكن القول إن المشروع القرآني الثقافي التنويري، كان أعم وأشمل وأنجح تلك المشاريع، المناهضة لمشاريع الهيمنة الأمريكية، حيث قام الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي – رضوان الله عليه – بتشخيص مشاكل المجتمع الإسلامي بشكل عام، والمجتمع اليمني بشكل خاص، وأسباب تأخرهم وضعفهم واستلابهم لعدوهم، ثم قدم الحلول والمعالجات الناجعة الكفيلة بتحقيق عزتهم وكرامتهم واستقلالهم، واستعادة دورهم الريادي والحضاري، من خلال الأوامر الإلهية والموجهات القرآنية، والاستفادة من مضامينه الثقافية والفكرية، ومسار حركته عبر تاريخ البشرية، وقد امتد نجاح هذا المشروع القرآني الحضاري العظيم، على مدى عشرين عاما، ليقف اليوم في وجه مشاريع الاستكبار والإجرام والهيمنة العالمية، ويسقط أركان عروش الطغيان والتسلط الأمريكي، حيث استطاع سماحة السيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي – يحفظه الله – تجسيد قوة وفاعلية المشروع، في البناء والمواجهة، وتحقيق تكامل ثلاثية “المنهج والشعب والقائد”، في كسر كل مواضعات ومعادلات الهيمنة والاستكبار الأمريكي، القائم على صناعة الإجرام، وتكريس التبعية والاستلاب، وفرض مشروع التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، ومحو القضية الفلسطينية، أرضا وإنسانا وتاريخا وفكرا وثقافة وهوية ووجودا مطلقا.
سقطت الكنيسة المسيحية تدريجيا، في مستنقع الانحراف العقائدي والفكري اليهودي، وبلغت ذروة السقوط على يد (الرهبان اليهود)، الذين وظفوا كل عقائد ومقولات العنف والتطرف والعنصرية والإرهاب، في إعادة تدوير مخلفات الثروة البشرية الإجرامية، وصناعة الجماعات الوظيفية الاستيطانية، لتصبح عقيدة العنف المقدس، والقتل والإبادة والتوحش باسم الله، وانتصارا للدين وخلاصا للإنسانية، هي بعض مخرجات الكنيسة، في صيغتها (المسيحية اليهودية)، وبمرور الزمن برزت حاجة الكيان الإجرامي اللقيط، إلى استراتيجيات وسياسات إضافية، تبرر قبح الوسيلة بمثالية الغاية، وتجيز للمرابي التاجر اليهودي الأمريكي، ممارسة الكسب غير المشروع، وانتهاك كافة المبادئ والأخلاق والقيم، لغايات ذرائعية نفعية مادية بحته، تهدف إلى تحقيق الرفاه الاقتصادي، حتى وإن من خلال تجارة الجنس والرقيق والمخدرات، وشركات القمار والربا والاختلاس، وتأجير القتلة المأجورين، وجماعات الإجرام الوظيفية الإرهابية، وغير ذلك الكثير، مما لا يتسع المجال لحصره.

لذلك كان النهج الصهيوني، هو المسار الفكري والسلوكي الثاني، الذي استمدت منه الولايات المتحدة الإرهابية دورها الوظيفي وتوجهها اللصوصي الاستعماري، وبذلك لم تتجاوز كونها، كيانا وظيفيا استيطانيا إحلاليا، يضم في قاعدته تكوينه البنيوي، خليطا هجينا من القتلة المأجورين، وصناع الإجرام وأرباب الدموية، ممن ماتت قلوبهم وضمائرهم، وتحولوا إلى وحوش بشرية مفترسة، تشكل خطرا وجوديا على الوجود الإنساني، لأن تجربتهم السابقة في الإجرام، امتزجت بحقدهم على مجتمعاتهم، وغذت السجون في نفوسهم رغبة الانتقام، التي وجدت في الدور الوظيفي الجديد، متنفسا كبيرا لممارسة الإجرام والانتقام، استنادا إلى عقيدة العنف المقدس، ذات الأصول اليهودية الصهيونية المتطرفة، وبالتالي لم تكن مؤسسة الرئاسة الأمريكية، سوى كيان وظيفي استعماري مركزي، يعمل بشكل منظم وممنهج، على رسم وتقرير وتنفيذ، خطط ومشاريع

التسلط والهيمنة، وتحقيق مقومات النفوذ والسيطرة، على مناطق الثروات والمواقع الاستراتيجية، وتحويلها إلى عمق جيوسياسي تابع لأمريكا، بمختلف الوسائل والطرق غير المشروعة.

وأما حقيقة الرئيس الأمريكي، الذي يلعب دور سيد العالم، فلا تخرج عن طبيعة بقية القطيع الإجرامي، القادم من مستنقعات سجون أوروبا، ليمارس سلوكه الإجرامي التوحشي، بعد شرعنته بالمعتقدات اليهودية المتطرفة، وتأييده بمقولات العنصرية والعداء والتطرف المطلق، وبذلك لا يعدو كونه، قاتلا مأجورا، ولصا محترفا، وكائنا معقدا منحرفا، يمارس تجارة الرقيق والمخدرات والجنس والأعضاء، ويدير مواخير البغاء، وأندية القمار والقروض الربوية، ومصانع السلاح المدمر الفتاك؛ لغته القتل والإبادة، وفكره الإرهاب والتوحش، وثقافته الهمجية والعنف، وأسلوبه التدمير الشامل والمحو والإزاحة، وسلوكه الغدر والاحتيال والخداع، وعقيدته التسلط والهيمنة، ومنجزه الحضاري الموت والانحطاط، الثقافي والفكري والسلوكي الشامل.
لن يتورع حامل ما يسمى (المشروع الحضاري)، وسيد هيمنة القطب الواحد، وصانع السياسة العالمية، وبيضة ميزان التوازانات والتحالفات والاستقطابات الدولية، عن الدعوة العلنية إلى الشذوذ والمثلية، كتوجه عالمي عام، يعبر عن الحرية – على الطريقة الأمريكية – المفروضة بالإرغام، ولن يبالي بخروجه السافر، عن إطار اللياقة الدبلوماسية، ومزاعم حياده السياسي الأبوي، ليعلن عنصريته المقيتة، بأنه صهيوني فكرا وسلوكا، مؤكدا تعصبه الكامل للعدو الإسرائيلي الغاصب، وشراكته المطلقة لكيان العدو الصهيوني، في حرب الإبادة الشاملة، وكل المجازر الجماعية المروعة، وجرائم القتل والدمار والمحو الممنهج، بحق المدنيين الأبرياء العزل، من أبناء قطاع غزة وجنوب لبنان، وهو ذات الدور والوظيفة القذرة، التي مارستها الولايات المتحدة الإرهابية في أفغانستان والعراق واليمن وغيرها، كما لم ولن يتورع الرئيس الأمريكي اليهودي، السابق القادم، دونالد ترامب، عن ممارسة أقبح وأحط وأصلف الأدوار السياسية، ولن يستحي من القيام بأقذر مظاهر اللصوصية والابتزاز، بحق أنظمة العمالة والنفاق الخليجية، علاوة على عدم تحرجه عن ممارسة أحط وأحقر، مظاهر السلوك الاستعماري والصلف والعنجهية الإمبريالية، حين يعطي ما لا يملك، لمن لا يستحق، ليهب الجولان السوري، للكيان الإسرائيلي الغاصب، ويعلن القدس عاصمة له، بقرار سياسي مذيل بتوقيعه، مجسدا أقبح وأحط وأقذر، أدوار ومواقف التسلط الاستعماري، علاوة على ما تحمله شخصيته، من الكم الهائل، من الانحطاط السلوكي والأخلاقي، والتفاهة والحقارة اللامتناهية، والسفه والطيش والعجرفة والبربرية، وأقل ما يمكن أن يقال عن هذا الكائن المعتوه، إنه يمثل مستنقع الرذائل اليهودية، ومجمع القذارات الصهيونية، القواد عديم الشرف، المسمى مؤقتا، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يهودي الاعتقاد، صهيوني الانتماء والولاء، حتى أنه لم يجد غضاضة، من سلوك زوجته المنحرف، حين أكدت – السيدة الأولى؛ ميلانيا ترامب – استحقاقها لقب “العاهرة الأولى”، من داخل أروقة “البيت الأبيض”، والأدهى والأمر من كل ذلك، هو انبطاح الأنظمة العربية والإسلامية العملية، لأرباب العهر وسادة الإجرام، وتهيئة الساحة الإسلامية، ليحكمها أمثال هؤلاء الحثالات، خاصة وأن مزاعم الهيمنة والتفوق العسكري، ووعود الحماية والدفاع المشترك، قد سقطت إلى غير رجعة، على أيدي المجاهدين العظماء الأبطال في غزة ومحور الجهاد والمقاومة، وكما سقط ضجيج التفوق الإسرائيلي في غزة، سقط وهم هيمنة الأساطيل وحاملات الطائرات الأمريكية، في البحر الأحمر والعربي والمتوسط، على أيدي أبطال القوات المسلحة اليمنية، وهو ما يحتم على الشعوب العربية والإسلامية، الثورة ضد حكامها العملاء المنبطحين، المنقادين لحثالات البشرية.

مقالات مشابهة

  • ترامب يريد تريليون دولار من السعودية لهذا الغرض
  • ماغرو زار المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان: من دون الأبحاث يستحيل أن نتوقع التطورات التي تحصل في العالم
  • هذه الدول التي لديها أطول وأقصر ساعات عمل في العام 2024 (إنفوغراف)
  • صحيفة “هآرتس” الصهيونية: هاليفي يورث خَلَفه “جيشاً” غارقاً في أزمة عميقة
  • المرابي اليهودي ترامب.. سيد إمبراطورية المواخير والإجرام المتهاوية (أمريكا الصهيونية)
  • «عالم الشاي».. الذي ينتسب إليه 90% من سكان العالم
  • خلافات وعقد حكومية وسلام يريد التشكيل وفق ما يراه مناسباً للناس والدستور
  • الترسانة النووية للرئيس الـ47.. ما الأسلحة التي يستطيع ترامب أن يهدد بها العالم؟
  • استشهاد وإصابة 39 فلسطينياً جراء العملية العسكرية الصهيونية على جنين
  • حماس تؤكد أن غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية