واشنطن- لم تنجح الضربات الجوية والصاروخية التي تشنها إدارة الرئيس جو بايدن ضد الحوثيين في اليمن في استعادة الردع الأميركي، أو منعهم من مهاجمة سفن في جنوب البحر الأحمر، وبدل تهدئة التوتر في أحد أهم الممرات البحرية التجارية في العالم، أججته الضربات العسكرية أكثر.

ويخشى عدد من الخبراء تحدثت إليهم الجزيرة نت من تورط الولايات المتحدة في حرب أوسع في المنطقة، في وقت لا يبدي فيه الحوثيون أي إشارات على تراجع موقفهم المعلن من استمرار الهجمات ما دام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مستمرا.

وتأمل واشنطن في أن تدفع هجماتها -شبه اليومية- إلى ردع جماعة الحوثيين عن مهاجمة خطوط الشحن البحري في البحر الأحمر، أو أن تُدمر وتقضي على مخزونات الصواريخ لديها.

من جهته، دافع جون فينر نائب مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض عن ضربات التحالف بقيادة واشنطن ضد الحوثيين قائلا إن "الأهداف هنا تتجاوز الردع، نحن نسعى إلى إضعاف قدرتهم على مواصلة شن هذه الهجمات".

تأثير مفقود

ورغم استمرار الضربات التي تشارك فيها البحرية البريطانية، اعترف بايدن بأنها لم تسفر بعد عن التأثير المطلوب، ورد على سؤال أحد الصحفيين المرافقين له "هل سيتوقف الحوثيون؟"، فقال "لا". وأجاب عن سؤال "هل سيستمرون؟" بقوله: "نعم".

وفي مقابلة مع مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، قال الجنرال المتقاعد فرانك ماكنزي، الرئيس السابق للقيادة الوسطى الأميركية، إن الضربات الأميركية مرحب بها، وإن كانت متأخرة إلى حد ما، نظرا لأهمية مضيق باب المندب.

وقال ماكنزي "قد نكون قادرين على ردع الحوثيين عن مواصلة هذه الأعمال. لا يزال هناك قتال كثير للمضي قدما لتحقيق هذا الهدف، لكنني أعتقد أننا نفعل الشيء الصحيح".

وأعلن الجيش الأميركي، الأحد، مقتل اثنين من أفراد البحرية بعد اختفائهما قبل 10 أيام خلال عملية بحرية لاعتراض أسلحة من إيران متجهة إلى المقاتلين الحوثيين. ويُعدان من بين أوائل القتلى الأميركيين المعروفين في حملة الولايات المتحدة ضد الحوثيين.

وتزامن ذلك مع نشر تقارير متعاقبة عن احتمال أن يؤدي اتخاذ إجراءات ضد الحوثيين إلى تأجيج حرب أوسع في الشرق الأوسط، ويعتقد ماكنزي أن التهديد مبالغ فيه.

وفي لقاء مع شبكة "سي إن إن"، الأحد الماضي، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إنه "منذ بداية حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة، التي أعقبت عملية أكتوبر/تشرين الأول، أطلقنا تحذيرات من أنه إذا لم تتوقف الهجمات وجرائم الحرب والإبادة الجماعية ضد غزة والضفة الغربية، فإن الحرب ستنتشر على نطاق واسع، وستصبح أكبر".

وأضاف "هذا لا يعني أننا أردنا أن نلعب دورا في هذا التوسع، نحن نهتم بالأمن البحري وسلامة الشحن، صادراتنا النفطية تتم عبر البحر. لذا، فإن أمن البحر الأحمر وبحر عمان والخليج الفارسي مهم جدا بالنسبة لنا. نحن نستفيد منه. وإلا فلن نتمكن من تصدير نفطنا".

واقع ضبابي

في المقابل، يرى ماكينزي أنه "ليست لدى إيران مصلحة حاليا في الدخول بحرب كبرى، لأنهم يفهمون في النهاية ما سيحدث. سيُهزمون. سيكون النظام تحت ضغط شديد وقد ينهار. لا أعتقد أن طهران ستصعد هجماتها بشكل كبير في المنطقة لأننا نضرب الحوثيين"، حسب تقديره.

ويتابع "حاليا، هذه حرب رخيصة غير مكلفة بالنسبة لهم. لقد شنوها بشكل فعال للغاية من خلال شحن الصواريخ والمكونات الفتاكة الأخرى إلى اليمن".

من ناحيته، اعتبر خبير الشؤون الأمنية ألكسندر لانغلوا، في مقال نشرته مجلة "ذا نيشن"، أنه في الوقت الذي تستمر فيه ضربات الحوثيين منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يأمل فريق بايدن أن تردعهم خطوته عن مواصلة هذه الهجمات.

ولكنه يرى أن الواقع أكثر ضبابية، وسيفشل بايدن في وقف عدوان الجماعة بينما تزيد من إعاقة الشحن الدولي، إذ يتسلق كلا الفاعلين سلما تصعيديا يخاطر بحرب إقليمية أوسع.

وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر مدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو أن صراع الحوثيين مع الولايات المتحدة يمنحهم مزيدا من التعاطف والدعم في جميع أنحاء العالم العربي في وقت ترتفع فيه المشاعر المعادية لواشنطن في المنطقة بسبب تقديم إدارة بايدن دعما قويا لإسرائيل وسط حرب الإبادة الجماعية على غزة.

وأضاف كافيرو أن الصراع مع واشنطن يُمكّن الحوثيين من تعزيز مكانتهم بشكل أفضل داخل "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، "ويثبت لطهران مدى ارتباط الجماعة بهذا التحالف المناهض للهيمنة".

كما أشار إلى اعتياد الحوثيين الحرب والقتال بينما تقصف القوى الأجنبية أهدافهم في اليمن. ومن هنا، نشر الحوثيون أسلحتهم في جميع أنحاء البلاد مما جعل من الصعب بشكل متزايد على الجيش الأميركي أو أي قوة أخرى القضاء على قدرتهم القتالية عبر الغارات الجوية.

"إجراء وحيد ناجع"

ويرى لانغلوا أنه بدل الاستمرار في السياسات الإقليمية الفاشلة، يجب على الولايات المتحدة النظر في الإجراء الوحيد الواضح الذي سينهي ضربات الحوثيين على الشحن الدولي بوقف دائم لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، مما سيحل مشاكل متعددة تواجه السياسة الخارجية الأميركية إذا أظهرت إدارة بايدن قيادة حقيقية بالضغط على إسرائيل.

ويتملك مساعدي الرئيس بايدن قلق مزدوج في عام انتحابي صعب أمام احتمال التصعيد من ناحية، والخوف من ظهوره كرئيس ضعيف إن لم يلجأ للأدوات العسكرية من ناحية أخرى.

وقال جودت بهجت، الأستاذ بمركز "الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الإستراتيجية" في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، للجزيرة نت، إن "تفوق واشنطن عسكريا وتكنولوجيا لا يمنحها القدرة على ردع الحوثيين. فسبق أن فشلت في أفغانستان، وانتصر الحوثيون، بشكل أو بآخر، في الحرب في اليمن".

ويضيف أن الحوثيين يستخدمون، مثل المليشيات الأخرى، حروبا وتكتيكات غير متكافئة لمواجهة الولايات المتحدة. وفي عام الانتخابات، لا يمكن للرئيس بايدن أن يبدو ضعيفا، مشيرا إلى احتمال أن تستمر واشنطن في مهاجمة الحوثيين، لكن من غير المرجح أن تُوقف هذه الضربات هجماتهم أو تمنعهم من اتخاذ إجراءات ضد إسرائيل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة ضد الحوثیین

إقرأ أيضاً:

ديمقراطية أميركا..من أيزنهاور إلى بايدن

هل باتت الديمقراطية الأمريكية في خطر من جراء مجمعين يكادان يطبقان عليها، لتخسر الولايات المتحدة، درَّة التاج، في تكوينها وجوهرها، منذ إعلان الاستقلال وحتى اليوم؟

لطالما فاخر وجاهر الأمريكيون بالنسق القيمي الليبرالي، الذي عُدَّت الديمقراطية فيه حجر الزاوية، وعليه قام هذا البناء الجمهوري الشاهق، غير أنه وخلال العقود الستة المنصرمة، بدت روح أمريكا في أزمة حقيقية، من جراء نشوء وارتقاء مجمعات أقل ما توصف به أنها ضد الديمقراطية.
جاء خطاب وداع الرئيس جو بايدن ليعيد تذكير الأمة الأمريكية بالخطر الذي نبّه منه الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1961، والمؤكد أن بايدن لم يذكّر الأمريكيين بالمجمع الصناعي العسكري، ذاك الذي لفت إليه أيزنهاور فحسب، بل وضعهم أمام استحقاقات مجمع جديد قادم بقوة كالتسونامي الهادر في الطريق، لا شيء يوقفه، وما من أحد قادر على التنبؤ بأبعاد سيطرته على مستقبل الديمقراطية في الداخل الأميركي.
في السابع عشر من يناير (كانون الثاني) من عام 1961 ألقى أيزنهاور خطاباً وداعيّاً متلفزاً من مكتبه الرسمي، وبطريقة لا تُنسى، حذَّر فيه من أن تتحول "الصناعة العسكرية المعقدة" في بلده إلى قوة عنيفة.
يومها قال جنرال السياسة الذي نجح في قيادة قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية إن "المؤسسة العسكرية الضخمة" مع "صناعة أسلحة هائلة" تعملان معاً سعياً وراء "نفوذ لا مبرر له" في "كل مدينة وكل مبنى تشريعي وكل مكتب عائد إلى الحكومة، مما قد يؤدي إلى كارثة تنبع من بروز قوة في غير محلها".
عبر ستة عقود ونيف بدا أن توقعات "الجنرال آيك" قد تحوّلت إلى واقعِ حال عبر تحالف ثلاثي الأطراف، اختصم في واقع الأمر الكثير من لمحات ومسحات الديمقراطية الأمريكية.
تمثلت أضلاع المثلث في أصحاب المصانع العسكرية الأمربكية، تلك التي تدرّ "لبناً وعسلاً وذهباً" على حَمَلة أسهمها، في السر والعلن، فيما الضلع الثاني مثَّله جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية، الذين يقودون وعلى الدوام المعارك الأمريكية على الأرض، وغالباً ما يعودون لاحقاً بعد نهاية خدمتهم للعمل مستشارين برواتب هائلة في المؤسسات الصناعية العسكرية، بينما الجهة الثالثة يمثلها أعضاء الكونغرس، من الشيوخ والنواب، أولئك الذين يشرّعون قرارات الحروب، وعادةً ما يتلقون ملايين الدولارات تبرعات من الشركات العسكرية الكبرى، والعمل لها لاحقاً، بعد نهاية تمثيلهم التشريعي، أعضاء في مجالس إداراتها.
خلق هذا المجمع بلا شك روحاً جديدة في الداخل الأمريكي، باتت تمثل قوة ضاغطة على عملية صناعة القرار الأمريكي، وخصمت ولا شك من مساحات الديمقراطية الغنَّاء، وقدرة البروليتاريا الأمريكية العاملة المكافحة، وأقنان الأرض البؤساء، على تمثيل ذواتهم تمثيلاً عادلاً، فيما المحكمة العليا في البلاد أخفقت في حسم قضية التبرعات للمرشحين للمناصب الحكومية، من عند أصغر عمدة لمدينة أمريكية نائية على الحدود الجنوبية في تكساس، وصولاً إلى مقام الرئاسة.
جاء بايدن في خطاب تنصيبه ليشير إلى ما سمَّاه "المجمع الصناعي التقني"، الذي يبدو أنه لا يقل ضراوة عن العسكري، لا سيما أن بصماته تمتد عبر المحيطات إلى بقية أنحاء وأرجاء الكون الفسيح.
"بعد ستة عقود من الزمان ما زلت أشعر بنفس القدر من القلق إزاء الصعود المحتمل للمجمع الصناعي التكنولوجي الذي قد يشكل مخاطر حقيقية على بلدنا أيضاً"... هكذا تكلم بايدن.
بايدن لم يترك مجالاً للشك في أن الأمريكيين يُدفنون، وعلى حد تعبيره، تحت سيل من المعلومات المُضلّة والمضلِّلة، التي تُمكن من إساءة استخدام السلطة، فيما الصحافة الحرة تنهار، والمحررون يختفون، بينما وسائل التواصل الاجتماعي تتخلى عن التحقق من صحة الحقائق أو زيفها.
أظهر بايدن أن هناك مخاوف حقيقية تخيِّم فوق ديمقراطية أمريكا، من جراء تزاوج الثروة والسلطة، عبر أطراف المجمع الصناعي التقني، الذي بات يمثله رجالات من نوعية إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وجيف بيزوس، ومجالس إدارات شركات مثل أبل وغوغل، وأساطين رجال أعمال يتعاطون مع قرابة التريليون دولار، مما يجعل فكرة الديمقراطية المختطَفة من القلة أمراً قائماً وليس جديداً.
هل الديمقراطية الأمريكية في خطر حقيقي وليس وهمياً؟
تركيز السلطة والثروة يؤدي مباشرةً إلى تآكل الشعور بالوحدة والغرض المشترك، ويقود إلى انعدام الثقة، وحينها تصبح فكرة الديمقراطية مرهِقة ومخيِّبة للآمال، ولا يشعر الناس فيها بأنهم يتمتعون بفرصة عادلة.
يقول الراوي إن روما القديمة قد أفل نجمها حين غابت روح الديمقراطية عن حناياها ومن ثناياها... ماذا عن روما العصر؟

مقالات مشابهة

  • انخفاض مستويات الفقر في روسيا وخبراء يشككون
  • نتنياهو: قراراتنا خلال الحرب غيرت ملامح الشرق الأوسط بشكل جذري
  • واشنطن تعلن قصف أهداف لتنظيم الدولة في الصومال
  • يسرا زهران تكتب: عدم دفع أجور عادلة للعاملين يضعف قدرة المستهلكين على الطلب.. ويؤدي لإضعاف الاقتصاد ويضر صاحب العمل
  • واشنطن تخطط لتحالف عسكري جديد للقضاء على الحوثيين في اليمن
  • مسؤولون أميركيون: السيطرة على حريق لوس أنجلوس بالكامل
  • السيطرة بشكل كامل على حريقي إيتون وباليساديس في الولايات المتحدة
  • ديمقراطية أميركا..من أيزنهاور إلى بايدن
  • ترامب يتهم بايدن وأوباما بحادث اصطدام مروحية عسكرية بطائرة ركاب قرب العاصمة واشنطن
  • أطباء أميركيون: لم نشهد دمارا كما فعل الاحتلال الإسرائيلي بغزة