يشكل رد باكستان على القصف الإيراني سابقة للدول الأخرى، وخاصة الولايات المتحدة، التي تجنبت حتى الآن المواجهة العسكرية المباشرة مع إيران، فهذا الرد على أقل تقدير يفسح المجال لخيارات كانت تعتبرها واشنطن مكلفة للغاية، وفقا لقمران بخاري، الخبير في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية بمعهد "نيو لاينز" في واشنطن.

بخاري قال، في تحليل بمركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز" الأمريكي (Geopolitical Futures) ترجمه "الخليج الجديد"، إن باكستان ضربت منشآت تابعة للمتمردين الباكستانيين في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، في 18 يناير/كانون الثاني الجاري، "مما جعلها أول دولة تقصف الأراضي الإيرانية منذ نهاية الحرب الإيرانية- العراقية (1980-1988)".

وأوضح أن "الهجوم جاء ردا على هجوم طهران غير المسبوق على المتمردين البلوش الإيرانيين في محافظة بلوشستان جنوب غربي باكستان في اليوم السابق".

ولفت إلى أن "الولايات المتحدة لم تستهدف إيران بشكل مباشر، على الرغم من 45 عاما من الأعمال العدائية المتواصلة بينهما. وكان أقرب ما حدث في عام 2020، عندما قتلت غارة أمريكية بطائرة بدون طيار قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في العراق".

اقرأ أيضاً

ضرباتها لن توقف الحوثيين.. أمريكا تتجاهل الحل الواقعي الوحيد

مواجهة مباشرة

"لقد وصلت جهود إيران لتحدي الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى نقطة انعطاف، فبعد عقود من إعادة تشكيل البيئات السياسية الداخلية لمختلف دول المنطقة لصالحها، تستخدم طهران الآن الجماعات المتحالفة معها لخلق مشاكل استراتيجية لواشنطن"، كما زاد بخاري.

وأضاف أنه "في غياب صراع كبير أو اضطرابات داخل إيران، لا يوجد سبب للاعتقاد بإمكانية عكس مكاسب طهران في الشرق الأوسط".

كما أن "الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمواجهة إيران عبر قتال وكلائها لم تردع طهران، ولم تؤد إلا إلى تدهور الأمن الإقليمي"، بحسب بخاري.

وتابع: "مع ذلك، تدرك إيران مخاطر المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، لذا ينبغي النظر إلى غاراتها الجوية، الأسبوع الماضي، في سوريا والعراق وباكستان كوسيلة لدرء أي هجمات أمريكية مباشرة".

واعتبر أن الغرض من هذه الغارات "هو الإشارة إلى الولايات المتحدة بأن الأمور يمكن أن تصبح قبيحة إذ اندلعت مواجهة أمريكية إيرانية مباشرة".

وزاد بقوله: "يحاول القادة الإيرانيون الاستفادة من جهود إدارة (الرئيس الأمريكي جو) بايدن لمنع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة من التوسع إلى صراع إقليمي أوسع".

ورأى أن "هذا ما يفسر قرار الحوثيين (رفضا للحرب على غزة) مهاجمة السفن (المرتبطة بإسرائيل) في البحر الأحمر؛ مما تسبب في تعطيل كبير لحركة الملاحة التجارية العالمية".

اقرأ أيضاً

اتفاق إيراني باكستاني على إعادة العلاقات وعودة السفيرين الجمعة المقبل

معسكران إيرانيان

و"بحسب مصادر مطلعة على تفكير النخبة الإيرانية، توجد وجهتي نظر حول الحرب الأمريكية المحتملة"، وفقا لبخاري.

وأوضح أنه "يوجد معسكر أكثر تجنبا للمخاطرة ويتألف من البراجماتيين المدنيين وكبار ضباط الجيش، وهم يعتقدون أنه يوجد الكثير مما يمكن خسارته إذا استُفزت الولايات المتحدة إلى ما هو أبعد من عتبة معينة؛ مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار النظام (الإيراني) الهش بالفعل".

واستدرك: "ولكن يوجد أيضا العناصر الأكثر تشددا وهم في المقام الأول من رجال الدين والحرس الثوري الإيراني، الذين يشعرون أن الصدام العسكري المباشر مع الولايات المتحدة قد يفيد النظام بالفعل".

و"وجهة النظر الأخيرة تفترض أن الولايات المتحدة ليس لديها الرغبة في خوض حرب كبرى مع إيران، وأن واشنطن ستقتصر على الضربات الجوية التي يمكن للنظام استيعابها"، كما أضاف بخاري.

وأردف أن "أنصار هذا المعسكر يدعمون مزاعمهم بالصراعات المختلفة التي تخوضها الولايات المتحدة بالفعل  في الشرق الأوسط، وفي أوكرانيا وفي منافستها الاستراتيجية مع الصين وفي الساحة السياسية الداخلية (قبل انتخابات رئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل)".

وتابعت أن "هؤلاء يعتقدون أن الصدام المباشر مع الولايات المتحدة من شأنه أن ينّشط ما يعتبر نظاما متدهورا؛ مما يسمح للقادة بالتعامل بشكل أفضل مع النفور العام المتزايد من النظام قبل حدوث انتقال كبير للقيادة يقترب بسرعة (على مستوى المرشد الإيراني علي خامنئي- 84 عاما). ويبدو أن لعبة شد الحبل بين وجهتي النظر هذه تنتج إجماعا هجينا من نوع ما".

اقرأ أيضاً

الضربات تزداد خطورة.. هل تقترب أمريكا وإيران من حافة الحرب؟

المصدر | قمران بخاري/ جيوبوليتيكال فيوتشرز- ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إيران باكستان قصف أمريكا الشرق الأوسط حرب غزة الولایات المتحدة

إقرأ أيضاً:

هل اقتربت الحرب .. تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل وتهديدات بشأن النووي | تقرير

ندّدت طهران بشدة بتصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الذي لوّح بالخيار العسكري لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، واصفةً هذه التهديدات بأنها "غير منطقية ومُشينة".

 تأتي هذه التصريحات وسط تصاعد المخاوف الدولية بشأن البرنامج النووي الإيراني، خاصة بعد تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية كشف عن زيادة "مُقلقة جداً" في مخزون طهران من اليورانيوم المخصب.  

وفي مقابلة مع موقع "بوليتيكو" الأمريكي، أكد ساعر أن إيران باتت تمتلك ما يكفي من اليورانيوم المخصب لصنع قنبلتين ذريتين، محذراً من أن "الوقت ينفد لمنعها من تحقيق ذلك". 

وأضاف الوزير الإسرائيلي أن "الخيار العسكري يجب أن يكون مطروحًا بشكل جاد وموثوق به"، في إشارة إلى احتمال تنفيذ ضربات عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.  

إيران ترد: تهديدات غير مبررة ودفاعنا ضرورة حتمية  
 

في رد رسمي على هذه التصريحات، اعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، أن تصريحات ساعر تعكس ازدواجية إسرائيل في التعامل مع القضايا الأمنية. وأوضح في منشور عبر منصة "إكس"، نقلته وكالة "إرنا" الإيرانية، أن "مسؤولي إسرائيل يهددون إيران باستمرار بعمليات عسكرية، بينما يلومها الغرب بسبب قدراتها الدفاعية، وهذا تناقض صارخ وغير مقبول". كما شدد على أن تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية هو "إجراء ضروري ومسؤول" في ظل وجود "كيان احتلالي معتاد على العدوان" في المنطقة، في إشارة واضحة إلى إسرائيل.  

نتنياهو: إسرائيل "ستُنهي المهمة" بدعم أمريكي   

في سياق متصل، صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من لهجته تجاه إيران، مؤكداً أن إسرائيل "ستُنهي المهمة" في التعامل مع التهديد النووي الإيراني، وذلك خلال مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، في وقت سابق من فبراير الجاري. هذا التصعيد يتماشى مع استراتيجية إسرائيل التقليدية، التي لطالما أعلنت أنها لن تسمح لإيران بامتلاك سلاح نووي، ولو تطلب ذلك تدخلاً عسكريًا.  

الوكالة الذرية: إيران تسرّع التخصيب بوتيرة خطيرة  

في تطور مقلق، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقرير غير معدّ للنشر، أن إيران رفعت بشكل كبير من مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب من العتبة الحرجة البالغة 90% اللازمة لصنع قنبلة نووية. ووفقاً للتقرير، فقد بلغ المخزون الإيراني 2744 كيلوغرامًا من اليورانيوم المخصب بحلول الثامن من فبراير، مقارنةً بـ 1822 كيلوغرامًا قبل ثلاثة أشهر فقط، مما يشير إلى تسارع ملحوظ في معدل الإنتاج.  

تداعيات الاتفاق النووي وعودة "الضغوط القصوى" 

 يُذكر أن طهران بدأت في التراجع تدريجياً عن التزاماتها بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015، بعدما انسحبت الولايات المتحدة منه بشكل أحادي في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعاد فرض عقوبات اقتصادية خانقة على إيران ضمن سياسة "الضغوط القصوى". هذه العقوبات أضعفت الاقتصاد الإيراني وعزلت طهران على المستوى الدولي، إلا أنها لم توقف تقدمها النووي، ما جعل الملف الإيراني نقطة توتر رئيسية في العلاقات الدولية.  

تصعيد غير مسبوق وخيارات محدودة  

مع تصاعد اللهجة العدائية بين إيران وإسرائيل، واستمرار فشل الجهود الدبلوماسية في احتواء الأزمة النووية، تبدو الخيارات المتاحة محدودة. ففي حين تسعى الدول الغربية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، لا تزال إسرائيل مصرة على أن الخيار العسكري قد يكون السبيل الوحيد لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي. وبينما تستعد المنطقة لاحتمالات تصعيد جديد، يبقى السؤال: هل سنشهد مواجهة عسكرية مباشرة، أم ستنجح الدبلوماسية في احتواء الأزمة قبل فوات الأوان؟
 

مقالات مشابهة

  • إذا قصفت إسرائيل إيران... هكذا سيكون ردّ حزب الله
  • إيران:العراق سيحصل على إعفاء وقتي لإستيراد الغاز الإيراني!
  • طهران: العراق سيحصل على تصاريح مؤقتة لاستيراد الغاز الإيراني
  • باكستان تعلن عودة مواطنين بعد ترحيلهم من الولايات المتحدة
  • هل اقتربت الحرب .. تصاعد التوتر بين إيران وإسرائيل وتهديدات بشأن النووي | تقرير
  • إيران: تهديدات ساعر "مشينة"..وتعزيز قدراتنا الدفاعية "ضروري"
  • أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية.. الأسطورة التي يتداولها الفكر السياسي العربي!
  • الولايات المتحدة تفرض عقوبات على ستة كيانات لدعمها برنامج الطائرات المسيّرة الإيراني
  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية: إيران تزيد مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب
  • إيران تضع 3 شروط للتفاوض مع ترامب.. روسيا عرضت الوساطة