حكاية الدولار المفقود
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
آخر تحديث: 23 يناير 2024 - 9:52 صبقلم: سمير داود حنوش دون سابق إنذار قررت واشنطن فرض حصارها “الدولاري” على العراق لتجفيف البئر الذي كانت تغرف منه طهران لمساندة حلفائها في المنطقة.الولايات المتحدة قامت بتقليص حجم الكمية من الدولار إلى 75 في المئة، ذلك النقد الذي كان يرسل عبر طائرات شحن عملاقة إلى العراق لتمويل رواتب الموظفين والقوات المسلحة ومصاريف الدولة الأخرى.
فاجأ القرار الحكومة العراقية في هذا التوقيت، في حين كانت واشنطن تسمع وتشاهد شحنات الدولار تنتقل إلى الجارة إيران طوال السنوات السابقة عبر مزاد بيع العملة، تشترك معها دول وميليشيات مسلحة تمتلك مصارف وبنوكا للهيمنة على الدولار من السوق العراقي لتمويل أنشطتها واقتصاداتها المنهارة.الغضب الأميركي جاء نتيجة الدعم الإيراني لروسيا بمُسيّرات في حربها ضد أوكرانيا، والذي أدى إلى خفض كمية الدولار الأميركي الذي تبيعه الحكومة العراقية في ذلك المزاد للحصول على الدينار العراقي وتأمين الرواتب، ممّا يقارب مئتي مليون دولار إلى ربع هذا المبلغ يومياً، ما أدى إلى خفض قيمة النقد العراقي مقارنة بالأعوام السابقة وارتفاع في أسعار السلع والمواد الغذائية. كان التبرير بأن الجزء الأكبر من النقد الأميركي الذي يرسل إلى العراق يستقر في إيران وسوريا ولبنان وكذلك اليمن، ودليلهم أن عملات تلك الدول قد أصابها انهيار مواز لانهيار قيمة الدينار العراقي عند فرض الحصار، مما عزز النظرية الأميركية أن دولارها يستعمل خارج نطاق الاستعمال المحلي للحكومة العراقية.في ربيع عام 2012 نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً مطولاً كشفت فيه عن تلقي النظام السوري الدولار الأميركي على شكل نقد من مصدر غير متوقع وهو العراق، رغم ذلك العداء المعلن الذي كانت تتسم به العلاقة بين النظام السوري ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تلك الفترة، حين كان يتهم دمشق بالضلوع في تفجيرات الأسبوع الدامي التي طالت العراقيين وأحدثت خسائر بالأرواح والممتلكات في شهر آب/أغسطس 2009، حين تم استهداف وزارة المالية العراقية، حينها قررت حكومة المالكي تدويل قضية الإرهاب وتقديم شكوى ضد النظام السوري لدى الأمم المتحدة لولا الضغط الإيراني الذي أوقف تلك الإجراءات. تحت السمع والبصر الأميركي كان الدولار يُهرّب شرقاً وغرباً وكما يقولون “رُبَ ضارة نافعة”.الحرب الأوكرانية كشفت الاستنزاف الإيراني للاقتصاد العراقي لتمويل مشاريعها في المنطقة أو حتى في مناطق أبعد من الحدود العراقية.في الموازنة للسنوات الثلاث القادمة وضعت حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني سعراً لصرف الدولار مقابل الدينار يعادل 1320 دينارا للدولار الواحد، لكن التهريب ظل مستمراً ولم تستطع الحكومة ضبط إيقاع تهريبه، ليصبح له سعر مواز في السوق المحلي يتخطّى السعر الرسمي بخسائر يتكبدها العراق، تذهب أرباحاً في أرصدة مصارف تمتلكها دول وميليشيات وشخصيات ترتبط بمصالح ونفوذ خارج الحدود العراقية. “العراق يخسر سنوياً أكثر من 21 مليار دولار جراء فرق العملة وهذه أكبر سرقة في تاريخ البلاد، في وقت تعجز فيه الحكومة والبنك المركزي العراقي عن السيطرة على السوق الموازي أو لا ترغب بذلك”، وفق إشارة من رئيسة كتلة الحراك الجديد في البرلمان العراقي سروة عبدالواحد.مليارات منهوبة بأسلوب مُشرعن تذهب إلى أحزاب وشركات ومصارف تابعة لشخصيات متنفذة تكفي لبناء المئات من المستشفيات والمدارس والمصانع.الصحوة المفاجئة لصانع القرار الأميركي بضرورة إلزام النظام المصرفي العراقي بلائحة القوانين المصرفية للبنك الفيدرالي الأميركي لمنع تهريب العملة، الذي كان يجري طوال سنوات سابقة تحت أنظار الفاعل الأميركي دون ردع أو عقوبة، كانت خطوة أثارت استهزاء أو استياء العراقيين الذين أيقنوا أنها خطوة لمعاقبتهم لذنب لم يقترفوه في التهريب الذي أشعل لهيباً في الأسعار، دون اكتراث من البعض الذي تحيط به منافع وملذات السلطة، في حين تعاني الأغلبية الصامتة من تأثيرات ارتفاع سعر الدولار على أسعار المواد الغذائية في الأسواق المحلية.يخبرنا الواقع أن الولايات المتحدة لا تكترث بمن وكيف ومتى يُسرق العراق، لكن المهم والأهم ألاّ يساهم دولارها في قتل حلفائها وجنودها وليذهب هذا البلد بما فيه إلى الجحيم.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: العراقیة فی الذی کان
إقرأ أيضاً:
المقاومة الإسلامية.. والعلاقات العراقية الأميركية في زمن ترامب
وصف بيان صادر عن المجلس الوزاري للأمن الوطني العراقي بعد اجتماعه برئاسة القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني وقادة أمنيين وعسكريين، الحديث عن اتخاذ الأراضي العراقية منطلقاً لتنفيذ هجمات بأنه "ذرائع كاذبة".
وقال في الوقت ذاته، إن "مصالح العراق العليا تحتم العمل على إبعاد أراضيه وأجوائه عن آلة الحرب".
وأضاف البيان أن التلويح بإمكانية قصف العراق تحت مبرر اتخاذ أراضيه منطلقا لهجمات أو ردود فعل "مسوغات يراد لها أن تكون مبررا للاعتداء على البلاد وسيادتها وحرمة أراضيها" وفق تعبيره.
وتحذر مستشارة مركز المورد للدراسات الإستراتيجية سهاد الشمري، من توسع دائرة الصراع. إذ تقول لـ"الحرة" إن "المرجعية الدينية في النجف المتمثلة برجل الدين السيد علي السيستاني أصدرت توجيهات تكاد تكون تقصد بها رئيس الحكومة في إطار التاكيد على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة وحدها، وأن تكون الدولة هي المسيطرة على جميع الأمور الفنية والعسكرية".
وترى الشمري أن قرار الحكومة هو "النأي بالعراق عن كافة المخاطر، لأن البديل عن ذلك هو توسيع دائرة الاشتباك التي لها أضرارها الكبيرة على العراق في مختلف الجوانب".
ويشاطرها الرأي المحلل السياسي، علي عبد الزهرة، الذي يقول لـ"الحرة" إن بغداد تعرف خطورة التصعيد وهي "ملتزمة بالمسار الدبلوماسي والحوار لحل الأزمات والنزاعات وعدم التصعيد مطلقا".
العراق يرفض استخدام أجوائه "للتجاوز على إيران" جددت الحكومة العراقية، السبت، موقفها الرافض لاستخدام الأجواء العراقية لاستهداف أي دولة في المنطقة، بما في ذلك إيران. مخاطر الأمر الواقعيضيف عبد الزهرة أن استخدام الأراضي العراقية لقصف إسرائيل حاصل فعليا لكن بشكل غير مباشر، من خلال ما يعرف بتنسيقية "المقاومة الإسلامية في العراق"، التي نفذت عمليات ضد إسرائيل من داخل العراق.
ويتابع "لو أرادت إيران تنفيذ أعمال ضد إسرائيل انطلاقاً من أراض عراقية سيتم تبويب الأمر على أن فصائل عراقية ساندت إيران في عمليات الرد ولا يعد إعلانا رسميا بتبني إيران هذه العمليات، ولا يعد خرقا للسيادة العراقية، لكن تبعاته يتحملها العراق نظرا لاشتراكه في التوتر وتداعياته".
ومنذ أكثر من عام و "المقاومة الإسلامية في العراق" تشن هجمات مستمرة على إسرائيل وقواعد عراقية وسورية تستضيف قوات أميركية، وبلغ عدد الهجمات التي شنتها خلال 200 يوم نحو 243 هجوما.
وكثفت هذه الفصائل هجماتها خلال الأيام الماضية، تحديدا بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران، مستخدمة الطائرات المسيرة لضرب أهداف لها في العمق الإسرائيلي.
وظهر مصطلح "المقاومة الإسلامية في العراق" لأول مرة في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما شنّت فصائل مسلحة من داخل العراق هجوما عبر مسيّرات على قاعدة حرير (شمال العراق) العسكرية التي تستضيف قوات أميركية، بحسب دراسة نشرت على منصة معهد واشنطن للشرق الأوسط.
من جانبه يرى اللواء المتقاعد صفاء الأعسم أن توسيع دائرة الصراع يعني زيادة كرة النار التي تتدحرج في المنطقة، مضيفاً لـ"الحرة" أن حماية العراق من هجمات إسرائيلية يكمن في أن العراق شريك إستراتيجي ومهم للولايات المتحدة، لكن بقاءه بعيدا عن التوتر مرهون بتجنبه المشكلات الأمنية والعسكرية".
وخلص اجتماع بين مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي والملحق العسكري الإيراني في بغداد، اللواء مجيد مجيد، إلى التاكيد على موقف العراق الرافض لاستخدام الأجواء العراقية للتجاوز على إيران وأي دولة من دول المنطقة، وفق بيان صادر عن مستشارية الأمن القومي العراقية.
ويضيف الأعسم أن حكومة العراق "لها سيطرة على فصائل المقاومة ذات التمثيل السياسي في الحكومة والبرلمان، لكن الفصائل التي لها امتداد ودعم لوجستي إيراني، فهذا يحتاج إلى تفاهمات لأن العلاقة هنا متداخلة ومتشعبة".
تدعمها إيران وتورّط بلاد الرافدين.. من هي "المقاومة الإسلامية في العراق"؟ قالت الفصائل المسلحة المنضوية تحت ما يسمى "المقاومة الإسلامية في العراق" إنها جددت هجومها فجر اليوم الخميس على ما وصفته "هدفا عسكريا"، من خلال إطلاق مسيّرة باتجاه اسرائيل. ما الذي سيتغير بعودة ترامب؟لا تتوقع الشمري حدوث تغيير على مستوى التعاون والتفاهم بين العراق والولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً، وتقول لـ"الحرة": "تربط البلدين اتفاقيات ثنائية طويلة الأمد ومهمة على مختلف الأصعدة".
من جانبه، يصف عبد الزهرة المرحلة المقبلة بـ"الضبابية"، منطلقا من تصريح ترامب بأنه ينوي إنهاء الحروب وإحلال السلام في الشرق الأوسط.
ويستبعد أن يتم تنفيذ هذه الوعود "بالتفاوض والحوار والتفاهم"، بالتالي يتابع عبد الزهرة، أن استخدام القوة قد يطال فصائل مسلحة وإن كان على مستوى قيادات وليست بنى تحتية، وهو أمر قد يربك بعض القوى السياسية العراقية التي تملك أجنحة مسلحة، وجزء منها مشارك وبشكل فعال في تكوين الحكومة.
وأفاد بيان حكومي أن السوداني هاتف ترامب، وجدد الطرفان التأكيد على أهمية العمل المشترك والمضيّ بالشراكة الإستراتيجية بين البلدين، وتعزيز العلاقات الثنائية بطرق تتجاوز الجانب الأمني، من خلال التعاون الوثيق في مجالات الاقتصاد، والمال، والطاقة، والتكنولوجيا.
وقال البيان إن السوداني اطلع على الوعود الانتخابية لترامب، تحديدا ما يتعلق منها بإنهاء الحروب في المنطقة والتنسيق لتحقيق ذلك.
وتقول الشمري إن السوداني يعتمد الدبلوماسية المنتجة التي يكون فيها التفاوض والتفاهم عمادا وأساسا بين الدول المختلفة في المنطقة، إلى جانب سعيه لمحاولة إيجاد هدنة، وإعادة الاستقرار الأمني لا سيما داخل العراق.