علي جمعة: الطاعة أن تعبد الله كما يريد
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
الطاعة أن تعبد الله كما يريد لا كما تريد، وهذه الحقيقة الواضحة يلتف عليها كثير من الناس في حين أنها هي الأصل في عصيان إبليس الذي قص الله علينا حاله، وأكد لنا النكير عليه وعلى ما فعله في كثير من آيات القرآن الكريم.
فإبليس لم يعترض على عبادة الله في ذاتها، بل ولم يكفر بوجوده ولا أشرك به غيره، بل إنه أراد أن يعبده سبحانه وحده وامتنع عن السجود لآدم، والذي منعه هو الكبر وليس الإنكار، والكبر أحد مكونات الهوى الرئيسية، والهوى يتحول إلى إله مطاع في النفس البشرية، وهنا نصل إلى مرحلة الشرك بالله، فالله أغنى الأغنياء عن الشرك قال تعالى في هذا الحوار : (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنظِرْنِى إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ) ونرى هنا أن إبليس بعد وقوعه في الذنب وتقرير العقاب عليه يدعو ربه : يا رب أنظرني إلى يوم يبعثون، ويستجيب الله له فهو خالق الكون، ومن فيه صنعته سبحانه، وفي الطاعة ضل فريقان : فريق أراد الالتزام فزاد على أمر الله وحرف، وفريق أنكر وفرط وانحرف.
فالأول أراد أن يعبد الله كما يريد هو فاختزل المعاني وتشدد وأكمل من هواه ما يريد، ولكنه قال هذا معقول المعنى لي. والثاني أراد أن يتفلت وأن يسير تبع هواه وقال إن هذا هو المعقول عندي، في حين أنه يريد الشهوات ويحدثنا ربنا عن كل من الفريقين وهما يحتجان بالعقل ولا ندري أي عقل هذا، وما هو العقل المرجوع إليه والحكم في هذا، وهما معاً يؤمنان ببعض الكتاب ويكفران ببعض آخر والقرآن كله كالكلمة الواحدة قال تعالى : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِى الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) ، وقال : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)، وقال سبحانه : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ).
أما الذين يدعون العقل ويتبعون من حولهم من أصحاب الأهواء، ويغترون بكثرتهم فهم يتبعونهم في الضلال ولا ينبغي أن يغتر هؤلاء بالكثرة يقول تعالى : (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِى الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ).
ودور العقل هو الفهم وإدراك الواقع ومحاولة الوصل بين أوامر الوحي وبين الحياة واستنباط المعاني بالعلم ومنهجه قال تعالى : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) .
وليس دور العقل هو إنشاء الأحكام واختراعها فإن هذا من شأن الله سبحانه وحده قال تعالى : (إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ).
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: قال تعالى
إقرأ أيضاً:
لماذا تراجعت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
وقد جعل الله -عز وجل- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معيارا لخيرية الأمة الإسلامية وتفضيلها، وبيّنت الشريعة الإسلامية أن تقصير الفرد والمجتمع في العمل بشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تترتب عليه جملة من العواقب، فمن سنن الله تعالى أن يعم العقاب في المجتمع بأسره في حال السكوت عما يرتكبه البعض من المنكرات.
ويقول الأمين العام لرابطة لعلماء السنة جمال عبد الستار إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أصل من أصول الدين الإسلامي، والمعروف هو ما تعارف عليه الناس من خلال شرع الله سبحانه وتعالى، والمنكر هو ما نهى عنه الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وسلم.
ويشير إلى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أصل من أصول الدين عند كل الفرق والمذاهب الإسلامية، ولكن المعتزلة جعلوه أصلا من الأصول الخمسة، لأنه جزء من منطلق المشروع السياسي الذي كانوا يروجون له.
ويذكر أن الأمة الإسلامية كلها معنية بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طبقا لقوله عز وجل في سورة آل عمران ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾، فمهمة المسلم ليست مقتصرة على العبادات فقط، بل أيضا على إقامة الدين وصناعة الحياة بشرع الله عز وجل.
إعلانكما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يحافظ على الدين من الانحراف، ويحافظ على الفرد المسلم الفاعل الذي لا ينطوي حول نفسه وحول مصالحه، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- "إن من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".
وحسب الأمين العام لرابطة لعلماء السنة، فإن الأمة إذا لم تلتزم بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها ستتعرض لعقوبة من الله سبحانه وتعالى.
وبشأن المجالات التي يدخل فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يوضح عبد الستار أن الناس يحتاجون إلى شرع الله سبحانه وتعالى في معاملاتهم وفي سلوكياتهم وفي أخلاقهم وفي كل مجالات حياتهم.
من جهة أخرى، يُرجع الباحث في قضايا الفكر الإسلامي شفيق شقير تراجع شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرون الأخيرة إلى الدولة الحديثة التي قال إنها أخذت بوظائف هذه الشعيرة، مشيرا إلى أن الأمر المعروف والنهي عن المنكر هو سلسلة من المصالح التي تنتهي بإجماع الأمة.
وبشأن مسألة إنكار الاستبداد السياسي، يشدد عبد الستار على أن مواجهة أو إنكار الاستبداد السياسي هو إنكار لكل أنواع المنكر، لأنه يحرم الأمة من روادها ومن علمائها ومن مفكريها الذين يحمون المجتمع وعقيدته، مبرزا أن إنكار الاستبداد السياسي هو من أعظم الواجبات في هذا التوقيت.
من جهته، يرى شقير أن الاستبداد بالمفهوم الشرعي هو تجاوز لحدود وأوامر الله تعالى واعتداء على حقوق الناس.
22/1/2025