من المعلوم من الدين بالضرورة أن الدماء والأموال والأعراض معصومة في الإسلام، ولا يجوز الاعتداء عليها بدون وجه حق، وأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمرنا بعمارة الأرض، وليس القتل والسلب والنهب والاحتكار واستغلال حاجة الناس والخوض في الأعراض والاعتداء عليها من العمران في شيئ.
والأحاديث في باب حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم كثيرة ومتعددة، وخطبة حجة الوداع العظيمة لسيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والكلمات القويمة التي قالها، قد دلت بوضوح على عظم حرمة دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وعصمتها، وأنه لا يحل الاعتداء عليها بأي نوع من الاعتداء، والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا"، وقد أكد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرمة هذه الثلاث تأكيداً بالغا، وغلظ شأنها تغليظا عظيما، وجعل حرمتها كحرمة اليوم الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام، وكرر ذلك على أسماعهم تعظيما للأمر، وأمر شاهدهم أن يبلغ غائبهم، وقد استدعى عليه الصلاة والسلام اهتمامهم، وشد انتباههم بسؤالهم عن اليوم الذي هم فيه، وعن الشهر وعن البلد، وذكرهم بحرمتها، وحرمتها معلومة عندهم ومستقرة في نفوسهم، وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما ذكر ذلك توطئة لبيان حرمة دم المسلم وماله وعرضه.
والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حذر تحذيرا آخر في هذه الخطبة يتعلق بالدماء وحرمتها فقال: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وهذا تحذير بالغ، فقد سمى من يضرب بعضهم رقاب بعض بلا حق كفارا، وسمى هذا الفعل كفرا، وعلماء الإسلام أكدوا أن هذا الكفر ليس مخرجا من ملة الإسلام، بل هو كفر دون كفر، وهو يدل على أن هذا العمل من شعب الكفر الذميمة وخصاله المشينة، وقد جاء الإسلام بالتحذير منها والنهي عنها، تحقيقا للوئام، وجمعاً للقلوب، وحفظا للدماء أن تزهق بغير حق وأن تراق بلا موجب، وفي معنى هذا الحديث قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر".
وعدم الحكم على هؤلاء المخالفين لله ورسوله بالكفر الذى يخرجهم عن ملة الإسلام، لأنك تجد المتقاتلين في السودان أوفى اليمن مثلا كلاهما يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجون بيت الله الحرام، ومن هنا لا يجوز الحكم عليهم بالكفر المخرج من الملة.
فالواجب على كل مسلم أن يكون على حذر شديد من الوقوع في هذا الإثم المبين والذنب العظيم، ألا وهو الاعتداء على دماء المسلمين أو أموالهم أو أعراضهم، وقد كتب رجل إلى ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن اكتب إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: "إن العلم كثير، ولكن إن استطعت أن تلق الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازما لأمر جماعتهم، فافعل. فيا لها من نصيحة عظيمة جامعة وما أبلغها.
اللهم احفظ مصرنا الحبيبة من كل مكروه وسوء وشر، واجعلها في حماك من المتآمرين والفاسدين في الداخل والخارج، وهيئ لمؤسساتنا مسئولين يتقون الله في أنفسهم أولا، ثم يتقون الله فينا، ووفق ولاة أمورنا لاختار بطانة خير تصلح ولا تفسد.. يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وتكون لديهم شجاعة ترك المنصب حين يعجزون عن القيام بما يكلفهم به ولى الأمر.. اللهم آمين.
[email protected]
اقرأ أيضاًشيخ الأزهر: بلادنا العربية والإسلامية أحوج لتبنى إستراتيجية تعليمية تعزز القيم الدينية والأخلاقية
شيخ الأزهر يستقبل رئيس الهيئة العامة للاعتماد والرقابة الصحية
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ـ صلى الله علیه وسلم ـ
إقرأ أيضاً:
أهلاً وسهلاً بشهر رمضان
بلوغ وإدراك وصيام شهر رمضان من نِعَم الله العظيمة على المسلمين ؛ لأن رمضان من مواسم الخيرات الذي تفتح فيها أبواب الجنان، وتُغلق فيها أبواب النيران، وهو شهر القرآن، والتوبة والغفران، والصدقات والإحسان ، وإجابة الدعاء، والعتق من النار، ومن السنة الفرح والسرور والابتهاج بقدوم الشهر المبارك.
قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ). يونس/58.
شهر رمضان نهاره صيام، وليله تهجُّد وقيام؛ فيجمع بين سببين من أسباب المغفرة؛ قال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)، وقال: (مَنْ قامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).
في شهر رمضان يقبل الإنسان على كلام الرحمن، على ختمات القرآن، ولك أن تتخيَّل كم ختمة تختم في رمضان؟ إنه شهر القرآن؛ فيجمع الصائم بين الشفيعين يوم القيامة؛ قال صلى الله عليه وسلم:(الصيامُ والقرآنُ يَشْفَعانِ للعبدِ، يقولُ الصيامُ: أَيْ رَبِّ، إني مَنَعْتُهُ الطعامَ والشهواتِ بالنهارِ، فشَفِّعْنِي فيه، ويقولُ القرآنُ: مَنَعْتُهُ النومَ بالليلِ، فشَفِّعْنِي فيه؛ فيَشْفَعَانِ).
شهر رمضان تتآلف فيه القلوب، وتتوحَّد الصفوف، وتجتمع كلمة أهل الإيمان؛ شهر واحد، ورؤية واحدة، وهلال واحد، وفيه تفطير للصائمين، وعطف على الفقراء والمساكين، وفيه لين كلام، وبر وجود وإحسان؛ كل ذلك في رمضان؛ فيجمع الصائم مؤهلات الحصول على غرف الجنة التي أعدَّها الرحمن لأصحاب هذه الأعمال الصالحة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَلَانَ الْكَلَامَ، وَتَابَعَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى بالليل وَالنَّاسُ نِيَامٌ).
يأتي شهر رمضان فتتغيَّر الأحوال إلى أفضلها وأعدلها؛ فتتحسَّن الأخلاق، وتنزل الرحمات والبركات، وتصفد فيه الشياطين، وتتهذَّب السلوك والتصرُّفات؛ ولذا نفقه حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تهنئة الصحابة والأُمَّة بقدوم هذا الشهر الكريم؛ قال صلى الله عليه وسلم: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ).[صحيح الترغيب والترهيب].
قال العلماء: وذلك لأمرين: لكي يلفت انتباههم لفضله ومنزلته، ولكي يُعلي من الهِمَم ويحفزهم على عمارة أوقاته.
قال ابن رجب رحمه الله: هذا الحديث أصلٌ في تهنئة المسلمين بعضهم بعضًا بهذا الشهر الكريم.
إنه شهر مبارك، ومن بركته: إقبال النفوس على الطاعات، مغفرة الذنوب والسيئات، مضاعفة الأجور والحسنات.
فاغتنموا مواسم الخيرات بالمسارعة إلى الطاعات، والمسابقة إلى الخيرات لتفوزوا بدخول الجنات.