كيف تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟.. بـ11 عملا
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
كيف تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟، لعل هذا الاستفهام هو بوابة النجاة من هلاك الدنيا وعذاب الآخرة، فحيث إن الدنيا هي دار بلاء وابتلاء ومصاب بلا مفرد ولا استثناء لأحد ، فهذا ما يجعلك تتشبث بأي شيء ولو كان قشة لتنجو، من هنا يحرص كل لبيب على معرفة كيف تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ فمن خلال معرفة ذلك لن تستطيع الهموم التكاثر عليك ومحاصرتك ، بل ستكون في مأمن من كل المصائب إذا كنت من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وحيث إن القرآن الكريم هو معجزة كل زمان ومكان ، فسنجد ضالتنا من معرفة كيف تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ وتكن من الفائزين الناجين.
ورد عن كيف تكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟، أن
من هم الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟ هل نحن منهم ؟ كيف نكون من الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون ؟
أحد عشر من الناس هم الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون
(1) ﴿ فَمَن تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(2) ﴿ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(3) ﴿ مَن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ
وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(4) ﴿ الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم في سَبيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتبِعونَ ما أَنفَقوا مَنًّا وَلا أَذًى لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(5) ﴿ الَّذينَ يُنفِقونَ أَموالَهُم بِاللَّيلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ }
(6) ﴿ إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(7) ﴿ وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللَّهِ أَمواتًا بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ ،، فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ
وَيَستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يَلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم أَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ }
(8) ﴿ فَمَن آمَنَ وَأَصلَحَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(9) ﴿ فَمَنِ اتَّقى وَأَصلَحَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(10) ﴿ أَلا إِنَّ أَولِياءَ اللَّهِ لا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ ﴾
(11) ﴿ إِنَّ الَّذينَ قالوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقاموا فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ
تكررت عبارة «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، في 14 موضعًا من القرآن الكريم، منها 6 في سورة البقرة وحدها، جاءت على النحو التالي:
«قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» البقرة: 38.
«إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» البقرة: 62
«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون» البقرة: 112.
«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون» البقرة: 262.
«الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون» البقرة: 274.
«إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون» البقرة: 277.
وفي سورة آل عمران: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون”(170)
وفي سورة المائدة: «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُون 69»
وفي سورة الأنعام: «وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»: 48.
وفي سورة الأعراف: «يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»: 35.
«وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48) أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ»: 49.
وفي سورة يونس: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ»: 63.
وفي سورة الزخرف: «يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (68) الَّذِينَ آَمَنُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ».
وفي سورة الأحقاف: «إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»: 14.
والفئات المذكورة في القائمة، ينطبق عليهم قول الله تعالى «لا خوف عليهم ولا هم يحزنون» وهناك طرائف أخرى يمكن استخراجها من الآيات الـ14 التي ذكرناها والشائعة في تفسير هذا التعبير، لا خوف يعني في المستقبل أي في الآخره ولا يحزنون أي لا يحزنون في الدنيا وقد أتوا أعمالًا صالحة.
معنى لا خوف عليهم ولا هم يحزنونورد عن معنى قَوْلُهُ تَعالى في الكناب العزيز : ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ أن َفِيهِ بَحْثانِ: الأوَّلُ: أنَّ الخَوْفَ إنَّما يَكُونُ في المُسْتَقْبَلِ بِمَعْنى أنَّهُ يَخافُ حُدُوثَ شَيْءٍ في المُسْتَقْبَلِ مِنَ المَخُوفِ، والحُزْنُ إنَّما يَكُونُ عَلى الماضِي إمّا لِأجْلِ أنَّهُ كانَ قَدْ حَصَلَ في الماضِي ما كَرِهَهُ أوْ لِأنَّهُ فاتَ شَيْءٌ أحَبَّهُ.
وجاء البَحْثُ الثّانِي: قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ: إنَّ نَفْيَ الحُزْنِ والخَوْفِ إمّا أنْ يَحْصُلَ لِلْأوْلِياءِ حالَ كَوْنِهِمْ في الدُّنْيا أوْ حالَ انْتِقالِهِمْ إلى الآخِرَةِ، والأوَّلُ باطِلٌ لِوُجُوهٍ: أحَدُها: أنَّ هَذا لا يَحْصُلُ في دارِ الدُّنْيا لِأنَّها دارُ خَوْفٍ وحُزْنٍ والمُؤْمِنُ خُصُوصًا لا يَخْلُو مِن ذَلِكَ عَلى ما قالَهُ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: ”«الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ وجَنَّةُ الكافِرِ» “ وعَلى ما قالَ: ”«حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكارِهِ، وحُفَّتِ النّارُ بِالشَّهَواتِ» ، وثانِيها: أنَّ المُؤْمِنَ، وإنْ صَفا عَيْشُهُ في الدُّنْيا، فَإنَّهُ لا يَخْلُو مِن هَمٍّ بِأمْرِ الآخِرَةِ شَدِيدٍ، وحُزْنٍ عَلى ما يَفُوتُهُ مِنَ القِيامِ بِطاعَةِ اللَّهِ تَعالى، وإذا بَطُلَ هَذا القِسْمُ وجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ عَلى أمْرِ الآخِرَةِ، فَهَذا كَلامٌ مُحَقَّقٌ.
وقالَ بَعْضُ العارِفِينَ: إنَّ الوِلايَةَ عِبارَةٌ عَنِ القُرْبِ، فَوَلِيُّ اللَّهِ تَعالى هو الَّذِي يَكُونُ في غايَةِ القُرْبِ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وهَذا التَّقْرِيرُ قَدْ فَسَّرْناهُ بِاسْتِغْراقِهِ في مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى بِحَيْثُ لا يَخْطُرُ بِبالِهِ في تِلْكَ اللَّحْظَةِ شَيْءٌ مِمّا سِوى اللَّهِ، فَفي هَذِهِ السّاعَةِ تَحْصُلُ الوِلايَةُ التّامَّةُ، ومَتى كانَتْ هَذِهِ الحالَةُ حاصِلَةً، فَإنَّ صاحِبَها لا يَخافُ شَيْئًا، ولا يَحْزَنُ بِسَبَبِ شَيْءٍ.
وكَيْفَ يُعْقَلُ ذَلِكَ والخَوْفُ مِنَ الشَّيْءِ والحُزْنُ عَلى الشَّيْءِ لا يَحْصُلُ إلّا بَعْدَ الشُّعُورِ بِهِ، والمُسْتَغْرِقُ في نُورِ جَلالِ اللَّهِ غافِلٌ عَنْ كُلِّ ما سِوى اللَّهِ تَعالى، فَيَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ لَهُ خَوْفٌ أوْ حُزْنٌ ؟ وهَذِهِ دَرَجَةٌ عالِيَةٌ، ومَن لَمْ يَذُقْها لَمْ يَعْرِفْها، ثُمَّ إنَّ صاحِبَ هَذِهِ الحالَةِ قَدْ تَزُولُ عَنْهُ الحالَةُ، وحِينَئِذٍ يَحْصُلُ لَهُ الخَوْفُ والحُزْنُ والرَّجاءُ والرَّغْبَةُ والرَّهْبَةُ بِسَبَبِ الأحْوالِ الجُسْمانِيَّةِ، كَما يَحْصُلُ لِغَيْرِهِ. وسَمِعْتُ أنَّ إبْراهِيمَ الخَوّاصَ كانَ بِالبادِيَةِ ومَعَهُ واحِدٌ يَصْحَبُهُ، فاتَّفَقَ في بَعْضِ اللَّيالِي ظُهُورُ حالَةٍ قَوِيَّةٍ وكَشْفٍ تامٍّ لَهُ، فَجَلَسَ في مَوْضِعِهِ وجاءَتِ السُّباعُ ووَقَفُوا بِالقُرْبِ مِنهُ، والمُرِيدُ تَسَلَّقَ عَلى رَأْسِ شَجَرَةِ خَوْفًا مِنها والشَّيْخُ ما كانَ فازِعًا مِن تِلْكَ السِّباعِ، فَلَمّا أصْبَحَ وزالَتْ تِلْكَ الحالَةُ، فَفي اللَّيْلَةِ الثّانِيَةِ وقَعَتْ بَعُوضَةٌ عَلى يَدِهِ فَأظْهَرَ الجَزَعَ مِن تِلْكَ البَعُوضَةِ، فَقالَ المُرِيدُ: كَيْفَ تَلِيقُ هَذِهِ الحالَةُ بِما قَبْلَها ؟ فَقالَ الشَّيْخُ: إنّا إنَّما تَحَمَّلْنا البارِحَةَ ما تَحَمَّلْناهُ بِسَبَبِ قُوَّةِ الوارِدِ الغَيْبِيِّ، فَلَمّا غابَ ذَلِكَ الوارِدُ فَأنا أضْعَفُ خَلْقِ اللَّهِ تَعالى.
أما المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: قالَ أكْثَرُ المُحَقِّقِينَ: إنَّ أهْلَ الثَّوابِ لا يَحْصُلُ لَهم خَوْفٌ في مَحْفِلِ القِيامَةِ، واحْتَجُّوا عَلى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألا إنَّ أوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هم يَحْزَنُونَ﴾ وبِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لا يَحْزُنُهُمُ الفَزَعُ الأكْبَرُ وتَتَلَقّاهُمُ المَلائِكَةُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣] وأيْضًا فالقِيامَةُ دارُ الجَزاءِ فَلا يَلِيقُ بِهِ إيصالُ الخَوْفِ، ومِنهم مَن قالَ: بَلْ يَحْصُلُ فِيهِ أنْواعٌ مِنَ الخَوْفِ، وذَكَرُوا فِيهِ أخْبارًا تَدُلُّ عَلَيْهِ إلّا أنَّ ظاهِرَ القُرْآنِ أوْلى مِن خَبَرِ الواحِدِ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ه م و لا خ وف م ولا هم ی ی ح ز ن ون آ م ن وا ف لا خ وف الحال ة فی سورة الخ و ف الآخ ر ت عالى فی الم
إقرأ أيضاً:
أن تكون نازحا!
مما يزيد في صدق كتابة الإنسان وجعل ما يكتبه يلامس قلوب القراء، معايشته تفاصيل القضية التي يكتب عنها، سواء فرحا أو حزنا، وإلا سيقل تأثير الكاتب بالقرّاء، وسيفتقدون دسم الدهشة في كلماته.
حاولتُ مرارا الكتابة عن تجربة النزوح والنازحين، لم يكن الأمر سهلا، ولم تسعفني الكلمات؛ لأني لم أكن أحد أعضائها بالمعنى الدقيق للكلمة بعد، صحيح أنني كنتُ مسئولا عن مخيم أمير للنازحين في محافظة رفح جنوب قطاع غزة، لكن لم أعش بخيمة، على اعتبار أن محافظتي لم يصلها إشعار بالإخلاء بعد، وهنا يمكن الاستعانة بالمثل الشعبي القائل "الشوف مش زي الخراف" يعني "من يرى ليس كمن يسمع".
أما منذ شهر أيار/ مايو 2024 إلى الآن -وإلى أجلٍ غير مسمى- فقد دخلتُ نادي النازحين بما فيه من ألمٍ ومعاناة، فالآن أكتبُ ودمعُ العينِ ينسكبُ عن تجربةِ النزوح.
فالنزوحُ أيها السادة ليست كلمة تُقال، أو فعلا يمارسه الإنسان وهو في كامل الفرح والسرور، بل يمارسه وهو في كامل القهر والحرمان، وهو أن يخرج من بيته بعد وصول إخطار له من طائرات الاحتلال، أو وصول صواريخ الاحتلال لتجبره دونما تفكير على إخلاء بيته أو منطقة سكناه ليصبح هائما على وجهه يبحث عن مأوى له ولعائلته، وهنا يُصاب الإنسان بالخوفِ والقهر حين يشعر بأن عليه إخلاء بيته الذي بناه على مدار سنوات، وله في كل ركنٍ درايةٌ ورواية.
لقد كنت مسئولا عن مخيم أمير للنازحين في محافظة رفح جنوب قطاع غزة، والذي يحتوي على 100 خيمة بعدد أفراد يصل إلى 800 شخص، ولكل فرد احتياجات حسب سنه وجنسه.
كنت أتابع أمورهم باهتمام وتلبية ما يمكن من احتياجاتهم من خلال التواصل مع المؤسسات المانحة والداعمة، كما كنا ننفذ أنشطة ترفيهية خاصة بالأطفال وندوات توعوية للنساء، وفتحنا مركزا لتحفيظ القرآن كان مقره في الطابق الثاني من بيتي حتى نشعرهم بالأمان.
كنت أرى في أعينهم الأسى وأستمع لقصصهم فلكل إنسان قصة، منهم من كان يتجهز للسكن في شقته الجديدة الجاهزة لكن الحرب لم تمهله، ومنهم من لم يمر على سكنه في شقته سوى أيام أو أشهر قليلة، ومنهم من لم ينته من تجهيز بيته، ومنهم من لم يسدد أقساط بيته الجديد بعد، ولكل نازح رواية لا تكفي لسردها ألف ليلة وليلة.
وبالعودة لعنوان المقال، فـ"أن تكون نازحا!"، يعني:
- أن تبدأ رحلة البحث عن مقومات الحياة من مأكل ومشرب وملبس منذ طلوع الشمس حتى بعد غروبها، وأبسط مثال قد تمشي مسافة نصف كيلومتر حتى توفر عبوة ماء.
- أن تقضي وقتا طويلا في البحث عن الحطب والكرتون لمعاونة زوجتك في صناعة الخبز لأطفالك في ظل انعدام الغاز.
- أن تبقى لمدة أسبوعين وأكثر دون استحمام، وملابسك دون تبديل؛ لأنك لم تتمكن من إحضار ملابسك كاملة حين غادرت منزلك..
- أن قضاء حاجتك يسبب لك حرجا، فكل مخيم فيه حمام عام، ودخولك أنت أو أحد أفراد أسرتك للحمام يشعركم بالحرج خاصة النساء، وحتى الحمامات التي تكون داخل الخيمة تخضع لقانون الدور والترتيب.
- إن معاناتك تتفاقم بوجود أطفال ومرضى وكبار السن، فجميعهم يحتاجون لطعام خاص ورعاية خاصة وهدوء وراحة، وهذه الأمور يتعذر توفرها دوما.
- ألا تشعر بالأيام وهي تمر سريعا، فما أن يبدأ الأسبوع حتى ينتهي، وربما هي نعمة.
- أن تهتم بمتابعة الأخبار لتعرف أين وصلت الأمور، ثم تصاب بخيبة أمل حين لا تأتي الأخبار بما يسر القلب.
- أن تصبح خبيرا بكل أنواع الطقوس المجتمعية التي كانت في بلدك وأنت لا تعرفها.
- أن تفرق بين المهم والأهم، والضروري العاجل والضروري غير العاجل.
- أن تدرك أن قيمة المرء فيما يحسنه.
- أن تتأكد بأنك قد تصبح الشهيد التالي.
لكن رغم المصائب في غزة، وخاصة في مخيمات النزوح، رأينا الأمل والعزة والفخر في نفوس الناس فمنهم من تزوج في الخيمة، ومن ناقش رسالة الماجستير في الخيمة، ومن وضعت مولودها في الخيمة، وحفظ القرآن في الخيمة، ومنهن من تَكوّن في رحمها جنينٌ وهي في الخيمة، ومنهم من أكمل فصله الأخير في الجامعة للحصول على بكالوريوس تربية إسلامية وهو في خيمة مثل كاتب هذا المقال.
إجمالا، ما سبق هو غيض من فيض مما نعانيه في مخيمات النزوح، لكن يبقى أملنا بالله قويا ليرزقنا نصرا مؤزرا قريبا عاجلا إن شاء الله، رغم عواصف الشتاء.
وللحديث بقية مع الجرح الثالث من جروح النزوح.