لماذا تخاذلت الدول العربية في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في العدل الدولية؟
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
اختتمت محكمة العدل الدولية قبل أيام جلسة الاستماع الأولى في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، والتي اتهمت فيها بريتوريا تل أبيب بنية ارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة.
وأثارت القضية جدلا في العالم العربي حول سبب عدم انضمام الدول العربية إلى جنوب إفريقيا في المحكمة، أو عدم رفع أي دولة عربية قضية مماثلة في محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.
وفقًا للنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية؛ يمكن لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رفع قضايا ضد أي دولة. لذلك، فإن بإمكان أي دولة عربية أن ترفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، أو على الأقل كان من الممكن أن تطلب من جنوب أفريقيا الانضمام إلى قضيتها قبل رفعها رسميًا في 29 ديسمبر/كانون الأول.
وأشارت جنوب أفريقيا في وثائق قضيتها إلى أن عضويتها في "اتفاقية منع الإبادة الجماعية" وعضوية الاحتلال في نفس الاتفاقية، يضاعف أهليتها لرفع دعوى ضد إسرائيل.
وبناء على ذلك، كان بإمكان الدول العربية كافة تقديم شكوى للعدل الدولية، وخصوصا الدول العربية الـ 19 المنضوية في اتفاقية الإبادة الجماعية، وهذا يشمل مصر؛ والسعودية؛ والجزائر؛ وتونس؛ والأردن؛ والإمارات، وسوريا؛ والصومال؛ والسودان؛ والعراق؛ وسلطنة عمان؛ والكويت؛ ولبنان؛ وليبيا؛ والمغرب؛ واليمن؛ والسلطة الفلسطينية.
فلماذا لم تتحرك الدول العربية؟
تحدي الولايات المتحدة
قد تزعم العديد من الدول العربية أن لديها تفسيرًا "معقولًا" لتجنب مثل هذه الخطوة القوية. فقد يزعم بعضها أنها دول صغيرة ذات اقتصاد ضعيف لا تتحمل العواقب. وقد تدعي دول أخرى، مثل تونس، أنها لا تستطيع مقاضاة تل أبيب، لأنها لا تعترف بدولة إسرائيل، على الرغم من أن الرئيس التونسي قال لرئيس البرلمان في تشرين ثان/ نوفمبر الماضي إنه يعارض مشروع قانون يهدف إلى تجريم "التطبيع" مع إسرائيل لأن من شأنه أن يضر بالمصالح التونسية.
ومع ذلك؛ فإن هذه المبررات لا تنطبق على الدول ذات الاقتصادات الأقوى والنفوذ الأكبر، مثل السعودية ومصر، والتي لديها مؤهلات معقولة للتحرك ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.
السبب الأول الذي يمكن أن يفسر الموقف المصري والسعودي هو الخوف من العواقب المحتملة من قبل الولايات المتحدة؛ حيث تعتقد معظم الدول العربية أنها لا تستطيع تحدي الموقف الأميركي في القضايا المتعلقة بإسرائيل.
وعلى الرغم من أن السعودية ومصر تحدتا الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية بشأن قضايا مثل إنتاج النفط في منظمة أوبك والعلاقات مع الصين وروسيا، إلا أن كلتيهما غير راغبتين في القيام بذلك في المسائل المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني لأنهما تعتقدان أن هذا سيكون بمثابة "خط أحمر" من وجهة النظر الأمريكية. وهذا ما يفسر سلوكهما وسلوك معظم الدول العربية تجاه دولة الاحتلال.
فقد اتخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كل الخطوات الممكنة لتعزيز العلاقات مع إسرائيل لاعتقاده أن تل أبيب لعبت دورًا مهمًا، إلى جانب السعودية والإمارات، في إقناع إدارة أوباما بعدم الاعتراض على الانقلاب الذي قاده في سنة 2013، كما ورد في كتاب مراسل نيويورك تايمز في القاهرة ديفيد كيركباتريك عن تلك المرحلة.
أما السعودية، فقد كانت تتفاوض على صفقة مع إسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما مقابل اتفاقية دفاع أمريكية خاصة.
سجل أسود في قضايا حقوق الإنسان
وتقدم سجلات حقوق الإنسان الفظيعة لمعظم الدول العربية تفسيرًا آخر لإحجامها عن الانضمام إلى جنوب أفريقيا في قضيتها ضد إسرائيل؛ حيث أن هذه الدول تخشى أن تؤدي مواجهة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية إلى تعرضها للانتقام، عبر جرها إلى محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية من قبل إسرائيل أو أحد حلفائها.
ويمكن اتهام كل من السعودية ومصر، ومعظم الدول العربية، بارتكاب أنواع عديدة من انتهاكات حقوق الإنسان؛ حيث تسجن مصر آلاف السياسيين والناشطين بتهم ملفقة من قبل نظام قانوني فاسد، كما اتهم العديد من الناشطين والمنظمات الحقوقية السلطات المصرية بالقتل والاعتقال والتهجير القسري لأهالي سيناء بعد هدم مئات المنازل تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
وبالمثل؛ نفذت السعودية حملة قمع ضد النشطاء والإصلاحيين والمعارضين، واحتُجز الآلاف تعسفيًّا دون محاكمات مناسبة، وحُكم على بعضهم بالإعدام لمجرد كتابة تغريدة لا تروق للسلطات، كما اتُهمت الرياض بارتكاب جرائم حرب خطيرة في اليمن.
ونظرًا لانتهاكاتها الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ فإن الحكومات العربية لن تواجه إسرائيل أو أي دولة أخرى أمام محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية لتجنب مواجهة قضايا مماثلة أمام هذه المحاكم الدولية.
لا دعم حقيقيا للفلسطينيين
أما التفسير الثالث لموقف الدول العربية تجاه قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل فهو ببساطة أنها غير مستعدة لإظهار دعم حقيقي للفلسطينيين في غزة.
أصدرت جميع الدول العربية، بما فيها السعودية ومصر، العديد من البيانات التي تدين العدوان الإسرائيلي على غزة، لكنها لم تتخذ أي إجراء آخر، وانتظرت الجامعة العربية أكثر من شهر من الهجوم على غزة لعقد قمة في الرياض لبحث هذه القضية.
قررت القمة كسر الحصار، لكن الدول العربية لم تُحوِّل هذا القرار إلى واقع. بالمقابل؛ خضعت مصر للأوامر الإسرائيلية ورفضت السماح بنقل المدنيين المصابين للعلاج خارج غزة ما لم توافق إسرائيل على أسمائهم.
وأكدت وسائل إعلام وشهود عيان أن وسطاء مصريين أجبروا الفلسطينيين في غزة على دفع ما يصل إلى 10 آلاف دولار كرشاوى للمسؤولين من أجل الخروج عبر معبر رفح، كما وافقت مصر على إرسال جميع شاحنات المساعدات لفحصها من قبل الأمن الإسرائيلي عند معبر كرم أبو سالم التجاري، الأمر الذي تسبب في تأخير وصول المساعدات وتعقيد الأزمة الإنسانية في غزة.
بررت مصر موقفها بالقول إنها تخاطر بقصف الشاحنات من قبل سلاح الجو الإسرائيلي إذا لم يتم إرسالها عبر نقطة التفتيش الإسرائيلية، وإذا كانت هذه الحجة مقبولة سابقا فقد سقطت بعد أن ادعى محامٍ إسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية أن مصر كانت مسؤولة عن معبر رفح ومنع سيارات المساعدات من دخول غزة. صحيح أن إسرائيل هددت سابقا بمهاجمة أي مساعدات تدخل غزة دون إذنها، إلا أن الرد المصري الوحيد على اتهامات إسرائيل لها بالمحكمة لا يمكن أن يكون فاعلا إلا بفتح الحدود أمام خروج المصابين والمرضى ودخول المساعدات والشاحنات التجارية، وإثبات مسؤولية إسرائيل عن الكارثة.
وعلى الرغم من الدعم الخطابي الذي تقدمه الحكومات العربية للفلسطينيين، فقد ادعى دينيس روس، المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط، أن كل مسؤول عربي عرفه أخبره بأن "حماس يجب تدميرها". وبعد أكثر من مائة يوم من الهجوم على غزة؛ بات من الواضح تماماً أن تدمير حماس يعني بالنسبة لإسرائيل تدمير غزة وشعبها.
لقد كنتُ جزءًا من الحشد الهائل خارج محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال جلسة الاستماع التاريخية ضد إسرائيل؛ حيث تحدى الآلاف من المتظاهرين من جميع الأعمار والأديان والخلفيات الطقس البارد لمدة يومين. كانت رسالتهم الرئيسية هي شكر جنوب أفريقيا على جلب إسرائيل للعدالة، وأشادوا بوفد جنوب أفريقيا بكل الطرق الممكنة. لقد تم تكريم الوفد الجنوب الأفريقي كما يستحق.
لم تتحرك أي دولة عربية لتحقيق هذا الشرف التاريخي بكل أسف، لأنها لا تجرؤ على تحدي الولايات المتحدة، ولأن لديها تاريخًا مشينًا من انتهاكات حقوق الإنسان، ولأن معظمها ينتظر أن تنجز إسرائيل مهمتها المتمثلة في تدمير غزة!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إسرائيل غزة جنوب أفريقيا مصر السعودية مصر إسرائيل السعودية غزة جنوب أفريقيا مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أمام محکمة العدل الدولیة الولایات المتحدة الدول العربیة السعودیة ومصر جنوب أفریقیا حقوق الإنسان ضد إسرائیل أنها لا أی دولة من قبل فی غزة
إقرأ أيضاً:
حكم تاريخي.. كيف انتصرت مصر على إسرائيل في قضية طابا ؟
تحتفل مصر بالذكرى الـ 36 لتحرير طابا، حيث رفع العلم المصري عليها عام 1989، معلنا السيادة وحق مصر في أراضيها، الذي انسحب فيه آخر جندي إسرائيلي من آخر نقاط سيناء، بعد الانتصار الكبير في حرب 6 أكتوبر عام 1973 بجانب الانتصار الدبلوماسي في معركة التحكيم الدولي عام 1988.
استرداد طابا
وتعد ذكرى استرداد طابا أحد الأيام التاريخية التي لن ينساها المصريون والعالم أجمع، حينما رفرف علم مصر على ذلك الجزء الغالي من تراب الوطن، بعودة آخر شبر من سيناء إلى مصر، بعد أن أدت القوات المسلحة دورها العسكري بنجاح في حرب أكتوبر 1973.
إلا أنها أرست أيضا قواعد استئناف الصراع بين العرب وإسرائيل وذلك باستخدام القنوات السياسية، لأن الصراع المسلح لم يعد وحده قادرا على حسم أي صراع لتحقيق نصر كامل.
وتعد قضية طابا هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، حيث تم لأول مرة تسوية نزاع حدودي بين إسرائيل ودولة عربية عن طريق المحاكم الدولية، وعلى الرغم من أن منطقة طابا لا تتجاوز كيلو متر مربع، إلا أنها تمثل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل، وهو ما يعبر عن مدى الصفعة التي تلقتها إسرائيل باسترداد طابا رغم أنفهم.
وتمثل طابا مثلثا قاعدته في الشرق على خليج العقبة بطول 800 متر، وضلعا شماليا بطول ألف متر، وآخر جنوبي بطول 1090 مترًا، ويتلاقى الضلعان عند النقطة التي تحمل علامة 91.
وحاولت إسرائيل الاستيلاء على طابا بعد حرب أكتوبر من أجل توسيع ميناء إيلات الذي يعتبر المنفذ البحري الوحيد لها على البحر الأحمر، ما يؤهلها للإشراف على طريق البحر الأحمر من سيناء إلى باب المندب، بالإضافة إلى أنها المدخل الأساسي لشرم الشيخ وبالتالي مضيق تيران، وتمثل نقطة تحكم لإسرائيل تقوم من خلالها بالاطلاع على ما يجرى في المنطقة، ووسيلة ضغط مستمرة على مصر تقوم من خلالها بعزل سيناء شمالها عن جنوبها.
كما تقع طابا في مواجهة الحدود السعودية، لذلك فمن يسيطر على طابا يسيطر على رأس خليج العقبة ويستطيع رصد ما يجرى في كل من خليج السويس وشرم الشيخ ونويبع، ولهذه الأسباب حاول العدو الإسرائيلي تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا.
وبدأت مشكلة طابا الأولى مطلع القرن الماضي بين مصر وسلطة الاحتلال البريطاني كطرف أول، ومع الدولة العثمانية كطرف ثانٍ في يناير 1906، بأن أرسلت تركيا قوة لاحتلالها مخالفة بذلك ما جاء بفرمان 1841 و1892 الخاصين بولاية مصر والحدود الدولية الشرقية لها والممتدة من رفح شمالاً على ساحل البحر المتوسط إلى رأس خليج العقبة جنوبا، شاملة قلاع العقبة وطابا والمويلح.
وتدخلت بريطانيا سياسيا لمنع تكريس الأمر الواقع على الحدود، وذلك حفاظا على مصالحها في مصر أو لمجرد احتمال تهديد قناة السويس، ذلك الشريان الحيوي الذي يصلها بمستعمراتها في جنوب شرقي آسيا والهند.
وازدادت المشكلة تعقيدا، فتعددت أزمة طابا وامتدت إلى منطقة رفح في أقصى الشمال، حيث قامت الدولة العثمانية أيضا بقوة من جنودها باحتلال مدينة رفح وإزالة أعمدة الحدود الدولية بها.
وبفشل الجهود السياسية، قامت بريطانيا بتقديم إنذار نهائي إلى الباب العالي في تركيا أوضحت فيه أنها ستضطر للجوء إلى القوة المسلحة ما لم يتم إخلاء طابا ورفح وعودة القوات التركية بهما إلى ما وراء الحدود، الأمر الذي دفع بالسلطة العثمانية بها إلى الرضوخ لهذه المطالب الشرعية.
وقامت بتعيين لجنة مشتركة مع الجانب المصري والبريطاني لإعادة ترسيم الحدود إلى ما كانت عليه مع تدقيقها طبقا لمقتضى القواعد الطبوغرافية لتحديد نقاط الحدود الطبيعية بدءا من رفح، ثم تتجه اللجان جنوبا بشرق على خط مستقيم تقريبا إلى نقطة حدود على خليج العقبة تبعد ثلاثة أميال من العقبة.
وهو ما يستدل منه ببساطة على عودة منطقة طابا إلى داخل الحدود المصرية بنحو ثلاثة أميال، حيث انتهى المهندسون البريطانيون مع مندوب المساحة المصرية واللجنة التركية من رسم الخرائط وتثبيت علامات الحدود من رأس طابا جنوبا مارا على رؤوس جبال طابا الشرقية المطلة على وادي طابا، ثم يتجه الخط الفاصل بالإستقامات المحددة وشمالاً حتى رفح إلى شاطئ البحر المتوسط مع تحديد هذا الخط الحدودي فلكيا وعلى الخرائط المرفقة بالاتفاقية المبرمة بين كل من مصر وبريطانيا وتركيا بخط أسود متقطع.
وبلغ عدد الأعمدة المقامة وقتئذ على الحدود الدولية وحتى وقتنا هذا 91 عموداً للحدود، بدءا من العمود رقم واحد عند ميناء رفح على تل الخرايب، وآخر عمود هو رقم 91 على رأس طابا، حيث انتهى نهائياً بناء هذه الأعمدة الأسمنتية المسلحة في 9 فبراير 1907، وهكذا عادت طابا مصرية في طلع القرن العشرين، وكانت الوثائق المتعلقة بمشكلة طابا الأولى بوثائقها التاريخية خير سند قانوني دعم موقف المفاوض المصري في أزمة طابا الثانية في الثمانينات القرن العشرين الماضي.
لقد قدر لطابا أن تكون مرة أخرى بعد حرب أكتوبر 73 في دائرة الاهتمام لكل من الدبلوماسية المصرية والإسرائيلية، وذلك خلال ترتيبات الانسحاب النهائي من شبه جزيرة سيناء، تنفيذا لاتفاقية السلام، حيث بدأت مقدمات المشكلة.
وعادت مسألة الحدود الآمنة تطرحها إسرائيل بعد حرب أكتوبر 73 إلى أن عقدت معاهدة السلام في مارس 79، والتي نصت في مادتها الأولى على أن تنسحب إسرائيل من سيناء إلى ما وراء الحدود الدولية بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.
إلا أن إسرائيل، بعد توقيع المعاهدة قررت توسيع الأقاليم التي تحيط بميناء إيلات، وشرعت في إقامة فندق سياحي في وادي طابا دون إبلاغ مصر، ومن هنا بدأ خلاف حول الحدود، خاصة عند علامة الحدود رقم 91 بمنطقة طابا.
واكتشفت اللجنة المصرية في أكتوبر 1981، وعند تدقيق أعمدة الحدود الشرقية، بعض المخالفات الإسرائيلية حول 13 علامة حدودية أخرى أرادت إسرائيل أن تدخلها ضمن أراضيها، حيث أعلنت مصر أنها لن تتنازل أو تفرط في سنتيمتر واحد من أراضيها، وأن الحفاظ على وحدة التراب الوطني المصري هدف أساسي وركيزة لكل تحرك.
ودارت مباحثات على مستوى عالٍ بين الجانبين استخدمت إسرائيل فيها كل أشكال المراوغات، حيث أعلنت مصر أن أي خلاف حول الحدود يجب أن يحل وفقا للمادة السابعة من معاهدة السلام والتي تنص خلاصتها بأن "يتم الحل عن طريق المفاوضات، وفى حالة فشلها يتم اللجوء إلى التوفيق أو التحكيم".
وأبدت مصر رغبتها في اللجوء إلى مشاركة التحكيم فقامت بتشكيل لجنة فنية تضم مجموعة من الأساتذة والخبراء المتخصصين في القانون الدولي بدراسة الجوانب القانونية للتوفيق والتحكيم، كما شكلت مصر لجنة فنية أخرى للاتفاق على النظام الذي سيسود المناطق المتنازع عليها، حيث رأت مصر أنها تفضل اللجوء إلى التحكيم في المقام الأول.
واستمرت المفاوضات لأكثر من أربع سنوات ولصعوبة الوصول إلى حل للنزاع وبتدخل الولايات المتحدة الأمريكية تم الاتفاق في 11 سبتمبر 1986 على اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد في جنيف بسويسرا.
وقبل صدور الحكم رسخ لدى الهيئة انطباع حقيقي عن أوضاع نقاط الحدود بقوة الدفاع ووجهة النظر المصرية، وضعف حجة وجهة النظر الإسرائيلية.
وأصدرت هيئة التحكيم التي عُقدت في جنيف في 29 سبتمبر عام 1988، بالإجماع حكمها التاريخي لصالح مصر، وقضت أن طابا مصرية، وبعد صدور الحكم اختلقت إسرائيل أزمة جديدة في التنفيذ، حيث أعلنت أن مصر حصلت على حكم لمصلحتها، ولكن التنفيذ لن يتم إلا برضا إسرائيل، وبناءً على شروطها، ولكن الدولة المصرية بشعبها وجيشها رفضت كل العروض والمناورات الإسرائيلية.
وتم حسم الموقف عن طريق اتفاق روما التنفيذي في 29 نوفمبر 1988 بحضور الولايات المتحدة، حيث انتهى بحل المسائل المعلقة والاتفاق على حلها نهائيا.
وانتهت قضية طابا برفع العلم فوق أراضيها عام 1989 بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من سبع سنوات.
الاحتفال بهذه الذكرى الوطنية الغالية هو تكريم للإرادة المصرية الصلبة والصمود البطولي، الأمر الذي أجبر إسرائيل لأول مرة في تاريخها على الانسحاب من كل شبر على أرض سيناء.