الخليج الجديد:
2024-12-26@20:40:33 GMT

ألمانيا: في تفسير انحياز لا يتراجع

تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT

ألمانيا: في تفسير انحياز لا يتراجع

ألمانيا: في تفسير انحياز لا يتراجع

إجراءات أمنية وإدارية ألمانية ضد مناصري وداعمي المقاومة وتقييد لحرية البعض ومنع لبعض المظاهرات المناهضة للحرب دون سند من دستور أو قانون.

تواكب انحياز بنيوي مع استدعاء آخر يلصق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين دون تمييز بين أعمال المقاومة الشرعية ضد الاحتلال وبين الإرهاب الذي يتعين إدانته ورفضه.

في حين يطالب العالم بوقف الحرب وحماية أرواح المدنيين، تعلن حكومة ألمانيا تقديم قذائف مدفعية دقيقة التوجيه من مخازن الجيش الألماني لإسرائيل لاستخدامها في الحرب.

انحياز بنيوي ألماني ضد الحق الفلسطيني يستدعي دائما في لحظات التوتر والعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمسألة العداء للسامية وإلصاقها بشعب فلسطين وقواه الوطنية والسياسية.

يستمر الانحياز الألماني إزاء التصعيد المتواصل بين إسرائيل وحزب الله فتدعو خارجية برلين لحماية شمال إسرائيل وإعادة مهجريه وتتجاهل سقوط قتلى لبنانيين وتوسع غارات إسرائيل حتى بيروت.

حين قامت حماس بعملية 7 أكتوبر اشتعلت الحياة العامة والإعلام باتهامات العداء للسامية والإرهاب بحق الفلسطينيين، وازداد الاشتعال مع خروج مظاهرات بمدن ألمانية تناصر حقوق الشعب الفلسطيني.

* * *

مقارنة بغيره من المواقف الأوروبية، يظل الموقف الألماني تجاه الحرب في غزة هو الأكثر انحيازا إلى إسرائيل والأكثر جورا على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

بينما تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل وبها تتهم الأولى الثانية بارتكاب جرائم إبادة في غزة، تعلن الحكومة الألمانية دخولها كطرف ثالث في الدعوى دفاعا عن الدولة العبرية وتقرر قناعتها، هكذا دون تحقيق قضائي دولي، بانتفاء شبهة جرائم الإبادة عنها.

بينما يتواصل سقوط الضحايا من الأطفال والنساء والرجال بين صفوف الشعب الفلسطيني في غزة بفعل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وفي حين تطالب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وعديد الحكومات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والجنوب العالمي وفي أوروبا بوقف الحرب وحماية أرواح المدنيين، تعلن الحكومة الألمانية تقديم قذائف مدفعية دقيقة التوجيه من مخازن الجيش الألماني لإسرائيل لكي تستخدمها في الحرب.

تفعل الحكومة الألمانية ذلك بعد أن ارتفعت صادرات السلاح من برلين إلى تل أبيب على نحو غير مسبوق في 2023، تفعله أيضا بينما الحليف الأكبر لتل أبيب والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية يضغط من خلال إدارة بايدن من أجل وقف العمليات العسكرية في غزة والسيطرة على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية والقدس الشرقية ويناقش في مجلس الشيوخ إمكانية فرض شروط على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.

وبينما تتعالى أصوات المسؤولين الحكوميين والسياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا، وليس فقط في بلدان الجنوب العالمي والصين وروسيا، مطالبة بأفق سياسي لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وبينما ينادي الأمين العام للأمم المتحدة بحتمية الاعتراف بالحق التاريخي للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة؛ تصمت ألمانيا على لسان وزيرة خارجيتها وترفض التصريح بموقف قاطع لبلادها فيما خص حقوق الفلسطينيين وتكتفي بإشارات عمومية عن حتمية التفاوض بين حكومة تل أبيب وبين السلطة الفلسطينية في رام الله بعد أن ينتهي خطر حماس وينتفي تهديد أمن إسرائيل.

ويجري ذات الانحياز الألماني على الموقف من التصعيد المتواصل على الجبهة اللبنانية بين إسرائيل وحزب الله، حيث تعبر خارجية برلين عن ضرورة حماية أمن المناطق الشمالية في إسرائيل وإعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم بينما تتجاهل بالكامل استمرار سقوط قتلى على الجانب اللبناني وتوسيع تل أبيب لنطاق عملياتها العسكرية حتى وصل إلى بيروت.

والحقيقة أن الموقف الألماني، وهو موقف أفقد الأوروبيين القدرة على القيام بدور فعال في المطالبة بإنهاء الحرب وحماية أرواح المدنيين في غزة وأخرج من ثم، بحسابات اليوم الاتحاد الأوروبي، من سياقات الوساطة والتفاوض (باستثناء الدور الفرنسي في صفقة الدواء للرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة نظير دواء للفلسطينيين) له العديد من الخلفيات التاريخية والسياسية.

فمن جهة أولى، التزمت ألمانيا الاتحادية منذ تأسيسها في 1949 ثم توحدها مع الشطر الشرقي (ألمانيا الديمقراطية سابقا) في 1990 بتقديم تعويضات لإسرائيل عن الهولوكوست وبالمساعدة بكافة السبل في الدفاع عن بقاء وأمن الدولة العبرية. ولم يتغير هذا الالتزام الأحادي من قبل ألمانيا أبدا، واستمر ينتج مفاعيله في سياسة بون ثم برلين بمعزل عن حقائق الشرق الأوسط وبها تحولت تل أبيب إلى دولة احتلال واستيطان وفصل عنصري.

من جهة ثانية وعلى امتداد الحياة الحزبية والسياسية الألمانية، يتنافس اليمين واليسار ويمين الوسط ويسار الوسط على إظهار وتقديم دعم متواصل لإسرائيل ويتجنب الجميع انتقاد سياساتها وممارساتها لكيلا تطلق بحقهم اتهامات العداء للسامية وتجاهل المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه الدولة العبرية وأمنها. ليس لدى الحزب المسيحي الديمقراطي ولا الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ولا حزب الخضر أو الحزب الديمقراطي الحر، قدرة أو رغبة سياسية في توجيه انتقاد لتل أبيب لا بسبب حروب وجرائم وضحايا ولا بسبب تواصل الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري. فقط أحزاب الهوامش، اليمين المتطرف الذي يمثله النازيون الجدد واليسار المتطرف الذي يشغله ما تبقى من الأحزاب الشيوعية، هي التي تجد بداخلها شيئا من الإرادة السياسية لتوجيه النقد لبعض مما تقوم به إسرائيل ولمطالبة الحكومة الألمانية بإعادة النظر في الدعم العسكري والاقتصادي والمالي والدبلوماسي غير المشروط. غير أن كل ما يأتي من الهوامش، إن يمينا أو يسارا، يضر القضية الفلسطينية وعدالتها في ميزان السياسة والمجتمع في ألمانيا أكثر مما يفيد.

من جهة ثالثة وعلى امتداد الحياة العامة والإعلامية، تبلور في ألمانيا انحياز بنيوي ضد الحق الفلسطيني باستدعاء مستمر ومتواتر بشدة في لحظات التوتر والعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمسألة العداء للسامية وإلصاق الاتهام بالتورط فيها بعموم الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والسياسية.

وتواكب ذلك الانحياز البنيوي مع استدعاء آخر يلصق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين دون تمييز بين أعمال المقاومة الشرعية ضد الاحتلال وبين جرائم الإرهاب التي يتعين إدانتها ورفضها.

وحين قامت حماس بعملية 7 أكتوبر اشتعلت الحياة العامة والإعلامية باتهامات العداء للسامية والإرهاب بحق الفلسطينيين، وازداد الاشتعال مع خروج مظاهرات في بعض المدن الألمانية للانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني حملت بها هنا وهناك لافتات لدعم حماس.

ورتب ذلك إجراءات أمنية وإدارية ألمانية ضد مناصري وداعمي حماس وتقييد لحرية البعض ومنع لبعض المظاهرات المناهضة للحرب دون سند من دستور أو قانون.

*د. عمرو حمزاوي باحث بجامعة ستانفورد، أستاذ العلوم السياسية المساعد سابقا.

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: إسرائيل ألمانيا فلسطين الإرهاب حماس غزة العداء للسامية القانون الدولي حل الدولتين محكمة العدل الدولية الحکومة الألمانیة الشعب الفلسطینی تل أبیب فی غزة

إقرأ أيضاً:

ياسر مناع: إسرائيل تستفيد من استمرار الحرب على قطاع غزة

قال ياسر مناع، خبير الشؤون الإسرائيلية، إنه من المهم التنويه بأن التعريف الإسرائيلي لصفقة التبادل يختلف تمامًا عن التعريف الفلسطيني أو تعريف الوسطاء لها.

9 شهداء في قصف إسرائيلي على جباليا شمال قطاع غزةباحث: نتنياهو يستغل المفاوضات لتمرير الإبادة الجماعية في غزة

وأوضح، خلال مداخلة على قناة القاهرة الإخبارية، أن "نتنياهو وإسرائيل وصناع القرار الإسرائيليين يرون صفقة التبادل كإجراء مرحلي يُعرف في الإعلام الإسرائيلي بأنها صفقة جزئية أو إنسانية، بمعنى أنها تصل إلى نقطة معينة، ثم تستمر إسرائيل في حربها، أما التعريف الفلسطيني، فيرتبط بإنهاء الحرب بشكل كامل وشامل، بما يشمل الانسحاب من قطاع غزة وإعادة الإعمار".

وأضاف مناع: "أعتقد أن إسرائيل تستفيد من استمرار الحرب لعدة أسباب، أولها أنها تُستغل داخليًا لتعزيز سيطرة اليمين الإسرائيلي، فمنذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم، عمل اليمين الإسرائيلي على تمرير العديد من القوانين التي ترسخ هيمنته على مفاصل الدولة، بما يشمل القضاء، والجيش، والتعليم، والإعلام".

وأشار إلى أن من بين الأسباب الأخرى لاستمرار الحرب ما يحدث في الضفة الغربية، حيث تتقدم عمليات الاستيطان بوتيرة غير مسبوقة، مما يجعل الضفة عمليًا تحت السيطرة الاستيطانية الإسرائيلية الكاملة".

مقالات مشابهة

  • سفير ألمانيا لدى إسرائيل: تجمد الرضع في غزة حتى الموت دافع قوي لوقف الحرب
  • صحف عالمية: إسرائيل تحاول تغيير المنطقة لكن الأمر ليس سهلا
  • غلوبس: عودة الارتفاع الحاد بالإيجارات في إسرائيل
  • مصدر سعودي: الرياض لا تريد ان تتدخل في الحرب بين “إسرائيل” و”اليمن” 
  • كيف يخنق الاحتلال الإسرائيلي الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؟
  • رصد لأهم أسباب انحياز اليهود الأمريكيين للرواية الفلسطينية ومعاداة الاحتلال
  • إشادة خاصة بـ كومباني بعد تربع بايرن ميونخ على قمة الدوري الألماني
  • ياسر مناع: إسرائيل تستفيد من استمرار الحرب على قطاع غزة
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: إسرائيل تعتقل فلسطينيا مصابا في نابلس وتمنعنا من علاجه
  • إسرائيل تنذر سكان «الشجاعية» بإخلاء منازلهم