ألمانيا: في تفسير انحياز لا يتراجع
تاريخ النشر: 23rd, January 2024 GMT
ألمانيا: في تفسير انحياز لا يتراجع
إجراءات أمنية وإدارية ألمانية ضد مناصري وداعمي المقاومة وتقييد لحرية البعض ومنع لبعض المظاهرات المناهضة للحرب دون سند من دستور أو قانون.
تواكب انحياز بنيوي مع استدعاء آخر يلصق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين دون تمييز بين أعمال المقاومة الشرعية ضد الاحتلال وبين الإرهاب الذي يتعين إدانته ورفضه.
في حين يطالب العالم بوقف الحرب وحماية أرواح المدنيين، تعلن حكومة ألمانيا تقديم قذائف مدفعية دقيقة التوجيه من مخازن الجيش الألماني لإسرائيل لاستخدامها في الحرب.
انحياز بنيوي ألماني ضد الحق الفلسطيني يستدعي دائما في لحظات التوتر والعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمسألة العداء للسامية وإلصاقها بشعب فلسطين وقواه الوطنية والسياسية.
يستمر الانحياز الألماني إزاء التصعيد المتواصل بين إسرائيل وحزب الله فتدعو خارجية برلين لحماية شمال إسرائيل وإعادة مهجريه وتتجاهل سقوط قتلى لبنانيين وتوسع غارات إسرائيل حتى بيروت.
حين قامت حماس بعملية 7 أكتوبر اشتعلت الحياة العامة والإعلام باتهامات العداء للسامية والإرهاب بحق الفلسطينيين، وازداد الاشتعال مع خروج مظاهرات بمدن ألمانية تناصر حقوق الشعب الفلسطيني.
* * *
مقارنة بغيره من المواقف الأوروبية، يظل الموقف الألماني تجاه الحرب في غزة هو الأكثر انحيازا إلى إسرائيل والأكثر جورا على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
بينما تنظر محكمة العدل الدولية في دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل وبها تتهم الأولى الثانية بارتكاب جرائم إبادة في غزة، تعلن الحكومة الألمانية دخولها كطرف ثالث في الدعوى دفاعا عن الدولة العبرية وتقرر قناعتها، هكذا دون تحقيق قضائي دولي، بانتفاء شبهة جرائم الإبادة عنها.
بينما يتواصل سقوط الضحايا من الأطفال والنساء والرجال بين صفوف الشعب الفلسطيني في غزة بفعل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية وفي حين تطالب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية وعديد الحكومات في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والجنوب العالمي وفي أوروبا بوقف الحرب وحماية أرواح المدنيين، تعلن الحكومة الألمانية تقديم قذائف مدفعية دقيقة التوجيه من مخازن الجيش الألماني لإسرائيل لكي تستخدمها في الحرب.
تفعل الحكومة الألمانية ذلك بعد أن ارتفعت صادرات السلاح من برلين إلى تل أبيب على نحو غير مسبوق في 2023، تفعله أيضا بينما الحليف الأكبر لتل أبيب والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية يضغط من خلال إدارة بايدن من أجل وقف العمليات العسكرية في غزة والسيطرة على المستوطنين المتطرفين في الضفة الغربية والقدس الشرقية ويناقش في مجلس الشيوخ إمكانية فرض شروط على صادرات الأسلحة إلى إسرائيل.
وبينما تتعالى أصوات المسؤولين الحكوميين والسياسيين في الولايات المتحدة وأوروبا، وليس فقط في بلدان الجنوب العالمي والصين وروسيا، مطالبة بأفق سياسي لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وبينما ينادي الأمين العام للأمم المتحدة بحتمية الاعتراف بالحق التاريخي للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة؛ تصمت ألمانيا على لسان وزيرة خارجيتها وترفض التصريح بموقف قاطع لبلادها فيما خص حقوق الفلسطينيين وتكتفي بإشارات عمومية عن حتمية التفاوض بين حكومة تل أبيب وبين السلطة الفلسطينية في رام الله بعد أن ينتهي خطر حماس وينتفي تهديد أمن إسرائيل.
ويجري ذات الانحياز الألماني على الموقف من التصعيد المتواصل على الجبهة اللبنانية بين إسرائيل وحزب الله، حيث تعبر خارجية برلين عن ضرورة حماية أمن المناطق الشمالية في إسرائيل وإعادة المهجرين إلى مدنهم وقراهم بينما تتجاهل بالكامل استمرار سقوط قتلى على الجانب اللبناني وتوسيع تل أبيب لنطاق عملياتها العسكرية حتى وصل إلى بيروت.
والحقيقة أن الموقف الألماني، وهو موقف أفقد الأوروبيين القدرة على القيام بدور فعال في المطالبة بإنهاء الحرب وحماية أرواح المدنيين في غزة وأخرج من ثم، بحسابات اليوم الاتحاد الأوروبي، من سياقات الوساطة والتفاوض (باستثناء الدور الفرنسي في صفقة الدواء للرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة نظير دواء للفلسطينيين) له العديد من الخلفيات التاريخية والسياسية.
فمن جهة أولى، التزمت ألمانيا الاتحادية منذ تأسيسها في 1949 ثم توحدها مع الشطر الشرقي (ألمانيا الديمقراطية سابقا) في 1990 بتقديم تعويضات لإسرائيل عن الهولوكوست وبالمساعدة بكافة السبل في الدفاع عن بقاء وأمن الدولة العبرية. ولم يتغير هذا الالتزام الأحادي من قبل ألمانيا أبدا، واستمر ينتج مفاعيله في سياسة بون ثم برلين بمعزل عن حقائق الشرق الأوسط وبها تحولت تل أبيب إلى دولة احتلال واستيطان وفصل عنصري.
من جهة ثانية وعلى امتداد الحياة الحزبية والسياسية الألمانية، يتنافس اليمين واليسار ويمين الوسط ويسار الوسط على إظهار وتقديم دعم متواصل لإسرائيل ويتجنب الجميع انتقاد سياساتها وممارساتها لكيلا تطلق بحقهم اتهامات العداء للسامية وتجاهل المسؤولية التاريخية لألمانيا تجاه الدولة العبرية وأمنها. ليس لدى الحزب المسيحي الديمقراطي ولا الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ولا حزب الخضر أو الحزب الديمقراطي الحر، قدرة أو رغبة سياسية في توجيه انتقاد لتل أبيب لا بسبب حروب وجرائم وضحايا ولا بسبب تواصل الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري. فقط أحزاب الهوامش، اليمين المتطرف الذي يمثله النازيون الجدد واليسار المتطرف الذي يشغله ما تبقى من الأحزاب الشيوعية، هي التي تجد بداخلها شيئا من الإرادة السياسية لتوجيه النقد لبعض مما تقوم به إسرائيل ولمطالبة الحكومة الألمانية بإعادة النظر في الدعم العسكري والاقتصادي والمالي والدبلوماسي غير المشروط. غير أن كل ما يأتي من الهوامش، إن يمينا أو يسارا، يضر القضية الفلسطينية وعدالتها في ميزان السياسة والمجتمع في ألمانيا أكثر مما يفيد.
من جهة ثالثة وعلى امتداد الحياة العامة والإعلامية، تبلور في ألمانيا انحياز بنيوي ضد الحق الفلسطيني باستدعاء مستمر ومتواتر بشدة في لحظات التوتر والعنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمسألة العداء للسامية وإلصاق الاتهام بالتورط فيها بعموم الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والسياسية.
وتواكب ذلك الانحياز البنيوي مع استدعاء آخر يلصق تهمة الإرهاب بالفلسطينيين دون تمييز بين أعمال المقاومة الشرعية ضد الاحتلال وبين جرائم الإرهاب التي يتعين إدانتها ورفضها.
وحين قامت حماس بعملية 7 أكتوبر اشتعلت الحياة العامة والإعلامية باتهامات العداء للسامية والإرهاب بحق الفلسطينيين، وازداد الاشتعال مع خروج مظاهرات في بعض المدن الألمانية للانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني حملت بها هنا وهناك لافتات لدعم حماس.
ورتب ذلك إجراءات أمنية وإدارية ألمانية ضد مناصري وداعمي حماس وتقييد لحرية البعض ومنع لبعض المظاهرات المناهضة للحرب دون سند من دستور أو قانون.
*د. عمرو حمزاوي باحث بجامعة ستانفورد، أستاذ العلوم السياسية المساعد سابقا.
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: إسرائيل ألمانيا فلسطين الإرهاب حماس غزة العداء للسامية القانون الدولي حل الدولتين محكمة العدل الدولية الحکومة الألمانیة الشعب الفلسطینی تل أبیب فی غزة
إقرأ أيضاً:
مع استمرار الهجمات على إسرائيل.. هل فشل العراق في تفادي الحرب؟
رغم تأكيدات الحكومة العراقية على إبعاد شبح الحرب عن البلاد ومحاولة إنهاء التوترات في المنطقة، لم تتمكن الحكومة العراقية حتى الآن من الحد من الهجمات التي تشنها المليشيات الموالية لإيران بشكل شبه مستمر على إسرائيل والمصالح الأميركية.
وأكد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، نهاية أكتوبر الماضي في لقاء مع رؤساء عشائر بمحافظة واسط جنوب شرق بغداد، على أن قرار الحرب والسلم تتخذه الدولة بمؤسساتها الدستورية، مضيفا أن "كل من يخرج عن ذلك سيكون بمواجهة الدولة التي تستند إلى قوة الدستور والقانون في تنفيذ واجباتها ومهامّها".
وأعلنت مجموعة المقاومة الإسلامية في العراق التي تتبنى الهجمات الصاروخية على إسرائيل، الاثنين الماضي، استهداف موقع حيوي في أم الرشراش (إيلات) في اسرائيل، بواسطة طائرات مسيّرة، مؤكدة في بيان لها استمرار هجماتها ضد إسرائيل.
ويعتبر المحلل السياسي، الناصر دريد، أن تشكيل الحكومة العراقية من قبل مليشيات موالية لإيران تسبب في عجزها عن التحرك لإيقاف هذه الهجمات.
ويتابع دريد لـ"الحرة"، "أصبحت الميليشيات جزءا من هذا النظام فهي ليست طرفا خارجيا حتى تقوم الحكومة أو أي حكومة عراقية بمواجهتها، في الواقع هي ليست مجرد جزء من هذا النظام بل هي أصبحت الجزء المهيمن عليه وذلك بسبب تراجع الدور الأميركي عن تسيير الوضع الداخلي في العراق بعد الانسحاب الأميركي".
ويرى الناصر أن السوداني يواجه ضغطا دوليا واضحا في هذه الفترة خاصة أن الضغط الأميركي بدأ خلال العامين الأخيرين من إدارة الرئيس جو بايدن، وتمثل في العقوبات التي فرضتها واشنطن على عدد من المصارف والشركات العراقية المتورطة بعمليات تبييض الأموال وتهريب العملة إلى إيران.
عقوبات وضغوط
ويتوقع الناصر أن تواصل الإدارة الأميركية الجديدة فرض العقوبات الاقتصادية على المؤسسات والبنوك العراقية وربما سيواجه العراق ضغطا أميركيا أكبر خلال الفتره المقبلة، بعد استلام الرئيس دونالد ترامب مقاليد الحكم في يناير المقبل.
وبعد هجوم 7 أكتوبر 2023 الذي نفذته حركة حماس على بلدات جنوبي إسرائيل، أدى لشنّ الأخيرة عملية عسكرية في قطاع غزة مستمرة حتى الآن، نفذت مليشيات عراقية تحت اسم "المقاومة الإسلامية في العراق"هجمات ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا.
ويؤكد رئيس مركز التفكير السياسي في العراق، إحسان الشمري أن الحكومة العراقية الحالية حاولت في بادئ الأمر الحفاظ على مبدأ التوازن ما بين الولايات المتحده وإيران لكن فشلت في الحفاظ على التوازن وبالتالي، ظهرت في كثير من الأحداث على أنها أقرب إلى إيران منها إلى الولايات المتحدة.
ويوضح الشمري لـ"الحرة"، أن "هناك رغبة أميركية تحول دون وقوع فوضى أمنية، أو حتى ارتباك أمني في المشهد العراقي، لذلك أطلقت واشنطن من خلال الحوارات مع الحكومة ضمانات بالتأثير على إسرائيل وساهم هذا الأمر إلى حد ما في تأجيل الضربة الاسرائيلية وليس إلغاءها".
وأضاف المتحدث أنه بعد فشل وعجز حكومة السوداني من القيام بتأثير حتى بشكل محدود على الفصائل المسلحة فإن الولايات المتحدة فيما يبدو لم تعد قادرة على إعطاء ضمانات لإسرائيل والسبب في ذلك أن السوداني لا يستطيع مواجهة داعميه السياسيين متمثلا بالإطار التنسيقي الذي ركيزته الفصائل المسلحة".
وكشف وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، حصول العراق على تعهدات إيرانية بعدم استخدام أراضيه للهجوم على إسرائيل، في حال أي رد من طهران على هجوم إسرائيل الأخير.
وقال حسين خلال مقابلة متلفزة، في 8 نوفمبر الحالي، إن "السوداني، اتصل بالجانب الإيراني، وأكدوا له أنهم لن يستخدمون الأراضي العراقية منطلقا للهجوم على إسرائيل".
شبح الحرب
لكن عضو لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، ياسر إسكندر، يلفت إلى أن العراق استطاع أن يبعد شبح الحرب عن أرضه بحكمة كبيرة.
وأوضح إسكندر في حديث لـ"الحرة"، أن "الجولات المكوكية التي أجراها السوداني وكابينته الوزارية في عدد من الدول كان لها التأثير في إبعاد العراق عن الصراعات بجميع جبهاتها ونحن في لجنة الأمن والدفاع نوصي بتطبيق التشريعات التي تضمن النأي بالبلاد عن الحروب والصرعات."
وأوصلت الحكومة العراقية رسائل إلى طهران عبر مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي مفادها تأكيد العراق على البقاء خارج دائرة الحرب التي تشهدها المنطقة منذ أكثر من عام.
وقال الأعرجي في منشور على صفحته على منصة إكس: "نؤكد مجدداً الموقف العراقي الرافض لاستخدام الأراضي والأجواء العراقية منطلقاً للاعتداء على أي دولة، وسنعمل بكل قوة وجهد لإنجاح دور العراق البارز في تهدئة الأوضاع وعدم الذهاب نحو التصعيد وجر المنطقة إلى أتون الحرب الشاملة".