قال عبد الله بن حمد العطية نائب رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الطاقة والصناعة السابق، إن رحلة قطر لتحقيق معجزتها الاقتصادية بتصدير الغاز المسال إلى العالم حتى باتت الأكبر في هذا المجال كانت مليئة بالتحديات والصعوبات، لافتا إلى أن قيادتها تولي اهتماما للاستعداد والتهيؤ لمرحلة ما بعد النفط والغاز.

وفي حوار مع بودكاست "ما بعد النفط" على منصة "أثير" بشبكة الجزيرة، طاف العطية بمحطات مهمة في حياته، بدءا من نشأته التي شهدت تحديات قاسية، وصولا إلى مرحلة توليه مناصب وزارية وما تخللها من مهام ومشاريع وإنجازات، كما سلط الضوء على محطات رئيسة في تاريخ نهضة قطر الاقتصادية.

ويشير العطية إلى أن بداية قطر كدولة بترولية، كانت في عام 1949، حينما خرجت منها أول شحنة بترول وبدأت انتعاشتها الاقتصادية، بينما كانت قبل ذلك واحدة من أفقر دول العالم باعتبارها دولة جافة دون موارد اقتصادية فاعلة، وكان اعتماد أهلها في ذلك الحين على صيد اللؤلؤ الذي تأثر لاحقا باكتشاف ياباني طريقة لزراعة اللؤلؤ.

الخليج قبل النفط

وكانت أوضاع البلاد قاسية، دفعت الكثيرين للهجرة إلى دول مجاورة كالبحرين والسعودية والكويت منذ بداية القرن العشرين لأجل العمل وطلب الرزق، بينما كانت قطر تخلو من أي مؤسسات خدمية كالمستشفيات والمدارس، وكان 95% من القطريين أميين.

وحسب العطية، فإن هذه الأوضاع الصعبة لم تكن قاصرة على قطر، وإنما عانت منها أغلب دول الخليج، قبل اكتشافها النفط، الذي ظهر في عهود متتالية بها، فكانت كل دولة تعمل على تحسين أوضاعها بعد اكتشاف "الذهب الأسود" كما كان يعرف حينها وتطور من بناها التحتية.

وفاقم من الأوضاع الصعبة بقطر توقف الدول التي كانت تستورد منها المواد الغذائية التصدير بسبب الحرب، لتدخل البلاد مرحلة "الجوع" كما استشرى في البلاد مرض الجذري والذي قضى على ثلث سكان قطر.

وعرج العطية على تاريخ اكتشاف البترول في الخليج والمنطقة، بدخول شركات عالمية تنقلت ما بين إيران والكويت والبحرين والعراق، ووصلت محطتها إلى قطر وكان أول اكتشاف بئر في مدينة دخان على الساحل الغربي لقطر عام 1939، لكن بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية تم إغلاقه من قبل الشركة المنفذة وخروجها من البلاد.

بناء قطر الحديثة

وفي هذا السياق، يشير العطية إلى أنه بعد عودة شركات البترول لاستخراجه في قطر، عاد الكثير من القطريين الذين هاجروا إلى بلادهم واستقروا بها، وبدأ الأمر بعملهم في تلك الشركات وشهد عام 1949 أول شحنة بترول تخرج من البلاد، وحينها قررت الدولة إنشاء أول مستشفى صغير وأول مدرسه ابتدائية في تاريخها.

وفي تلك الأثناء، ومع استقرار الأوضاع، واجه بعض السكان مشاكل وصعوبات رأوا أنها تتطلب بعض الإصلاحات العامة والاجتماعية للحفاظ على الحقوق، مما دفعهم للاجتماع في منزل والده لتدارس الأمر وكان ذلك عام 1963، ولم تكن تلك المطالب ضد الدولة أو تدعو لتغيير النظام.

ظلم الاستعمار البريطاني

ويذكر العطية أن الإنجليز الذين كانوا يسيطرون على الدولة حينها، حيث كانت قيادة الجيش والشرطة والمرور في يدهم، لم يعجبهم الأمر، فقاموا باعتقال والده وعدد من وجهاء قطر، ثم قاموا بنفي أغلبهم خارج البلاد ما عدا والده والسيد ناصر بن عبد الله المسند، لرفضهم الأمر.

ومنذ ذلك الحين، حيث كان عمر العطية نحو 10 سنوات، تحمل مسؤولية أسرته والتي ترسخت بوفاة والده في السجن بعدها بعامين، وكان لوالدته وجدته من طرف أبيه دور كبير في تعليمه هو وإخوته السبعة (4 أولاد و3 بنات) حتى تخرجوا جميعهم من الجامعات.

وتحدث العطية عن انتقاله عام 1970 إلى الولايات المتحدة الأميركية من أجل الدراسة الجامعية، إلا أنه وبعد أن علم بحصول متغيرات في البلاد (الحركة التصحيحية) عام 1972، عاد إلى قطر بقصد الزيارة، فطلب صديقه "الأمير الوالد" الشيخ حمد بن خليفة منه البقاء في قطر لمساعدته في خدمتها وتنميتها، وأصر عليه في الأمر.

صداقة الأمير الوالد

وفي هذا السياق، تحدث العطية عن تاريخ علاقته بالأمير الوالد التي بدأت منذ الطفولة وتوثقت في المراحل العمرية المختلفة، وأشار إلى أن بداية أدواره في الدولة كانت بتعيينه بوزارة المالية والبترول، وظل يعمل فيها 17 سنة، حيث تكونت شخصيته وخبرته، كما انتسب إلى جامعة بيروت لإنهاء تعليمه الجامعي.

بعدها، انتقل العطية إلى وزارة الداخلية حين تولاها عبد الله بن خليفة آل ثاني، وطلب منه إدارة مكتبه، لافتا إلى أنه استفاد كثيرا من تلك الفترة واستمتع بها رغم أنها كانت في البداية على خلاف هواه الذي تشكل خلال عمله بوزارة المالية والبترول.

تولى العطية وزارة الطاقة والصناعة عام 1992 بعد ترشيح الأمير الوالد -وكان وليا للعهد حينها- وكان الخليج يواجه أزمة اقتصادية شديدة، إذ انهارت أسعار النفط إلى أقل من 10 دولارات للبرميل، بعد أن كان سعره 85 دولارا، ولم تكن دولة قطر حينها تستطيع تغطية رواتب أجور موظفيها، فكان تحديا صعبا له.

رحلة تصدير الغاز

وعن تلك الفترة الصعبة، يروي العطية كيف تمكنوا من تجاوز تلك المرحلة الصعبة وتنفيذ مشاريع ضخمة حققت النهضة الاقتصادية، ومن ضمنها كان مشروع تحويل الغاز إلى سائل، والنجاح في إبرام أول عقد طويل الأجل لتصديره إلى اليابان، والذي استمر 25 عاما، والتحديات اللاحقة التي استطاعوا تجاوزها.

وعقب حدوث تلك "المعجزة" بتصدير أول دفعة من الغاز المسال أواخر عام 1997، تتابعت عقود قطر مع دول أخرى في مقدمتها كوريا الجنوبية ثم الصين والهند، كذلك جرى إبرام عقود مع دول أوروبية كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وبولندا، كما تم توقيع عقد مع الكويت.

أكبر مصدر للغاز

وفي هذا السياق، لفت العطية إلى أن قطر أنشأت أكبر شركات ناقلة للغاز في العالم، وباتت أكبر مصدر له في عام 2010، كما باتت أكبر مصدر لغاز الهيليوم منذ 2013، ولم تكتف بالتصدير، بل قامت بتطوير صناعات الأسمدة الكيميائية وإنتاج المثالون وغيرها من الصناعات المعتمدة على الغاز.

وأشار الوزير القطري السابق إلى دور الأمير الوالد في هذه النهضة، ونظرته الشمولية التي لم تغفل مرحلة ما بعد النفط والغاز، والعمل على أن تكون الدولة قابلة للحياة المستمرة وذلك بالتركيز على الاستثمار في قطاع التعليم، حيث كان مؤمنا بأن العلم قبل الحجر، فأنشأ مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع.

وفي هذا السياق، يلفت العطية إلى أن قطر باتت تحتضن فروعا من أكبر جامعات العالم في التخصصات المختلفة، كما تم تطوير جامعة قطر حتى أصبحت من أفضل جامعات العالم.

علاقة الاقتصاد والسياسة

وفي سياق الحديث عن تأثير هذه النهضة الاقتصادية على السياسة الخارجية، أكد العطية أن قطر كانت تعتمد الفصل بين الأمرين، مما رفع من مصداقيتها لدى دول العالم المختلفة، مشيرا في هذا السياق إلى أن الخلط بينهما أنتج تجارب مؤسفة لعدد من الدول العربية.

لكنه في ذات الوقت، سلط الضوء على الدور السياسي لقطر والذي تمثل بالقيام بأدوار وساطة ناجحة، زاد من ثقلها الدولي حتى باتت الوسيط المثالي في الأزمات المختلفة، مشيرا في هذا السياق إلى تجربة الوساطة بين طالبان والولايات المتحدة الأميركية.

وحول الحرب التي يتعرض لها قطاع غزة، يرى العطية أنها "أكبر جريمة إبادة جماعية في التاريخ الحديث"، مؤكدا أن الدول العربية كان بيدها أن تكون مؤثرة إذا اتفقت على موقف موحد.

لكنه في ذات الوقت لا يرى أن حظر النفط والغاز الخليجي يمكن أن يكون عامل ضغط على الولايات المتحدة والدول الأوروبية، مؤكدا في هذا السياق على أن هولندا وأميركا لم تتأثّرا بحظر النفط نهائيًا في 1973 رغم ما هو شائع حول ذلك التأثر.

الخليج ما بعد النفط والغاز

وحول استعداد الخليج لمرحلة ما بعد النفط والغاز، أشار العطية إلى توجه قطر ناحية الاستثمار في الطاقة المستدامة والمتجددة، واستغلال ما هو متوفر لدول الخليج من الطاقة الشمسية، حيث قامت قطر ببناء واحدة من أكبر محطات الطاقة في العالم والتي تبلغ سعتها 800 ميغاواط.

كما أكد في هذا السياق على ضرورة الاهتمام بالقطاع التعليمي، والتركيز على المجالات المتعلقة بالصناعات والتكنولوجيا، ومعالجة أسباب هجرة العقول العربية التي تستغلها أميركا ودول أوروبا حيث يرى أن تلك الدول بنت نفسها بهذه العقول المهاجرة.

وفي هذا السياق، أشار العطية إلى التركيز المتقدم في قطر على مجال التعليم التقني ومراكز الأبحاث، وأن ذلك يأتي في إطار الاهتمام بالبنية التحتية والفوقية لمواجهة مستقبل ما بعد النفط والغاز، مشيرا في هذا السياق إلى استفادة قطر بكثير من المهندسين العرب الذين تميزوا بعد هجرتهم لدول غربية ثم فضلوا الانتقال لدول عربية مثل قطر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأمیر الوالد

إقرأ أيضاً:

الكويت وقطر.. «مباراة مصيرية»

الكويت (الاتحاد)

أخبار ذات صلة «الأبيض» يواجه عُمان بقوة «الأفضلية التاريخية» اتحاد الكرة يُشارك في عمومية اتحاد كأس الخليج العربي خليجي 26 تابع التغطية كاملة

يخوض منتخب الكويت صاحب الأرض والجمهور مباراة مصيرية أمام قطر، في السادسة والنصف مساء اليوم، على استاد جابر الأحمد الدولي، ضمن الجولة الثالثة والأخيرة من دور المجموعات لبطولة «خليجي 26».
وتحسم المباراة مصير وهوية الفرق المتأهلة من المجموعة الأولى، في ظل وفرة الفرص لحسم بطاقتي الصعود إلى «مربع الذهب»، ويلعب «الأزرق» على فرصتي التعادل أو الفوز، فيما يخوض «العنابي» اللقاء بشعار الفوز ولا شيء غيره، ليس فقط لإحياء أمل التأهل، ولكن لتصحيح الصورة واستعادة هيبة «بطل آسيا»، والذي لم يوفق في الظهور بصورة فنية لافتة، وتعادل في أول مباراة أمام «الأبيض»، وخسر أمام «الأحمر» في المباراة الثانية.
من جهة أخرى، يدرك منتخب الكويت أهمية المباراة، وضرورة الخروج بنتيجة إيجابية لضمان التأهل، خاصة بعد نجاحه في خطف الفوز أمام «الأبيض» خلال الجولة الماضية، ما رفع معنويات لاعبيه وجماهيره، حيث يتوقع أن يحافظ المدرب خوان بيتزي على التشكيلة الأساسية لـ«الأزرق»، مع التركيز على تعزيز الجانب الدفاعي، واستغلال الهجمات المرتدة، مستفيداً من سرعة ومهارة لاعبيه في الخط الأمامي، بينما ستكون التبديلات في أضيق الحدود، حيث يعتمد بيتزي على الثنائي محمد دحام، ومعاذ العنزي، اللذين أحرزا هدفي الفوز أمام «الأبيض».
ويملك الكويت 4 نقاط، ما جعله يتصدر المجموعة بفارق الأهداف عن عُمان، من جانبه، تعرض منتخب قطر لخسارة أمام عُمان بنفس النتيجة، ما جعله يحتل المركز الرابع بنقطة واحدة.
وشهدت مواجهات الكويت وقطر في كأس الخليج تفوقاً كبيراً لـ «الأزرق»، حيث التقيا في 18 مباراة، حقق الكويت الفوز في 12 مباراة، بينما تفوق قطر 5 مرات، وانتهت مباراة بالتعادل.
ويتسلح أصحاب الأرض بنتيجة آخر مواجهة عام 2019، التي أقيمت في قطر، حيث تواجه المنتخبان في دور المجموعات، وحقق الكويت فوزاً مفاجئاً بنتيجة 3-1، ما أسهم في تأهله إلى نصف النهائي بتلك النسخة.

مقالات مشابهة

  • ماذا يعني الإعلان عن بلوغ إنتاج 1.4 مليون برميل من النفط في ليبيا؟
  • نصيحة من ذهب.. حسام موافي يكشف سر السعادة الزوجية
  • خبراء أميركيون يحددون للجزيرة نت مصالح بلادهم في سوريا
  • عاجل | مصدر أمني سوري للجزيرة: عملية أمنية تجري الآن لملاحقة فلول النظام البائد في عموم البلاد
  • الكويت وقطر.. «مباراة مصيرية»
  • وزير الاقتصاد السوري يتحدث للجزيرة نت عن خطط إنقاذ الليرة و الإعمار والذهب
  • الدفاع المدني السوري للجزيرة: المقابر الجماعية ونزع الألغام أبرز تحدياتنا
  • عاجل | مصدر في وزارة الداخلية السورية للجزيرة: قتيلان و4 جرحى من قوات وزارة الداخلية جراء الاشتباكات بطرطوس
  • "البوكسينج داي".. جوارديولا يواجه اختبارا صعبا
  • "البوكسينغ داي"..غوارديولا يواجه اختباراً صعباً