حتمية الأمن والاستقرار في البحر الأحمر
تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT
اتجاهات مستقبلية
حتمية الأمن والاستقرار في البحر الأحمر
تعددت المبادرات الإقليمية والدولية من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في البحر الأحمر، وذلك نظرًا للأهمية الكبيرة التي يحظى بها في مجال الجغرافيا السياسية والاستراتيجية، حيث يعدُّ واحدًا من أهم طرق الملاحة الرئيسية في العالم إذ يربط بين قارات ثلاث هي إفريقيا وآسيا وأوروبا.
يضاف إلى ذلك أن البحر الأحمر يعدُّ أيضًا معبرًا رئيسيًّا لتصدير نفط الخليج العربي إلى الأسواق العالمية، وهو الرابط البحري التجاري الأساسي بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وبحر العرب. كما تمر من خلاله سنويًّا بضائع وسلع تمثّل نحو 13% من التجارة العالمية.
وفي هذا السياق، فإن فكرة إنشاء منظمة أو تحالف معني بالتنمية والاستقرار في حوض البحر الأحمر، هي فكرة قديمة، حيث تعود جذور أول مبادرة للتعاون بين الدول المطلّة على البحر الأحمر إلى يوليو 1972، مع انعقاد المؤتمر الأول للدول المطلة على البحر الأحمر في جدة، حيث أصدرت كل من السعودية ومصر والسودان وإثيوبيا واليمن بيانًا مشتركًا أكدت فيه حقها في الموارد المعدنية العميقة للبحر الأحمر. وفي عام 1974 وقّعت السعودية والسودان اتفاقية بشأن استغلالهما المشترك للموارد الطبيعية في البحر الأحمر. وفي عام 1976 وقّع عدد من الدول المطلعة على البحر الأحمر وخليج عدن اتفاقية بشأن التعاون في البحث العلمي في القضايا البيئية. وفي 1982 وُقِّعت الاتفاقية الإقليمية للحفاظ على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن، بين كلّ من السودان والصومال والأردن والسعودية ومصر وجيبوتي.
وفي عام 2018 استضافت السعودية الاجتماع الوزاري لدول البحر الأحمر الذي نتج عنه اتفاق إنشاء كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن. وفي يونيو من العام ذاتِه روَّج الاتحاد الأوروبي أيضًا فكرة إنشاء هيئة إقليمية للبحر الأحمر، وشهد مطلع عام 2020 الولادة الحقيقية لمجلس يُعنى بمصالح الدول المطلّة على هذا الممر المائي الاستراتيجي. وكان الهدف الأساس للمجلس هو تعزيز التنسيق والتعاون الإقليميين، من أجل التعامل بفاعلية مع أي أخطار وتحديات إقليمية. وأخيرًا في نهاية عام 2023 أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف “حارس الازدهار” الذي يضم 11 دولة، وذلك بعد استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية المارة عبر مضيق باب المندب.
وبناء على هذا الاستعراض التاريخي لمشاريع التعاون الإقليمي لاستغلال الموارد وتحقيق الأمن في البحر الأحمر، يمكننا القول إن تحقيق الأمن والاستقرار في البحر الأحمر بات أمرًا مهمًّا للغاية، وذلك لعدة اعتبارات؛ منها زيادة حجم التجارة الدولية المارة عبر البحر الأحمر، وأن أي إضرار بالأمن في هذا الممر الدولي الاستراتيجي سوف يؤثر لا محالة على سلاسل الإمداد والقيمة العالمية، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الشحن والتأمين على السفن، الأمر الذي قد تترتب عليه آثار اقتصادية واجتماعية في الكثير من الدول. كما أن الاضطرابات التي تحدث في البحر الأحمر سوف تُعوِّق خطط التنمية الشاملة التي تقوم بها الدول المطلّة عليه.
خلاصة القول هي أن تحقيق الأمن والاستقرار في البحر الأحمر ضرورة حيوية من أجل ضمان مصالح الدول الإقليمية كافة، خصوصًا ما يتعلق منها بتحييد تهديدات الميليشيات، وضمان المرور الآمن عبر هذا الممر البحري التجاري العالمي من دون قيود، ومن دون استهداف ارتهان حركة التجارة العالمية للخلافات السياسية والتوترات العسكرية، حيث تكفل القوانين الدولية حرية الملاحة في هذه الممرات.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
أمريكا تجرب المجرب.. واليمن يؤكد جهوزيته
يمانيون/ تقارير
ارتفعت وتيرة الاعتداءات الأميركية البريطانية على اليمن في الآونة الأخيرة بعد أن استعانت واشنطن بأحدث قاذفاتها الاستراتيجية، “B-2 الشبحية” والهدف لم يتبدل أو يتغير، “تقويض القدرات اليمنية وحماية أمن الملاحة الإسرائيلية” ولا نتائج ملموسة لناحية فك الحظر البحري عن موانئ فلسطين المحتلة, أو التهدئة من روع ومخاوف الصهاينة الذين يتزاحمون بمئات الآلاف أمام الملاجئ مع كل صاروخ يطلق من اليمن, مع تكرار السيناريو في حال الضربات المسددة من حزب الله.
بعد إخفاق حاملة الطائرات الأميركية ” يو إس إس إيزنهاور” وانكشاف مواطن ضعفها في المواجهة المباشرة، وتحاشي إقحام الحاملة “جيرالد فورد” الميدان البحري الساخن في البحر الأحمر، تحاول الولايات المتحدة تجريب الحاملة “إبراهام لينكولن” لاستعادة زمام المبادرة في البحر وتغيير قواعد الاشتباك بما يضمن حماية أمن الصهاينة والمصالح الأميركية.
لم تكن الحاملة الجديدة وما يرافقها من تشكيل بحري مكون من عدد من المدمرات والفرقاطات والغواصات وسفن الإمداد اللوجستي بعيدة عن رادار القوات اليمنية، رغم تموضعها البعيد في المحيط الهندي والبحر العربي، وهي كغيرها من القطع البحرية المعادية لا تملك حصانة تمنع اليمن عن استهدافها, رغم ما تمثله من أهمية استراتيجية لاستخدامها في العديد من الأنشطة, بما في ذلك الدعم الجوي, والعمليات البحرية وكونها من أكبر القطع البحرية الأميركية, وطاقمها يزيد عن خمسة آلاف فرد بما في ذلك الطيارين والفنيين, كما أنها تلعب دورًا مهمًا في ما يوصف بقوة الردع الأميركية.
رسائل عملية الثلاثاءوفي اشتباك بحري هو الأطول مقارنة بما سبقه من اشتباكات بحرية بين اليمن والتحالف الأميركي أعلنت القوات المسلحة تنفيذها عمليتين نوعيتين، استمرتا ثمان ساعات في البحرين الأحمر والعربي.
العملية الأولى استهدفت حاملة الطائرات الأميركية “أبراهام لينكولن” في البحر العربي بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة” والأخرى استهدفت مدمرتين أميركيتين في البحر الأحمر بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وذلك ردًا على “العدوان الأميركي البريطاني” المستمر على اليمن، وتضامنًا مع الشعبين الفلسطيني واللبناني.
في الرسالة المباشرة والتي تدور حولها رحى العمليات اليمنية، اليمن لن يتخلى عن دعم وإسناد غزة ولبنان, وسيستخدم كل ما يملك من قدرات لإجبار العدو الإسرائيلي وداعميه على وقف العدوان وجرائم حرب الإبادة الجماعية، وهنا على أميركا أن تتعلم من التجارب والدروس الماضية، وتدرك أنها المسؤولة عن تحويل منطقة البحر الأحمر إلى “منطقة توتر عسكري” وتبعات ذلك على الملاحة البحرية.
البنتاغون أقر بتعرض قطع بحرية تابعة له لهجوم من اليمن, وكالعادة توعد بعواقب لهذه الضربات التي وصفها بالمتهورة وغير القانونية، مع أن القانون الدولي يجيز للدول أن تدافع عن أمنها واستقرارها, ويجرِّم ما يمارسه كيان العدو في غزة ولبنان بدعم أميركي أوروبي، ليبدو أن القرارات لا قيمة ولا وزن لها إذا كان الأمر يمس بالولايات المتحدة أو ربيبتها “إسرائيل”.
المواجهة تعد الأولى بعد انسحاب أيزنهاور, وتأتي في ذروة التحريض الأميركي ضد اليمن عبر الأدوات المحلية والإقليمية, وبعد أسابيع من تعزيز واشنطن – وفق تقارير أميركية- تموضعها العسكري في المنطقة بعدة مدمرات وصواريخ موجهة إضافية, ومجموعة للإنزال البرمائي, ووحدة استكشافية بحرية, ومجموعة واسعة من الطائرات المقاتلة والهجومية, أملًا في تلافي نقاط الضعف التي انكشفت سابقًا لاستخدام اليمن المسيرات وصواريخ مجنحة وأخرى باليستية تستخدم لأول مرة في تاريخ الحروب في استهداف السفن المتحركة.
تعود الولايات المتحدة إلى المنطقة مرة أخرى باستعداد يبدو في ظاهره أكبر من الجولة الأولى, وبقدرات متطورة منها القاذفة الشبحية، والمسألة مسألة وقت حتى تتكشف الحقائق, ويظهر أن التصدي للهجمات المتتابعة والمستمرة مرهق, ومكلف, ويسبب استنزافًا للموارد والقدرات الدفاعية لأي قوة كانت.
التحالفات الأمريكية والأوروبية فشلت في حماية كيان العدو الإسرائيلي، وهو فشل تجاوز الكيان المحتل إلى النفوذ الأميركي والبريطاني على المنطقة البحرية الواقعة في نطاق الأسطول الخامس, حتى مع محاولات التموضع بعيدًا عن الساحل الغربي, فاليمن يملك بفضل الله من القدرات ما يجعله يستهدف السفن المعادية من البر أو البحر ومن أي مسافة كانت, وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط.
وللهروب من الفشل العسكري المتكامل يواصل ثلاثي الشر شن غارات جوية تستهدف مدنًا يمنية لكنها تنتهي دون نتائج، وردع اليمن ووقف عملياته المساندة يظل هدفًا بعيد المنال.