لجريدة عمان:
2025-04-23@22:42:57 GMT

دارين مهدي.. سيرة العطاء والغياب

تاريخ النشر: 22nd, January 2024 GMT

«أعتقد إذا رب العالمين أخذ أمانته يوما ما أحب أن يحتفل الأحياء بدلا من النواح والبكاء». (دارين مهدي)

أنبل الأصدقاء أولئك الذين يخلدون الصداقة ويبقون عليها، هكذا خطرت في بالي عبارتها هذه وأنا أتصفح كتاب (دارين مهدي.. سيرة.. تأملات.. شهادات) الصادر حديثا بجهود صديقات الراحلة دارين مهدي (1984-2020): غدينة العيسائي، وسناء حصاري، وعبير المعمري، اللواتي جمعن كتابات دارين المنشورة في حساباتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ضم الكتاب الكثير من صور الراحلة ومشاركاتها في العديد من الفعاليات الثقافية والتطوعية الخاصة بالبيئة. كُتِب في افتتاحية الكتاب «كتاب دارين هو امتداد حضورها رغم الغياب المُبكر، الجلوس لقراءته بمثابة الجلوس معها، إن كنت تعرفها عن قرب فستسعد أنها ما زالت موجودة معنا، وإن كنت تعرفها من قبل فستتعرف عليها أكثر، وإن كنت لم تعرف عنها، فيقيننا أنك ستتعرف عليها عن كثب بعد أن تقرأ فصوله، فهذا الكتاب هو كتاب الجميع». يتوزع الكتاب الواقع في 200 صفحة على ثلاث فصول، حمل الفصل الأول درب الدارينة، والفصل الثاني من مفكرة الدارينة، والفصل الثالث حبا في الدارينية، والدارينة هو الاسم المحبب للراحلة التي كتبتُ عنها هذه الشهادة المنشورة في الكتاب: «أن تكتب عن الآخر الغائب، يعني أنك ستروي قصة أحادية الرؤية والحكاية، ولن يكون بمقدور الآخر التعليق على ما تكتب، فمن سيكون المُحكّم فيما تكتب؟!. هكذا تبادرت إلى الذهن أفكار شتى ومتشتتة، هل تكتب أم تمتنع؟ وإذا وافقت على الكتابة، فكيف ستكتب؟ وبأي نفس.. خاصة إذا كانت المعنية بالكتابة دارين مهدي، الشابة الممتلئة بالحياة والحيوية، الواهبة نفسها للبيئة عملا وأملا. لكن الكتابة عن الراحلين تعني استسلاما ليقين الفقدان، لبرهان الرحيل، وسطوة الموت وسلطته. والكتابة عنهم بهذا المعنى، تأكيد لواقعة الرحيل. نعم الآن أيقنت بأن دارين رحلت، فلم يعُد بإمكاني قراءة ما تدونه في صفحتها في منصة إكس، أو نتبادل المعلومات عن بعض الفنون والصور والأمكنة. نعم توارت دارين خلف ألف سحابة، نحو سماوات لا متناهية، وستتركنا لألم الفراق الأبدي، لكنها لا تريدنا أن نحزن لرحيلها، وهذا ما سأتحدث عنه، لاحقا.

لكن كيف عرفتُ دارين؟

بما أنها ابنة للصديق الدكتور مهدي جعفر، فهي غنية عن التعريف، وجديرة بالتعارف، فالدكتور مهدي له مكانة عالية رفيعة لدي، وبيننا تقاطعات جميلة مشتركة. «الابنة الفخورة بأبيها دوما وأبدا»، كتبتْ هذه العبارة في حسابها على تويتر، وتحتها الملصق الإعلاني الخاص بتدشين كتاب (لعمان مع المحبة) للدكتور مهدي جعفر وآنجيل شو، وكان حفل توقيع الكتاب في معرض مسقط للكتاب 2020، تحديدا يوم الأربعاء 19 فبراير. تزامن الحدث مع وجودي في مسقط وقتها لتوقيع روايتي «الأحقافي الأخير»، وكنت قد قابلت الدكتور مهدي، وتحدثنا عن روايتي «الأحقافي الأخير»، لكن الدكتور مهدي مهتم أكثر بروايتي «موشكا».

بكّرت الراحلة دارين بالحضور إلى ركن توقيع الكتاب، وكان هاجسها البيئي حاضرا أيضا، بتعليقها على الأكياس البلاستيكية المنتشرة في معرض الكتاب، حيث يضع المشترون الكتب في أكياس بلاستيكية، فأتذكر قولها: «لماذا لا نستعيض عن البلاستيك بأي مادة أخرى ولتكن كرتونية».

كان ذلك اللقاء الأول بدارين، رغم أننا كنا نتواصل عبر منصة إكس؛ فقد نشرت مرة على حسابها صورا ومع العبارة التالية: «التقاطات من رحلة أمس إلى جبل سمحان الآسر!، درجة الحرارة 18 درجة مئوية، والغيوم تستجيب للريح في مشهد جميل»، وعلقت على منشورها من ألمانيا: «أنت كنتِ على جبل الصلاة (جبل سمحان) بالشحرية يسمى (دهق ءصولوت) والمنطقة الواقعة أسفل الجبل الممتدة من مرباط إلى حدبين تسمى (صولوت)، فردت بتعليق آخر: «ما بستغرب هالتسمية أبدا، المشاعر اللي تحس بها وأنت على القمة صلاة للخالق والمنظر اللي يحيط بك يشهد بعظمته عزوجل، شكرا على مشاركتنا هالمعلومة محمد «.

التقينا مرة أخرى في مناسبة أقامتها جمعية البيئة العمانية عن الدكتور الراحل محسن العامري، وقد شاركتُ بورقة في المناسبة، وكانت دارين موجودة، وقد أحضرت معها رواية «الأحقافي الأخير» للتوقيع عليها، بعد ذلك اللقاء بأسابيع، كتبت لي دارين تسألني عن (فن الهيدان)، وهو فن مرباطي، يُقام في مناسبات العزاء وفراق الأحبة.

«كاتبنا الجميل بغيت مساعدتك، ماعرفت أفك الشفرة بالضبط الكلام اللي يرددوه في هذا المقطع».

«أهلا دارين الغالية... أي مقطع بالضبط؟».

«أحاول أرسله لك لكن ما ارتسل، خليني أحاول مجددا، بس برسل لك الرابط، من يوتيوب أيضا.. فن الهيدان / الدان.... حاولت أبحث في جوجل لكن ما كان واضح كثير».

«هذا فن ذو جذور إفريقية.. نحن ندين للعنصر الأفريقي بالحفاظ على أغلب فنون ظفار، خاصة المغناة في المدينة، أما بالنسبة للكلمات فسأجيب لك النص».

« لما سمعت البوق تخيلت ذلك، أكون شاكرة لك كاتبنا كثيرا».

«بحثت عن الكتاب وللأسف لم أجده. سأبحث من جديد عن النص وأرسله لك. ولايهمك».

«هو كلامهم ما مفهوم صحيح في المقطع ولا أنا بس يتهيألي؟.. يعني معظمه دان دان دان هيدانه».

«فعلا كلامهم غير مفهوم.. ولكن بصرف النظر عن الكلمات.. إلا أن الطقس وحده فريد.. العادة أن الموت مصحوب بالصمت والبكاء لكن أن يصاحبه أداء وطبل فهذا تفرد بحد ذاته».

«أتفق معك! شاهدت برنامج وثائقي عن فنون ظفار على اليوتيوب ووصف الباحث للطقوس كان جدا ممتع!.. أعتقد إذا رب العالمين أخذ أمانته يوما ما، أحب أن يحتفل الأحياء بدلا من النواح والبكاء».

ها نحن يا دارين ننفذ رغبتك، نحتفل بالكتابة عنك، كما احتفينا بك، حينما زرع لك والدك عدة شتلات من أشجار اللبان، في مناطق متفرقة من ظفار، على سفح جبل سمحان، وفي ريسوت، وفي الحدائق المنزلية للأصدقاء.

دارين لم ترحل إلا جسدا، أما روحها فحاضرة حضور الأبدية في مفردات الكون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدکتور مهدی

إقرأ أيضاً:

د. رهام سلامة تكتب: الإمام الأكبر شيخ الأزهر قائد حكيم ومسيرة عطاء لا تتوقف

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ليس غريبًا أن يقلق العالم أجمع، عندما وصلت الأنباء بأن الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، قد ألمت به وعكة صحية، و ابتهل الجميع - من الشرق والغرب من مختلف الجنسيات والألوان والأديان - إلى الله أن يشفيه ويرده إلى ممارسة عمله ليكمل مسيرته العلمية والتربوية من خلال أروقة الأزهر الشريف معقل التنوير والهداية والوسطية للعالم أجمع.

إن هذا القلق الذي أصاب العالم بأسره كان انعكاسا لما تمثله مكانة الإمام من أثر بالغ في نفوس الجميع، وهي مكانة تستمد قوتها من السماحة واستنارة الفكر والرأي التي يتبناها فضيلته منهجاً ومنهاجًا لا لحياته الشخصية فقط بل طريقة لمؤسسة الأزهر الشريف وعلاقته بالآخر.

على المستوى الشخصي، ما إن بلغني خبر تراجع صحة فضيلة الإمام الأكبر حتى خفق قلبي، وكأن نبضاته تتسارع مع قلق لا يمكن السيطرة عليه. كان شعورًا عميقًا يصعب وصفه، مزيجًا من الخوف والدعاء والرجاء. لكن ما إن سمعت بفضل الله أن حالته الصحية تحسنت كثيرًا حتى هدأ قلبي واطمأن، وكأن الحياة عادت إلى توازنها من جديد.

إنها فرصة ثمينة لأتحدث – ولو قليلًا – عن هذا العالم الجليل، الذي لا توفيه الكلمات حقه مهما اجتهدت في وصف فضله وعطائه. فما أكتبه الآن ليس إلا قطرة من بحر، ولمحة من نور مسيرته التي أضاءت دروب الفكر والإنسانية.

مسيرة علمية وفكرية حافلة:

منذ توليه مشيخة الأزهر في عام 2010، حرص الإمام الأكبر على تعزيز دور الأزهر الشريف كمؤسسة دينية وتعليمية تحمل لواء الوسطية والتسامح. فقد عمل على تطوير المناهج الدراسية، وإطلاق مبادرات فكرية لمواجهة التطرف، كما قاد جهودًا مكثفة للحفاظ على الهوية الإسلامية وتعزيز قيم التعايش المشترك.

لقد جسّد الإمام الأكبر نموذج العالم الأزهري المتزن، فلم يكن صوته يومًا داعيًا للصدام أو التعصب، بل كان مناصرًا دائمًا للسلام والحوار البناء. وقد أكد في أكثر من مناسبة أن الإسلام دين الرحمة والعدل، وأن الحلول الجذرية لقضايا العصر تكمن في تبني خطاب ديني مستنير يقوم على الفهم العميق للنصوص الشرعية ومقاصدها.

جهود بارزة في الحوار بين الأديان:
كان لفضيلة الإمام الأكبر دور محوري في تعزيز الحوار بين الأديان، وهو ما تجلى في وثيقة “الأخوة الإنسانية” التي وقعها مع بابا الفاتيكان عام 2019، والتي مثلت نقلة نوعية في العلاقات بين المسلمين والمسيحيين. وقد شدد في مختلف لقاءاته مع قادة العالم على ضرورة بناء جسور التواصل بين أتباع الديانات المختلفة، ورفض كل أشكال العنف والكراهية.

إلى جانب ذلك، لم تتوقف جهوده عند اللقاءات الدبلوماسية فقط، بل سعى إلى توجيه الأزهر لإطلاق مبادرات عملية تعزز السلام المجتمعي، سواء من خلال تدريب الأئمة والدعاة على فنون الحوار والتواصل، أو من خلال تطوير الخطاب الديني لمواكبة التحديات المعاصرة.

الأزهر في مواجهة التطرف والتحديات الفكرية:
من أبرز القضايا التي شغلت اهتمام الإمام الأكبر قضية مكافحة الفكر المتطرف، حيث كان الأزهر ولا يزال الحصن الحصين ضد التيارات المنحرفة التي تحاول استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية. وقد أسس مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الذي يعمل بـ13 لغة، لرصد وتحليل الخطابات المتطرفة، والرد عليها بخطاب علمي عقلاني يستند إلى أسس شرعية راسخة، والذي أشرف بإدارته منذ ثلاث سنوات الآن وكنت عضو في فريق العمل فيه منذ اليوم الاول وأسعد بنفسي على حرص فضيلة الإمام على أن يكون الأزهر الشريف في صف الدفاع الأول عن شريعة الإسلام السمحة وعن أصوله الكريمة التي تحتاج لجيش من المجاهدين الأوفياء. 

سعى فضيلته إلى تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين في الغرب، مؤكّدًا أن الحل يكمن في تعزيز قيم المواطنة والاندماج الإيجابي، لا في العزلة أو الانغلاق.

مع انتشار خبر مرض الإمام الأكبر، تدفقت رسائل الدعم من قادة الدول، ورجال الدين، والمثقفين، وطلاب العلم، داعين الله أن يمنّ عليه بالصحة والعافية، ليواصل مسيرته في نشر قيم الخير والسلام. ولا شك أن هذه المحبة الواسعة تعكس حجم الأثر الذي تركه فضيلته في قلوب الملايين.

وفي هذه اللحظات، لا يسعنا إلا أن نرفع أكف الدعاء، سائلين الله عز وجل أن يمنّ على الإمام الأكبر بالشفاء العاجل، وأن يبارك في عمره، ليبقى نورًا يهدي الأمة إلى ما فيه الخير والصلاح.

د. ريهام سلامة مديرة مرصد الأزهر لمكافحة التطرف

مقالات مشابهة

  • مصر تودع النائب ثروت فتح الله.. رمز العطاء البرلماني يرحل إثر حادث أليم
  • بعد اختياره بموسم الرياض القادم.. نجل سليمان عيد: كل خير ‏بفضل سيرة والدي الحسنة
  • "شريان العطاء "حملة إعلامية لتغيير ثقافة التبرع بالدم من "طلاب جامعة عين شمس"
  • هند عصام تكتب: الملك بيبي الأول
  • منال الشرقاوي تكتب: مسلسل «Adolescence» دراما تحاكم المجتمع
  • نجاة عبد الرحمن تكتب: من طرف خفي 51
  • عزة هيكل: المرأة المصرية تمتلك قدرات استثنائية
  • بدل الزغاريد.. طلقات نارية تكتب نهاية دامية في حفل زفاف بسوهاج
  • أدبي الطائف يصدر (سيرة من رأى) للدكتور عثمان الصيني
  • د. رهام سلامة تكتب: الإمام الأكبر شيخ الأزهر قائد حكيم ومسيرة عطاء لا تتوقف